|
يسري عبدالله يكتب عن لعبة الجنرال والشيخ في رواية مزرعة الجنرالات
عبدالنبي فرج
الحوار المتمدن-العدد: 3801 - 2012 / 7 / 27 - 14:38
المحور:
الادب والفن
ربما بدا العنوان لافتاً في رواية «مزرعة الجنرالات» للروائي المصري عبد النبي فرج، ليس عبر التشكيل الجمالي المعتمد على علاقة الإضافة الحاضرة ما بين الدالين المشكلين له (مزرعة - الجنرالات) فحسب، ولكن - بالأساس - عبر الشحنة الانفعالية، والفكرية الكامنة داخله، والتي تجعلنا أمام إشارة ذكية إلى ثنائية الفرد/ السلطة، بخاصة أن الجنرالات متعددون، وليسوا شيئاً واحداً. فالخطيب الذي يتكلم في الجموع، مؤثراً فيهم، عبر حسن بيانه، وبلاغته اللفظية، والذي يثير عواطفهم وشجونهم، يبدو مثل جنرال يسوق رعيته إلى ما يريده، لاغياً لديهم حيز الفعل والتفكير. وهذا ما نراه في النص عبر «ماهر» الشخصية المركزية في الرواية، والذي يقرر الالتجاء إلى الدين، بعد أن جرب السلطة (قائد عسكري)، ولم يكن الأمر في حقيقته سوى انتقال من سلطة إلى سلطة أخرى، تدعم الأولى وتوازيها. تبدأ لعبة التخييل الروائي منذ المفتتح (إشارة)، بجملة سردية دالة وكاشفة: «أنا الراوي لهذه الأوراق التي ظللت أكتب فيها طوال حياتي المديدة لا أعرف لماذا كتبتها. هل هي تنبيه لغافل كما دلنا الأقدمون؟ أم هي رغبة في الحكي لاستعراض مهارة أم إن هذا الفعل «الكتابة» نداهة تختار من تختار، وتسحبه إلى فخها تستنزفه بالقوة لا بالاختيار» (ص 11). غير أن هذا لم يكن سوى حيلة تقنية، تصنع حالاً من الإيهام بالواقع، يبدو فيه الراوي خلقاً متخيلا ومتبنى من الكاتب (عبد النبي فرج)، خصوصاً أن راوي الأوراق هو محمد سليم، وفق المتن السردي. تتشكل الرواية من خمسة فصول سردية/ أبواب – وفق النص: العزل، المقاتل، غناء الجنرال، الخيالي، واحة السيد جوهر. و لكل منها هامش - عدا الفصلين الأخيرين - يعد جزءاً من بنيتها السردية، ومن ثم لا نصبح هنا أمام رواية تتبع في بنيتها الزمن الخطي المتتابع، أو تتكئ على حدث مركزي تتفرع عنه خطوط أخرى، ولكننا أمام جملة من المقاطع السردية التي تحاول أن تصنع تاريخاً موازياً للقهر، والسلطة، عبر تعريتهما، وكشفهما. فالجنرال المتلاعب بأعصاب المجموع، هو ذاته يحيا حالاً من العزلة، والاغتراب، ويبدو منفصلاً عن محيطه الاجتماعي الضيق (الزوجة، والابن). أما الابن (الضابط أشرف) فهو رجل سادي/ مشوه، يصلي صلاة الجماعة بعد أن يفرغ من حفلة تعذيب! «لقد تصور في البداية أن استخدام العنف يؤذي داخل الفرد، ولكن جاء الأمر عكس تصوره، فبعد ممارسته العنف في شكل هيستيري، انتابه نوع من الفرح الداخلي الذي أراده أن يكون مكتوماً لكي يستمتع أكثر، حتى أنه كان يعتبر أن هذه اللذة تفوق لذة الجنس، لذة الأكل. كان بالفعل يعيش أجمل أيامه وأكثرها تحرراً، بل يشعر بهذه الحرية يحسها ملموسة، فقد بدأ يزداد استمتاعاً بالأكل والجنس، وبدأ يلتفت إلى جمال القاهرة الجميل». (ص 132) ثمة حالة من الخصي تتم للمجتمع إذاً، لا تنتهي عند القتل المادي، وممارسة أبشع صنوف العذابات، ولكنها تبدأ، أو تمتد - بالأساس - إلى اغتيال الروح، وإيجاد فضاءات من البؤس، والعتامة، يلعب فيها ماهر (الشيخ/ الجنرال)، رجل الدين والقائد، والممثل السلطة بأطيافها المختلفة، دور البطولة، لا بصفته الشخصية المركزية فحسب، ولكن باعتباره ترميزاً على الهيمنة، والفساد، ونموذجاً للحيلة، والمداهنة، عبر حكاية سردية يختلط فيها الواقعي بالمتخيل، وتصبح فيها الفانتازيا حجر أساس تتكئ عليه بنية النص السردية. تضيف الهوامش انفتاحاً إلى النص الروائي هنا، وبما يمنح الرؤية السردية أبعاداً جديدة، سواء المقاطع التي تعمق المتن السردي الرئيسي كما حدث في الباب الثاني (مريم/ الناجي)، أو التي تقدم تنويعة جديدة للمتن مستعينة بالحكايات الفرعية مثل حكاية (زكي أبو عامر) في هوامش الباب الثالث «طفل مغمور بالضوء»، وقد جرى عارياً، وهو يصرخ بخيانة زوجته (زينب): «سرى هواء رقيق ناعم، حتى أفقت على صوت جاري الذي كنا نتندر عليه طول الوقت ونسميه العجل لأسباب كثيرة طبعاً من بينها الغفلة. يجري بالفانلة والسليب ماركة جيل صارخاً «مراتي السيدة زينب يا بلد وسخة». غير أن ثمة شروحاً نظرية مثلت حشواً لا طائل منه في نهاية الباب الأول، ما أوقع البنية السردية في الترهل: «حيث ترى الواقعية أن ذاتية الفنان يجب ألا تطغى على الموضوع، على عكس الرومانسية التي تعد العمل الفني وإحساس الفنان الذاتي وطريقته في نقل مشاعره إلى الآخرين» (ص 21). اتسعت مساحات التخييل في الفصلين الأخيربن (الخيالي/ واحة السيد جوهر). لذا، لم نر أي هامش يتلوهما، كما أصبحنا - وبالأساس - أمام بحث أصيل عن خصوصية جمالية عربية تستند إلى الفانتازيا، والسرد الأسطوري في آن. ويعد «الخيالي» من أشد الفصول السردية اكتنازاً بالمعنى، وحملاً لطاقات التخييل داخل الرواية، كما بدت «واحة السيد جوهر» المكان/ الأسطوري في الرواية مأوى تركن إليه روح أولئك البشر الممزقين، الباحثين عن الأمان النفسي، وهذا ما ينفتح عليه سؤال الرواية في نهايتها، فالوسيط الغادر، والمهندس الفاسد (كمال السيد)، ليسا بقادرين على أن يحملا أحلام المأزومين إلى أرض فضاء جديدة، لكنها الرغبة في الخلاص عند مجموع فقد القدرة على الالتحام بأنساقه الاجتماعية. يستخدم عبد النبي فرج تقنيات متعددة في نصه، تبدأ بالإيهام بالواقع في المفتتح، والتوظيف الدال على الحوار العامي في النص، وتوظيف تقنية المونولوغ الداخلي، والتحامه بلغات الشخوص: «أنا الصياد الذي لم تـطش له رصاصة، طاشت رصاصتي وقفت تحلق لتذكرني بفشلي...». فضلاً عن مشهدية الصورة السردية، والأهم ابتداع أفق وسيع من الفانتازيا، لنصبح أمام رواية تضع قدماً في الواقع، وأخرى في المتخيل، بينما في تلك المسافة الخاصة بينهما يكمن سرها، وجوهرها الخصيب. عن جريدة الحياة اللندنيه http://international.daralhayat.com/internationalarticle/385722
#عبدالنبي_فرج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عجوز
-
الاشارات
-
الكاميرا
-
حوار مع د عبدالمنعم تليمة
-
حوار مع الروائي المصري ادوار الخراط (2)
-
الحرِّيق
-
حوار مع الروائي المصري يوسف ابوريا
-
شجرة تين جافة
-
حوار مع الروائي المصري يوسف القعيد
-
حرائق
-
حوار مغ الروائي مصطفي ذكري
-
شذوذ
-
حوار مع الروائي المصري ادريس علي
-
الشاعرفتحي عبدالله روح إنسانية تفيض بالألم
-
حوار مع الروائية المصريه سلوي بكر
-
حوار مع الروائي المصري محمود الورداني
-
حال الثقافة المصرية .. جريمة وزير
-
: العاهرة الصغيرة
-
اتجاهات مهتزة
-
الكائن
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|