|
مسلسل جريمة الختان (31) : حديث خاتنة الجواري
سامي الذيب
(Sami Aldeeb)
الحوار المتمدن-العدد: 3801 - 2012 / 7 / 27 - 08:31
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
يعتمد مؤيدو ختان الاناث على حديث يتكلم عن لقاء النبي محمد مع امرأة كانت تختن الجواري. ولهذا الحديث روايتان. الرواية الأولى مشهورة بإسم أم عطيّة (أو أم أيمن أو أم طيّبة). والرواية الثانية مشهورة بإسم أم حبيبة أو أم حبيب. ونحن نجمع هنا هذه الروايات كما جاءت في كتب أهل السُنّة وأهل الشيعة.
الرواية الأولى المشهورة برواية أم عطيّة ------------------------ جاء في سُنَن ابو داوود (توفّى عام 889): «إن إمرأة كانت تختن بالمدينة. فقال لها النبي: «لا تُنهِكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل» وقد جاء في رواية أخرى «أشمّي ولا تُنهِكي». وقد إنفرد بذكر هذا الحديث من كتب السُنّة الستّة أبو داوود نقلاً عن محمّد إبن حسّان. كما أن مسند إبن حنبل لا يذكره. وقد علّق أبو داوود عليه قائلاً: «ليس بالقوي، وقد روي مرسلاً. ومحمّد بن حسّان مجهول، وهذا الحديث ضعيف».
وقد أضاف إبن الأثير (توفّى عام 1210) على رواية أبو داوود رواية ذكرها رزين: «أشمّي ولا تُنهِكي، فإنه أنور للوجه وأحظى للرجل».
ويذكر إبن أبي الدنيا حديثين عن أم عطيّة. الأوّل عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله لأم عطيّة «إذا خفضت فأشمّي ولا تُنهِكي فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج». والثاني عن عطيّة القرظي قال: «كانت بالمدينة خافضة يقال لها أم عطيّة فقال لها رسول الله (ص) أشمّي ولا تحفي فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج». وقد علّق ناشر كتاب إبن أبي الدنيا على الحديث الأوّل بأن في إسناده زائدة بن أبي الرقاد وهو منكر الحديث. وله متابعات وشواهد كلّها ضعيفة وقال أبو داوود: حديث ختان المرأة روي من أوجه كثيرة وكلّها ضعيفة معلولة مخدوشة ولا يصح الإحتجاج بها. وعلّق على الحديث الثاني قائلاً إن هذا الحديث ضعيف أيضاً.
ونص الحديث الأوّل لابن أبي الدنيا عن أنس إبن مالك يستبدل «أم عطيّة» بـ«أم أيمن» حسب رواية أخرى. وقد جاء ذكر إسم «أم طيّبة» في رواية شيعيّة عن الصادق تقول: «كانت إمرأة يقال لها أم طيّبة تخفض الجواري فدعاها رسول الله (ص) فقال لها: يا أم طيّبة إذا أنت خفضت إمرأة فأشمّي ولا تجحفي فإنه أصفى للّون وأحظى عند البعل».
يتردد حديث أم عطيّة كثيراً في كتابات الفقهاء القدامى والمعاصرين. وهم يفسّرونه بأن النبي أقر ختان الإناث في حدود عدم الإنهاك. فلو رأى فيه مضرّة لمنعه تماماً ولما نعته في حديث آخر بأنه مَكرُمَة. ويرد عليهم الرافضون بأنه، إن صحّت نسبته للنبي، لا يمكن الإستنتاج منه أنه يبيح ختان الإناث. بل إنهم يرون فيه وسيلة لمنع ختان الإناث.
تقول نوال السعداوي: «حينما ظهر النبي محمّد وجد أن هذه العادة موجودة عند العرب وأدرك بذكائه الفطري ضرر هذه العادة على صحّة النساء بسبب سلبها لجزء من قدرة المرأة على الشعور باللذّة الجنسيّة. وجاء في الحديث أن النبي محمّد قال لأم عطيّة الخاتنة: «إذا خفضت فأشمّي ولا تُنهِكي. فإنه أضوأ للوجه وأحظى لها عند الزوج».
وفي تقديم كتاب نشره المكتب الإقليمي لشرق المتوسّط لمنظّمة الصحّة العالميّة، يقول مدير هذا المكتب الدكتور حسين عبد الرزّاق الجزائري عن رواية أم عطيّة الذي ينعتها بالضعيفة بأنها «لا تأمر بختان الأنثى على الإطلاق، بل كل ما فيها توجيه لمن تقترف هذا العمل أن تتجنّب أي إنتهاك لحرمة أعضاء المرأة التناسليّة، وأن يكون ما تقتطعه من غلفة البظر شيئاً لا يحس به ولا يشعر، عبّر عنه بكلمة «الإشمام». والشم كما نعلم إحساس سطحي جدّاً وعابر جدّاً لا يكاد يدرى به. فغاية ما في هذه الأحاديث - لو صحّت - أنها تهذيب لتلك العادة الجاهليّة، وهي رواية غير صحيحة على كل حال، وأحكام الشريعة لا تؤخذ إلاّ ممّا صح من النصوص».
ويقول العوّا: «حديث أم عطيّة [...] بكل طرقه لا خير فيه ولا حجّة تستفاد منه. ولو فرضنا صحّته جدلاً، فإن التوجيه الوارد فيه لا يتضمّن أمراً بختان البنات، وإنّما يتضمّن تحديد كيفيّة هذا الختان إن وقع، وأنها (إشمام) وصفه العلماء بأنه كإشمام الطيب، يعني أخذ جزء يسير لا يكاد يحس من الجزء الظاهر من موضع الختان وهو الجلدة التي تسمّى «الغلفة»، [...]. ولا يمكن أن تتم - لو صح جوازها - على أيدي الأطبّاء العاديين فضلاً عن غير المتخصّصين في الجراحة من أمثال القابلات والدايات وحلاّقي الصحّة... الخ، كما هو الواقع في بلادنا وغيرها من البلاد التي تجرى فيها هذه العمليّة الشنيعة للفتيات».
ويقول أنور أحمد: «من يتدبر هذا الحديث المنسوب إلى النبي يمكن أن يتصوّر أن النبي لم يرد أن يصادر عرفاً جرت عليه العرب، وعادة تأصّلت في نفوسهم، فأراد أن يخفّف من غلوائها ويحد من أضرارها، فجرى حديثه للخاتنة بهذا التوجيه الكريم الرحيم».
ويقول الدكتور محمّد رمضان: «وحتّى إذا صحّت رواية أم عطيّة [...] رغم أنها ضعيفة، فإنها لا تفيد الوجوب أو السُنّة بل إلى تهذيب هذه العادة. فهي تتعلّق بالنهي عن الإستئصال وليس بالأمر بقطع الأجزاء. وباقي الحديث يدل على أهمّية هذه الأجزاء للمرأة والرجل. فحسب الحديث ترك هذه الأجزاء مع إشمام خفيف هو أنضر لوجه المرأة وأحظى للزوج. والنهك في هذه الأجزاء يذهب هذه الفائدة. وقد تلاشت هذه العادة بعد ذلك، حتّى إختفت حاليّاً هناك ولم تعد تمارس». ويرد الألباني على من ضعّف حديث أم عطيّة بأن هناك حديث آخر عن إبن عمر يشبه حديث خاتنة الجواري: «دخل على النبي (ص) نسوة من الأنصار فقال: «يا نساء الأنصار أخضبن غمساً واخفضن، ولا تُنهِكن، فإنه أحظى عند أزواجكن. وإيّاكن وكفر المنعمين». والشوكاني يذكر هذا الحديث كما يلي: «يا نساء الأنصار: إختضبن غمساً واختفضن ولا تُنهِكن وإيّاكن وكفران النعم». وعبارة «كفر المنعمين» أو «كفران النعم» تعني إنكار فضل الأزواج.
الرواية الثانية المشهورة برواية أم حبيبة ----------------------- سبق ورأينا كيف أن حديث أم عطيّة فسّر بطريقتين متناقضتين لعدم وضوحه. ولكن هناك حديث آخر أكثر وضوحاً أخذ مؤيّدو ختان الإناث المعاصرون ترديده في مصر يطلق عليه رواية أم حبيبة.
أوّل ذكر لهذه الرواية وجدناه في مقال لحامد الغوّابي الذي نشرته مجلّة لواء الإسلام ولكنّه لم يذكر مصدرها. ثم كرّرها جاد الحق، شيخ الأزهر سويّة مع رواية أم عطيّة في فتواه الأولى عام 1981 دون ذكر مصادرهما. وكذلك فعل في فتواه الثانية عام 1994 مع ذكر مصادر عدّة ولكن دون تحديد أي من تلك المصادر تخص رواية أم حبيبة. ونص هذه الرواية في فتوى جاد الحق هو كما يلي:
«إنه عندما هاجر النساء كان فيهن أم حبيبة، وقد عرفت بختان الجواري، فلمّا رآها رسول الله (ص) قال لها: يا أم حبيبة هل الذي كان في يدك. هو في يدك اليوم؟ فقالت نعم يا رسول الله. إلاّ أن يكون حراماً فتنهاني عنه. فقال رسول الله (ص): بل هو حلال، فأدنِ منّي حتّى أعلّمك. فدنت منه. فقال: يا أم حبيبة، إذا أنت فعلت فلا تُنهِكي، فإنه أشرق للوجه وأحظى للزوج».
ويرد محمّد سليم العوّا على من يستعمل رواية أم حبيبة: «هذا الحديث لا يوجد في كتب السُنّة وليس هناك ذكر فيها لامرأة بهذا الإسم كانت تقوم بهذا العمل. فكلامهم هذا لا حجّة فيه، بل لا أصل له». وفي مقال آخر يقول إن هذه الرواية مُختلقة وأن «أم حبيبة [...] شخصيّة لا وجود لها في كتب تراجم الصحابة ولا في كتب الحديث التي ذكرت هذا الموضوع أصلاً».
ومهما يكن من أمر المصادر التي إعتمد عليها جاد الحق وغيره، فإننا نجد رواية أم حبيبة في المصادر الشيعيّة. ولعّل هذا هو السبب الذي من أجله جهل أو تجاهل سليم العوّا وجودها. وهذه هي الرواية كما وجدناها:
عن الصادق قال: «لمّا هاجرن النساء إلى رسول الله (ص) هاجرت فيهن إمرأة يقال لها أم حبيب، وكانت خفّاضة تخفض الجواري. فلمّا رآها رسول الله (ص) قال لها: يا أم حبيب العمل الذي كان في يدك هو في يدك اليوم؟ قالت نعم يا رسول الله إلاّ أن يكون حراماً فتنهاني عنه. قال: لا، بل هو حلال فادني منّي حتّى أعلّمك. قالت فدنوت منه فقال: يا أم حبيب إذا أنت فعلت فلا تُنهِكي - أي لا تستأصلي - وأشمّي، فإنه أشرق للوجه وأحظى عند الزوج».
وفي مكارم الأخلاق للطبرسي نفس الرواية عن الصادق نقلاً من تهذيب الأحكام ولكن مع ذكر أم حبيبة بدلاً من أم حبيب. وهذه هي الرواية: «لمّا هاجرت النساء إلى رسول الله هاجرت فيهن إمرأة يقال لها أم حبيبة، وكانت خافضة تخفض الجواري. فلمّا رآها رسول الله (ص) قال لها: يا أم حبيبة العمل الذي كان في يدك هو في يدك اليوم؟ قالت: نعم يا رسول الله إلاّ أن يكون حراماً فتنهاني عنه. قال: لا، بل هو حلال فادني منّي حتّى أعلّمك. فدنت منه فقال: يا أم حبيبة إذا أنت فعلت فلا تُنهِكي أي لا تستأصلي وأشمّي، فإنه أشرق للوجه وأحظى عند الزوج. قال: فكانت لأم حبيبة أخت يقال لها أم عطيّة، وكانت مقيّنة يعني ماشطة. فلمّا إنصرفت أم حبيبة إلى أختها أخبرتها بما قال لها رسول الله (ص)، فأقبلت أم عطيّة إلى النبي (ص) فأخبرته بما قالت لها أختها. فقال لها: ادني منّي يا أم عطيّة إذا أنت قيّنت الجارية فلا تغسلي وجهها بالخرقة فإن الخرقة تذهب بماء الوجه». وقد أعاد علينا كتاب «الطفل نشوؤه وتربيته» صادر في طهران هذه الرواية نقلاً عن الطبرسي (توفّى عام 1153).
اختلاف شاسع بين الروايتين ---------------- كل من رواية أم عطيّة ورواية أم حبيبة تذكر قول النبي على عدم الإجحاف في القطع. إلاّ أنه هناك إختلاف شاسع بين الروايتين. فرواية أم عطيّة تكتفي بذكر عدم الإجحاف. بينما رواية أم حبيبة تضيف سؤالاً وجّهته الخاتنة إلى النبي عمّا إذا كان ما تقوم به حرام ينهاها عنه. فأجاب النبي: «لا بل حلال». يقول الغوّابي تأييداً لختان الإناث: «إن الرسول (ص) لم ينطق عن الهوى. ولو كان لم يقر أم حبيبة على عملها أو إستنكر هذا العمل، فلماذا لا ينهاها ويقول لها: لا تختني الجواري؟ وهي قد طلبت منه (ص) أن ينهاها عنه إن كان حراماً. حقاً لئن كان الرسول لا يريده لنهى عنه بدلاً من أن يعلّمها طريقة الختان الصحيح ويقول لها: لا تُنهِكي [...]. ولو كان الرسول (ص) يرى في الختان ضرراً وهو الذي يتلقّى الوحي من ربّه، وعلّمه من لدنه علما، لنهى عنه نهياً صريحاً».
---------------------- سوف استمر في مقالي القادم في عرضي للختان عند المسلمين يمكنكم تحميل كتابي ختان الذكور والإناث عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=131&action=arabic وطبعتي للقرآن بالتسلسل التاريخي مع المصادر اليهودية والمسيحية http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=315&action=arabic
#سامي_الذيب (هاشتاغ)
Sami_Aldeeb#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسلسل جريمة الختان (30) : الختان وسنن الفطرة
-
دعوة لزيارة مدونتي وموقعي
-
مسلسل جريمة الختان (29) : الختان في السنة
-
مسلسل جريمة الختان (28) : ختان الذكور والاناث مخالف للقرآن
-
مسلسل جريمة الختان (27) : المسلمون يتحججون بأن الختان صبغة ا
...
-
مسلسل جريمة الختان (26) : المسلمون يتحججون بختان ابراهيم
-
مسلسل جريمة الختان (25) : الختان في القرآن
-
صوم وصلِّي رزقك يُوَلِّي
-
مسلسل جريمة الختان (24) : الخصيان في ترانيم الكنيسة
-
مسلسل جريمة الختان (23) : الكنيسة بين الختان والخصيان
-
مسلسل جريمة الختان (22) : تكريم ختان المسيح وغلفته
-
مسلسل جريمة الختان (21) : موقف المسيحيين الامريكيين المعارضي
...
-
مسلسل جريمة الختان (20) : موقف المسيحيين الامريكيين المؤيدين
-
هوس الاعجاز الحسابي والعلمي والغيبي عند المسلمين
-
مسلسل جريمة الختان (19) : ختان الاناث عند مسيحي مصر
-
نبوءة القديس شربل: انتهاء الاسلام عام 2047
-
مسلسل جريمة الختان (18) : ختان الذكور عند مسيحي مصر
-
لماذا يا سامي تكره محمد والاسلام؟
-
علموا فكر احمد القبانجي
-
مسلسل جريمة الختان (17) : رأي مارتن لوثر
المزيد.....
-
هل يمكن أن يعتقل فعلا؟ غالانت يزور واشنطن بعد إصدار -الجنائي
...
-
هيت .. إحدى أقدم المدن المأهولة في العالم
-
ما هي حركة -حباد- التي قتل مبعوثها في الإمارات؟
-
محمد صلاح -محبط- بسبب عدم تلقي عرض من ليفربول ويعلن أن -الرح
...
-
إيران تنفي مسؤوليتها عن مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات
-
سيدة من بين 10 نساء تتعرض للعنف في بلجيكا
-
الدوري الإنكليزي: ثنائية محمد صلاح تبعد ليفربول في الصدارة
-
تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية وقتال عنيف
...
-
هل باتت الحكومة الفرنسية على وشك السقوط؟
-
نتنياهو يوافق مبدئيا على وقف إطلاق النار مع لبنان.. هل تصعيد
...
المزيد.....
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج
/ توفيق أبو شومر
-
كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
كأس من عصير الأيام الجزء الثاني
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية
/ سعيد العليمى
-
الشجرة الارجوانيّة
/ بتول الفارس
المزيد.....
|