أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهدي الداوودي - قصة قصيرة قطرات الماء














المزيد.....

قصة قصيرة قطرات الماء


زهدي الداوودي

الحوار المتمدن-العدد: 3800 - 2012 / 7 / 26 - 23:58
المحور: الادب والفن
    


في الخارج تتسابق قطرات الماء على زجاج النافذة وتلاحق بعضها بعضاً بسرعة، مائلة باتجاه معاكس للريح، آتية من مكان مجهول ومتلاشية في فضاء لا نهاية له. القطرات تبدو وحيدة غريبة في جوف ليل بلا قرار. الأضواء الباهتة المنبعثة من نهايات الأعمدة تبدو من خلال الضباب الخفيف مثل نجوم بعيدة. وهي رغم ضآلتها أمام عمق الظلام، تعطي لقطرات الماء المتسابقة لمعاناً بلورياً يبعث ضوءً شفافاً، يسدل على النافذة ستاراً حليبياً يحجب الظلام ويعطي الكرات البلورية شفافية وحيوية أكثر.
كان بعض القطرات سريعاً جداً بشكل ملعون، أسرع من لمح البصر. وأما البعض الآخر فكان بطيئاً، يتدحرج بخفة وبطء ثم ما يلبث أن يقف في زاوية النافذة لجزء من اللحظة كما لو أنه يريد أن يرتاح في المحطة الأخيرة من وجوده. وهناك يتلاشى إلى حيث اللانهاية، لتحل محله بلورات أخرى. بلورات تأتي من ينبوع لا ينضب. مد سبابته محاولا اللحاق بالقطرات وتفحص معالمها أكثر فأكثر، دون أن يتمكن من مس الماء الواقع على الجانب الثاني من الزجاج.
كل بلورة من هذه البلورات له عالمه الخاص وتكوينه وعمره، بدايته ونهايته. إنه يتكون مرة واحدة. وحين يتلاشى فإلى الأبد. ولن ترجع نفس البلورة أبداً. تنهد بعمق فشكل الزفير المنفوخ باتجاه زجاج النافذة طبقة كثيفة من بخار الماء.
المقصورة ما زالت فارغة ومعتمة. رسم بسبابته خطوطاً متوازية على طبقة بخار الماء. نظر إلى ساعته. القطار سيتحرك بعد أربعين دقيقة. وكان قد مرت عشرون دقيقة على بدء يوم جديد. من خلال الخطوط المتوازية كانت تتراءى البلورات بشكل أوضح من قبل وهي تتسابق لتطرد بعضها بعضاً في حلقة لا نهاية لها. ها هي الأيام تتسابق هي الأخرى أيضا. وإلى أين يسافر هو؟ هل هو أيضاً في حلبة سباق مثل هذه القطرات؟ أو مثل هذا اليوم الجديد الذي راح يتسلل بهدوء تحت جنح الليل ليطرد اليوم القديم إلى الأبد؟
بعد ساعات قليلة سيجتاز الحدود. قد يبقى أياماً في تلك المحطة. ومن هناك سينتقل إلى محطة أخرى. وستظل الريح تقذف به من أرض إلى أخرى. وستظل القطرات في حركة أبدية، ولكن يا ترى في أي موطن تستقر؟ وفي أي موطن يستقر هو؟
مع المطر والليل والريح يتكاثف الشعور بالغربة وتضطرب الروح. ويعود خوف الأجداد الجاثم في الأعماق يشيع الرعب من المجهول. ويمر تيار الرعشة عبر الأعصاب المتوترة المنتشرة تحت الجلد. ويبحث القلب عن الدفء. الليل، كل شيء يحدث في غموض الليل، في سره اللانهائي. وحين تشق الحركة السكون، يتغير لون الليل، ويعود خوف الأجداد إلى مكمنه. ها هو لون الليل يكاد يتغير.
كانت القطرات لا زالت تتسابق. سمع وقع خطوات منتظمة، هادئة، مريحة، ناعسة. خطوات متأنية تكاد لا تمس الأرض. هدأت روحه المضطربة وراحت تحلق في الأعالي مثل قبرة هائمة ضلت طريقها في ظلام الليل. مر عبر أعصابه المتوترة، تيار آخر أشاع فيها الإطمئنان. إنها رائحة إنسان. إنه ليس وحده إذاً.
انزلق باب المقصورة جانباً ليتخذ كل شيء وضعه البشري. رغم ذلك لم يلتفت إلى مصدر الحركة. كانت قطرات الماء التي تشده أقوى من أي شيء آخر، بيد أنه بعد هنيهة أحس بالحاجة لإستطلاع القادم الجديد: فتاة نحيفة، متناسقة الجسم، تقف في منتصف المقصورة، منهمكة بتعليق معطفها ووضع حقائبها على الرف، مديرة ظهرها له. وبعد أن نظرت في بطاقة صغيرة بيدها، اتخذت مكانها في الركن المقابل له. كانت العتمة والظل المتساقط من ستارة النافذة على القسم الأكبر من وجهها، يحولان دون رؤية ملامحها بوضوح. لقد تم كل شيء بهدوء وصمت وسرعة. كانت الفتاة تبدو في ركنها مثل شبح مكمل للغز الليل الغامض. بمرور الدقائق البطيئة توضحت ملامح الفتاة. كانت هي الأخرى تنظر في النافذة وتتابع بفضول حركة القطرات المتساقطة على الزجاج. كانت عيناها العميقتين النفاذتين، محاطتين بغلالتي حزن عميق. وبدا له لون وجهها شاحباً بتقاطيع عميقة تثير الحزن والندم على شيء مجهول. أدار هو الآخر وجهه إلى النافذة.
كانت القطرات تتسابق بقوة أكبر، ولكن هذه المرة إلى اتجاهها هي.



#زهدي_الداوودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أميرتي
- أخي الكردي
- جماعة كركوك: من أرشيف زهدي الداوودي
- الأب يوسف سعيد وداعاً
- من الذي قتل حليم دونر؟
- رهان
- نقاط الانفتاح
- اليسار واليمين
- مواهب مخفية في -عودة الشمس-
- نشوء الوعي القومي وتطوره عند الكورد
- ما زلنا عجولاً
- فقهاء المسجد والملا
- دولتى عليئه ى عثمانية
- الأواني المستطرقة
- الحاج طرشي و الفأرة
- قسم
- معطف الشقيق الأكبر
- إلى روح الشهيد جالاك سعيد مجيد
- رجاء، أوجدوا هذا المخطوف
- ذكريات مع مظفر النواب


المزيد.....




- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهدي الداوودي - قصة قصيرة قطرات الماء