أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جوزفين كوركيس البوتاني - اللقاء الأخير














المزيد.....

اللقاء الأخير


جوزفين كوركيس البوتاني

الحوار المتمدن-العدد: 3800 - 2012 / 7 / 26 - 08:21
المحور: الادب والفن
    


دخلت إلى غرفتها العتيقة والآيلة للسقوط، ووقفت أمام مرآتها لتجد بأنه رغم الشروخ التي أحدثها الزمن للمرآة، فهي لازالت ترى نفسها بوضوح. فتحت مشبك شعرها الأسود الطويل، وتأملت نفسها- نظرت في عيناها اللوزيتان كما وزادت من تفحص جسدها الممشوق اللدن، وثم وقعت نظرتها إلى قلادة فضية حول عنقها، وكانت عبارة عن مرساة صغيرة ألبسها لها يوم كان مغرمًا بها. تذكرت كيف ألبسها القلادة وهو يردد هامسًا في أذنيها: "آه كم أنت جميلة..." كان كعادته يحدثها عبر نظرات الوله كاشفًا عن مكنونات حبه لها. كان حبه يدوخها ويلتهمها وبلحظة يشعل كل براكينها الخفية والخامدة. تنهدت وهي تعيد الكلمات التي تلاها عليها يوم أهداها القلادة قائلاً: "أهديك هذه المرساة لأنك مثلها تغوصين في أعماقي، وتذكري هذا دائمًا وأبدًا. أنت مرساتي..."
تركت مرآتها وتمددت فوق فراشها البالي وهي تستعيد آخر نظراته إليها. كانت تحاول عبثًا بتغذية قلبها المنكسر لتهدأ من روعة غضبها الذي لم يهدأ يومًا. يومها لم تكن تعلم ماذا تعني الفروقات الإجتماعية ولم تكن تفهم معنى المصطلحات التي كان يتداولها الناس عن العملة والمستوى العلمي والمادي والتكافؤ من عدمه واللائق والغير اللائق. كل ما كانت تعرفه أنذاك هو اليقين التام بحبها له بكل ما لديها من القوة والصدق. ومضت الأيام...كما تمضي الطيور المهاجرة أسرابًا أسرابا... كل سنين عمرها مضت أمام عيناها دون أن تشعر بأنها عاشتها حقًا. هاهي اليوم على أعتاب النهاية لحياة مملة ورتيبة. لقد كبرت وهرمت وفقدت جمالها بمعنى ما... لم تعد ودودة- لقد فقدت القدرة على الحب منذ خذلها...
**
واليوم، بعد كل تلك السنين، هاهي تدخل إلى غرفة حفيدتها بحجة التعب، بعد ان أعتذرت من عائلتها الكبيرة وانسحبت من بينهم بلطف. وهاهي اليوم تقف أمام المرآة من جديد –مرآة حفيدتها هذه المرة- وتأملت نفسها للمرة الأخيرة. نزعت عويناتها وشعرها المستعار وطاقم أسنانها، ثم أسندت عكازتها على الدولاب ونزعت عنها ثوبها المخملي الأسود ووقفت تتأمل نفسها في المرآة الجديدة التي خلت من أي شروخ كالتي في مرآتها، ولكن لتجد شروخ كثيرة تغطي جسدها هذه المرة، ومع ذلك كانت قلادة المرساة لاتزال معلقة في رقبتها المتهدلة...لا أحد يعرف سر اعتزازها بتلك القلادة. وانهمرت الدموع على خديها- دموع كانت تنهمر لسنين طويلة داخلها- وابتسمت بمرارة وهي تحدث نفسها التعبة عن تفاصيل اللقاء به بعد كل تلك السنين. عيناه كانتا تخبرانها بأنها لازالت جميلة كما عهدها في السابق...
تركت المرآة وتمددت فوق سرير حفيدتها الواسع الوثير وهي تحاول شد حبل ذاكرتها التي اصبحت تخونها كثيرًا هذه الأيام... وغفت هي تحاول استعادة آخر نظراته لها، ولم تستيقظ بعدها أبدًا...
**
ودخل هو غرفته وأغلق الباب خلفه بأحكام. أراد ان يختلي بنفسه كي يمعن في بعض الذكريات التي لم يفلح الزمن بمحوها من ذاكرته، وتمنى أن يحضنها بشدة ولو في الحلم...ثم تذكر بحسرة كيف تخلى عنها يومها متعمدًا بحجة إنها لم تكن تلاءم مركزه المرموق، وكيف من يومها لم يكف عن التفكير بها قط. لم يستطع أن يطيل من وقوفه، فجلس على سريره الواسع وهو يئن من آلام المفاصل وداء النقرس الذي بات يرافقه منذ زمن. تعجب من نفسه وكيف أن شعوره تجاهها لم يتغير بعد كل تلك السنين... وكيف شعر وكأنه يراها للمرة الأولى- بل وكأنه لم يفارقها البتة...وغفى وهو يحلم بها...
وفي اليوم التالي دخل إلى مكتبه الفخم ووجد صحيفة يومية على طاولته وأخذ يتصفحها بملل، وعندما فتح صفحة الوفيات قرأ خبرًا قصيرًا شبه مخفي في زوايا الصحيفة عن نعيها وبدأ يبكي بصوت عال ودون مراعاة للذين حوله من موظفين وزملاء. بدأ يلعنها مرددًا: "كان يجب أن لاتموتي قبلي! لما لم تتريثي ولو ليوم آخر؟ كنا على الأقل سنستغل ماتبقى لنا من الوقت يا مرساتي!"
وخسرها للأبد، تلك التي طعنها يومًا بحجة غير مقنعة، هاهي اليوم تطعنه بحجة دامغة! أستند على كرسيه وشعر بألم في جهته اليسرى...
وامتلأت الصحف بخبر نعيه في اليوم التالي بخبر مفاده بأن السيد المهم والكبير قد توفي أثر نوبة قلبية...ذلك الكبير الذي لم يعش يومًا من أجل ذاته...
كركوك- 2009



#جوزفين_كوركيس_البوتاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرة ود عابرة


المزيد.....




- رجع أيام زمان.. استقبل قناة روتانا سينما 2024 وعيش فن زمان ا ...
- الرواية الصهيونية وتداعيات كذب الإحتلال باغتيال-محمد الضيف- ...
- الجزائر.. تحرك سريع بعد ضجة كبرى على واقعة نشر عمل روائي -إب ...
- كيف تناول الشعراء أحداث الهجرة النبوية في قصائدهم؟
- افتتاح التدريب العملي لطلاب الجامعات الروسية الدارسين باللغة ...
- “فنان” في ألمانيا عمره عامين فقط.. يبيع لوحاته بأكثر من 7500 ...
- -جرأة وفجور- .. فنانة مصرية تهدد بمقاضاة صفحة موثقة على -إكس ...
- RT العربية توقع مذكرة تعاون في مجال التفاعل الإعلامي مع جمهو ...
- عاجل | معاريف عن وزير الثقافة الإسرائيلي: نأمل التوصل إلى صف ...
- نزلها سريعًا!!.. واتساب يُطلق ميزة الترجمة الحية في الدردشة ...


المزيد.....

- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جوزفين كوركيس البوتاني - اللقاء الأخير