وصفي أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 3798 - 2012 / 7 / 24 - 20:29
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
يرى بعض مثقفي هذه الأيام أن ما جرى في صبيحة الرابع عشر من تموز 1958 كان عبارة عن انقلاب دموي قام به مجموعة من الضباط الطامعين بالسلطة بعد أن أطاحوا بنظام حكم شرعي تشكل عبر صنادبق الاقتراع .
في حين ترى الغالبية العظمى من العراقيات و العراقيين سواء من عاصر الحدث أو من سمع أو قرأ عنه خصوصا الكادحين منهم في الحدث على أنه ثورة بكل معنى الكلمة لما قامت به من منجزات على مختلف الصعد الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية ساهمت بتغيير الواقع العراقي الذي كان سائدا قبل الرابع عشر من تموز 1958 . ولتصليط مزيد من الضوء على هذا الرأي لابد من دراسة الأوضاع السائدة في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عشرينيات القرن الماضي و حتى قيام الثورة أولا – الوضع السياسي :
أنشأت الدولة العراقية الحديثة , كسائر الدول في المنطقة , في أعقاب اقتسام الدول الاستعمارية الكبرى لممتلكات الدولة العثمانية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى و التي كان العراق جزءا من ممتلكاتها .
حاول الانجليز في البداية حكم العراق بشكل مباشر لكنهم عدلوا عن ذلك بسبب المقاومة الشديدة التي أبداها العراقيون حيث قرروا حكمه بشكل غير مباشر لذلك عينوا فيصل الأول ملكا على العراق .
قام النظام الملكي على ركائز ثلاثة هي السيطرة البريطانية و البرجزازية الكبيرة و الاقطاع . و أصبح لهذه القوى الثلاثة بمرور الأيام مصالح مشتركة يحميها النظام القائم و يتبين ذلك من خلال الوقائع الأتية :
1- القانون الأساسي ( الدستور ) الذي وضع في وزارة المستعمرات البريطانية و شرع من قبل المجلس التأسيسي ( البرلمان ) دون أي تغيير يذكر في أي مادة من مواده , وقد روعي فيه المحافظة على المصالح البريطانية كما يحقق في نفس الوقت مصالح الطبقات الحاكمة
2-القانون الأساسي و إن كان قد نص على بعض المضاهر الديمقراطية , غير أن هذه المضاهر لم تطبق , فالانتخابات غالبا ما كانت تزييف إذ كانت تنظم القوائم من قبل رئيس الوزراء و وزير داخليته و الوصي ثم ترسل إلى الألوية كي يتم اختيار أصحابها , و قد جاء تأكيد ذلك على لسان نوري السعيد رئيس وزراء العراق في سنة 1944 عندما جوبه بمعارضة مصطنعة داخل مجلس النواب بتحريك من الوصي عبد الاله حيث قال موجها كلامه إلى المعارضين :
(( هل في الامكان – أناشدكم الله _ أن يخرج أحدا نائبا مهما كانت منزلته ......... ما لم تأت الحكومة و ترشحه ......... )) .
3 – أما التكوين الاجتماعي لمجلس النواب فمنذ تأسيسه سنة 1925 حتى 14 تموز 1958 فلم يدخله أي نائب من طبقتي العمال و الفلاحين رغم أنهما يشكلان أغلبية المجتمع .
4- ظاهرة عدم الاستقرار السياسي الذي نلاحظه من خلال التبدل السريع للحكومات و عدم استكمال المجالس النيابية لدوراتها – باستثناء واحد – مع سهولة إعلان الأحكام العرفية .
و منذ سنة 1941 بدأت الحكومات المتعاقبة تعنى بجهاز الشرطة و غيره من الأجهزة القمعية . و قد بلغ القمع الذي كان يمارسه النظام ذروته بعد عودة نوري السعيد إلى الوزارة في 3 آب 1954 , ففي 22 من هذا الشهر صدر مرسوم إسقاط الجنسية العراقية عن العراقي المتهم بالشيوعية , و هي تهمة كانت جاهزة ممكن أن تستخدم ضد أي معارض للنظام مهما كان توجهه .
وفي معمعة إصدار المراسيم المقيدة للحريات هذه , أجرى نوري السعيد إنتخابات كانت قمة في التزييف . فلقد كان المرشحون غير الحكوميين يعتقلون و الشرطة تمنع كل المشتبه بهم من الإدلاء بأصواتهم لذلك فقد فاز ( 115 ) نائبا من مجموع ( 145 ) نائبا بالتزكية.
ثانيا – الأوضاع الإقتصادية :
تميز الوضع الإقتصادي في تلك الأيام بتركز الملكية بيد حفنة من الإقطاعيين مع دعمهم بكل الوسائل من مال و سلاح حتى يكونوا حماق للنظام .
كما تميز النظام الاقتصادي يومها بالتسييب و انعدام التخطيط و اطلاق حرية الإستغلال الخارجي و الداخلي مع تبعية كاملة للإقتصاد الرأسمالي بالاضافة إلى الإهمال المتعمد للقطاع الصناعي بحجة أن العراق بلد زراعي .
ثالثا – الأوضاع الإجتماعية :
إن نسبة الوفيات إلى الولادات خصوصا بين الأطفال حديثي الولادة تبين إلى حد كبير مشكلة السكان في العراق , و يمكن إرجاع أسباب كثرة الوفيات إلى إنتشار الأمراض المتوطنة و الوافدة مع انتشار الجهل و الأمية مع انخفاض مستوى المعيشة الذي يمنع المواطن من تناول ما يحتاجه جسمه من السعرات الحرارية و عدم تمكنه من السكن في ضروف صحية هذا بالاضافة إلى قلة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين لقلة المستشفيات و الكوادر الطبية و الصحية .
التركيب الطبقي للمجتمع العراقي :
يتكون المجتمع العراقي من الطبقات الأتية :
1 – الإقطاع .
تكون الإقطاع في ظل الاحتلال التركي الثالث للبلاد ( 1831 – 1914 ) ففي سنة 1869 عندما عين مدحت باشا واليا على العراق بدأ بتطبيق نظام الطابو , و هو من حيث الشكل ملكية خاصة لأفراد الطبقة الإقطاعية . و قد بلغت ما نسبته 40% من الأراضي الصالحة للزراعة مفوضة بهذا النظام . كما أن 30% منحت باللزمة و حتى الأراضي الأميرية ( كمقاطعات العمارة الغنية ) أصبحت تحت تصرف الإقطاعيين .
و بهذا فإن 85% من سكان الريف لا يملكون شبرا واحدا من الأرض في حين أن أقل من 1% ( بالنسبة لسكنة الريف ) كان يملك 75% من الأراضي الزراعية .
2 – البرجوازية :
يمكن تصنيفها إلى فئتين :
أ – البرجوازية الكبيرة :.
وهي البرحوازية الصناعية و النجارية التي نشأت في ظل العلاقات الاستعمارية و ارتبطت بها , وقد أظهرت عجزا كبيرا في تنمية الاقتصاد .
ب – البلرجوازية الصغيرة :
تعرضت هذه الطبقة على الصعيد المهني إلى شرؤر العلاقات الاستعمارية و استغلال الرأسمالية الاحتكارية , لذلك فقد لعبت دورا رياديا في فترة الكفاح ضد الاستعمار .
3 – الطبقات الكادحة :
تكون الغالبية الساحقة من الشعب العراقي و تشمل الفئات الأتية :
أ الفلاحون :
تمثل ما نسبته 75% من السكان وهي تعكس واقع التخلف و الجهل و الاستغلال الطبقي من الاقطاع .
ب – العمال :
على الرغم من حداثة نشؤ الطبقة العاملة , إذ هي في الأساس من أصول فلاحية تكونت من هجرة الفلاحين إلى المدن .
ظل دورها محدودا لزمن طويل بسبب الجهل و التأخر الفكري و الثقافي لعدم إفساح المجال أمامها لممارسة العمل النقابي و السياسي . و على الرغم من ذلك فقد خاضت العديد من المعارك على المستوين الطبقي و الوطني عن طريق الاضرابات و الاعتصامات التي قامت بها .
ج – الجنود و ضباط الصف :
الغالبية العظمى منهم تتحدر من أصول فلاحية لذلك فهي كانت قد عانت ظلم مزدوج . و كان للأحزاب الوطنية , خصوصا الحزب الشيوعي , دورا بارزا في تنظيمها و تغذيتها بالروح الوطنية .
المثقفون الثوريون :
كان لهذه القئة الدور الأكبر في التهيئة لإحداث التغيير لامتلاكها الزاد الفكري و الثقافي الذي أهلها للقيام بهذا الدور .
دور الأحزاب الوطنية في احداث التغيير:
يمكن القول أن التغيير في ميزان القوى العالمية بعد الحرب العالمية الثانية قد ساعد في زيادة قوة الأحزاب الوطنية , و في نفس الوقت كانت الحكزمة مجبرة على اجراء اصلاحات سياسية قبل و لو تسكينية . و عليه فقد أجازت وزارة الداخلية عدد من الأحزاب السياسية كالاستقلال وهو حزب قومي و الحزب الوطني الديمقراطي ذو التوجه الليبرالي و غيرهما في حين رفضت هذه الوزارة إجازة الحزب الشيوعي العراقي الذي اضطر إلى الاستمرار بالعمل السري في معارضته للسلطة و تمثل ذلك في المساهمة الفعالة في الاحتجاجات الجماهيرية أو قيادتها كما حصل في وثبة كانون التي أسقطت وزارة صالح جبر .
لقد كان للتقارب الذي حصل بين الاتحاد السوفيتي السابق و بعض الدول العربية الدور الفعال في التقارب الذي حصل بين الحزب الشيوعي و بقية الأحزاب خصوصا القومية منها و الذي أسفر عن ولادة جبهة الاتحاد الوطني سنة 1957 التي كان لها الدور المييز في تعبأة الجماهير و زجها في سوح النضال ضد النظام لكنها لم تصل إلى حد تهيئة الأوضاع للقيام بثورة شعبية لإسقاط النظام .
تنظيمات الضباط الأحرار :
بالنظر للعجز الذي ذكرناه حول فشل أحزاب المعارضة من القيام بثورة شعبية لأسقاط النظام الملكي لذلك قرر الضباط الشباب أخذ الأمر على عاتقهم للتخلص من النظام القائم عن طرق القيام بإنقلاب عسكري .وقد دفعهم إلأى ذلك التذمر الذي ساد في لصفوف العسكر لعدد من الأسباب أهمها :
1 – ينتمي معظم الضباط الشباب إلى الطبقات المسحوقة و الوسطى الدنيا , في حين تنتمي الغالبية العظمى من الجنود و ضباط الصف إلى الطبقة الفلاحية التي كانت تعاني ضروف غاية بالقسوة .
2- الهزيمة المنكرة التي حاقت بالجيوش العربية في حرب فلسطين 1948, ومنها الجيش العراقي .
3- التنكيل الشديد التي قامت به قوات الاحتلال البريطاني بالضباط الذين شاركوا بحركة مايس جعلت نار الحقد تعتمل في صدورهم .
لذلك أخذ العديد من الضباط تنظيم أنفسهم في تنظيمات سرية هدفها الإطاحة بالنظام . و بمرور الأيام تم توحيد هذه التنظيمات في ما عرف يومها بالجنة العليا للضباط الأحرار و التي أخذت على عاتقها تنفيذ الثورة .
منجزات الثورة :قامت الثورة بالعديد من المنجزات التي كان لها دور أساسي في تغيير الخارطة المجتمعية لذلك جلبت هذه المنجزات عليها عداوة الرجعية المحلية و الاقليمية ما دفعها للتحالف مع الدوائر الغربية في سبيل العمل سوية لإجهاض الثورة .
أهم هذه المنجزات :
1 – إطلاق سراح المعتقلين و المسجونين السياسيين .
2 –دستور 1958 المؤقت .
3 – الاقرار بالحقوق القومية و الثقافي للشعب الكردي .
4 – تشريع قانون الاصلاح الزراعي الذي حقق عدالة لا بأس بها في الريف العراقي .
5 – الانسحاب من العملة الاسترلينية لتحرير الاقتصاد العراقي و حمايته من التعرض لأزمات النظام الرأسمالي المتكررة .
6 – سن قانون رقم ( 80 ) الذي حرر ما نسبته 99,5 % من الأراضي الممنوحة للشركات الأجنبية غير المستثمرة .
#وصفي_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟