|
مقام للـوصل : قصة قصيرة
خالد محمد غازي
الحوار المتمدن-العدد: 1109 - 2005 / 2 / 14 - 09:17
المحور:
الادب والفن
نور علي نور، سيضنيك الفقد إن لم تعرف قيمة الوجد ••إفتح الباب ودعهم يدخلون إليّ، إنهم قادمون، وأنا أسمع سنابك خيلهم، تضرب الأرض، إشرع الأبواب والنوافذ كي يدخل ضوء الشمس• - نظرت بخوف إلي الغرفة الصغيرة التي لا تتسع إلا لسريرة وكرسيين، وخزانة الملابس التي يضع فيها أشياءه ثم قلت وفي ذهني المراهق تتراقص الصور والخيالات: الدنيا ليل والباب مفتوح، لكن ليس هناك أحد، أمي تجلس خارجً الغرفة مع عمتي، أبي غادر لتوه، إنها أصوات أولاد عمتي هم من يصدرون هذا الضجيج• عاد يكرر بتعب: - أراهم •• إنهم قادمون ليأخذوني معهم ؟ أغمض عينيه وراح يتمتم في غيبوبته- التي تبدو للرآي كذلك -" ليس عليك إلا اليقين بالكشف كي تعرف بواطن الأسرار التي يقصر عن إدراكها العقل، عالج نفسك بنهيها عما تريد، وحررها عن عبودية اللذات، حتي يصير الظاهر باطنا، والباطن ظاهرًا " ••• كانت هذه آخر عبارات جدي • •••••••• لم أكن أمينًا تخبطت في بحور الهوي طويلاً •• عليك أن تسأل عني كتب اللذة ، ربما تجد واحدة من خطواتي في القاهرة أو بيروت أو تونس أو المغرب أو لندن •• أو حتي السودان •• وتبقي المتعة شبقا لا يشبع• لكن كيف كان الختام •• خلال الاسبوع الماضي •• كانت تلاحقني باتصالاتها الهاتفية، وزياراتها المتكررة في العمل ترتدي الملابس القصيرة، مفتوحة الصدر، تعرض مفاتنها أمامي، تميل عليّ بدلال وكيف أقاوم؟ إنها دربً من دروب الشبق والاغواء ليس إلا، والأخري صديقتها التي تدعي البحث عن عمل، وترجوني المساعدة لأتوسط لها في وظيفة ما، لم أظن أنها ستتحول أيضًا لرحلة نشوة عابرة، سألتها إن كانت تتقن أعمال السكرتارية والكمبيوتر، وحين قدمت إلي العمل، صرت أتنبأ بتحركاتها من رائحة العطر الثقيل التي تسبقها بأمتار، أرادت الحصول عليّ لتضمن المال والعمل، صارت تختلق الأسباب، والأعذار لتبعد الأولي عني، وتضمن بقائي معها وحدها، تدعي غيابي، عدم وجودي، إنهماكي في العمل• لم لا؟ أو ليست بسكرتيرتي الخاصة؟ في الاسبوع نفسه انقضت حاجتها ، غادرت هي وجاءت غيرها •• كلهن تكرار لملامح بعضهن•• دروب مختلفة لهاوية مشتركة • أضناني الفقد ولم أعرف لذه الوجد، ضقت باللذات حتي أنني ما عدت أعرف قيمة المتع، وصارت الأيام والليالي، والنساء، والبلدان متشابهة عندي، لا فرق بينها إلا تلوينات خارجية طفيفة، لا تصل إلي العمق• --------- منذ لقائنا الأخير- أيضا الأسبوع الماضي- بعد أن غفت في سريري للمرة الأخيرة، بهت طعم الأشياء، ورائحة الشبق الخانقة تفوح من جسدينا، حتي أني لم أعد أحتملها، حسمت أمري "لن أراها بعد الآن"• قالت وهي تفك أزرار قميصها لتكشف عن صدرها الممتليء: - أعرف أنك أشتقت إلي •• حنينك إلي جسدي لا يموت• - لم يمر علي زواجك أكثر من ستة أشهر• ضغطت ملامح وجهها بامتعاض •• وأومأت " لا " • ابتسمت وأنا أميل عليها ،أتحسس لحمها الأبيض اللدن، راحت تلثم وجنتي وعنقي، ثم إقتربت من أذني وهمست: - لن أستطيع التأخر أكثر من ساعتين• هي لم تعد هي، وأنا لم أعد أنا •• هناك آخر يقف بيننا، هل من المعقول أن إبتعادي عنها هذه الأشهر القليلة حولها إلي زوجة تحمل جنينًا في أحشائها ؟ حانت مني إلتفاته إلي بطنها الذي كان أملس ناعمًا في السابق، بدا منتفخًا بجنين عمره أربعة أشهر أو خمسة، لا أدري •• حينها - تذكرت مقالاً قرأته عن حقيقه إدراك >الطفل< للأصوات والأشياء، أحسست بالاشمئزاز وأنا أتخيل أن هذا الطفل سيأتي إلي هذا العالم ، وهو يدري مسبقًا خيانات أمه وأسرار عشاقها ، ماذا سيكون إحساسها لو أنني صارحتها بما أفكر؟! ----- كانت هنا الخاتمة •• رست السفينة •• ووصل المسافر الشقي إلي المرفأ •• عليه أن يواجه عالما جديدا وأناسا جدد ، ربما داعبوا مخيلته أو زاروا أحلامه •• أو أعطوه ومضات عن الدنيا الجديدة • الظاهر باطن ، والباطن ظاهر••و اليقين قلب الاشياء •• هذا دستورنا • متي تتوحد الأشياء داخلي؟ بعدت عنه فبعد عني، فكيف السبيل إليه؟ ----- عليك بالاسراء إلينا •• والاسراء سفر •• والسفر وصل •• ساعتها ستجتاز الامكنة والازمنة في لمح البصر •• وستنادم الفجر عن رضا في باطن الليل •• أفمن يعلم كمن لا يعلم •• هل السحيق المندثر كالقريب الباقي الحي ، القائم المتوحد •• الماء المالح •• هل تستوي مع الماء السلسبيل ؛ مرج البحرين يلتقيان ، بينهما برزخ لا يبغيان ؛• ------- ناشدت لقاءكم ، فكنتم أنتم من ناشدوني ، فدخلت درعكم الحصين ، الذي لاتراه العيون ، ولا تخالطه الظنون ولا يحيط بوصفه الواصفون ، ولا تغيره الحوادث • ------- كان علي أن أحمل جثتي لتدفن ، لن يدفنها غيري •• بلا ضجيج ولا صراخ أو عويل •• كفنتها وعطرتها وحملتها بين يدي كانت ثقيلة جدا•• لا أدري ما الذي دفعني قبل أن أواري جثماني التراب أن أزور ضريح جدي •• هل لأطلب منه النصيحة لعالم جديد سبقني هو إليه بعشرين عاما •• أم لأطلب منه أن يسمح لي بدفن جثماني بجواره ؟ لا أعرف علي وجه اليقين : لماذا ذهبت إليه ؟ وكأن ضريحة قسم إلي جزأين ، في الداخل غرفة استقبال - ربما لمريديه - وفي القسم الثاني الضريح أو غرفته •• المهم ، لا تعني التسميات - يعني ما حدث- عندما دخلت القسم الاول ، وكأن هناك من هاتفني وطلب مني أن أترك جثماني ، بالاستقبال •• كي أدخل غرفة الشيخ ، وفعلت •• خاطبني ولم أبصره ، لكني تيقنت أنه يبصرني •• استشعرت قوله : أحاطت بك شفقة قلبي من جور السلطان •• كيف حالك الآن يا حفيدي ؟ قلت : سألت أن تعز روحي بنور المحبة وأن يحيي جسمي بنور الطاعة•• ويشملني بخفي لطفه ، ويملكني زمام نفسي إلي حمي القرب •• هو يعلم كل جرم آقترفته عمدا أو قصدا ، ظاهرا أو باطنا ، قولا وفعلا في جميع أموري ، حركاتي وسكناتي ، خطراتي وخطواتي • قال : غيره لا تسأل ؟ قلت : سألته شفاعة رحمة الرحمة ، بكنفه الذي لايرام • قال : به تحصن ولا تخف • قلت : تحصنت بذي العزة والجبروت واعتصمت برب الملكوت • قال : اذهب إليه فأمرك بين يديه " ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها " ألقيت عليه السلام وخرجت ، وهمهماته أسمعها وهو يدعو لي •• حملت جثتي وكأنني أحمل ريشة ، وذهبت لأدفنها •• عندما وصلت إلي أرض المدافن •• كل المقابر لا تروق لي إلا مقبرة واحدة صغيرة عليها زحام كبير •• وقفت علي الباب •• قلت للمرأة النحيفة السمراء التي تتسلم الجثث ، معي جثتي أريد دفنها •• جركت رأسها يمينا ويسارا وقالت : لا توجد أماكن نهائيا •• أدفنها في أي مكان أخر ! غيرك ينتظر أن يدفن لدينا منذ سنوات كثيرة •• ألا تبصر الطابور الطويل الذي تجاوزته • قلت : لن أدفنها إلا في تلك المقبرة • أطلت من فتحة الباب امرأة بدينة بدانة مفرطة ، تضع علي وجهها كمية هائلة من المساحيق ، نظرت إلي المرأة التحيفة ، ثم نظرت إلي بامتعاض وتساؤل ، تأملتها لثوان قبل أن أخرج من جيبي ورقة مالية ليس في جيبي سواها ، ناولتها إياها ، فانفرجت أسارير وجهها وهي تمد يديها وتتناول جثتي •• وأنا أتبتل بالدعاء • 82/4/3002
#خالد_محمد_غازي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رحل في صمت فاروق خورشيد •• عاشق السيرة الشعبية
-
شمعة ليست أخيرة - قصة قصيرة
-
حقوق الإنسان كانت قضيته الرئيسية وداعاً للمثقف المغترب •• هش
...
-
في مصر : اليـهــود لهم حارة ولهم احتفالية في أبي حصيرة
-
ألاف من علماء العراق أجبروا علي الرحيل منذ بدء الاحتلال
-
صفقة عزام عزام : من الرابح •• من الخاسر
-
رحـيل •• ولا عـودة - قصة قصيرة
-
نساء نوبل
المزيد.....
-
الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
-
ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي
...
-
حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|