فادي كمال الصباح
الحوار المتمدن-العدد: 3796 - 2012 / 7 / 22 - 20:18
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
للمقارنة الموضوعية بين تعاليم و سلوكيات المسيح ومحمد علينا أن نقارن بشكل رئيسي بين المرحلة المكية للدعوة المحمدية و بين حياة المسيح المشابهة لظروف مرحلة محمد في مكة , فكلاهما كانا ضعيفين تعرضا للاضطهاد والمحاربة وأدى ذلك الى صلب المسيح بينما محمد إنتقل الى مرحلة أخرى إمتلك فيها القوة و ذلك في المرحلة المدنية .
ما يمكن ملاحظته, أن المسيحيون دائماً ما يتباهون , بأن دينهم لم ينتشر بالعنف, في إشارة منهم لأحقية المسيحية على الدين الإسلامي و أفضلية أخلاق و سلوك المسيح على محمد, ويتعامون عن التاريخ الدموي للمسيحية في كافة أرجاء الأرض أينما حلت , والمجال لا يتسع للتذكير بالفظاعات والإبادات الجماعية لأقوام وديانات أخرى و حتى اضطهاد لفرق و تيارات مسيحية لا تتوافق مع المزاج البابوي العام .
أمام التاريخ الدموي المسيحي ,لا يجد ملجأ المسيحيون إلا بتبرير ذلك ,بأنها أخطاء إرتكبها المسيحيون ولا علاقة لها بتعاليم المسيح التي تدعو الى المحبة والسلام و يسارعون الى عرض آيات المحبة والسلام في الاناجيل , من قبيل :
"سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا".
"أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ".
"رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ"
كلمات رائعة جداً, لكن ماذا عن الجانب الأخر المتناقض مع ما تقدم من كلام المسيح من قبيل :
اما اعدائي اولئك الذين لم يريدوا ان املك عليهم فأتوا بهم الى هنا واذبحوهم قدامي -إنجيل لوقا الإصحاح 19 العدد 27
لا تظنوا اني جئت لألقي سلاما على الارض.ما جئت لألقي سلاما بل سيفا., فاني جئت لأفرّق الانسان ضد ابيه والابنة ضد امها والكنة ضد حماتها.- متى الإصحاح 10 الأعداد 34 و35
أين المحبة والسلام والتسامح في هذه الأقوال للمسيح !!, هل من المعقول أن إله المحبة والسلام أو نبي المحبة والسلام , سمه ما شئت, يطلب من أتباعه أن يأتوا بأعداءه ويذبحونهم أمامه ,لأنهم يقفون أمام طموحه بأن يصبح ملكاً !!, أمام هذا التناقض الصريح لا يجدون تبريراً لذلك إلا باللجوء الى خدعة التأويل و إدعاء الظواهر والبواطن للنصوص و وجود رموز في كلمات المسيح لا يمكن فهمها من الإنسان.
حسناً , فما رأيكم بآيات العهد القديم الذي تؤمنون به مع الأناجيل ككتاب مقدس, الزاخرة بالعنف و الجرائم و الدعوة الى استعباد الشعوب و سبي الناس :
فقال الرب لموسى: خذ معك جميع رؤساء الشعب واصلبهم في الشمس أمام الرب، فتنصرف شدة غضب الربِعن بني إِسرائيلَ فقال موسى لقضاة بني إسرائيل: ليقتلكل واحدٍ منكم أيا من قومه تعلق ببعل فَغورَ /خروج 32 : 27
فإذا استسلمت وفتحت لكم أبوابها، فجميع سكانها يكونون لكم تحت الجزية ويخدمونكم. وإن لم تسالمكم، بل حاربتكم فحاصرتموها فأسلَمها الرب إلهكم إلى أيديكم، فاضربوا كل ذكر فيها بِحدالسيف. وأما النساء والأطفال والبهائم وجميع ما في المدينة من غنيمة، فاغنموها لأنفسكم وتمتعوا بغنيمة أعدائكم التي أعطاكم الرب إلهكم. هكذا تفعلون بجميع المدن البعيدة منكم جدا، التي لا تخص هؤلاء الأمم هنا. وأما مدن هؤلاء الأمم التي يعطيها لكم الرب إلهكم ملكا، فلا تبقوا أحدا منها حيا بل تحللونإبادتهم، وهم الحثيون والأموريون والكنعانيون والفرزيون والحويون واليبوسيون، كما أمركم الرب إلهكم /تثنية 20: 11-
إذهبوا في المدينة وراءه واضربوا. لا تشفقوا ولا تعفوا. اقتلوا الشيوخ والشبان والشابات والأطفال والنساء حتى الفناء /حزقيال 9 : 5-6
ما كان موقف المسيح من هذه الدعوات العنفية , هل رفضها !!, لا بل اعتبرها من ناموس الرب : لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس او الانبياء.ما جئت لانقض بل لاكمّل/ متى5:17
إن ما يتم التباهي به من أقوال المحبة والتسامح للمسيح, نجدها مثلها في القرآن , فمحمد أيضا لديه أقوال وتعاليم , متسامحة ,و لم يصل به الأمر أن يطلب من أتباعه ذبح أعداءه, في المرحلة المكية عندما كان وضعه مشابه للمسيح من حيث قلة الأتباع و ضعف الإمكانات:
ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {النحل/125}
وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ .. {الكهف/29}
وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ {المائدة/87}
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة/2}
لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {الممتحنة/8}
وأيضا أن محمد كان يجمع حوله العبيد والفقراء ولم يفرق بين الأقوام فكل من كان يأتي إليه يرحب , فلم يصل به الأمر أن بأن يتجاهل إمراة تطلب مساعدته و وصفها و قومها بالكلاب ,كما ورد في انجيل متى :
" ثم خرج يسوع من هناك وانصرف الى نواحي صور وصيدا. 22 واذا امراة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت اليه قائلة ارحمني يا سيد يا ابن داود.ابنتي مجنونة جدا. 23 فلم يجبها بكلمة.فتقدم تلاميذه وطلبوا اليه قائلين اصرفها لانها تصيح وراءنا. 24 فاجاب وقال لم ارسل الا الى خراف بيت اسرائيل الضالة. 25 فاتت وسجدت له قائلة يا سيد اعني. 26 فاجاب وقال ليس حسنا ان يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب. 27 فقالت نعم يا سيد.والكلاب ايضا تاكل من الفتات الذي يسقط من مائدة اربابها. 28 حينئذ اجاب يسوع وقال لها يا امراة عظيم ايمانك.ليكن لك كما تريدين.فشفيت ابنتها من تلك الساعة 29 ثم انتقل يسوع من هناك وجاء الى جانب بحر الجليل.وصعد الى الجبل وجلس هناك".
أما محمد فكان لا يفرق بين القوميات والشعوب , بل كان يدعو بما يلي:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {الحجرات/13}
على ضوء ما تقدم من أمثلة, لأقوال المسيح وما يؤمن به بأنه ناموس الرب , إذا عاش أكثر ولم يصلب و توفرت له الامكانات التي توفرت لمحمد في المدنية من مجتمع يحميه و أتباع كثر و جيش قوي صاحب خبرة كبيرة بالحروب , هل يتوقع منه الاكتفاء بالدعوة بالمحبة و الحسنى و سيقف مكتوف الأيدي و سيدر خده الأيمن أمام أعداءه من اليهود والوثنيين؟!!.
إن منشأ العنف الديني و نشر الدين بالإكراه, هي نظرة التفوق و وهم امتلاك الحقيقة المطلقة والوحيدة , فغالباً الأديان و خاصة من تدعي السماوية تحتكر الحقيقة لنفسها و تعتبر نفسها الحق و غيرها الباطل, وهذه النظرة تتحول عندما تسمح الظروف والإمكانات الى إندلاع الحروب الدينية أو الإكراه الديني ,لأنهم يعتبرون أنفسهم بصراع دائما مع الباطل الذي يجب أن يزول ليسود الحق , و هذه نماذج من نظرة الأديان الإبراهيمية لأتباعها أو دينها :
-اليهودية : ( لأَنَّكُمْ شَعْبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلَهِكُمْ، وَقَدِ اخْتَارَكُمْ مِنْ بَيْنِ شُعُوبِ الأَرْضِ كَافَّةً لِتَكُونُوا لَهُ شَعْباً خَاصّاً. تث-14-3).
- المسيحية : قَال المسيح: ( أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي)- يوحنا 6:14, ") أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ..."، "أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ...").
- الاسلام : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) و (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ).
إن التاريخ و الواقع يؤكد لنا ,بأن الأديان الإبراهيمية لم تأتي على مجتمعاتنا إلا بالعنف والوحشية , مهما تشدقت بشعارات التسامح والمحبة فكلها عناوين فارغة أمام حقائق التاريخ , فالعنف من ذاتيات الأديان الإبراهيمية , ولا يمكن التهرب من هذه الحقيقة فمصادرها الرئيسية تذخر بدعوات العنف ضد الأخر , بشكل عام, إذا تم التدقيق بالنصوص التي تدعو الى القيم المثلى كالتسامح والمحبة , يمكن ملاحظة أن أغلبها موجه الى أتباعها في علاقتهم مع بعض . أما النصوص العنفية فهي موجهة الى الغير ,فكل دين إبراهيمي يعتبر نفسه الحق المطلق و هو في صراع مع الباطل فمن الطبيعي أن ينتج عنه العنف.
#فادي_كمال_الصباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟