أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - شجرة فقراء الله














المزيد.....


شجرة فقراء الله


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1108 - 2005 / 2 / 13 - 11:04
المحور: الادب والفن
    


الأمريكي مورت روزنبلوم كاتب غير عادي: إنه مؤرّخ عناصر الطبيعة من شجر ونهر وسهل وجبل، وناقد ذوّاقة طعام ومطبخ وغذاء، ومعلّق سياسي، ومراسل صحفي، ورحّالة جوّاب آفاق، وشخصية كوزموبوليتية بامتياز: كلّ الأرض عنده وطن لكلّ البشر، وكلّ البشر سواسية في الإقامة على كلّ أرض!
لكنه، بسبب عمله في صحيفة «إنترناشنال هيرالد تريبيون»، عشق فرنسا فأقام فيها ردحاً طويلاً من الزمن. وذات يوم تعرّض لمشكلات قانونية اضطرّته إلى مغادرة شقته الباريسية، فاستأجر قارباً على رصيف نهر السين وجعله بيته، فكسب قرّاؤه عملاً فريداً بعنوان «الحياة السرّية لنهر السين». أعمال أخرى قادته إلى تفصيل الحياة تحت شمس توسكانيا، أو رصد تلك العلاقة العجيبة بين باريس والقمر، أو تحليل الطعام الفرنسي كما يسجّله كتابه الطريف «إوزة في تولوز ومغامرات مطبخية أخرى في فرنسا»، ومؤخراً اقتفاء أثر الشوكولا من أصولها الأبكر عند قبائل الأزتيك في المكسيك وحتى أفخم محترفاتها في فرنسا وسويسرا.
لكنّ كتابه الأجمل، في ظنّي، هو «الزيتون: حياة وحكمة ثمرة نبيلة»، الذي قد يكون التاريخ الأعمق والأغنى لهذه الشجرة المتوسطيّة الكونية، الأكثر احتشاداً بالمعاني الدينية والسوسيولوجية والإقتصادية. ومنذ الصفحات الأولى يختار روزنبلوم التعبير عن نُبْل ثمرة الزيتون اتكاء على الآية الكريمة: «الله نور السموات والأرض. مَثلُ نوره كمشكاة فيها مصباح. المصباح في زجاجة. الزجاجة كأنها كوكب درّي يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية. يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار. نور على نور».
وللمؤلف مع الزيتون حكاية حقيقية، كانت باعثه الأوّل وراء وضع هذا الكتاب الفاتن، الأشبه بقصيدة مفتوحة على اللغات والقارّات والثقافات والأديان والعادات الزراعية، في مديح ثمرة نبيلة مباركة. ففي عام 1986 اشترى روزنبلوم مزرعة عتيقة في منطقة البروفانس الفرنسية، ورث معها 150 شجرة زيتون مهملة، فقرّر «إحياء» هذه التركة النفيسة. وكتابه حكاية اكتشاف شجرة الزيتون أوّلاً، ثم الثمرة ذاتها تالياً، وصولاً إلى تقاليد استثمارها شرقاً وغرباً. وكتابه أدب رحلات أيضاً، لأنّ فصوله تصف اقتفاء أوطان شجرة الزيتون: من فرنسا إلى الأندلس، ومن المغرب وتونس إلى فلسطين، ومن تركيا واليونان إلى البوسنة وكرواتيا وتوسكانيا الإيطالية، ومن كالفورنيا إلى المكسيك.
ولقد أتيحت له عشرات الفرص لكي يسجّل «سياسة» ثمرة الزيتون: كيف يقطع جيش الإحتلال الإسرائيلي أشجار الزيتون لأسباب أمنية، وكيف يحتطب أطفال سراييفو أغصان الزيتون لا للتدليل على السلام بل لاستخدامها كسيوف حين يلعبون لعبة الحرب، وكيف تفرض المافيا الإيطالية احتكاراً ثقافياً ـ مالياً على زراعة الزيتون وعصر زيت الزيتون، وكيف انقسم زيتون إسبانيا ذات يوم إلى ملكي وجمهوري...
وهو يشير إلى أن ثمرة الزيتون قد لا تعني عند ملايين الأمريكيين «أكثر من حبّة ديكور في قاع كأس من المارتيني»، لكنها عند مئات الملايين من سكّان سواحل المتوسط أشبه برمز كوني شامل لكلّ ما هو سخيّ ومبارك. «سوق الزيتون في مراكش قد يكون أجمل بقعة على وجه الأرض»، يقول روزنبلوم دون أن يعتذر عن المبالغة لأنه لا يبدو كمن يبالغ البتة!
إنه أيضاً لا يبالغ حين يستخدم عشرات الإستعارات الحارّة الخاصة بأرواح البشر في وصف حيوات الشجرة والثمرة والزيت. «إنها شجرة الله، ولهذا فهي شجرة فقراء الله»؛ وهي «الذهب الأسود الحقيقي في بلاد العرب، قبل آلاف السنين من انبثاق البترول في أيامنا هذه»؛ و«ليس عجيباً أن تكثر الضواري في البلاد التي تعيش على الزبدة واللحوم» بدل الزيتون. وغارسيا لوركا ليس الشاعر الوحيد الذي يزوّد روزنبلوم بالمتاع الغنائي اللازم لكي يواصل امتداح شجرة الزيتون. إنه يلجأ إلى لوحات رينوار وغوغان وسيزان، ويستعيد التشكيل البصري في السينما، بل ويستصرخ حفيف أغصان الزيتون في الموسيقى الكلاسيكية أيضاً.
وهو يقدّم عشرات الوصفات التي تدخل فيها ثمرة الزيتون، ولا يُستغنى عن زيت الزيتون في ضبط مذاقها. من كلّ بلد وصفة، وفي كلّ صنف من أصناف الزيتون ثمة أسرار خفيّة همسها في أذنه زارعو الزيتون حيثما حلّ هنا وهناك. وذات مرّة، حين كان في القدس، توقف أمام صفّ من أشجار الزيتون، وسأل الدليل المرافق له:
ـ كم عمر هذه الأشجار؟
ـ خمسة آلاف سنة.
ـ بلا مزاح، أرجوك.
ـ خمسة آلاف سنة، أقول لك... ربما أكثر!
الزراعة إلى جانب الشعر، والسياسة إلى جانب وصفة تحضير الطعام، والأسطورة إلى جانب المبيدات الحشرية. وفي فلسطين تحديداً سمع روزنبلوم تفصيل العلاقة بين الثمرة والجسد الإنساني، حين قال له زارع زيتون من جنين: «نحن بلا زيتوناتنا أشبه بأوراق في مهبّ الريح. شجرة الزيتون هي الأرض، وأجسامنا تتشكّل على هيئة الشجرة. كيف تتخيّلنا إذا قطع الإحتلال أجسادنا هذه»؟



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرانكنشتاين الكويت الذي ينقلب اليوم على خالقه
- قصيدة محمود قرني: غوص بالمعنى إلى قيعان الحسّ المحض
- شهادة القطرس
- سؤال الهولوكوست: مَن سيكون في غُرَف الغاز القادمة؟
- الجحيم الموعود
- بوش بين السلام الأمريكي والخلافة الجديدة
- الفولاذ أم الذاكرة؟
- محمود عباس الرئيس: أيّ فارق... أفضل؟
- أبو عنتر الشعلان
- تسونامي، أو حين يتسربل جورج بوش بأردية الأم تيريزا
- إنهم يسرقون التاريخ
- لبنانيون حماة الديار السورية
- سورية في 2005: هل سيكون الآتي أدهى من الذي تأخّر؟
- مكاييل الحرّية
- تركيا في ناظر دمشق: بؤرة الكوابيس أم النافذة على العالم؟
- خزعة من قامة ممدوح عدوان
- العلمانية والشجرة
- أشبه بمزامير تُتلى في واد غير ذي زرع
- ترجمة محمود درويش إلى... العربية
- في مناسبة زيارة محمود عباس إلى دمشق:ظلال الماضي تلقي بأثقاله ...


المزيد.....




- اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار ...
- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - شجرة فقراء الله