|
الصندوق المفخخ
صلاح وهابي
الحوار المتمدن-العدد: 3792 - 2012 / 7 / 18 - 08:43
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
بعد فك اسر العراقيين، يوم هوى الصنم في ساحة الفردوس، فأول غصن حطينا عليه نحن الخمسة مدينة دمشق بداية اب 2005 و هي اول محطة رأيتها بعد رجوعي من اوربا عبر تركيا سنة 1975. فهالني الفرق الكبير بين زمانهم و زماننا ؟ فلمعت عيناي. تجولنا في سوق الحميدية، اخذين بنصيحة العراقيين قبلنا : لا تدع التاجر السوري يغلبك ، لانهم من الحنكة و الدهاء و طول البال بحيث لا يقطعوا حبل معاوية معك ، لاسباب تاريخية و جغرافية و سياسية، فوقوع الشام بين حضارتين حربيتين وادي الرافدين و وادي النيل، فإستعاضت عن الحرب بالتجارة, على غير عادة التاجر العراقي فهو يتعامل بفعل و رد الفعل المنفعل. امسك احد التجار السوريون بيدي و قال : انتم العراقيون يراد ان نعطيكم البضاعة و فوقها عدة ليرات، فباعني و ضحكنا. قد لا يعلم او لا يهمه ان يعلم بما حدث في العراق من دمار و حروب و جوع !. وصلنا الجامع الاموي قرب الظهر، و في محرابه الكبير غفيت فرأيت معاوية يؤم المسلمين و يزيدا وراءه و ايديهما تقطر دما ؟!. و رأيت عليا في مسجد الكوفة يحث العراقيين على القتال ؟! و هما من قريش ؟!!. و رأيت بكريا يتقدم المصلين في مسجد المدينة تاركين كعبتهم وراءهم متجهين صوب كعبات اُخر شمالا و شرقا و غربا ؟!!. و صدام في بغداد ترك رجليه معلقا في النصب، و اسدا يولد اسدا ؟!. عرفت حينها كيف قطعت ذاكرة هذه الشعوب عن تاريخها الحضاري، لتدفع ثمنا غاليا من الدماء و التخلف و الى ... ؟!. قطعت شريط ذاكرتي ضربة عصا لاحد مسؤولي المسجد. قال : هذا بيت الله، و ليس فندقا. و كأن الله لا يريد ان انزل ركابي المتعب في بيته !؟. و قد تصورت انه اخترق حلمي (باروسايكولوجيا) و إلا لماذا ضربني بهذه القوة ؟! و قد يكون مشفحا، و من بعيد لمحت مجموعة من الصغار اكبرهم لا يتجاوز العاشرة يقودهم ملتحيا، يلتفحون جميعهم ثيابا بيض و على رؤسهم الطاقيات يدخلون المسجد، رققت لحالهم بقتل زمانهم. عبرنا ممرا ضيقا لنتسلق قلعة صلاح الدين الايوبي الشاهقة ذات الدرجات العشرين بعد المئة، فحكى لنا احدهم كيف كانت عصية على فاتحيها بأطنان الصخور التي رميت عليهم، و سلخت اجسادهم بالماء المغلي، عبرنا الممر الضيق شعرت اننا ندوس على اجساد و جماجم تطقطق تحت اقدامنا، و دما على الجدران تشبه بقع (رورشاخ). التقينا بعراقيين من اهل البسطات و غيرهم كانت الغربة تأكلهم، و اخرون عبروا الحدود حديثا بسيرات فارهة ؟!. أمضينا يوما جميلا في مدينة (كسب) القريبة من الحدود التركية، جنة السماء على الارض يحتضنها الهدوء من كل جانب ترقص على هدوء اوتارها زقزقة الطيور و هفيف اوراق الشجر منسابا مع نسيم هوائها العليل البعيد عن شوائب المدن و مائها المثلج طبيعيا . تمنيت ان اقضي فيها ما فضل من العمر ناسكاً في بيت لا تزيد مساحته عن خمسين مترا جامعا فيه كتبي و مصادري و قرطاسي و تلفاز صغير و انترنيت و مبايل و دجاجات يسرحن و مبلغا يكفيني ليومي لادون و اكتب. و اعتقد هذا مطلبا ارستقراطيا حالماً لا يتحقق، لان مطالب العراقيين و انا منهم من الصغر (شوية كهرباء، شوية ماء، شوية امن، شوية شغل، شوية سكن و شوية خبز) لم يتحقق !؟؟ فكيف مطلبا ارستقراطياً كهذا يتحقق، انه حلم لم يتحقق حتى في الاخرة !!. في الايام الاخيرة اتجهنا الى مدينة اللاذقية تلك الفتاة الجميلة التي نشرت جدائلها على مياه البحر المتوسط ، سكنا احدى جدائلها الازرق ، مدينة عصية عليها النوم ، و كلما داهمها النعاس فركت عينيها، كي لا تستيقظ على يوم قائض !؟، شعرت ان عيوني الشفيحة تظلني بمجرد السؤال عن جريدة الحزب الشيوعي السوري، و عقد مقارنة بين صدام و الاسد مع السائق و رفضنا تصويرا مع تمثال الاسد عند ضريح والدته ؟!. سبحان الله لا يختلف الاثنان إلا في التفاصيل المهملة، فهما من بطن واحدة متعفنة. اقترح بعضنا الذهاب الى الاردن ما دمنا قريبين منها ، و قد لا يجود الزمن بفرصة مثلها، فلا نزال نحن العراقيين نخاف الغد، فالظروف الصعبة التي عاشها العراقيون تاريخا و حاضرا حفرت عميقا بذاكرتهم الشك بالغد و الغير. رزمنا حقائبنا، وصلنا الاردن ليلا لا تختلف سوريا عن الاردن في كثير من التفاصيل إلا في جمال طبيعتها الخلابة معكوسا على جمالها البشري. قضينا يوماً في بحرها الميت فاصلا (تالوكها) عن اسرائيل تغفو على سطحه دون ان تغوص فيه، لشدة كثافته الملحية و معادنه. ممنوع العبور للجهة الاخرى، من يحل هذا الممنوع ؟ الذي دام اكثر من نصف قرن اكل الشباب و حرق البلاد، أ لأختلاف المصالح ؟! و متى نعبر بسلام ؟ صعدت فكرة جهنمية ان اعبر الى الجهة الغربية رغم المخاطر، فتحت ثغرة في خط التالوك، غطست لأخرج بالقرب من الضفة الاسرائيلية، فصوب جندي اسرائيلي بندقيته نحوي و اطلق عدة عيارات تحذيرية، هرولة نحوي و قادني الى اعلى الضفة، و كان يتكلم العربية بلكنة فلسطينية. قلت : لست عدواً. قال : انت مجنون. قلت : اريد ان ابحث عن احد ايناء بلدتي بعقوبة يهودي هجر مع عائلته بداية الخمسينيات، في مدن يافا و حيفا و تل ابيب و القدس .. اعتذر له لأنني عاديته يوماً دون ذنب، إلا لتلبية لنفاح الافاعي الكبيرة عندنا و عندكم، لأخبره عن مدينته القديمة مدينة البرتقال و الرمان و قد قطع ثديها و يبس تمرها و جف خريسانها و تحول نهرها (ديالى) الى مكب للنفايات. اعتقد اذا جاد الزمن و زارها سيبكيها. فحن لي الجندي و قال : ان الوقت لم يحن بعد .. اتمنى ان لا يكون بعيدا. رجعت الى البحر و اذا بحوريات يشاركننا مسبحنا و دوشنا، يخجل الجمال منهن فارهات الطول اجساد بضة كالحرير معجونات بلون حليب الشاي تتكسر اشعة الشمس على شعورهن فيلمع كالذهب، و سماء زرق تراقص زرقة اعينهن فيظهرن كأمواج البحر نافرات النهود يرقصن على حركات اقدامهن، و حلمات يرفضن التخفي، و قماش مخملي يسترن ما خفي بين الافخاذ لا يزيد مساحته عن 10 سم2 مربوط بخيوط و لم يزن ملبسهن عن بعض غرامات. قادمات من بلدان اشتراكية سابقة بيعت بلدانهم.. كما بعن بثمن بخس فتحولن الى غجريات. فعصرني الالم لما الت اليه المنظومة الاشتراكية التي كانت املا للشعوب الفقيرة، و تمنيت ان ينهض لينين من سباته ليرى ما حل ببلده الاشتراكي الاول، اعتقد سيبدل كثير من افكاره ليرجع الى مخدعه مطمأناً بعد ان يوصي برفض اختزال الزمن يالشمولية. في اليوم الثالث ضعنا في اسواق عمان العامرة، فالمعروف عن معظم العراقيين انهم سكنت اسواق المدن، او يسألونك عن اللذة، فنادرا ما يبحثون عن حضارة و اثار البلدان .. كل يبحث عما ينقصه، ربما لجوع قديم ؟. يلاحقك صدام في عمان، نلتفت الى مصدر الصوت المنبعث من احد المحلات، و اذا بصدام يمتطي حصانه على دقات اغنية (فوت بيها .. و ع الزلم خليهة) و قد تجمع بعض من سقط المتاع يستمرءون سمومه، بصاصين و مصاصي دماء في زمنه و ما زالوا، لا يريدوا ان يصدقوا ان زمن الطاغية قد ولى، و بعض الغفلة من الاردنيين و الفلسطينيين القومديني. في اليوم الرابع اتجهنا الى السوق الحرة في مدينة الزرقاء، وصلنا سوقها و اذا بمدينة كبيرة من المخازن و المسقفات و الشوارع الحديثة، تجولنا بداية معارضها، وجدت نفسي لا استطيع المطاولة لبقية السوق، فإقترحت الانتظار عند باحة الجامع و انضم زميل الي. اقتربنا من الجامع نقطتنا الدالة و انطلق الباقون للبحث عن شراء سيارة، وصلنا الجامع محاط بسياج خارجي من قضبان من الحديد دلفنا بابه المفتوحة الى الداخل خطوات حتى جلسنا على الدرجات المؤدية الى باحة المصلين المغلقة. قال زميلي و كان يحمل كاميرا، التقت لك صورة و انت امام باب المسجد ؟ قلت : ليس لدي مشكلة مع الجامع، بل مشكلتنا مع الاسلام المسيس. لم تمضِ دقائق طوال حتى فتحت باب المصلى محاولا سدها بجسده النحيل لإخفاء شيء وراءه، فسرقت بسرعة البرق نظرة خاطفة الى داخل باحة المصلى، لمحت صندوقاً كتب على واجهته ((تبرع للعوائل المتعففة)) تراءى لنا شبح قريب الشبه (بالجني) حافي القدمين برزت عظام وجنتيه و استقرت حفرتان نهاية شدقاه طويل الوجه مدبب الذقن ملوناً لحيته و شعر رأسه بالحناء، غير قادر على اخفاء ما صبغته الايام و حفره الزمن، خيل لي كمومياء التحف دشداشة بيضاء ؟!. سألنا من اين انتم ؟.. قلنا : من العراق. فأخرج عملة ورقية كان يخفيها بيده. قال : كم تساوي هذه ؟ كانت فئة 25 دينار كان يظنها مبلغاً كبيراً. قال زميلي : لا تساوي الكثير. فأسرع في غلق الباب دون ان يدعونا للاستراحة داخل بيت الله. رغم علمه ان جلوسنا كان مكان احذية المصلين، و حرارة الجو، كما ان وقت الصلاة لم يحن بعد !!. تذكرت امام و خطيب جامع كركوك الكبير (عبد الله) في رواية للكاتب المسرحي الكبير محي الدين زنكنة ((ثمة خطأ ما ... في مكان ما)). فكثير منهم يتناسلون كالخنازير و على الطريقة المنغولية. و بعد ان دارت الساعة نصفها، قدم اثنان لم يتعديا خط الثلاثين من العمر قصيري الثياب ينتعلان ما خف، و يظهر عليهم (دجاج العرب قد غزر) و بعد ان سلما صعدا الدرجات اصبحا وجهاً لوجه امام باب المصلى. دق احدهم الباب و اعاد الكرة، فلم تفتح فإلتفت الينا. قال : هل فيه احد في الداخل. قلنا : نعم. فأعاد الكرة بقوة، فتحت الباب بنفس الضيق، و بعد كلمات همس غير مسموعة دخل الاثنان و اغلقا الباب وراءهما. و بعد برهة تنبهنا على صرير الباب و هو يفتح، خرج الاثنان و بيدهم حقيبة سوداء منتفخة ؟! و بسرعة توارى عن الانظار بإتجاه الشرق ؟؟!!!
#صلاح_وهابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يمكن تكوين كتلة تاريخية من الشيوعيين و الديمقراطيين و الص
...
-
النياندرتال
-
ذاكرة المكان .... دربونة ام الدجاج
-
مقاربات مجنونة بين صدام و القذافي
-
حين دقت الساعة 7:20 مساءً
-
المحرمات خطيئة على السطح مباحة في الظلمة
-
مدينة بعقوبة و القها ....محي الدين زه نكه نه
-
ولم هذا الصمت ايها العراقيون؟
-
قائمة اتحاد الشعب ليست تحفة تبحث عن متحف
-
فتاوي سياسية !
-
مخاطر الفصل بين الجنسين في المدارس الابتدائية
-
نريد برلمانا تزدهر في حديقتة الوان الطيف العراقي
-
العراقيون بين حزيرانين
-
حزب العمال الكردستاني وعقدة الخواكة التركي
-
قراءة في رواية عمارة يعقوبيان
-
دعوة لاحياء اسماء حضارة بين النهرين
-
من يعرف كامل شياع .. من يعرف قاتله
-
على ضوء الشموع احتفلنا بعيد ميلاد حزبنا
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|