أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم زهوري - لم يأخذوا إلا نصيب ما توفر لهم من الدنيا














المزيد.....

لم يأخذوا إلا نصيب ما توفر لهم من الدنيا


ابراهيم زهوري

الحوار المتمدن-العدد: 3791 - 2012 / 7 / 17 - 17:26
المحور: الادب والفن
    



لم يأخذوا إلا نصيب ما توفر لهم من الدنيا , في الطريق إلى البيت تربص بهم وأخذهم على حين غرة , في الصمت الرهيب ودعوا روعة السقف الأزرق ولوعة الهواء وناموا عند زاوية مهملة وكأنهم لم يولدوا بعد ولم يتعلموا متعة النطق في زحمة الألسنة

ظني أنه لم يتعرف علية إلا من خلال أسمه الذي أطلقه عليه والده , اسمك عماد , عماد بيتي وتيمنا باسم عمك الذي مات محترقا هو ورفيقه داخل دبابة في لبنان , الم ترى جدتك مازالت تسقي دالية عمك عند ضريحه مرتين في الأسبوع , نمت العناقيد وأثمرت الدالية ياعماد للذاهبين إلى الموت مذاق الراحلين الآن وغدا , قبل رحيلك قطفت لك عنقود عنب أحمر وبكت دمعتين .

لن يشتاق إلا إلى سرب حماماته في قبة السماء السابعة , لا ضيق العيش محتشدا مع أخوته كالزغاليل بين أربعة جدران خشنة وزاروب يفضي إلى ازدحام سوق, أقام رايته على السطح ولونها بقليل من البقع الحمراء , طيري .. طيري , إلى الأعلى أكثر , إلى الأعلى أكثر , يصّفر ومن جوف حنجرته يصرخ صرخته الأخيرة , رفرفت تناجي هواء الذي لا يعرف جاذبية المكان , في صمت الهبوط يشعل سيجارة ويرمم وحيدا كأس عرق ليختار نشوة المساء الأخير كآخر تنهيدة , لم يودعه عمه " سلمو جمامس " في عتمة الليل بل طبع على جبينه قبلة الله أكبر وهو النائم في مهد , " سلمو" الذي عبر حدود شرق الصحراء ونازل الأعداء في الطريق إلى بغداد , رجع مكفنا في صندوق أسود وهو الأسمر كنقاوة الفحم في كيس حنطة , عمي الآن يبتسم مزنرا بالبياض الكحلي يمسك بيديه طيرا ورديا ويدعوني إلى العشاء .

جده هذا السبعيني الواقف على شفا الغياب مبتسما من هدوء الليل وهو أبو الليل يختار أمام عتبة البيت ظل الياسمينة ويركن همومه على مصطبة أسمنت واحدة يرتاح ويغفو , يترك حفيده في شغب الصغار يغيب تحت ظلال خزان ماء بناه الفرنسيون قبل أن يرحلوا , كلما مر طيف مرر يده إلى الأمام يقف منتبها بكامل جهوزيته ليؤدي التحية النازية ويشتم خزي العرب , أرد له الابتسامة بأحسن منها وأنا الذي ذكرته بالعبارة ذاتها بلكنتها الألمانية , حنجرته مخنوقة في زبد لسانه وما تبقى من أسنانه تقضم أزهار الياسمين المتساقطة لتنحني بساطا يتناثر نقاطا ناصعة ترقص على نغمات ريح خفيفة وطيرة حيفا لا تنفك مستعجلة, قلب أيام هزيلة يضعف رويدا ويخبو , وطيرة حيفا تنساب كبريق يضيء زاوية آخر الزاروب , يهجم كسيل نار أحمر إلى كهف حزن حضنه ومن شلال فرحه يقول مزهوا - انظر انظر يا جدي إلى كل هذه الكرات البلورية الملونة لقد ربحتها من أصدقائي دفعة واحدة , حتى الحمراء منها تصلح لزينة في أناء ولرصف طريق الذكرى .

كم كنت في الملعب سريعا كجواد حر أصيل يا أبتي , وأنا لم آخذ منك هيئتك فقط بل تعلمت وأنا الخارج من عتبة البيت إلى خيط زاروب ضيق متعة الركض من أوله إلى آخره في لمح البصر عند شارع السوق , نعدد كم من المرات نتسابق فيه حتى أنني في أحد المرات كاد أن يصدمني بدراجته بائع البالونات الحمراء , اجتمع عليه الحاضرون واسترضاني بأكبر البلالين لكي أطيرها كلما تذكرت أهدافك في مرمى الخصم , هنا في لحظتي الأخيرة تذكرت لونها على ثيابي التي مزقها الرصاص , أنهكني الركض إلى المشفى وأتاني صهيل جوادك , تعلقت بآخر البالونات المرفوعة نحو السماء ولحقت جدي إلى شواطئ حيفا , وتذكر يا ابتي أن خالي أحمد وهو سائق الحافلة الأخرى ذهب عن طريق البحر فأنقذ نفسه والآخرين أما نحن فقد طالنا القصف وكأن لا بر لنا , كم كنت سريعا مثلي يا أبتي .

لن نبقى بعد اليوم نومئ للقرى التي نمر بها كسيّاح تنقصهم الفطنة ويأخذنا اختفاء الرجوع , وأنا السائق المخضرم رغم حداثة سني ويفاعة عهدي بمتاهة الخرائط , لم أعرف إلا هذا الطريق , شجرة هنا وينبوع ماء هناك , شال وجه صبية يحتفل بتفاح الخدود وثياب مزركشة تأخذ من عصمة الدروب شهيتنا المحمومة لباب بيتنا الذي أردنا له أن يكون , لم أنتبه أنه في وقت الغروب هناك عند المنعطف وحشا مختبئا يّنز من بين أنيابه أناشيد النقاء في الطائفة ويصنع القيود, وما همني في مرات سابقة وأنا ابن اللاجدوى من المكان , سأبقى وحدي وأنا الذي يجتمع معي بركان شوق المسافرين للهفات متقطعة تلعن بأسرار الحقائب نياشين الحدود , أقود المقود وأقود ,دع الحافلة تسرع يا أبو العز واخرجنا من متاهة البلاء , صوت القصف قريبا منا غناء أشباح تتذاكى لحفلة الدم ونحن أبناء طيف المنحوت من صخر الوجود , سخطا لمثل هذه الأغاني ويجب أن يعود الجنود , أبدأ الرحلة وحدي وأكمل من زهوة عزوتي الطريق إلى آخر مداه إلى ترشيحا ونعم المستقر ونعم الخلود .
عصر الأحد 16/7 / 2012
مخيم النيرب



#ابراهيم_زهوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وراء ظهري نعش أمواج شاردة , جذع أرض وفصاحة لسان
- تغريبة حلم الغجري
- الهواء زبد هياج ... مرصعا بالحبر وسواحل الشرفات
- تئن خاصرتي كلما مّستها..... ريح غزال
- كلاب حراسة وجسد فرانكنشتاين
- من جدثي بيادرالظلال نهار أشباح, ونار الخيمة رفوف أجنحة وأطيا ...
- في الهوى ... صفصافة أخرى للغياب ,دمع غيم زاج ...
- - بلال - المنتصر في التسكع والرابح خمرة المغامرة
- وجع يبتكر يقينا , والجياد أدركتها عصافير الغجر .
- شمال البلاد أضرحة , و الأرض هي نفسها .. قامة شموس مذعورة تقت ...
- الحكيم في المخيم .. بيننا ! إذا ... لماذا لا يأتون إلينا !
- ضجر العتبة ونعال الياسمين طوق نايات المساء
- سراب أبدية كنوم ثقيل مضرج بالهتاف , غبار نحيل وكأس انتظار .
- أيادي متسخة حجارة المنفى وثمار الجنة
- وصف ٳطلالة معصوبة العينين خوذ جنود بلا أوسمة سقف فناء ...
- خطاب الايديولوجيا بين التاريخ وغيابه - العرب والدولة العثمان ...
- وبرُ خطايا عفة ضلال , شتول صهيل الغجري و سيوف زبانية الليل .
- هزيع أحلام وتخمين حصيرة زاحفة
- -الغيتو- يشيد الجدران وحارة -اليهود- عندما تصبح دولة
- صورة أسد يلبد , سيف ذو شعبتين و ابن عم النبي


المزيد.....




- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...
- -لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم زهوري - لم يأخذوا إلا نصيب ما توفر لهم من الدنيا