|
الديمقراطية كفر بالله؟
عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 3791 - 2012 / 7 / 17 - 17:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نظام الحكم هذا يقوم على مبدأ أساسي: السيادة، الحاكمية، للشعب وحده وليس لأي شخص أو كيان سواه. بينما نظام الحكم الديني، الإسلامي، بدوره، يقوم على مبدأ أساسي نقيض: السيادة، الحاكمية، لله وحده لا يشاركه في حكمه أحد (إن الحكم إلا لله). بحسب المنظور الإسلامي، كافة من يشاركون في الحكم هم مجرد خلفاء لله ومفسرون ومؤولون للإرادة والمشيئة الإلهية في نهاية المطاف، لا يحكمون بأنفسهم ولا يدعون أبداً لأنفسهم هذا الحق. نقيض ذلك، في النظام الديمقراطي، المنتخبون بالإرادة الشعبية هم الذين يحكمون مباشرة دون ولاية عليهم من أحد أو كيان أياً كان، ولا يصح أبداً أن يتنازل هؤلاء الحكام عن التفويض الشعبي لهم بالحكم، أو حتى التفريط في جزء ضئيل منه. من جهة أخرى، ماذا لو اختار هؤلاء المفوضون التنازل طواعية عن التفويض الممنوح لهم من أفراد الشعب وجعل السيادة، الحكم، لله وحده؟
بذلك يسقطون نظام الحكم الديمقراطي ذاته الذي وصلوا من خلاله إلى مجالس ومقاعد السلطة وأصبحوا مؤتمنين عليها إلى حين محدد، لأنهم بذلك يكونون قد نقلوا سلطان الولاية والحكم من هيئاتهم الديمقراطية المنتخبة، مثل البرلمان والرئاسة، إلى هيئات ومؤسسات دينية غير منتخبة، مثل الأزهر أو مجمع البحوث الإسلامية أو هيئة كبار العلماء أو الجامع أو الكنيسة أو خلافه، ومن ثم تنتقل الحاكمية والسيادة من الإنسان إلى الإله، ويتحول دور الأول إلى مجرد خليفة وناقل ومفسر وشارح ومؤول عن الأخير. في قول آخر، النظام الديمقراطي هو نظام حكم متكامل مبني على سيادة، حاكمية، الإنسان وحده على حياته ومصيره؛ ونظام الحكم الديني، الإسلامي، كذلك، هو نظام حكم متكامل مبني على السيادة، الحاكمية، لله وحده على كل حياة الإنسان وآخرته، وما على الإنسان إلا طاعة تلك الحاكمية، حتى لو كان غير مقتنع بالأسباب، ليكافئ بنعيم الدنيا وجنة الآخرة. إذا ما وجد الإله في نظام الحكم الديمقراطي، تزول عنه الديمقراطية فوراً؛ وإذا ما وجد الإنسان، غاية في حد ذاته لا مجرد أداة للغاية الإلهية، تحول نظام الحكم من الديني، الإسلامي، إلى آخر علماني، بمجرد واجهة دينية شكلية، صورية لا تقدم ولا تؤخر.
في آليات الحكم الديمقراطي، لا وجود لإله على الإطلاق. لكن، مما لا شك فيه، الإله موجود، وأحياناً بقوة وانتشار واسع، في أماكن كثيرة عبر المجتمع. حتى أشد النظم الشيوعية والإلحادية والعلمانية تطرفاً، لم تستطع أن تزيل التصورات والمعتقدات عن الإله ومجسداته من مخيلة الناس ومؤسسات المجتمع. لكن، من جهة أخرى، أن نقول أن الله موجود فكراً وممارسة داخل المجتمع، لا يساوي أبداً القول أن السيادة والحاكمية لله ومؤسساته على ذلك المجتمع. في نظم الحكم العلمانية الحديثة، الإله ومؤسساته هي مجرد مؤسسات اجتماعية تعامل على قدم المساواة مع كثير من مؤسسات المجتمع الأخرى، مثل النوادي والشركات والاتحادات والنقابات والجمعيات بكل أنواعها، جميعها خاضعة للقانون والدستور وتأتمر بأمره، لا العكس. الأزهر والكنيسة خاضعان للدستور والقانون ومأموران بأوامره، ولا يجوز أبداً أن يخرج أي منهما عن سيادة القانون والدستور. للإيضاح أكثر، الدستور والقانون، عبر المؤسسات المختصة بإنفاذهما، هما اللذين يملكان تعديل أو إصلاح أو تغيير أو حتى الاستغناء تماماً عن خدمات مؤسستي الأزهر أو الكنيسة، أو أي مؤسسة أخرى مدنية أو دينية، وإزالتها من الوجود واستبدالها بغيرها إذا تطلب الأمر، دون أن يكون لأي منهما، أو أي مؤسسة أخرى خلاف مؤسسات الحكم المنتخبة ديمقراطياً، مثل هذا الحق تجاه الدستور والقانون.
صحيح أن نظام الحكم الديمقراطي يحترم الأديان والمتدينين والمؤسسات الدينية، وقد يكون أكثر أنظمة الحكم قاطبة احتراماً للأديان وتسامحاً معها ومع مريديها، حتى من الأنظمة الدينية ذاتها. لكن ذلك مرده الاحترام الذي يبديه ويمارسه نظام الحكم الديمقراطي تجاه الإنسان وحقوقه وحرياته، ومن بينها حرية الاعتقاد، أكثر من إقراره بالتصورات والممارسات الدينية ذاتها. في قول آخر، نظام الحكم الديمقراطي يحترم الأديان ويوقر مؤسساتها ليس احتراماً وتوقيراً لها في حد ذاتها، إنما لأنها تراث ومعتقدات وجهود للإنسان ذاته، تحت سيادة الدستور والقانون. الديمقراطية تحترم الإنسان وتعليه على كل شيء آخر، ومن ثم تحترم كل ما ينتجه هذا الإنسان من تصورات ومؤسسات، بشرط أن لا تخالف الدستور والقانون.
في نظام الحكم الديمقراطي، لا وصاية على الإنسان إلا من الإنسان المنتخب، في إطار سيادة، حاكمية، الدستور والقانون، اللذين يضعهما الإنسان نفسه، بنفسه، لنفسه، عبر الآليات الإنسانية الديمقراطية أيضاً. في هذه السيادة والحاكمية الشعبية، لا وجود لإله أو مؤسسات دينية. عكس ذلك، في نظام الحكم الديني، الإسلامي، لا سيادة ولا حاكمية للإنسان على الإطلاق أمام سيادة وحاكمية الله. في الأول، السيادة والحاكمية يمارسها الإنسان من خلال الدستور والقانون، الوضعيين اللذين لا تعلوا عليهما نصوص أخرى من أي نوع؛ في الثاني، يمارس الإنسان السيادة والحاكمية من خلال نصوص القرآن والسنة وكتب الفقه، الشريعة الإسلامية إجمالاً، ولا قيمة تذكر لنصوص الدستور والقانون البشرية، الإنسانية، الوضعية مقابل تلك النصوص الإلهية، السماوية، المقدسة.
الديمقراطية تؤمن بالإنسان وتقلده أعلى مناصب السيادة والحكم، ما يجعله سيداً وحاكماً على كل ما سواه بالنتيجة. الديمقراطية تؤمن بالإنسان ولا تعلي عليه شيء أو كيان مهما كان. هذا، بوضوح، يعني الإنكار، الكفر، لأي قوة أو سيادة أو حاكمية أخرى من أي نوع على الإنسان؟
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المشروع الإسلامي التجريدي وإشكالية الصراع المحتوم
-
-حكم بين السلطات-، أضلولة أخوانية
-
الدائرة الأخوانية الإسلامية المغلقة
-
سلطان الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر
-
نصف إله + نصف شيطان = مساواة
-
الحرية وتطبيق الشريعة
-
امسك...إسلامجية حرامية
-
آلهة شياطين
-
بسم الدين وبسم العلم...نخون الوطن
-
وماذا لو حكم الأخوان؟
-
من ثورة مدنية سلمية إلى زحف إسلامي ترهيبي
-
هزيمة مشروع الإسلام السياسي في مصر من الجولة الأولى
-
أسطورة الإله...أسطورة الوطن
-
أدعياء دين وكاذبون ديمقراطية
-
تحالف المشروع الأخواني-السلفي، نعمة أم نقمة؟
-
أسطورة القوانين الوضعية والشرائع السماوية
-
السيادة أين، للدستور، أم الشريعة؟
-
رحمة الله عليك يا مبارك، كيف تعدمون ميتاً؟!
-
في مصر، صراع وجودي بين الله والإنسان
-
شفيق ومرسي، بالكرسي...إلى الجحيم
المزيد.....
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|