|
القولُ بصحّةِ الخطأ
نوري ابو رغيف
الحوار المتمدن-العدد: 3791 - 2012 / 7 / 17 - 00:02
المحور:
الادب والفن
حقٌ للشاعرِ كلُّ الأخطاء أنا في ماض ما
ما نراه خطأ انما هو حقيقةٌ غيرُ مكتملة
ترجمة بتصرف عن مقال نسبية الخطأ لإسحاق عظيموف
*
بما أنني رجلٌ نسّاء فما اقوله لكم ليس اكيدا انه مجردُ افتراض
اعتقد انني كائنٌ مادي فكلُّ زجاجِ المحلاتِ يعكسُ صورتي ومن البديهي أن تكون ثمةَ اسماءٌ لهذه المحلاتِ التي تنبهني باستمرار إلى أنني رجلٌ سوف يموتُ يوما ما ولكنّ ذهني عاطلٌ عنها قصدتُ الاسماءَ وربما المحلاتِ أيضا فأنا لا استطيعُ الاهتداءَ إلى البارِ الذي اعجبتني نادلةٌ فيه قد لا يكون بارا وقد لا تكون نادلةً علّها محضُ فتاةٍ اشترت كتابا لهايدغر أو كراسا يتحدثُ عن الطريقةِ المثلى لعملِ الحلويات
وبما أنني كائنٌ ماديٌ على الأقل كما ترونني أنتم فكلُّ ما أراه يفترضُ أن يكون ماديا هو الآخر أستطيعُ أن أؤكدَ لكم بأنني أجلسٌ الآن على كرسيٍ غيرِ مريحٍ أفكرُ باستبدالِهِ بآخر لا يُجبرُني على الوقوفِ بين الحينِ والحين كرجلِ دينٍ يؤمُّ قرويين في جنازة وأستطيعٌ أن اؤكدَ لكم أيضا بأنني أحبُ أطفالي كثيرا اذن فأنا لستُ ملاكا وأنا لستُ شيطانا بأيّةِ حالٍ لأنني أكرهُ الاقترابَ من رجالِ الدين ورغم أنني اكتشفتُ خبيئةَ الخلقِ إلا أنني لستُ نبيا وأجيدُ لعبةَ الكلماتِ المتقاطعةِ مع ذلك لستُ محللا سياسيا أنا رجلٌ عارٍ عن القداسةِ وعن اللعنةِ وربما حتى عن حسنِ الصيت ولأنني أعيشُ في متاهةٍ من حماقاتِ المعنى أسدلتُ على وجهي حجابا من الكلماتِ كي أبدو متزننا أصبحَ صوتي خفيضا وممتدا يشبهُ الأنين فكلماتي كصوتِ الاوّز مقنعةُ الصدى الماضي الذي صنعَ أنايَ مثلُ مجرى مياهِ الغسيل كلًّ الاشياءِ الثمينةِ التي أغفلتْ في الملابسِ تغدو فيه بلا قيمة أرخبيلُ الاخطاءِ المغسولةِ أقصدُ متاهتي البورخيسيةِ1 هذهِ ليستْ بلا فائدة فهي أداتي لصناعةِ الحلمِ وفبركةِ الواقع نافذتي على النبوءة إنها ذكورتي التي تسقطُ دون ارتواءٍ فوقَ أزلٍ من أجسادِ النساء مفاتيحُ لغتي وهي تتعثرُ طفلةً في أحجارِ الجمال أستطيعُ بنهرِ غسيلِ الماضي أن أستحمَّ برغمِ هيروقليدس آلافَ المرات وأخرجُ منه بماضٍ آخرَ دونَ أن يتجددَ أو حتى يرتج النهرُ ذاتُ النهرِ ولكنَّ حيواتي الغابرةَ تتبدلُ بعنفوان هل رأيتم رجلا يعيشُ حاضرا كئيبا وماضيا لا يقدرُ أن يوقفَ تنوعَه هل بإمكانِ احدٌ منكم أن يتخيلَ كم من الحيواتِ يستطيعُ ابتداعُها نهرٌ من عصورٍ معتقةٍ كخمرةٍ بابلية مزيجٌ من رواقيين ومشائين ومتكلمين وعشاقٍ كهنةٍ وصوفيين وانبياءَ وحتى قتلة طميُّ نهرِ الاخطاءِ المتحللّةِ يعلقُ بعينيَّ وانا أُشيحُ بمخيلتي عن الصواب الدبقِ في شفاهِ الحكمةِ الجازمة علمتني أخطائي المنسيّةُ أن لا احبُّ الغرورَ ولا أثقُ بالتواضع علمتني أخطائي المنسيّةُ أن صوابَها في خطأٍ آخر علمتني أخطائي المنسيّةُ أن الصوابَ ثباتٌ يموت علمتني أخطائي المنسيّةُ أن لا أكونُ شاعرا حتى تضمّخُني كلُّ الأخطاء علمتني أخطائي المنسيّةُ أن الحياةَ تحدٍ لصوابٍ معتوه علمتني أخطائي المنسيّةُ أن اللهَ اخطأ فكان الجمالُ وكان الحبُّ وأصابَ فكان الدين علمتني أخطائي المنسيّةُ أن اتمردَ على صوابِ المشيئة علمتني أن من علمني أفسدَ عليَّ طفولةَ اختياري معرفتُك الطريقَ بغيرك تكفنُكَ بدثارِ الحكمةِ التي هي الجهلُ بنعلين واثقتين معرفتك الطريقَ بنفسكَ تخلعُ عليك رعشة المتعة
الخطأُ عقلٌ مجنحٌ والصوابٌ عقلٌ مغلول
النصيحةُ خطأ ثرثار واتّباعُها خطأ أبكم
الحكيمُ ما هو إلا مزوّرٌ لجوازاتِ سفرٍ غيرِ شرعيةٍ لطرقٍ لمْ تطأْها قدماه والحكمةُ ليست سوى ابنةِ زنا لفحولةِ الخطأ
ايّتُها الرعشةُ الانيقةُ يا عصفورةَ الشبقِ يا وميضَ أنثى لو استيقظ فيَّ ثانيةً طائرُ الشرقِ ونفضَ عنّي رمادَ تحديه وأشعلَ فيَّ عنفوانَ نزقِهِ فسوف أُمعنُ في إغاظةِ الشماتة لأعود إلى رحمِ النارِ رحمِ أُمّي ومرةً حين أولدُ نيئا مبللا بالمجاملة وأرى ظفائرَ أغنيتي تلصقُ مقصوصةً فوق نصوصٍ صلعاءٍ يضحكني صَلفُ الكذابين فمن لا يثقُ بحَيْمَنِ روحِهِ تُنكرُهُ بويضةُ احتراقِه ويتلاشى في نفاياتِهِ العقيمة ايُّها المتمرغُ في كتلةٍ نفساءَ من رمادِ سواه ارفع رأسك الكلبيَّ المتمرسَ باقتفاء الأثر هناك في سمواتِ النسيانِ حيثً وليدُها يصفعُ الغيومَ بجناحيه ايُّها العالقون في ريحٍ مخصيٍّ إنكم تمتصون حُلمةَ صخرةٍ لا ترضعُ الغبارَ ليغدو جبلا انا النيئُ من فرطِ المجاملة المكتظُّ بأغانٍ منسيّة أباركُ اسماءَكم متعثرا بلعثمةِ المنسيين
أعتقدُ أنني أبدو لكم كَمَن يلبسُ قبعتَهُ في قدميه ويهمزُ حصانَهُ بلسانِه راعٍ ممسوسٌ عصاه القلم وقطيعٌ من الجملِ الناشزةِ يتقافزُ امامه تحلقُ فوقه اسرابٌ من الكلماتِ مذعورةً من الألسنِ التي تحاولُ التقاطَها المعنى نعشُها في رؤسٍ بلا مخيلة والصوتُ لا يحملُ منها سوى ارتعاشاتِ موتِها وهي تعلكُ في الافواه فليكن ما تريدون أنا راعٍ ممسوسٌ يعلنُ بعصاه براءةَ الكلمةِ من صوتِها وأن الصوتَ ينتمي للافواهِ والألسن
أنا خرقٌ سرمديٌّ للسكون أنا الفاني الذي يعبثُ بالمطلق أنا شهوةُ اللا محسوسِ إلى الحسّ أنا عزلةٌ تتكررُ من أجلِ فوضى الإنبثاق أنا خلخلةُ الجسدِ رفضٌ للوحشة بألسنةٍ متدليةٍ لاهثةٍ قطيعٌ من السقطاتِ يلاحقني جارا خلفَهُ عربةً من اللاهوت كيف يكون العميانُ دليلَك في سبلِ العثرات وكيف يكون سواك وانت يقينُه أنا قيومُ الزلّات أنا لأرضِ الارادةِ سماءُ المشية أنا الشيءُ أنا صخبُ المشيئةِ أنا أجملُ اخطاءِ الله
إن المعرفةَ تَذَكُّر هذا ما يجعلُ افلاطونَ خفيفَ الظلِ يسحرني أن حماقاتي ولدتْ قبلي وكأنها هرطقاتٌ سماويةٌ مقدسةٌ وغيرُ قابلةٍ للتصحيح الكلماتُ وحدها لا تصلحُ للإتكاءِ عليها حين يتجردُ الخطأُ عن شرفِه المراكبُ المتوضئةُ بالشعرِ لا يلوثُ عفتَها درنُ الغايات يسحرني افولي في تضاريسِ امراةٍ كانت في ذهنِ الله زجاجة عطرٍ ثم تسقط في غفلةٍ مني في نهرِ الذاكرةِ المغسولةِ بالنسيانِ صلاةً للرغبة اهجسُ حدسَ الملائكةِ وهم يعرجون بي للسرِ الاولِ ماذا لوكانوا بشرا فانين اليست متعةُ بضعةِ ساعات خيرٌ من لعقِهم الأبدي لأخطاءِ المطلق
أنا رجلٌ مادي كما تشهدون انتم بذلك وكما تخبرني واجهاتُ المحلات ولكن لماذا اهجسني عبقا ازليا للاخطاء فانا من اقنعَ حواء لتغوي ادم كي يأكل تفاحَ الرغبة كي يكتشفَ اللعبة وانا من قتل المدعو هابيل قدمت نباتا قدم اضحيةً فقتلت القاتل
جمهرةٌ من الارواحِ الملعونةِ تتغلغل فيَّ وكأنني متحفٌ للعقائدِ الفاسدة او زنازينُ للمعصية انا كومٌ هائلٌ مما لا يُغفَرْ ويمٌّ من المُدَنّس في كل حالاتي سواي بل كلُّ سواي بعضٌ مني فأنا وجهُ السرِّ الممكن أنا كتلةُ الخداعِ اللتي تتقنعُ بها الحقيقة انا خيانةُ أشيائي الخاصة حتى ما عدتُ اتذكرُ أن مرأةً أغوتني كانت تعمل بائعةً في متجرِ أطعمةٍ يغلقُ عند السادسة مساء وأنا أدخلُ بارا في منتصفِ الليلِ ترتادُه فتياةٌ مثليّاتٌ يرمقنني باستغراب فأنا رجل اعرف سيدتي آسفُ لكنّي رجلٌ نسّاء
أنا رجلٌ أبحثُ عمن يشبهني منكم أدور في متاهةٍ بورخيسية احاولُ أن أُرجعَ منها ذاكرتي لأقولَ بأن اسمي نوري ابو رغيف أولده يومٌ لا تكذبُ فيه الاوراقُ الرسميةُ ولا الاوراقُ المنحولةُ لكني رجلٌ نسّاء وما اقوله لكم ليس اكيدا انه مجردُ افتراض
#نوري_ابو_رغيف (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مزمورُ التكليف
-
بعض من عرفتهم
-
شين صاد
المزيد.....
-
وصف مصر: كنز نابليون العلمي الذي كشف أسرار الفراعنة
-
سوريا.. انتفاضة طلابية و-جلسة سرية- في المعهد العالي للفنون
...
-
العراق.. نقابة الفنانين تتخذ عدة إجراءات ضد فنانة شهيرة بينه
...
-
إعلان القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2025
...
-
بينالي الفنون الإسلامية : مخطوطات نادرة في منتدى المدار
-
ذكريات عمّان على الجدران.. أكثر من ألف -آرمة- تؤرخ نشأة مجتم
...
-
سباق سيارات بين صخور العلا بالسعودية؟ فنانة تتخيل كيف سيبدو
...
-
معرض 1-54 في مراكش: منصة عالمية للفنانين الأفارقة
-
الكويتية نجمة إدريس تفوز بجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربي
...
-
-نيويورك تايمز-: تغير موقف الولايات المتحدة تجاه أوروبا يشبه
...
المزيد.....
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
المزيد.....
|