أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد العلمي الوهابي - قواعد الدين المسخ















المزيد.....

قواعد الدين المسخ


محمد العلمي الوهابي

الحوار المتمدن-العدد: 3790 - 2012 / 7 / 16 - 18:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لقد تفاجأ صديقي القادم من الولايات المتحدة بهذا الكم الهائل من المحجبات ـ المتبرجات، أو اللواتي يقعن ما بين المنزلتين، الحجاب الشرعي، والتبرج، لقد كان يصدمه كل مرة مرور فتاة ترتدي غطاء رأس وفي نفس الوقت لا تتورع عن إظهار مفاتنها الأهم والأبرز، المؤخرة، الصدر، الساقين، هناك متحجبات يرتدين الجنز، أو التنانير الكاشفة، أو حتى الفيزون، ويستمررن مع ذلك في وضع هذا الغطاء الذي يبدو أنه قد فقد كل معنى يحمله ضمن هذه الفسيفساء المتضاربة، ويبقى التساؤل الذي حيره - والذي ما يزال يحيرني - أي دين يتبع هؤلاء بالضبط؟ لماذا يدعون أنهم يتمسكون بالدين وينافحون عنه في حين أنهم يخالفون الكثير من تشريعاته الهامة في الحياة اليومية، والتي لعل أبرزها، هي الحجاب الشرعي، لم استطع أن أجد جواباً شافياً، فالفرضيات تبقى مفتوحة، هناك فئة ترتدي الحجاب مرغمة، وهناك فئة أخرى ترتديه على سبيل العادة العمياء أو كجزء من طريقة اللبس المعمول بها في هذا البلد، هناك فئة تعيش صراعاً نفسياً خفياً بين الرغبة في السفور والرغبة في التقرب إلى الله بهذه الخرقة، هناك فئة تمني النفس وتؤمن بأن بعض الشر أهون من بعض، وأن فتاة تلبس زياً يكشف تضاريس جسدها مع غطاء الرأس هي أفضل من فتاة تكشف كل شيء... وإذا ما أردنا أن نذهب أبعد من ذلك، فإن الأمر لا يتوقف فقط على طريقة اللبس، بل حتى في السلوك والمعاملات، نعم محجبات هن، لكنهن يقمن علاقات قد تتطور لتصبح علاقات جنسية كاملة وقد تتوقف عند حدود القبلات والمداعبات، لا يصلين بانتظام أو يصلين بطريقة تخلو من أي روحانية وشعائرية، لا يستشعرن الإيمان الحقيقي، وكل ما أصبح يتعلق بالدين هو بالضرورة يتعلق بالقومية أو الهوية والتعصب لها، فنحن مسلمون وإن كنا فارغين من أي مدلول إسلامي، والآخر هو العدو، نحن نتكلم العربية، نقوم بأشياء كثيرة في حياتنا تختلف عما يقوم به الآخر، طريقة الأكل، اللبس، العادات والتقاليد، المسألة برمتها أضحت مسألة تعصب أكثر من مسألة إيمان، التعصب للأنا القبلية، التي تمثل كل شيء ينتمي لـ نحن، وكل ما فعلناه نحن أبناء الجلدة الواحدة يبقى الأفضل على سوئه، مقارنة بالآخر الأسوأ، العدو، الخصم، الذي مهما تقدم وتطور يبقى مسخاً في أنظارنا، لأنه ليس مثلنا نحن، وإن كان الواقع يعطي صورة معاكسة تماماً لهذه الصورة، فالآخر هو المسيطر، هو الحاضر بقوة، حتى من خلال اللباس الشرعي، بل صار يتسلل إلى القلعة الحصينة للعادات والتقاليد لكي يضع عليها بصمته الخاصة، أو لعل هذا التعصب الفظيع الناشئ؛ هو إنما ينشأ من حالة التشويش، أو الصراع العظيم داخل النفوس، بين التمسك ببقايا الهوية - فالهوية في مجملها ضاعت في هذا الخضم - ومحاولة تأسيس هوية كاملة على أنقاضها، أو بين الإستمتاع بما ينتجه الآخر من أشياء جيدة؛ مفيدة؛ مسلية؛ رائعة؛ لكن عيبها الوحيد أنها تنتج من الآخر الأسوأ؛ العدو؛ المتسبب في كل هذه القلاقل المعاشة، ينقلب هذا الرضا الطفيف بسرعة إلى سخط عارم، لا يتعدى المجال النظري في أفضل الأحوال، وقليلون هم أولئك الذين يحولونه إلى تطبيق، إلى شيء ملموس، وهم السلفيون، وليس كل السلفيين؛ بل أشدهم راديكالية وتحفظاً أو سلفيوا القاع، الذين يقطنون في الغالب المجالات غير الحضرية أو الأحياء الشعبية والمهمشة، هؤلاء الذين يقررون الإنتصار لبقايا الهوية في زمن العولمة، على حساب أي شيء آخر مهما كان أفضل وأروع وأجود، باعتبار أن الأفضل الحقيقي هو الكائن في الحياة الأخرى القادمة، أما الأغلبية الساحقة فتكتفي بأن تمني النفس بالرحمة والفرج والنصر وسعة صدر الإله التي تفوق كل حدود، وفي انتظار ذلك، فلتضرب عصفورين بحجر واحد، ولننغمس في متع الحياة إن بشكل طفيف أو مغرق، فنحن نستجدي المغفرة دائماً في الأدعية؛ الصلوات؛ وذاك الذي فوق يعلم جيداً مدى الضعف الذي نحن عليه؛ والذي صرنا إليه؛ وهو يلتمس لنا شتى الأعذار ما دامت باب التوبة مفتوحة على مصراعيها؛ وسيأتي يوم بكل تأكيد لندخل هذا الباب فنتسربل برحمته وعفوه، وهذا اليوم غالباً لا يأتي إلا في سنوات الشيخوخة إذا ما استثنينا الفئة التي قامت بانقلاب جذري وارتضت طريق التعصب المتماهية مع التحفظ السلفي.

لقد صار لدينا دين مسخ، معيب، اتخذ شكلاً غريباً بعيداً عما هو مسطر في الكتب التي يدعي أصحابها أنهم ضموا فيها شرائع الدين القويم، دين هو أقرب للممارسات الميتة، لإشباع الضعف الروحي في لحظات الضعف، أو كتلك الأشياء التي تصلح للإستعمال ككماليات، أو كمهدئات ومسكنات عند اللزوم، لقد أصبح الدين عند العامة، هو مجرد شعارات، ومسألة يجدر التعصب لها أمام ذلك الآخر الملعون، حتى ولو كان أبناء هذا الدين أنفسهم ليسوا على وفاق معه بطريقة ما، فهم سيظلون أبناءه، شرعيين كانوا أو غير شرعيين، المهم أن هناك همزة وصل لا تنقطع، هذا دون أن نغفل الأوضاع السياسية في هذا البلد وغيره من البلدان التي تعيش نفس الوضع، فلها أيضاً عامل كبير في جعل الأشياء على ما هي عليه، فالدولة نفسها تعيش بين هذين التناقضين، بين الأنا والآخر، فهي تكتب في دستورها أنها دولة إسلامية، وأن هوية البلد إسلامية، وفي نفس الوقت تطبق كل ما هو علماني بعيد عن الدين في الحياة العملية إلا ما قل وشذ في مجال الأحوال الشخصية، وتوقع على الإتفاقيات الدولية التي كثيراً ما تأتي بنودها مخالفة لما هو موجود في نصوص الدين، الدولة أيضاً تكرس صورة هذا المسخ الجديد، تعمل على الإبقاء على سلطتها عبر اللعب بين حبلين، الأنا والآخر، فهي ترضي هذه القطعان التي ارتضت أن تعيش في ظل شيزوفرينيا مقيتة ومزمنة، وأن تدعم نفوذها وسلطتها عبر اتباع المجتمع الدولي وعدم الخروج عنه.

وبالتالي فإن هذا الدين المسخ، أصبحت لديه قواعد عملية وأركان مختلفة تماماً عما هو عليه حال الدين - الذي ينبغي اتباعه -، أصبحت لدينا ثلاثة أركان هي التي تشكل عماد الدين، الشهادتان أولاً، الصيام (في الأركان الأصلية تأتي الأسبقية للصلاة على الصيام ولكن في مجال المعاملات اليومية يقدس الناس الصوم أكثر من الصلاة، لأن كثيراً منهم ببساطة لا يصلي، ولأنهم يستمرؤون وجود شخص لا يصلي لكنه يصوم والعكس لا يصح، فالصوم هو طابوه محرم تفنن الكثيرون في الحفاظ على تماسكه وسطوته) ثم الصلاة، الحج أصبح ركناً متذبذب الحضور شأنه في ذلك شأن الزكاة، فالناس يذهبون في رحلة استجمامية للسعودية من أجل التخلص من الأعباء التي تثقل كواهلهم ـ الذنوب ـ حيث يعودون كما ولدتهم أمهاتهم، ويحظون بلقب حاج، الزكاة لم تعد ذات إلزامية، فكل بحسب ضميره ومزاجه، والمجتمع لا يعبأ لشأن شخص لا يؤتي الزكاة، ما دام منسجماً مع القطعان في ترتيلاتها الببغائية، يصدف أن يغش الناس ويحتالوا في السلع والمعاملات التجارية، لكنهم يعطون مختلف التبريرات لتصرفاتهم، وفي أسوأ الأحوال، يقرون على مضض بذنبهم ويستغفرون الله، العلاقات الجنسية الخارجة عن نطاق الزواج، طابوه كبير يتحفظ حوله الجميع شفوياً ويخوضون فيه جمعياً بالصيغة العملية، العلاقات الخارجة عن مؤسسة الزواج رائجة وشائعة بمختلف تجلياتها، كله تحت غطاء الحجاب وستائر الليل بل وحتى تحت غطاء الدين أحياناً، إذا ما التفتنا إلى زواج المسيار وزواج المتعة على سبيل المثال، الأغاني والإستماع إليها شائع ورائج جنباً إلى جنب مع القرآن ومجوديه، وإن كانوا يصدرون أحكاماً قاسية على أنفسهم والآخرين، فهي حرام؛ مزمار من مزامير الشيطان، لكن؛ الله يعفو، الله يغفر، الله يتجاوز، لا يمكن لأحد أن يصرح بعدم حرمتها، لا يتجرأ أحد على فعل ذلك، هي حرام بنص واضح في الدين، لكن؛ تفتح نقط حذف لا متناهية، لننصت قليلاً، لنشبع ضعفنا الإنساني قليلاً، لنتواطأ مع الشيطان في تمثيلية سمجة، حيث نبدو فيها أننا الضحايا الأكبر، ضحايا خدعة شيطانية قبضت وأحكمت قبضتها على أنفسنا الضعيفة، الشيطان الأكبر، الملعون، ويبقى الله الرحيم، القوة الطيبة، الله الأكبر والأرحم والأقدر على المغفرة، هل هي محاولة للتملص من أعباء هكذا دين؟ محاولة تحبك في اللاوعي لتنتقل مباشرة إلى المجال الملموس؟ وبصيغة أوضح، هل هي محاولة لمراوغة الله والإلتفاف على تشريعاته المعقدة المنهكة؟ هنا يتبدى انتقاص كبير للذات الإلهية وبطريقة غير واعية، الناس يستبعدون حضور هذه الذات كلياً في حياتهم اليومية، ولا يستحضرونها إلا عند حلول المصائب وفي لحظات العجز والضعف والحاجة القصوى، حين تقفل كل أبواب البشر، فلا تبقى إلا باب ذلك الغائب الحاضر الأعظم، وفي عملية يائسة يطبقون مضامين تلك المقولة المشهورة: "لا ملحدين في الخنادق" بطريقة ما، وإن كان هذا لن يجدي؛ فله آثار نفسية عظيمة عند هؤلاء الناس، فهنا يستشعرون بقوة العالم الآخر، القادم، الآتي، الحاضر، وفي هذه اللحظات الإيمانية، يستلذون بالتخيل والتأمل والتمني، فيستهينون بوطأة المصيبة التي تحل بهم، فالذي ينتظرهم أفضل، وهذا هو الأمر الوحيد الذي يجمع بين مكونات هذا المجتمع المتناقضة والمتطاحنة، الإيمان بالقوة العظمى غير محدودة الرحمة، وبالعالم الآخر حيث سيخلدون فيه، حيث أن النبي سيشفع لهم عند ربه، حيث أنهم أفضل من الآخر السيء الذي يخترع ويطور ويمنحهم مقومات حياة أفضل، لكنهم ـ وفي رأيهم ـ يستغلون إنجازات هذا الآخر، يعتقدون أنه مهما علا كعبه فإنه لا يعدو كونه حطباً لجهنم، وأنهم مهما دنى شأنهم، فلهم إنجازات الآخرين التي يعتاشون عليها كالطفيليات، ولهم العالم الآخر بأسره ينعمون فيه بالخلود والمتعة ويهزؤون فيه بهذا الآخر الذي أضنى نفسه في العمل والكد في الحياة الدنيا، ولم يجد غير النكران في الحياة القادمة... هذا هو الإعتقاد الذي أصبح يؤمن به هؤلاء.



#محمد_العلمي_الوهابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديث الحلوان
- ربيع قاتل
- عربي أنا
- إلى إبراهيم
- إشكالية الفوضى السلبية في مجتمعنا
- ليل مريض
- حلم سوريالي
- رماد أحمر
- جرد لعام الثورات المشرقية
- بين الثابت والمتغير
- وطني الغالي
- النبَّاحون الجدد!
- رجال الدين امتداد للأوثان العربية القديمة ...
- حلوة يا بلدي ...
- مسلم بالوراثة يتساءل ...
- قلنا لهم : طز، فزعلوا !
- الى المدعوة ماغي


المزيد.....




- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...
- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار ...
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج ...
- استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
- “فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد العلمي الوهابي - قواعد الدين المسخ