|
(( محمد النبي (ص) والواقعية السياسية )) القسم الثالث / السياسة الخارجية .
سلمان مجيد
الحوار المتمدن-العدد: 3790 - 2012 / 7 / 16 - 09:12
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
كان لابد ان نستكمل الجانب النظري والعملي ، لمنظومة الدولة كمؤسسة اجتماعية في جانبها السياسي ، المتمثل بالسياسة الداخلية و السياسة الخارجية ، وهذه التكاملية بين السياستين ، هي حتمية من منظور علم الاجتماع السياسي ،فلا يمكن ان نجد كيانا سياسيا ــ مهما كانت درجته في سلم التطور الاجتماعي ــ الا ان تكون له سياسة داخلية ، وهذه قضية حتمية ، لانها تعد تجسيدا لطبيعة الاجتماع الانساني ، وتبقى السياسة الخارجية لاتقل ضرورة عن الاخرى ، لانها تعبير عن تبادل المصالح بين الامم او الدول ، وحتى اصغر الكيانات كالقبائل ، وان حتمية هذه ، تاتي من التنوع الطبيعي ، الذي يتحكم بنوع التخصص في الانتاج لتلك الكيانات السياسية ،الذي لايختلف كثيرا عن عملية تقسيم العمل داخل المجتمع الواحد ، لهذا كله ، وحتى ننظر الى دولة محمد (ص) ، ككيان سياسي متكامل ، في جانبيه الداخلي و الخارجي ،لابد من توصيف سياسته الخارجية ، بعد ان اشرنا في الاقسام السابقة ،الى ملامح سياسته الداخلية . والملاحظ ان هذه السياسة ( اي الخارجية ) قد بدات ارهاصاتها ، حتى قبل ان تقوم دولته ، ليس عن سابق تخطيط ، بل جاءت متماهية مع تطور احاث ( دعوته ) التي كان من اخطرها ، هجرة اصحابه من ( مكة ) ، نتيجة لسياسة البطش والتنكيل ، التي مارسها عتاة قريش ضدهم ، فكانت الهجرة الاولى الى الحبشة ، وان هذه الهجرة لم يعد لها عمليا او سياسيا ، كما اعد للهجرة اللاحقة الى يثرب ، وان هذا الامر يعتبر خارج سياق قواعد العمل السياسي الخارجي ، حتى في تلك المراحل التي كانت السياسة الخارجية بين الامم تحكمها ( القوة الهمجية ) ، فمن حق السائل ان يسال ، لماذا اختيرت الحبشة لكي تكون الملجآ لهؤلاء المشردين ، وكيف تقبل الاحباش ، وعلى راسهم ( النجاشي ) لهؤلاء ، الاجابة على ذلك ، يعتمد على امور افتراضية ، تتعلق بالعلاقة المعنوية بين البشر ، على قاعدة : ( ان البشر نوعان ، اما اخ لك بالدين او نظير لك بالخلق ) ، وهذا الاعتقاد مفاده : ان محمد (ص) لم تكن له دولة ــ انذاك ــ كذلك لم تكن هناك اتصالات بينه وبين الاحباش ، وفي مجمل ذلك ، انه لم تكن هناك مصالح مادية بين الطرفين ، خاصة بالنسبة للاحباش ــ الجانب الاقوى ــ في المعادلة بين الطرفين ، سوى ذلك الرابط الانساني والروحي بين البشر ، الذي اعتمد عليه محمد (ص) في ضمان سلامة اصحابه في الحبشة ، حيث قال لهم ما معناه : اذهبوا الى الحبشة ان فيها ملك لايظلم عنده احد ، وفعلا تجسد عدم ظلم ذلك الملك الجليل ، عندما اوفدت قريشا ( عمر بن العاص ) لاسترجاع هؤلاء المهاجرين ، الا ان هذه الوفادة فشلت ، بالرغم من خبرة ( ابن العاص ) في العلاقات الخارجية لقريش ، كذلك صداقته الشخصية ( للنجاشي ) ، وكان من نتيجة ذلك الفشل ، ما صرح به ( ابو سفيان ) : بان ( محمدا قد استلب منا حلفائنا ) ، ان بوادر سياسة خارجية بهذا الشكل ، لابد ــ للمنصف ــ ان يقدر المبادئ الانسانية التي ارتكزت عليها ، دون المصالح المادية ، التي تجسدها سياسة الدول الرآسمالية في عصرنا الحالي ، بالمبدا القائل : ( بان ليس هناك صداقات دائمة ، بل هناك مصالح دائمة ) ، وحتى يكون الموضوع يتلائم مع مفهوم الواقعية ، لابد من الدخول الى الاجراءات العملية ، للسياسة الخارجية لدولة محمد (ص) والمبادئ التي اعتمدتها ، وعلاقتها بالسياسة الداخلية . اولا / العلاقة بين السياسة الداخلية و الخارجية : الملاحظ واستنادا الى ما تقدم ، ان محمد (ص) لم يفصل بين السياستين ، بالرغم من ان ظروف تاسيس الدولة يتطلب الاهتمام بالداخل اكثر من الاهتمام بالعلاقات الخارجية ، ولكن ضرورة تحصين الداخل لابد من تحسس الخارج والعمل على تحديد نوع العلاقة تلك ، استنادا الى موقف الخارج ، وهذا ما قام به ــ بعد تاسيس الدولة ــ بان ارسل الرسل والسفراء الى اقوى ( القياصرة و الاباطرة والاكاسرة ) للامبراطوريات التي كانت قائمة في حينه واستخدم في مخاطبتهم الرسائل والسفراء ، وتوثيقا لمصداقية ما كان يحمله ( الرسول ) من رسائل ، فانه قد وثقها ( بالخاتم ) ، ولم يقتصر الامر على تسليم الرسالة ، بل اعطى الصلاحية لهؤلاء ( الرسل و السفراء ) بمناقشة ما فيها ، ايمانا من محمد (ص) على ان هؤلاء لديهم القدرة على توضيح ما قد يكون غير واضح بالنسبة لهؤلاء االحكام ، والذي قد يكون سببه : صعوبة التفاهم عبر المترجمين ، او اختلاف المفاهيم و الرؤى ، سياسية كانت او عقائدية ، وقد يؤدي هذا الفهم السئ ، الى حدوث ما لايحمد عقباه ، كما حصل ل (عبدالله بن حذافة السهمي ) الذي ارسل الى ( كسرى الفرس ) ، حيث تم التنكيل به ، ليس لسوء الفهم ــ الذي اشير اليه اعلاه ــ بل لتلك النظرة المتعالية التي كان ينظر بها حكام تلك الازمنة ، حيث كان ردهم لايخرج عن دائرة العنف التي يواجهون بها اعداءهم او ما يفترض ان يكونوا اعداءهم ، لذلك فان محمدا (ص) قد ادرك مسبقا حقيقة موقف هؤلاء من هكذا ــ دعوة ــ فكان لابد من قوة في اللهجة ، في مخاطبة الحكام ، وهذا قد بني من قبل محمد (ص) على افتراضية واقعية الصراع بين دولة فتية ، ليس لها من القوة ، الاما يوفر ــ على اقل تقدير ــ التكافئ مع قوة قريش والقبائل الاخرى ، وقد تنتصر عليه او تنهزم امامه ، لذلك قد يستغرب البعض ، كيف لكيان فتي ( دولة المدينة ) يتحدى قوتين ، كالروم و الفرس ، بموجب الدعوة التي حملتها الرسالتان اللتان ارسل بهما محمد (ص) الى كل من قيصر وكسرى ، وهي دعوته لهم ( اسلم تسلم ...... ) فالنظرة الموضوعية لكل ماورد في الرسالتين ، يرى انهما تستهدفان امرين : الاول / يتعلق بالداخل ، محاولا في ذلك ، استغلال حالة السلام بعد صلح الحديبية ، وما اعقبه من احداث ، ومحاولة تيئيس اعدائه ومعارضيه خاصة من ( المنافقين ) في الداخل . الثاني / هو مايتعلق بالخارج ، كان بالنسبة للروم و الفرس ، وذلك بان الصحراء ستتمخض عن قوة قادرة على ليس مقارعتهما فقط ، بل و مكافئة لهم ، وتاكيدا لهذه الصورة ، ما تضمنته الرسالتان ، بمخاطبة زعماء هذه الامبراطوريات ، بانهم ( عظماء بني جلدتهم ) و ليس غير ذلك . وبهذا يكون قد تم اعطاء لمحة بسيطة ومقتضبة ــ جدا ــ لملامح تلك السياسة الخارجية ، والتي قد خطط لها محمد (ص) استنادا الى المبادئ الجديدة التي جاء بها ، والتي تعتبر خارج سياق المآلوف ــ انذاك ــ مما قد كان يؤدي الى نتائج غير التي حدثت بعد موته (ص) ، لتغير طبيعة المنظومة السياسية التي سار عليها من جاء بعده ، ليس ــ فقط ــ في الداخل بل في الخارج ايضا ، والدليل على ذلك ، انه هناك مشروع معد مسبقا لما بعد محمد (ص) هو وقوف البعض من اصحابه موقف المتباطئ ، بل المتلكآ من المهمة التي اوعز بها الى ( اسامة بن زيد ) وهو على فراش الموت ، فلم ينفذوا امره بل ابطلوه بعد موته ، لتبدا مرحلة جديدة من السياسة الداخلية و الخارجية ، التي ما عليها وما اليها ، كما يعرف الكثيرون . ــ تم ــ
#سلمان_مجيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(( محمد النبي (ص) و الواقعية السياسية ) القسم الثاني / ثالثل
...
-
(( محمد النبي (ص) والواقعية السياسية )) القسم الثاني / ثانيا
...
-
(( محمد النبي (ص) والواقعية السياسية )) القسم الثاني / اولا
...
-
(( محمد النبي (ص) و الواقعية السياسية )) القسم الاول
-
الفلسفة : ( حب ) و ( حكمة )
-
الحزب يساوي العشيرة
-
الزعتر تحت الشوك
-
مفهوم المساواة في السياسة والاقتصاد و الاجتماع
-
صفحات من شخصية محمد (ص) زواجاته و حروبه
-
الحرية بين النظرية و التطبيق ( القسم الثاني )
-
الحرية بين النظرية و التطبيق ( القسم الاول )
-
سايكولوجية الفنان و سوسيولوجية الفن
-
المجتمع : المتهم دائما
-
علي الوردي و ( لائاته )
-
عالم الاجتماع الدكتور عبد الجليل الطاهر
-
الصدفة والواقع
المزيد.....
-
وكالة تجسس تكشف تفاصيل عن جندي كوري شمالي قبضت علية أوكرانيا
...
-
الصين تطلق أول كاسحة جليد للبحوث العلمية
-
-اليونيفيل- تؤكد أن حماية المدنيين أولوية
-
لجنة التحقيق الروسية توجه اتهامات إلى رؤساء الإدارة الرئاسية
...
-
-جرائم السكاكين-.. شرطة ألمانيا تطالب بعدة إجراءات لمكافحة ه
...
-
إيلون ماسك: المريخ سيكون -العالم الجديد- كما كان يطلق على أم
...
-
الحوثيون يعلنون استهداف مطار بن غوريون وموقع حيوي في يافا
-
مصر.. الكشف عن تفاصيل الاعتداء على سائح في شرم الشيخ
-
السوداني: أي خلل في سجون سوريا سيدفعنا لمواجهة الإرهاب
-
أبرز 8 قرارات سيوقعها ترامب فور دخوله البيت الأبيض
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|