جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3787 - 2012 / 7 / 13 - 00:43
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الفرق بين الإسلام والمسيحية هو نفس الفروقات الموجودة في المجتمع الزراعي والمجتمع الرعوي, فالإسلام نشأ في بيئة صحراوية لا تعرف الطقوس الزراعية والمسيحية نشأت في مجتمعات زراعية لا تعرف الطقوس الرعوية ولا حتى تؤمن بها وكلمة الله خالقة تخلق من غير أنثى في المجتمعات الرعوية ولكن لا يوجد للإله أبناء,بعكس المجتمع الزراعي الذي يرى للإله أبناء أو أن المجتمع كله أبناء الله وأحبابه , فالله في مراجعنا الدينية يخلق من خلال الكلمة وما عليه إلا أن يقول(كن فيكون) دون أن يحبل ويحمل ويذهب ليسقط الحمل في المشفى ,وأول قصة عن الخلق بفعل الكلمة كانت قصة (مردوخ) الذي تحدى أمه المرأة(تعامة) التي تحمل وتنجب فأراد أن ينافسها فخلق بفعل الكلمة الخالقة الكلمة القوية السحرية التي تُميتُ وتحيي ,وهنا وقع الفقهاء المسلمون في أخطاء شنيعة أو تخبطوا في متاهة كبيرة حين قالوا بأن المسيح كلمة الله ألقاها إلى مريم البتول والذي جعلهم يقعون في التخبط هو إصرارهم على أن القرآن كلام الله, دعونا نتوقف عند هذه النقطة لنقف مع المفكر(أحمد بن أبي داؤود) أيام الخليفة المأمون المُتشرب لعلم الكلام والفلسفة ومع الجاحظ والعلاف وكبار المعتزلة الذين قالوا بأن القرآن مخلوق مثله مثل عيسى بن مريم(يسوع) ومثله مثل آدم ذلك أن آدم وعيسى بعرفهم قد خلقهم الله بفعل الكلمة وكل كلمة من كلمات الله مخلوقه وهذا معناه مرة أخرى بعرفهم السائد أن القرآن مخلوق له روح وله جسد وحتى إن لم يكن له روح وجسد فهذا لا يعني أنه ليس مخلوقا بل هو مخلوق لأنه كلام الله والله يخلق بالكلمة.
وفي اللغة العربية كلمة (خلق) من الأفعال المتعدية لأكثر من مفعول واحد , أي كلمة في اللغة العربية تؤدي معنى الخلق نقول عنها أنها فعل متعدي لأكثر من مفعول به واحد إلى أثنين وإلى ثلاثة إذا تدخل القلب وحل محل العين مثل(رأى) من رؤية العين وتتعدى إلى مفعولين,أما (أرى) فهي من رؤية القلب وتتعدى إلى ثلاثة مفاعيل..إلخ.
وكلنا نعرف محنة الإمام أحمد بن حنبل حول مسألة خلق القرآن ؟فهو لا يرى القرآن مخلوقا بينما رآه المعتزلة مخلوقا لأنه كلام الله , فالله كل كلامه في القرآن فعل خلق وإبداع وابتداع وأي كلمة تؤدي معنى الخلق فإنها تتعدى لأكثر من مفعول واحد لأنها علة فاعلة وكل القرآن جملة وتفصيلا عبارة عن كائن مخلوق.
إذاً اتفقنا :على أن كلام الله هو العلة الفاعلة وهذا يعني أن الكلمة روح حية والله هو العلة الفاعلة ونحن العلة الثانية المفعول بها وهذا يعني أن كلام الله هو روحه التي يضعها أينما أراد.
لهذا المسيح كلمة الرب أو كلمة من الرب ألقاها إلى مريم البتول العذراء أكمل الإناث خلقا وخلقا .
والكلمة هنا هي الروح القدس أو الإقنوم الثاني في جسد عبد من عباد الله أصبحت به روح الله فأصبح مخلوقا مزدوجا .
وكان هذا النوع من الإيمان ليس غريبا فالوثنيون كانوا يؤمنون بأشخاص وأبطال نصفهم بشر ونصفهم إله وهذا لم يكن على الناس في المجتمعات الزراعية غريبا أن يسمعوا بشخص نصفه إله ونصفه بشر لأنهم اعتادوا على سماع حكايات مثل تلك الحكاوي وخصوصا عن ملحمة(الإينوما إيليش-عندما في الأعالي) , ومن هذه الفكرة انتقل الناس الوثنيون للمسيحية بسرعة لأنهم يحملون مثل تلك الأفكار وهي ليست غريبة عنهم أن يموت الإله ويعود من جديد طالما أن دموزي أو تموز يعود من جديد بعد سقوط المطر وبعد أن يموت في شهور الحصاد.
.
إنها رومنسية رائعة أن يولد لله ابن مقدس يعيش حياته مكفرا عن آلام البشر يصارع قوى الشر لصالح قوى الخير ويصارع قوى الظلام لصالح قوى النور وأن تنتصر في النهاية قوى الخير على قوى الشر والنور على الظلام والعبودية والنهار على الليل والأبيض على الأسود.
إذن المسيح ولد من ثنائية الكون المتصارع فهو أبن النور والنهار والخير ,وتخليص البشر هو المبرر الوحيد لنزول إبن الرب إلى ساحة المعركة لأمر ضروري جدا وهو الخلاص.........إلخ .
وكل مذهب فكري يرى المسيح بمنظاره الخاص فهذا اللغز المحير تفكه أحيانا طبيعة المؤمنين بشخصية المسيح فالذين يرونه ذا طبيعة واحدة تكون أصلا شخصيتهم الخيالية غير قادرة على لمس ومس مكونات المسيح الرومنسية والشخصية غير الخيالية تكون أصولها رعوية تفتقر إلى الخيال والتخيل ولا تعرف ما معنى أن يموت الزرع ومن ثم يعود من جديد, والذين رسموا يسوع صورا مختلفة لم يكونوا وثنيين يعبدون الأصنام ولكنهم كانوا وما زالوا يرونه شخصية خيالية مثالية صوفية رومنسيتهم حالمة بعودته ولمس جراحهم أينما كانوا ,هم فنانون مرهفون في الحس والسمع والبصر وطبيعة الحياة الزراعية زادت لهم رصيدا جديدا من المخيلة المُنطلقة إلى عالم الموت والبعث والقيامة من جديد من بعد الموت,وكثيرون هم القادة العسكريون الذين ادعوا بأن أمهاتهم حملن بهم من الإله وادعوا أن نصفهم بشر ونصفهم آلهة وكانت الناس بين مصدق ومُكذب ولكن حين جاء المسيح صدق الناس أنه ابن الله ولم يكن الأمر عليهم غريبا,ولو كان غريبا لَما أصرت أم يسوع على أقوالها بأنه ابن الله,لقد كانت تعرف أن هذا الأمر ليس غريبا عن المجتمع الزراعي بقدر ما هو غريب ومستهجن عند البدو, فالناس في المجتمعات الفلاحية الزراعية سمعهم وبصرهم هي حواس غير عادية ولا تلتقط الأشياء العادية فقط لا غير وإنما تلتقط أشياء من رؤية القلب كما هي أفعال القلوب في اللغة العربية,والقرآن يعترف بذلك إذ أنه يعتبر أن أرقى الأمم في العصور الوسطى كانت الأمم والمجتمعات الزراعية الفلاحية وذلك حين يصف القرآن المؤمنون بأنهم(فالحون) ومفلحون,وكلمة فلاح تعني الإنسان المتحضر بعكس رعاة الأغنام ورعاة الإبل أصحاب المزاجات السيئة,وعلى فكرة وحتى لا أنسى أقول: بأن الذين آمنوا بعيسى على أساس أنه ابن الله وبأنه قام وصعد إلى السماء وبأنه يحيي الموتى لم يكن هذا الأمر غريبا عليهم والسبب في عدم الغرابة هو أن المسيح نشأ في مجتمع زراعي ولدى هذا المجتمع تصورٌ طبيعي عن موت النباتات في فصل الصيف وعودتها للحياة في فصل الشتاء أو بعد أن تُسقى بالماء ودائما في المجتمعات الزراعية هنالك موت وحياة من جديد تتكرر في نفس المشهد العام الذي يراقبه الفلاحون من خلال ترقبهم لعودة الربيع وعودة القمح بعد موته وحصاده لذلك هنالك الإله تموز ودموزي ورحلة عشتار إلى العالم السفلي وعودتها من جديد وكل أسماء الشهور عندنا تعني الموت والبعث من جديد للإله الذي ينزل مع نزول المطر ويموت في موسم الحصاد,وهذا هو السر الذي جعل القرآن غير مؤمنٍ بتاتا بعودة الإله بعد موته أو قيامه من بين الأموات ذلك أنهم شعوب رعوية لا تعرف الطقوس الزراعية.
وكنت في صبايا مغرم بشخصية المسيح وكنت أراه أحيانا كما تملي على مخيلتي هواجسي وأفكاري فأحيانا كنت أراه نبيا بشرا ألهه البشر بسبب سكرهم العقلي من شدة الظلم والاضطهاد الذي يقع بهم وهذه حالة نفسية فكثير هي الشعوب التي تر ى المسيح بينها يظهر ويختفي بسبب عوامل القهر الاجتماعية والذين يصرون على إيمانهم بحضوره بينهم يبقى بينهم والذين يضعف إيمانهم به يرحل عنهم مثل قصة مسلسل إدارامي يظهر به البطل ثم يختفي.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟