|
-حكم بين السلطات-، أضلولة أخوانية
عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 3787 - 2012 / 7 / 13 - 00:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في الديمقراطية، السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية لا تسبح في فضاء منفصلة ومنعزلة تماماً عن بعضها البعض دون رابط ومقصد مشترك. إنما هذه السلطات أشبه بثلاثة أفرع في شجرة واحدة نابتة ومتغذية ومتطورة في تربة واحدة ونفس التربة، المجتمع الذي نشأت فيه وتسعى إلى إدارته وتحديثه وترقيته. من ثم لابد من مساحة من التداخل والتعاون والتوازن المتبادل فيما بينها، خاصة وأنها مشتركة في نفس المنشأ ونفس المقصد، الذي هو المجتمع الذي تعيش وتعمل فيه. في الحكم التقليدي المستبد، السلطة واحدة غير مقسمة، بيد حاكم واحد أي من كان. عكس ذلك، في الحكم الديمقراطي السلطة موزعة بالتساوي والتوازن بين أفرع ثلاثة تشريعي وتنفيذي وقضائي. في تشبيه آخر، الدولة السلطوية القديمة تحكمها رأس واحدة، بينما الدولة الديمقراطية الحديثة تحكمها ثلاثة رؤوس مجتمعة ومتعاونة. لابد من مشاركة وعمل الرؤوس الثلاثة معاً حتى تتمكن منظومة الدولة من العمل وإشباع احتياجات مواطنيها ورفاهيتهم.
مهمة المجالس التشريعية أن تشريع القوانين، التي تستلمها منها المجالس التنفيذية لكي تتولى تنفيذها، ثم ترصدها وتراقبها الهيئات القضائية وتحكم ما إذا كانت سليمة فتصدق عليها، أو ما إذا كانت معيبة غير مستوفية الإجراءات المطلوبة، أو غير دستورية، فتبطلها. مهمة الحكم مقسمة إلى ثلاثة مراحل. في النظم التقليدية الاستبدادية، هذه المراحل الثلاثة مختزلة في واحدة فقط، حيث يستطيع الحاكم الفرد أن يقوم بأدوار التشريع والتنفيذ والقضاء دفعة واحدة وفي وقت واحد، حيث تكون كلمته هي القانون، والتنفيذ يتم بأوامره، ولا جهة تستطيع أن تراقب، وتصدق أو تبطل، تصرفاته مهما كان شططها. في الديمقراطية، هذه المراحل الثلاثة مبنية على بعضها البعض، ومكملة لبعضها البعض، لأنها في النهاية تشكل مكونات ثلاثة أساسية وضرورية لفعل الحكم الديمقراطي الصحيح دستورياً. إذا غاب الشق التشريعي أو التنفيذي أو القضائي، كل من جهته المختصة به، لن يكتمل فعل الحكم الديمقراطي المطلوب ولن يتحقق أثره على أرض الوطن. في مثال توضيحي، إذا كانت الحكومة، الممثلة للسلطة التنفيذية، تريد زيادة أجور العاملين الذكور فقط بنسبة خمسين بالمائة، حينئذ لابد من قانون يصدره البرلمان الممثل للسلطة التشريعية قبل أن تبدأ الحكومة في تنفيذ تلك الزيادة بالفعل. بعدها، إذا أقام شخص دعوى أمام المحكمة يتهم مثل هذا القانون التشريعي والفعل التنفيذي المبني عليه بالجور والظلم بحق النساء ومخالفته لمبدأ المساواة بين جميع المواطنين بصرف النظر عن الجنس أو العرق أو اللون كما ورد بالدستور، سيكون من سلطة المحكمة أن تبطل هذا القانون وتلغي أثره فوراً، ومن ثم يعود الأمر إلى نقطة الصفر من جديد، ليبدأ البرلمان في تعديل القانون بما يأخذ في الاعتبار حكم المحكمة، وتبدأ دورة جديدة ثلاثية المراحل. في جميع الأحوال، فعل الحكم الديمقراطي لا يتم إلا بتكامل وتوافق وتطابق الأفرع الثلاثة التشريعي والتنفيذي والقضائي. كل فرع مختص بمرحلة واحدة من ثلاثة، دون أن يكون له أي حق للتدخل في المرحلة التي تسبقها أو تليها. ثم لا يكتمل فعل الحكم الديمقراطي الصحيح إلا باكتمال المراحل الثلاثة الصحيحة. هكذا تبدو السلطات الثلاثة كما لو كانت حلقات مستقلة ومغلقة ومكتفية بنفسها، لكنها في الوقت ذاته متشابكة بقوة في سلسلة واحدة.
في الآونة الأخيرة، لوحظ أن ألسنة أخوانية طليقة تلوك ألاعيب وأضاليل من مثل أن الرئيس "حكم بين السلطات". في العرف الديمقراطي، رئيس الدولة هو رأس السلطة التنفيذية، التي هي منفصلة ومستقلة بالضرورة عن السلطتين الأخرتين التشريعية والقضائية. أما في العرف الاستبدادي، يستطيع الرئيس أن يلعب مثل هذا الدور التحكيمي بين السلطتين الأخرتين، فيعلوا بالضرورة ويسود عليهما. هذا الرئيس "الحكم بين السلطات" هو بالضرورة حاكم ديكتاتور ومستبد، يشغل نفس المنصب الذي شغله من قبله الرؤساء المخلوعين محمد حسني مبارك في مصر، وزين العابدين بن علي في تونس، ومعمر القذافي في ليبيا، وعلى عبد الله صالح في اليمن، والبقية تأتي.
الرئيس ليس سلطة رابعة فوق السلطات الثلاثة ليحكم فيما بينها، إنما هو مجرد واحد من الثلاثة لا أكثر. وإذا حدث، كما يزعم الأخوان، أن أصبح رئيس الدولة، ممثل السلطة التنفيذية، حكماً، ومن ثم سيداً، على السلطتين الأخرتين التشريعية والقضائية، حينئذ أصبح رئيس الدولة يجمع بيده فعلاً السلطات الثلاثة مجتمعة، وأصبحنا أمام حاكم مستبد كما اعتدنا عليه طوال تاريخنا الماضي. عندئذ لن تعود هناك حاجة من الأصل لمبدأ الفصل بين السلطات، طالما أصبحت إحداها متحكمة في الأخرتين ومهيمنة عليهما. نصبح أمام حكم تقليدي، استبدادي. قد يكون هذا هو بالفعل ما يريده الأخوان، وقد يكونوا يتحدثون عن جهل.
الحكم الوحيد، إذا كان هناك حكم فعلاً خلاف المصلحة العامة، بين السلطات الثلاثة هو الدستور، لأنه الأصدق تعبيراً عن الإرادة والمبادئ والقيم والتطلعات الشعبية، أو هكذا ينبغي أن يكون.
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدائرة الأخوانية الإسلامية المغلقة
-
سلطان الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر
-
نصف إله + نصف شيطان = مساواة
-
الحرية وتطبيق الشريعة
-
امسك...إسلامجية حرامية
-
آلهة شياطين
-
بسم الدين وبسم العلم...نخون الوطن
-
وماذا لو حكم الأخوان؟
-
من ثورة مدنية سلمية إلى زحف إسلامي ترهيبي
-
هزيمة مشروع الإسلام السياسي في مصر من الجولة الأولى
-
أسطورة الإله...أسطورة الوطن
-
أدعياء دين وكاذبون ديمقراطية
-
تحالف المشروع الأخواني-السلفي، نعمة أم نقمة؟
-
أسطورة القوانين الوضعية والشرائع السماوية
-
السيادة أين، للدستور، أم الشريعة؟
-
رحمة الله عليك يا مبارك، كيف تعدمون ميتاً؟!
-
في مصر، صراع وجودي بين الله والإنسان
-
شفيق ومرسي، بالكرسي...إلى الجحيم
المزيد.....
-
أمينة خليل والسعدني وشاهين بمسلسل -لام شمسية- في رمضان
-
أحمد الشرع يكشف ما بحثه مع محمد بن سلمان في الرياض: -لمسنا ر
...
-
نعيم قاسم: تشييع حسن نصر الله وهاشم صفي الدين يوم الأحد 23 ف
...
-
إيران تسدل الستار عن صاروخ -اعتماد- الباليستي بمدى 1700 كيلو
...
-
ترامب يقر بتداعيات حرب الجمارك وشولتس ينتقد تقسيم العالم بحو
...
-
الرئيس السوري أحمد الشرع بعد لقائه ولي العهد السعودي في الري
...
-
الحرس الثوري الإيراني يكشف عن -مدينة صاروخية- جديدة تحت الأر
...
-
إسرائيل تفجر عددا من المنازل في مخيم جنين (فيديو)
-
إعلام: نتنياهو يسعى لإقناع ترامب بتأييد خطته لمواصلة الحرب ع
...
-
وزارة النقل الأمريكية تصف نظامها لمراقبة الحركة الجوية بأنه
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|