|
معرض القاهرة والكتب
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 1107 - 2005 / 2 / 12 - 11:43
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
من الواضح أن معرض القاهرة الدولي للكتاب – وقد أصبح له تاريخ يمتد إلي سبع وثلاثين دورة – لا يمكن أن يكون مجرد مكان لبيع الكتب ، أو ساحة تجارية . والأرجح أن الدولة أرادت وتريد وتسعى بمعرض الكتاب إلي احتفال ثقافي وسياسي يترك أثرا مقترنا بمعنى التحضر والثقافة والحرية . ولو أن الهدف من المعرض هو " شراء وبيع الكتب " لأمكن بسهولة استئجار محلات عمر أفندي بكل فروعها في القاهرة لعرض مختلف المطبوعات على مدار السنة . الفارق الحاسم بين محلات وسط البلد ومعرض الكتاب أن الأولى مجرد أمكنة لبيع الكتب ، أما المعرض الذي تشرف عليه الدولة بكل ثقلها وكتابها ومسئوليها فلابد أن يكتسب معنى أبعد من ذلك ، أي لابد أن الدولة تخطط له لتقديمه دليلا على حيوية الدور الثقافي الذي ترعاه وعلى فكرة الدولة عن الثقافة ، و تعاملها معها ، وتصورها لطبيعة مهام المثقفين . باختصار لابد أن الدولة تتخيل أن المعرض في نهاية المطاف دعاية أو نوع من الدعاية لحسن إدراك الدولة لدور الثقافة ، وإلا فلماذا تكلف الحكومة المصرية نفسها كل تلك الأعباء المالية والتنظيمية ؟ ولماذا تعلن عن ندوات المعرض ؟ والمشاركين ؟ وتجتهد لاجتذاب أكبر عدد ممكن للمساهمة في ندوات المعرض ونشاطه ؟ . ومع الأخذ بعين الاعتبار أن البيع والشراء جانب مهم ، إلا أن الهدف الأكبر في آخر المتمة هو إقامة مهرجان كبير بجمهور كبير يخرج منه المواطن سعيدا بمدى اتصالنا بالثقافات الأخرى والكتب المطبوعة في مختلف البلدان ، مع قليل أو كثير من الندوات بقليل أو كثير من الأسماء التي تضفي – مع قليل أو كثير من الجهد - جوا متحررا على المهرجان الكبير . والمعرض إذن موضوع سياسي لكن على صعيد ثقافي . إلا أن المأزق الذي يواجهه المعرض كل عام دون أن يتمكن من تفاديه ، وخاصة هذه السنة ، يتجسد في الهوة الشاسعة التي تفصل بين رسالته المفترضة ، وجوهره الفعلي . فالرسالة المعلنة هي : حرية التفكير والتعبير وترسيخ مفهوم الثقافة وطرح مختلف القضايا للنقاش الحر وغير ذلك، أما واقع المعرض فهو : استبعاد الكثيرين من المفكرين مثل محمد السيد سعيد وإلغاء ندواته بعد الإعلان عنها ، بالرغم من أنه نائب رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام، واستبعاد آخرين من الأصل، وتنحية مفكرين يمثلون تيارات اجتماعية وسياسية عديدة . رسالة المعرض التي يسعى لتحقيقها هي الدعاية للحرية التي تتمتع بها الثقافة ، لكن الواقع أن الرقابة قد استأصلت عددا من الكتب من دار الآداب البيروتية ، ودار الساقي ، ودار الجمل ، وصادرت كتبا لنصر حامد أبو زيد ، وعبد الرحمن منيف ، وإدوار الخراط وغيرهم . رسالة المعرض – وهو عمل سياسي حكومي – أن يشكل دعاية للحكومة، وأن يشيع فكرة التحضر الذي يحترم الحرية والثقافة ، لكن عملية الاعتقال التي طالت عددا من الطلاب والمثقفين على أرض المعرض تقوض كل ذلك. جاء المعرض هذا العام نموذجا واضحا للطريقة التي تفكر بها الدولة في شئون الثقافة : إنها زينة ، واستكمال للديكورات بغض النظر عن الموضوع . المشكلة الحقيقية أن الكتب بطبيعتها تدعو إلي الحرية والتطور والتقدم ، ومن الصعب أن تصبح دعاية لغير ذلك ، بالضبط كما أنه لا يمكن استخدام منظار طبي حديث في الدعوة للعلاج بالزار ! مشكلة الحكومة أنها أرادت وتريد أن تنشر إعلانا عن الحرية فجاءت صورة الإعلان في هيئة شخص مقيد بالسلاسل، صودرت الكتب من حوله ، وارتفعت الأسوار حوله تمنع الناس من مواساته ، وبذلك انقلبت الدعاية إلي نكتة محزنة . لقد حان الوقت لكي تفكر الدولة في أن تكون أيام المعرض أياما للنقاش الحر بالفعل، لا يستبعد منه أحد ، وأن تصبح لأرض المعرض حرمة – مثل الحرم الجامعي - فلا تطأها أقدام رجال المباحث ، ولا تعلو في أجوائه عصي الشرطة ، حان الوقت لكي تتحرر كتب المعرض من أية رقابة ، هذا لكي تتطابق الرسالة المعلنة مع موضوع الإعلان .
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طول لسان رياض النوايسة
-
في وداع كاتب شريف
-
كلمة سحرية تتحدى الزمن
-
-- قصة قصيرة - بط أبيض صغير
-
من تثقيف العسكر .. إلي عسكرة المثقف
-
كعك أمريكي لسكان الفالوجة
-
ياسر عرفات .. تغريبة أخيرة
-
ليلة القبض على العريش
-
عبد الحليم قنديل .. اختطاف الحقيقة
-
محطة الضبعة ومستقبل مصر
-
العالم يحتفل بمئوية تشيخوف
-
صفحة الحوادث والأدب الروائي
-
القمة والقمامة في مصر
-
ثورة يوليو .. بهجة التاريخ
-
نموذج بولاق .. لسيادة العراق
-
طانيوس أفندي عبده .. الكاتب المجيد
-
بط أبيض صغير
-
أدب سياسي
-
مجموعة - نيران صديقة - لعلاء الأسواني
-
ترجمة الروح
المزيد.....
-
-ضربته بالعصا ووضعته بصندوق وغطت وجه-.. الداخلية السعودية تع
...
-
كيف يعيش النازحون في غزة في ظل درجات الحرارة المرتفعة؟
-
فانس: في حال فوزه سيبحث ترامب تسوية الأزمة الأوكرانية مع روس
...
-
3 قتلى بغارة إسرائيلية على بنت جبيل (فيديو)
-
-يمكن تناولها ليلا-.. أطعمة مثالية لا تسبب زيادة الوزن
-
Honor تكشف عن هاتف متطور قابل للطي (فيديو)
-
العلماء يكشفون عن زيادة في طول النهار ويطرحون الأسباب
-
لماذا نبدو أكثر جاذبية في المرآة مقارنة بصور كاميرا الهاتف؟
...
-
العراق.. انفجارات وتطاير ألعاب نارية في بغداد (فيديو)
-
مصر.. محافظ الدقهلية الجديد يثير جدلا بعد مصادرته أكياس خبز
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|