|
سايكولوجيا الحرف - 1
سامي فريدي
الحوار المتمدن-العدد: 3784 - 2012 / 7 / 10 - 13:51
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
سامي فريدي سايكولوجيا الحرف - 1 الحكمة الاولى: ما زاد عن حدّه، انقلب إلى ضدّه. الحكمة الثانية: ان سوء الفهم هو سيّد حياتنا. والحكمة الثالثة والاخيرة: أنه في تفكير كلّ منا، المجتمع مقسوم على نفسه، وكلّ قسم يعتقد أن الآخر هو سبب التخلف والبلاء!.
وهنا أعود إلى قواعد التفكير أو أساسيات الفكر، وأعتقد ان لدينا إشكالية بنيوية في تكوين العقلية، وأن هذه الاشكالية هي سبب قصر النظر وقصوره، ومنبع فوضى التفكير والسلوك المضطرب. مكمن علّة مريض الأعصاب أو المضطرب عقليا، هو اعتقاده.. أن الناس حواليه هم المرضى. وهذا يذكر بمقولة [الآخرون هم الجحيم]، ويجعل صاحبها هو الجحيم الذي عمل على اسقاطه على سواه. فالذي يرى الجحيم والفوضى والتخلف حواليه، عليه أن يدرك ويفهم أن هذا الجحيم أو الفوضى هي فيه، في ذاته، في فكره، في داخله. وان الخارج -(العالم)- انما هو [مرآة] لصورة الداخل –[الذات]-. ان هناك حقيقة واحدة هي في داخل كلّ منا. وبقدر ادراكنا لهذه الحقيقة – المستوى والطريقة-، تتشكل صورة العالم الخارجي. وأذكر هنا طريقة جواب يسوع على الذين يسألون عن –ملكوت السموات- عندمات قال لهم.. [الملكوت في داخلكم]*. فالمرء بحاجة للنظر داخل -ذاته- بتمعن ووضوح/ لكي تتوضح له رؤية العالم حواليه. كثيرون يرون العالم سيئا من حواليهم، وهم غير سعداء بذلك، ولكنهم في نفس الوقت عاجزون عن عمل شيء. وفي بلادنا يجري الحديث عن التخلف والفساد والظلم منذ عقود طويلة، فماذا كانت النتيجة؟.. اتساع رقعة التخلف والفساد والظلم، ومع ذلك يستمر الحديث والتنظير وتضييع الوقت.. لأن غالبية المتحدثين هم من فئة [الآخرون هم الجحيم]. أما المقولة المقابلة لها والتي تمثل صورة الشخص لنفسه فهي المتعارَفة بـ[البرّ الذاتي]. وهكذا تنكشف بدائية وسذاجة الأساس الذي ينطلق منه هذا النوع من الحديث أو التفكير، حسب التشخيص الأرسطي للتضادّ [أبيض/ أسود، ملاك/ شيطان، بريء / مجرم، فوق/ تحت، يمين/ يسار]. مع ما لمسائل التبرير الذاتي أو البراءة مما يجري، من أزمة شخصية تشغل كل فرد. وتمثل الكتابة/ الحديث أحد صورها. * لقد كان من جراء انتشار وسائل التعليم زيادة مضطردة في عدد الذين يجيدون القراءة والكتابة، وازدياد نسبة المتعلمين مقارنة بمتوسط القرن الماضي. مع فارق الكم والنوع في التعليم. فالمتعلم في القرن الماضي كان يحسب من فئة المثقفين، أما اليوم فقد ساد مفهوم الثقافة الشعبية (تلفزة/ انترنت) التي قربت بين حامل شهادة الابتدائية وحامل شهادة الدكتوراه. انتشار وسائل الاعلام الحديث وتقنيات الاتصال، انعكس أيضا في زيادة عدد الكتاب والمؤلفين.هذا التضخم الكمي جاء على حساب النوع أيضا. ففقد الكاتب أو المؤلف أو الأديب امتيازه الأدبي/ الثقافي/ الاجتماعي. إضافة إلى انسياح معايير الكتابة وابتذالها. انتشار التعليم وانماط التحديث وتقارب الشرق مع الغرب في أنماط الاستهلاك/ ليس أمر سيئا، بشرط أن لا تبقى الأمور في مستوى القشور والشكل والتقليد الببغاوي. فالعولمة والانترنت وأعداد الكتاب والمتعلمين ووسائل الاعلام لا تساعد في تغيير نوعية الحياة أو انماط التفكير. ومن حقّ كلّ متعلم/ كاتب/ مثقف أن يتساءل عن سبب انتشار الخرافات والخزعبلات وامتدادها الاجتماعي الأفقي مع انتشار العولمة والتعليم ووسائل الاتصال. بل أن ثمة ممارسات وشعوذات لم يكن لها مثيل سابقا. والذين يعتقدون بها ويمارسونها لهم شهادات اكادمية ومراكز علمية أو تربوية في المجتمع. فالمهندس والطبيب واستاد الجامعة والمعلم والكاتب في مقدمة مروجي التخلف والخرافة وسوق القطيع. هذا الواقع.. يضع ثقافتنا ومفهومنا للثقافة والعقل في دائرة الشك، والاتهام. فمفهوم الثقافة هو دورها في المجتمع، أي دورها الاجتماعي في تأهيل الانسان لقيادة أنفسهم نحو الأفضل. ومدنية الغرب وطرز الحياة اليومية فيه، هي انعكاس للثقافة الغربية. فهل يمكن القول أن حياة العرب اليوم هي صورة لثقافتهم. إذا كان الجواب بالايجاب، فمن هو الذي يصنع الثقافة، من ينتج الثقافة.. بل ما هو معنى الثقافة.. عندما يكون اتجاه الحركة إلى الخلف؟!.. كلّ الذين يعتقدون أنفسهم مثقفين عرب، هم غير منتجين، أي ليس لهم دور اجتماعي. فدالة الثقافة ليست الاحاديث والصور الاعلامية (بطاولة أو مايكروفون أو عباءة مرافعة)، انما بصورة تحديث الواقع. نشعر بالأسى حين نسمع أو نقرأ عن اتلاف كتب وحرقها او القائها في الماء، وننسى أن جوهر الكتب ليس في السطور، وانما ما يخرج منها ويلتبس في حياة الناس. فلو كان لها أهمية حقيقية، لما اتلفت!. في حياة العرب ثمة ظاهرة جديرة أن يدرسها الكتاب والمؤلفون؛ تلك هي قدرة بضعة من كتب تعود إلى أثني عشر قرنا قبل الآن، في صياغة تكوين عقلي وثقافي معين، ما زال مفعولها ساريا ونشيطا حتى اليوم. ونتسائل.. بالمقابل.. أين أفكار ابن سينا والفارابي وابن رشد والحلاج ونجيب محمود وعلي عبد الرازق وطه حسين وصادق العظم وعلي حرب وأحمد صبحي منصور ونوال السعداوي وسيد القمني وو... منذ أربعة عشر قرنا والعرب لا يقرأون غير كتاب واحد. ومنذ أربعة عشر قرنا وحركة التأليف والثقافة والمثاقفة والترجمة.. لم تتوقف، ولم تستطع الدخول في منافسة، أو تحرير العقل العربي من خدر الغياب والتغييب. جائزة نوبل وما يماثلها لا تمنح عادة لاسم الكاتب، وانما باسم كتاب من كتبه غالبا. لقد منحت لرواية (عراة وموتى) ورواية (طبل صفيح). لقد تساءل غونتر غراس يومها .. طالما كانت الجائزة عن رواية صادرة قبل أربعين عاما (1959)، لماذا لم يمنح الجائزة يومذاك!.. كلّ ما يحتاجه الكاتب هو كتاب واحد، يضعه للناس، ويترك مفعوله في الزمن. كثير من الأدباء برزوا بكتاب واحد ولم يستطيعوا تجاوزه. ولو استغرق الكاتب حياته يفكر في كتاب واحد، يستثمر فيه كل قدراته، على طريقة الانبياء.. لاستطاع أن يفيد البشرية بشيء. ولكن الغالب أن الكتاب يفيدون أنفسهم في يومياتهم، فيكون حالهم في جمع المقالات وتكديس العناوين، مثل مكتنزي المال، فلا يفيدون ولا يشبعون. فالكاتب الحقيقي هو من يعيش بفكره، لا بجسده!.
ـــــــــــــــــــــــ • "ولما سأله الفريسيّون متى يأتي ملكوت السماء اجابهم وقال لا يأتي ملكوت السماء بمراقبة. ولا يقولون هوذا ههنا او هوذا هناك لان ها ملكوت الربّ داخلكم. "- لوقا (17: 20، 21).
#سامي_فريدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ايران.. الطرف الثالث
-
ايران ليست صديقة ولا مسلمة
-
التفكير.. لا التكفير
-
ايران في العراق..
-
اشكالية ثقافة التعليم
-
عروبة ساسة العراق
-
العراق.. الجغرافيا السياسية
-
العراق.. والثوابت الوطنية
-
(سياسة التشيع في العراق)
-
الثقافة والسيطرة
-
التعليم والغربنة
-
الشباب والقيادة
-
تراجع النوع البشري
-
14 يوليو 1958 حاجة محلية أم ضرورة دولية (5)
-
14 يوليو 1958.. حاجة محلية أم ضرورة دولية (4)
-
14 يوليو 1958ن حاجة محلية أم ضرورة دولية /3
-
14 يوليو 1958 حاجة محلية أم ضرورة دولية.. (2)
-
14 يوليو 1958.. حاجة محلية أم ضرورة دولية (1)
-
في ذكرى أنطون سعادة
-
المركزية السورية أيضا..
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|