نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1106 - 2005 / 2 / 11 - 11:42
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
حرب المقاطعة
وما هي حكاية الكوكا كولا والهامبورغر والكنتاكي فقط الذي يركز الجميع على مقاطعتها وشجبها وإدانتها هذه الأيام؟ كما تدين وتستنكر الجامعة عملية الإصلاح ,دون غيرها من فيضانات البضائع العاتية التي تكتسح الشوارع والبيوت والمحلات والمطاعم وتحميلها لوحدها وزر الهزائم والإندحارات.وهل مجرد الإمتناع عنها سيحرر القدس, والأقصى, والجزر الثلاث وعربستان ؟هل لأن أحدهم يمتلك زمزم كولا أو مكة كولا؟ ويريد تسويقها وممارسة نفس فنون النصب والإستهبال ,التي أفلحنا فقط وحتى الآن في انتاجها في معامل الدجل والشعوذة والإحتيال, التي نمتلكها ونفخر بأننا أصحاب الوكالة الحصرية الوحيدة لها في العالم. ولكن للأسف لا أحد يشتري هذه البضاعة وعاجزين عن تسويقها إلا في رقع جهلستان وكذبستان وفقرستان.فكثيرا ما يصادف المرء دعوات هنا وهناك ونشرات يوزعها يافعون صغار سطا على عقولهم نصابون كبار, وتحوي كميات كبيرة من المنظفات والمزيلات والمطهرات الدماغية الممتازة التي تقذف بهؤلاء البؤساء تباعا وأفواجا إلى مغاور التاريخ وكهوف البشرية الحضارات .
وحكاية المقاطعة هذه قديمة جدا,وهي من الأساليب الدونكيشوتية الكثيرة التي استعملت في الصراع الوحيد الباقي على وجه الكرة الأرضية بعد أن نبذ الجميع لغة الدم والموت والقتال ,بينما حافظنا نحن على هذا التراث الذي ورثناه من عصور الإنحطاط, ولن نتخلى عنه في المنظورات من الأيام القادمات.ومازلنا نتحلى وبحمد الله وفضله فقط بالصراخ والزعيق والنعيق والنباح والهياج والسعار والنوبات الشتائمية الإنفلاتية من كل عقال ذات اليمين وذات الشمال. ولقد ورثنا ثقافة الحروب والمقاطعات والإقصاءات من جملة ما ورثناه من "الرفاهيات".ولنتفق بداية أن أمريكا بكل قوتها وجبروتها وغطرستها ,وتسلحها بفلسفة الكاوبوي والدولارات , مدانة وفي أكثر من صعيد وغير جانب ومجال, وعليها ,مثل غيرها, الكثير من المثالب والمآخذ والملاحظات.ولقد ذهب البعض حد وصفها بالشيطان الأكبر,وتبين فيما بعد ,أنها ليست الشيطان الوحيد على الأرض ,وهناك ومعها ,أيضا,الكثير من الأبالسة والشياطين والجان.
والآن لو فكر أحدكم أن يقاطع أمريكا ومنتجات الغرب,وأنا أدعوه أيضا لهذه الرقصة الثورية اللاهبة الملتهبة كالبركان, فعليه فورا وأولا أن يطفئ جهاز الكومبيوتر هذا ويرمي بكافة مكوناته من هارد ديسك وطابعة وسكانر وكاميرا وماوس, والشاشة التي يقرأ من خلالها هذا المقال الإنترنتي التي ان تي , الذي جعله متداولا, وبين الأيادي, فتى أمريكي أصبح أغنى رجل في العالم,وأغنى من لصوص وحرامية الشموليات جميعا, بفعل دماغه العبقري ,وليس بفضل العقل الجهنمي والشيطاني والدعم الأمني الذي ينهب و"يغزو" البنوك في الليل, ويدعونا في النهار لرجم هذا الشيطان.وعليه أن يغلق موبايله,ويترجل من سيارته العادية,وليس من السيارات الفارهات والكاديلاكات المصفحات ضد الشعوب وعيون الحساد الملاعين الأشرار,ويفصل الأنوار التي اخترعها أديسون,ويغلق شركات البترول التي تستخرج له النفط العربي الثقيل والخفيف,ويطفئ جهاز التلفزيون, ويلغي الحجز بالطائرات وطلبات الحج للزيارة والتبرك بالأسياد والقديسين في البيت الأبيض الحلال ,ويرمي علب "السكائر" الفاخرة وليس دخان "أبو لطفي اللي بيشعل وبيطفي" على مايقوله الأحبة في الشام, ويصعد السلالم إلى الطوابق العالية هذا إذا استطاع بناء أية ناطحات للسحاب بعد المقاطعة طبعا, وإقفال البنوك ,والتخلي عن القمح والأرز والسكر والزيوت والدهون عماد الغذاء,والكاميرات,والدواء,والإكتفاء بالعلاج بالأعشاب والجلسات الصوفية.وماذا عن السينما والأفلام ,والمسجلات,والأقمار الصناعية, والفيديو والفياغرا التي يحبها ويفضلهاالمخصيون الشيّاب قي قبائل العربان,والكلينكس ,وفوط الحمام ؟ فيما ترتبط البنوك ارتباطا وثيقا ,وكل معاملة مها نسخة وتحفظ في قاعدة بيانات عملاقة ,فيها حسابات هؤلاء الشطار بالسنت والفلس والدينار.وأخيرا وليس آخرا إغلاق السفارات وسحب السفراء وقراءة الفاتحة والترحم على نظامه الثوري والطالباني على حد سواء الذي يستلم منه الراتب والمكافآت والعلاوات , لأنه ببساطة طبخ في مطابخ اليانكي, وأفران الأونكل سام. وللعلم فقط فلقد سجل مايزيد عن ثلاثة آلاف وثلاثمائة اختراع باسم أديسون لوحده, منذ حوالي مئة عام ,ولكم أن تتخيلوا ماحدث بعد هذا التاريخ من اكتشافات واختراعات يعجز مقال هزيل عن تعدادها ,ولم يتفوق عليه إلا أحد اليابانيين ومنذ حوالي الشهرين حيث حطم هذا السجل لأول مرة في التاريخ.
ويقول الشاطرون الفهمانون الفهلويون "الجدعان" أن بإمكاننا الإعتماد على منتجات دول أخرى ومن مختلف الماركات,وهذا صحيح ويستحقون عليه المديح والتصفيق و"الزلغطة" والإطراء ونسي الصناديد, الجهابذة, والوقادون الأذكياء أن الشركات العالمية الكبرى التي تنتج كل شيء هي تروستات وكونسورتيومات واحتكارات تحركها وتديرها وتابعة مباشرة لمنظمة التجارة العالمية WTO الذراع الإقتصادية للعولمة,ومرتبطة كحبل الوريد والشريان التاجي وحبل السرةNavel Cord بناسداك وداوجونز ولا تستطيع الحركة بدونها أوالفكاك منها. لقد أصبحنا جزءا من منظومة عولمية تطعمنا وتلقمنا الحضارة والطعام أكثر من عشر مرات في اليوم عكس وصايا الأطباء التي تأمر بالحمية والصيام.وإذا مرضنا تقدم لنل العلاج والدواء. والـ WTO يقف العربان الأفذاذ أصحاب بدعة المقاطعة والغزوات والرقصات بالدورعلى أبوابها بذل وطاعة وأدب للحصول على إذن مرور وتأشيرة إلى عالم التجارة والمال والبورصات,تماما كما يذلون رعاياهم الراغبين في عبور حدودهم الخلبية والهشة والمخترقة من كل الجيوش الخضارم والجواسيس المستورين والعملاء النشطاء.ونسوا أيضا أن يحمدوا الله أن أمريكا لاتقاطعهم وتستمر في شراء نفطهم وليس العكس,ولو توقفت أمريكا عن شراء النفط من سيشتريه؟ هل فولتا العليا وبورما أم سورينام ياشطار؟وأين سيضع "الحلوين"الكتاكيت الصغار الدولارات المنهوبات من الخزانات المستباحات وجبايات وخراجات النضال والرقصات الهائجات الحمراء ؟ولمن سيهللون ويشكرون على كل هذه النعم صباح مساء؟
ولقد انسحبت الدعوات للمقاطعة الإقتصادية على جوانب الحياة الأخرى, وأصبحت سيفا مسلطا,ونهجا عاما ومسارا سالكا في كل الإتجاهات والنشاطات .وطبقت المقاطعة الحضارية,واالسياسية , والإعلامية والإنسانية على مختلف الرعايا ,المقاطعين وأصبحوا مقطوعين من شجرة,وتقطعت بهم السبل والأوصال في مجاهل وغابات الشموليات,وأصبح هناك قطيعة عامة بين الجميع, ونجحت حروب المقاطعة أيما نجاح وهنا فقط وفي هذا المجال.
العولمة الإقتصادية ,أضحت حقيقة واقعة ومتداخلة ومتشابكة, فلا يعقل أن نحرّم الكوكا كولا والجينز والهامبورغر, ونحلل الكاديلاك والبوينغ والدولار قبلة الأبطال وحلم الأحلام للثوار الأبرار.ولو قاطعنا كل شيء, كما يوصي الأوصياء الطهراء, سنصبح عندئذ جائعين وحفاة وعراة ,والله يستر علينا وعليكم ياشباب.
نلوم زماننا والعيب فينا وليس لزماننا عيب سوانا. من يضحك على من ,ومن يكذب على من, ومن يصدق من ,ومن يستهبل من,ومن يقاطع من؟ ومن ..ومن...ومن....
اللي استحوا...........قاطعوا الأمريكان.
نضال نعيسةكاتب سوري مستقل.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟