|
تقتلك الفئة الباغية
جقل الواوي
الحوار المتمدن-العدد: 3783 - 2012 / 7 / 9 - 20:52
المحور:
كتابات ساخرة
تقتلك الفئة الباغية عمار بن ياسر اسم سينمائي لصحابي تمرد على قريش عندما قبل فورا دعوة "النبي" ، قاسى عذاب شديد من مالكية بسبب ذلك، يقول ابن اسحاق بأن "النبي" كان يمر به و يمسح راسه مهدهدا ثم قبل أن يغادره يعده بالجنة أما ابن سعد فيورد تقريرا غريبا عن لسان النبي يعده بالموت على أيدي فئة باغيه، الوعد بالموت على أيدي أئمة البغي تكررت مرتين بعد ذلك أحدها بعيد الهجرة و عند المباشرة ببناء المسجد كان عمار يتفانى في عملية نقل الحجارة، فينفض النبي الغبار عن شعره المجعد و ينظر في عينيه بود و يقول له "تقتلك الفئة الباغية"،و في المرة الثانية عند حفر الخندق كانت المحنة كبيرة و جيوش الأحزاب تقترب حاملة الموت فيتفانى عمار مرة أخرى و هنا ايضا يلاطفه النبي بمحبه واعدا اياه بأنه لن يموت إلا على أيدي أهل البغي.
المقاتل الصلب عمار بن ياسر يتحول على يد أهل الكوفة الى وال فاشل لم تخطىء فراسة عمر بن الخطاب عندما أختاره لولاية الكوفة، و لكنه أراد تقريب من قربهم النبي،كان يدرك بأن عمارا ليس برجل ولايات و لا يصلح أن يكون قائدا لكنه أراد أن يثبت ذلك لعمار نفسه ،عمر الماخوذ بشخصية "النبي" لم يشعر بحرج عندما تصرف كنبي بعد أن اصبح خليفة نبي. نسيت قريش حديث الفئة الباغية و كاد عمار أن يتحول الى كومبارس و لكن فتنة عثمان نفخت فيه روحا جديدة و سما الى ابعد مدى، لم يتردد في وصف عثمان "بنعثل" بل تجاوز ذلك الى التآمر مع المصريين عليه أختار بكل إرادته "الفئة" التي يراها مناسبة و لحق بمعسكر علي وبعد أن تجاوز التسعين عاما وجد قتيلا بين حصى صفين، جالت كلمات النبي حول الفئة الباغيه بين الصفوف المتحاربة و تحولت الى ما يشبه النجوى و أنتهت بجواب معاوية الذكي "إنما قتله من أخرجه"، رد علي "إذن نحن من قتل همزه" و لكن الرد الحاذق جاء بعد أن وقعت الفاس بالراس و أنفض أمر الحكمين، و هو قدر علي كان يأتي دائما متأخرا رغم انه بكر كثيرا في قبول دعوة "النبي".
لم يتأثر أنصار معاوية بهذا الحديث و مر مقتل عمار مرور عاديا و لم ينقص الجيش مقاتلا واحد،و على الطرف الآخر لم يزدد جيش علي إلا مقاتل واحد يدعى خزيمة بن ثابت قيل أنه كان ينتظر مقتل عمارا ليباشر الحرب، و لكنه ما لبث أن قتل هو الآخر على أيدي جيش معاوية، لم يجد المتقاتلون في صفين في هذا الحديث دلالة قاطعة على البغي تم تفسيره بطرق متعددة وفق أحكام النحو و الصرف و المنطق و الهوى و تفرغ من محتواه “الإلهامي” سلوك غريب سلكه المطلعين على الحديث و الشاهدين على مقتل عمار لم يغمدوا سيفوهم و لم يغيروا صفوفهم . ثم تأخذ مسارات المعركة منحى يبتعد عن روح الحديث عندما أصاب الجهة التي كان يقف فيها عمار التصدع ما لبثت أن انهارت تماما و دفنت تحت أنقاضها حديث الفئة الباغية بغير رحمة.
لم يكون القرآن ميالا الى التنبؤ أو قراءة المستقبل إلا في الحالات العامة من قبيل "إن تنصروا الله ينصركم"،و كذلك "النبي" لم يكن يؤسس لشخصية كاهن أو عراف لذلك ابتعد عن إطلاق مقولات تضعه بهذا الموقع، مواساة عمار بعبارة "تقتلك الفئة الباغية" تحتوي على شيء كثير من العرافة منها مصير عمار و تفتيت الجماعة الى فئات و هو الذي كان يبحث في تأسيس فئة واحدة متماسكة قوية، و المناسبات الثلاث التي قيل بأن "النبي" قال فيها هذه العباره كانت غير صالحة لمثل هذه النبؤة. الوعد بالجنة يبدو أكثر ملائمة و هو لا يعتبر نبؤة بقدر ما هو قرار و تحصيل لحاصل ،لا يمكن إستخلاص نتائج مباشرة لمقولة كهذه تبدو كأحجية مبهمة أو طلسم غير قابل للحل، و النبي ليس بحاجة الى مزيد من الغموض و خاصة مع اصحابه الأقرب.
الصدمة بمعرفة تفصيلة مهمة و خطيرة كلحظة النهاية كما يصور الحديث تشرع أبوابا كثيرة للسؤال، منها الخوف و كذلك الفضول،لم يسجل احد ممن سمع حديث "النبي" الى عمار رد عمار عند سماعة خبر مقتله، العبارة تقف عند هذا الحد و كأنها جرف جبلي تحته هاوية سحيقه، لم يسأل عمار و "متى سيكون ذلك"، و من هي تلك الفئة الباغية، لم يستحث “الحديث” أحد الفضوليين الذين أحاطوا “بالنبي” ليسأل مزيدا من التفاصيل ،فبقيت الجملة كجدارية غير قابله للفهم، و النقطة الأكثر غرابة و ربما فظاعة هي : معرفة الفئة الباغية تتوقف على قتل عمار فبمجرد أن يموت قتلا "تحديدا" يتم تحديد الباغي و عمار ذاته و هو محور الحديث لن يعرف ابدا من هو الباغي إذ يستحيل عليه أن يدرك بأنه قتل.
رغم ختم الشيخان "البخاري و مسلم" على حديث "الفئة الباغية" بدمغة "صحيح" لم يتم التعامل معه كذلك فالفئة المفترض انها باغية ليست كذلك في حكم تاريخي و كذلك أخلاقي و عمار مجرد قتيل إجتهادي قد يكون له أجرين و على الأقل أجر واحد الأمر الذي ينطبق على كل الفئات التي حضرت صفين، من قتل فيها و من خرج حيا ليحضر معركة أخرى،و لكن صعوبة التعايش مع حديث من هذا النوع استدعى تبريرات متهالكة تعتمد على أحاديث أخرى، كما استخدمته طوائف أخرى كقاعدة عقائدية تتيح لها إطلاق أحكام مبرمة بالبغي.
لم يكن في معركة صفين متسع المعركة لمقولات إعجازية، بحث كل طرف عن نصره و عن مشروعه الخاص، بل ان ابن سعد نفسه يورد بأن شخصا يدعى أبو الغادية كان يبحث عن عمار على وجه التحديد ليقتله لأنه شاهده يشتم عثمان، عثمان كان حاضرا، و علي و أهل بدر “من الطرفين”،و العصبيات و قريش و حلم جميل بالخلافة، و لعل هذا الحلم هو منتج حديث الفئة الباغية، كانت جثة عمار المقطوعة الرأس و المعفره بالتراب و التي تحمل إرثا نبويا دافئا ملهما لحديث مضغوط يحمل دلالة و عمق، و المكان مليء بالإستعداد للتلقي،و لكن التأثير كان موضعيا و محدودا في صفين و لكنه ترك ندبا غائرا في جبين التاريخ و إرثا ثقافيا للحروب الأهلية.
#جقل_الواوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أسقطت دمشق طائرة
-
الطريق الى الحفة -حرق نفوس-
-
طائفة بدل ضائع
-
المتجرده
-
مسيح الحميدية ....البيت بيتكن
-
المجلس الوطني و المناطق المنكوبة
-
كتاب مسموع
-
قائمة ....قاعدة
-
قربا مربط النعامة مني ...
-
جساس
-
غزوة جامعة حلب
-
عادل إمام ... -المشبوه-
-
إنشقاق عازف كلارينيت من فرقة موسيقا الجيش
-
من جهز غازيا .. بؤس العناوين
-
دروز بلغراد ... دروس في الهوية
-
أدب سجن تدمر 3/3
-
أدب سجن تدمر - 2 -
-
مات خالد تاجا ...
-
أدب سجن تدمر - 1 -
-
حراسة الهواء و حراثته .... روزا ياسين حسن ما زالت تحمل صليبه
...
المزيد.....
-
Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي
...
-
واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با
...
-
“بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا
...
-
المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
-
-هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ
...
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|