|
-زمنٌ للسجنِ، أزمةٌ للحرية- الشاعر -علي الدُميني- يُغنّي في المعتقل
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 1105 - 2005 / 2 / 10 - 11:32
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
مثل "الرقص داخل الأغلال"، لم يدَعِ الشاعرُ "علي الدميني محنةَ الاعتقال التعسفيّ، الذي اقتربت مدته من الشهور العشرة، تمر عليه دون أن يغنّي: شعرًا، وأفكارًا. فكان أن أصدر ديوانه "نعم في الزنزانةِ لحنٌ" عن دار كنوز الأدبية ببيروت 2004، كما استطاع أن يوظِّف المعتقلَ لصالح بلورة أفكاره في كتاب "زمنٌ للسجنِ، أزمنةٌ للحرية" عن دار النشر ذاتها. يقول:" إن استفادته من السجن لم تنحصر في امتلاكه الوقت للاختلاء بالذات وحسب، وإنما لتأمل ما يستحق التسجيل أو النسيان على السواء". واقترابًا من عنوان الكتاب، لا يمكننا أن نغفل الدلالة الفلسفية من وراء صياغتيْ المفرد والجمع للفظة "الزمن": زمن للسجن وأزمة للحرية، بما يشير مباشرة إلى أن الأيلولة والبقاء للحرية حتما بينما الاستبداد عابرٌ ومؤقت. وكان الدميني ومجموعة من رفقائه الإصلاحيين قد تم اعتقالهم في ربيع العام الماضي بتهمة "السعي إلى إثارة الفتن وبث بذور الخلاف بين أبناء الشعب وإثارة التحزّب المذهبي والطائفيّ" كما جاء في لائحة الادعاء العام. وعلى الجانب الآخر وُقّع العديد من بيانات التضامن مع الدميني من قِبل مثقفي الوطن العربي وبُثت على شبكة الإنترنت في كثير من المواقع الثقافية والأدبية مثل موقع الأديب العراقي صموءيل شمعون، والأديب المغربي محمد أسليم وموقع كاتبة هذه السطور وغيرها من المواقع. يناقش الدميني، بين كثير من الموضوعات المهمة في كتابه، مفهوم" الخصوصية" التي تتمتع بها المملكة العربية السعودية من حيث امتلاكها الثروة النفطية إلى جانب رمزية القداسة الدينية، ذاك المفهوم الذي تم توظيفه لصالح الجمود السياسي وتجاهل حتمية الحراك الاجتماعي والسياسي والنهوض بحركة الإصلاح، بدلا من أن تكون – كما يرى الدميني ورفقاؤه – سببا أدعى لإجراء عمليات جراحية أشد إيلاما وغورًا صوب الإصلاح مما عداها من البلدان العربية الأخرى سيما في مرحلة ما بعد انتهاء توازن القطبين. وعلى جانب مغاير، فإن كانت الظروف الموضوعية والإجرائية قد استوجبت، فيما مضى، تكريس قراءة واحدة وحيدة متشددة للدين في شقيْه العقيدي والفقهي من أجل توحيد القبائل والحواضر المختلفة حول رؤية واحدة، فقد كان من الأصوب، بل الحتميّ، بعد استكمال بناء الدولة، العمل على الخروج من أسر أحادية الخطاب المذهبي المتشدّد ومن ربقة نظام القوامة الاجتماعي الأبوي المحافظ إلى سعة المذاهب والطوائف الدينية والنظم الاجتماعية والثقافية المتنوعة. إلا أنه، يقول الدميني، باسم هذه الخصوصية تم القضاء التدريجي على ذلك التعدد والتنوع المذهبي والمدني وتم تعطيل ما ورثته الحواضر المدنية في الحجاز من مؤسسات سياسية وثقافية، وتغييب كافة مكونات المجتمع عن المشاركة في التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وباسم هذه الخصوصية المبنية على أسلمة السياسة والاجتماع، جرى تكريس الطابع المحافظ المتشدد والإقصائيّ لمذهب فقهي وحيد، هو المذهب الوهابيّ، بصيغته المتمترسة خلف "باب سد الذرائع" دون الأخذ بتأثير عوامل الزمان والمكان التي كان الفقهاء المؤسسون للمذاهب المختلفة يأخذون بها. ومن هنا يؤكد الكتاب على حتمية تناول ذلك المفهوم، الخصوصية، على نحوه الصحيح بوصفه تسامحًا بين الرؤى المتباينة وليس كانغلاق يعمل على الاستسلام لكوارث ناجمة عن رؤية مذهبية أحادية ومتطرفة. وعليه فإنه في غياب إستراتيجية سياسية متوازنة أخفقت المملكة في توظيف أهم مقوّمين من مقوماتها هما الثروة النفطية والموقع الديني المتميز، بل أسرفت – عوضًا عن ذلك – في توظيف الدين داخليًا وخارجيًا للتغطية على كافة الاختلافات البنيوية ما أنتج العديد من الأزمات التي تحياها البلاد. وفي مقارنة منه بين أزمة الحرية الغابرة وزمان القمع الحالي يحكي الدميني كيف نهض مثقفو وأحرار الحجاز، من أعضاء الحزب الدستوري في العهد الهاشميّ، بالبلاد نتيجة مبادراتهم المهمة في لحظات مفصلية من تاريخ المملكة خلال زحف جيش الملك عبد العزيز على مكة حين طالبوا الملك حسين بالتنازل عن العرش لابنه "علي" شريطة إقامة نظام ملكيّ دستوريّ ذي مجلس نيابيّ مُنتخب من قِِبل المواطنين وذي مجلس آخر للعموم المسلمين، فحين يتسع فضاء الحرية تتبلور أساليب المطالبات السلمية الساعية إلى استكمال مقومات النهضة وتنتعش البرامج الإصلاحية التي تساند عمل الأجهزة الحكومية وتغني مساراتها. وإبان تلك المرحلة المزدهرة انتعشت الصحافة، حسبما يرى الدميني، وانبرت الأقلام النيرّة في لعب دور السلطة الرابعة، كما ازدهر، في الحقبة ذاتها من خمسينيات وستينيات القرن الماضي، التعليم والمطالبة بتعليم المرأة ورفع حصة الدولة من دخل البترول الذي كانت احتكرته الشركات الأمريكية وإغلاق القواعد العسكرية الأمريكية وبناء جيش وطنيّ قوي وتحسين أوضاع العمال السعوديين الذين أضحى بوسعهم إدارة أكبر إمبراطورية لإنتاج النفط في العالم وهي أرامكو السعودية. أما ثمرات القمع فقد كان من تداعياته اعتقال الحكومة لمثقفيها وطليعتها ولقيادات الحركات العمالية ولأفراد لجنة الإصلاح الوطني ودعاة تعليم المرأة. تلك المحنة التي يحياها الآن الدميني ورفاقه المعتقلون خلف قضبان آل سعود – على مرارتها – برهنت على أن العصفور قد يُسجن، وقد يُكبّل، وقد تُقص أجنحته، غير أن أحدًا لا يمكنه أن يُخرس صوته أو يوقف سيل الفكر في عقله. فهاهو الدميني في معتقل "عليشة" بالرياض يغني: خُلقت ألوفًا يا "عليشة" إنني سأروي على سامعكِ ما كان خافيًا دعوتُ وأصحابي إلى العدل جهرةً وما كنتُ نحو العنف يا قوم ساعيا جراح بلادي يا عُليش خطيرةٌ وفي مدخل الإصلاح نلقى التداويا نشيد على الدستور حكما وبيرقا من العدل خفاق العلامات زاهيا يصون حقوق الشعب قولا وفكرةً وعهدًا لا ينال الشعبُ فيه الأمانيا وأن ينصف الأنثى فلا ظلم ضدها نساءً ... رجالا...في الحقوق سواسيا عليشة قد روّضتُ في السجن وحشتي ومن عتمة الجدران صُغتُ القوافيا وصيّرت ليل السجن عندي حديقةً تصبّ رضاب الحلم في الكأس صافيا إذا لم نذد بالقول عن بيضة الحمى ونرخص للأوطان يُسرا وغاليا فإنّا سنغدو للمضلّين مقتلا يصيب الذي في الحكم أو كان نائيا.
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اللّون
-
-محكمـة !!-
-
منْ وراءِ الحُجُرَاتْ
-
البعيــد
-
المرأة بين الكتابة والمجتمع
-
كلُّ مكانٍ لا يُؤنّثُ، لا يُعوّلُ عليه
-
ما وراء كتاب الشوباشي
-
سوء الظن بالنفس وبالآخر
-
لمن تُقرَع الأجراس في باريس ؟
-
شيخُ الطريقةِ
-
شيخُ الطريقةِ
-
المُتْعَب
-
ثقوبٌ تشكيليةٌ لا تُغْضِبُ المرآة
-
المُتْعَب
-
ثقوبٌ تشكيليةٌ لا تُغْضِبُ المرآة
-
ماو تسي تونج
-
صِفْرٌ أزرقْ
-
الخروجُ من مرعى الخليل تركي عامر، ألن يعود إلى المرعى؟
-
جابر عصفور يعتنق النقدَ ... في محبة الأدب
-
راصدًا متتاليةَ القمع في الثقافة العربية في القرن العشرين حل
...
المزيد.....
-
مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
-
السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون-
...
-
مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله
...
-
اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب
...
-
محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
-
مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
-
من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
-
خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال
...
-
هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
-
قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل
...
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|