|
اللحظة / الحركة
نصيف الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 3779 - 2012 / 7 / 5 - 22:47
المحور:
الادب والفن
سأم
متحرّراً من ثقل اللحظة ، أغوص في هاوية ثقيلة ، ديست فيها حياتي وتكوَّمت أيّامها الشاحبة في حدائق الجرح . أنصت تحت أضواء نجوم الصيف الى تهشم السنبلة ، وأسمع أصداء صرخات لسجناء ، تعذّبتُ معهم سنوات طويلة في البريَّة . كوارث ماضيي تتنفّس مثل أصياف خديجة ، والنوم في بلادي التي بلا غيوم ، مخالب مشدّودة الى الشقاء الندي للبركان . في تلمّسي للظل الزكي للطمأنينة ، يحجز بيني وبين الزنبق المتجلّد للحلم ، تنّين الموت المكمم في بوّابات النهار . لا قبضة رهيفة تعينني على اخماد العواء المتكلّس للساعة ، ولا بئر أسقط فيها وأنتشل حطام زمني المهشّم . الفراغ الذي جاهدتُ دائماً للخلاص من بؤس عبوديته ، يطبق عليّ بقوّة ، ويقذفني بما تتعذّر ازاحته ، أو تضميده تحت الاشارة المتمايلة لمفاتيح الشمس . آبار حياتي متلألئة في التضجرات المتسابقة على السأم الطويل للعالم ، والفوهة السوداء للحظة ، تقذف حممها وتنتهك الالتواءة المألوفة لخطوتي المريضة .
مرآة حياتي السوداء
يمرُّ من أمامي سهم مشحوذ ببخور قرابين كثيرة ، ويوقظ ما دفنته في { ما وراء الماضي } . الأنماط العديدة لفراقات المحبوب ، مشعة الآن ، وتتحرّك من دون مناجاة . شهب وجه الشفيعة الماجن ، تعبر اللحظات المظلمة لحاضري الذي تثقبه التلمسات المحتسبة للهجران . ندف ثلج متضرعة لفضائل الزمن ، أطردها من مُلاحق خساراتي ، وأتوغل وحدي في الذكرى مع أولئك الذين أعيتهم تنفساتهم في الأصياف الذائبة لعوالم الحبّ . معظم الأشياء التي حنوت عليها ، تهشمت في النسيانات الشاحبة للفصول . ضوء فجر ، تحك فيه الزيزان أشجار محاذية لحلمي ، التقي فيه موتي ولا أجرؤ على تنظيف مرآة حياتي السوداء .
احساسنا بحلاوة الموت
ولدنا لنفك حجارة الزمن المربوطة الى ثقل النجوم ، وللتخلّص من احساسنا بحلاوة الموت يتعيّن علينا أن نرمي ، ونحن نحيا الحفاوة العظيمة للانسانية في العالم ، تبجح الفلسفة الكوني ، والبصمات الرطبة للاهوت . ليست الأبدية زمن من اللازم أن نهيم في خلوده التقليدي . تهمنا الأحلام والايمانات التي نتجنّب فيها الرضوخ المطلق الى الهارموني العتيق لما لا ثمر فيه . نبحث في الحبّ عن مراكب أبحرنا فيها قبل تعرفنا الى المحبوب ، ونبحث في الحركة المرتجفة للجرح ، عن لحظة عشناها تحت الثقب العميق لخبراتنا في الأطلال المتصدعة للعصور .
مرثية
أبحثُ في الظلال الشاحبة لحثالة الماضي ، عن فضاء أشرعة حلمتُ في النوم بين أدويتها المدفوعة . زمني شائخ ، نحتت مصائبه حجارتها المحمومة ، في الرضاب المتعفّن لفجرنا المنغلق على تصدعاته . ما الذي نمتلكه الآن ولا يتضخم في شظفه ، وفي تعقبه لأمراضنا المتفشية في الكثبان المتبدّلة للنهار ؟ هُيامنا في الحلم والشجرة محتقر ، وتنخفض فيه الساعة المرتعشة للرغبة ، وكلّ ما ادخرناه في تضاؤل تضرعاتنا الصارمة ، نسلمه باحترام جنائزي الى ما يرسخ السأم في أيامنا الخالية من الوميض . حطب كثير رميناه تحت السهم الأدهم للصيف . لا شُعل الثمار انتفشت تحت اتحاد نجومنا المعذبة ، ولا الأشياء التي تتعجّل موتنا ، أنصتت الى البذور العتيقة المعطاة للوجود . يقربنا الرجاء من السلم الأخضر للصلاة في الظلمة المقاومة للتاريخ ، ونوافذ جروحنا تنفتح على الحجارة المتواضعة لدعامات الأبدية .
أرض الدفن
الى جليل حيدر
لا تطير عصافير الموتى في نسيم الخلجان المهجورة للزمن . ابر طويلة من الصمت ، تضغط نفسها وتنغلق على العقيق المعتم لعيونهم السامّة . كلّ ميت يريد تلافي التمرين الملوث تحت أشجار الحلم ، للتخلّص من يقظته التي تنفخ ساعاتها في أنصاب الفراغ ، لكن الموتى لا يجرؤون على التعرّي من تثاقلهم ، ومن السير بين الخرائب البرّاقة لماضي صمتهم . تستلزم غيابات الذين رحلوا ، من أجل الوفاء لعودتهم ، مكافحة الصخور الضخمة في الأصداء المتوارية للعالم ، وردم الأرضيات المحتشمة في أرض الدفن . نظام مسعور يرتقيه عواء الانسان الذي يرمى وحيداً في عزلته . تقطعات مصير محمّى منذ الأزل . تورّط الولادة في فحشها العفيف ، الموت . الحبّ علامة محسوسة لمخالب النسيان بين السنوات المزمجرة في الجرح الثاقب والمحموم للميت . في تفجرّ الصرخة المقوّضة للانسانية وهي تجرجر تعفاناتها ، تتشبّع طقطقة العظام تحت الحجارة المفلولة للأوراد الحلوة ، وما مِن ايقاف للخراب الذي يتفكّك على وجوه من وسدّناهم قناديل عدمهم في اذلالاتهم الثقيلة . الارهاق الذي نعاينه في جدائل البلسم ، يفيض على ليل آبارنا ، ويدفعنا الى الاستكانة . لا شعيرة الجنس في حطام ما اسودّ من اللامعنى في طوافنا بفراغ العالم ، تنجدنا في عبور هملايات الحياة ، ولا الارتجاج العظيم للطبيعة ، يخفّف عنّا العبء في العيش مع الله ونزلائه الذين هجرتهم رحمته المغطاة باللاشيء .
الخرابات المتوحشة للحظة
الى أسماء سنجاري
أتنفّسُ في بحثي عن اشارة لاستعادة اللحظة ، الى جانب شاطىء ، رُصَّت فيه نجوم تختبىء في فزع جيولوجيتها . طيور بجع كثيرة ، ترفع أمامي صلاتها الى موتها بمشقة ، وتنسى مهاراتها في الزمن المحجوب للغرق . أنفاس لا تحصى تضبّب الآفاق المصعوقة للعالم ، والحجارة المضرّجة مثلنا بالسأم ، نسوقها صوب قبور أيامنا اليتيمة ، وننفصل في أبدية نهودها عن زمننا وأصواته المتقرّحة . قِصر العمر ، أو تحوّل اللحظة في سيرنا المتعجّل بين المتاهة المتشنّجة للحياة ، هو تخميننا المائع عن الأوهام المعمورة في عذوبة النسائم السود لخلودنا . نسبقُ موتنا دائماً في ركضنا بين الخرابات المتوحشة للحظة ، وباب الوجود المنسدل على الفراغ ، يرهبنا بسكون ملائكته الخسيسة . لماذا يعكِّر موتنا اللحظة الصالحة لازهارات الشجرة ؟ لماذا لا تفصح مصائرنا عنّ الحزَّة التي تتحرّك فيها الأنهار الجليدية لأمراضنا ؟ صدى مداخن أحلام الانسان ، يبخل دائماً في رفع وميضه فوق الأنقاض المتصدعة للساعات ، والحاضر متصل بنواح طويل للحركة التي تهدّدنا . كلّ شيء يؤذينا في الرمل المنزلق للحظة ، والديمومة تتأوه في صمتها المنحني على مرارة غرقنا .
الظل المتسوّس للبئر
في سقوط الجرح على الفاكهة المتقلبة للنهار ، تتهدّم مراكب كثيرة في نجوم الساعات . يتلوّى الزمن تحت وسادته الجافّة المتمتمة وأحلامنا تقضمها اللحظة في انفجارها . ما نرتبه في نوافذ أملنا الشكوكية ، ينزلق صوب الرنّات المحتضرة للماضي ، ونحن نعتاد دائماً ، اطلاق السهم بمنتهى اليأس . ثقوب صارمة في الباب الثقيل للألم ، نقترب من أسرارها الملفوفة بأوراق يومنا ، ونتملّص من من الاصابة المتحفظة للاوكسجين . تختبىء بيننا وبين الظل المتسوّس للبئر ، أرض معجزات ، تتسلّى فيها التصدّعات الكبيرة لعطشنا الى اللؤلؤة الحانية لموتنا .
الرنّة الأخيرة لساعة موتنا
لا طمأنينة في الشفق الصامت ، نراوغ في ميزانها ظلمة الطبيعة . أبخرة يا ئسة تنفخها الكينونة ، والغاية ، قفزة هائلة باتجاه الهاوية . في اللمسة المشبوهة لهلع الوردة ، نغفو بين حطامات كبيرة للحظة الحسناء للولادة . نهد أغنية متعففة يصدح بترحاب فوق الأنقاض ، وعواء النجوم ينأى عنّا ، ونحن لا نقوى على أيّ فعل للتخلص من عذوبة جروحنا الناصعة . يقف الانسان في قيوده المريعة وحيداً ، ويصارع ضعفه في السطوة المفرطة للوجود ، مصير زئبقي يتحطّم في الأضداد الفاترة للشرّ . كلّ ما يغوص في اللحظة المعتلّة للخواء ، يطوي ما نحنوّ عليه ، وما نحاول ستره في الرحابة المحتشمة لنقائض العالم . درب طويل نكافح في انحناءة نهايته اللاهبة ، موتنا المشدود الى الأشجار الملوثة في الفجر . زمن تُسقطنا فيه القبضة المترعة بالحجارة ، في الرنّة الأخيرة لساعة موتنا ، ويغدق علينا فيه اللامعنى ، اشارات لا توقظنا من الفاقة الملتفة على أيّامنا . الميتة المتلألئة للانسان في الحرب ، تستنشق فيها اللحظة ، الذبذبات العابرة لحياته الموغلة في الصقيع .
5 / 7 / 2012
#نصيف_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الهديل المرتعش لحمائمنا فوق الخرائب
-
الأضواء العطرية للحجارة الكريمة { 5 قصائد }
-
تقديم القرابين . 8 قصائد
-
ميراثنا المعشوق بين الدموع
-
المقدس والمدنس
-
القيثارات العتيقة لموتنا
-
بين الأشجار الضامرة للعزيز المتوفَّى
-
غبار عظيم في ثيابنا القربانية
-
كل نبع يوثقُ الغرقى الى ثقل سهاده
-
العتمة . الفناء
-
صلاتنا الى الرغبة
-
الايماءة البطيئة لموتي
-
17 قصيدة
-
الطاقة العظيمة للمادة
-
مجموعة جديدة { في سطوع نذورنا تحت ضوء الأصداف }
-
أبواب الزمن
-
في خرائب الفايكينغ
-
الأشجار الحامضة لصيف مخاوفنا الأمومي
-
أشجار الدفن العالية
-
حوار مع نصيف الناصري { وكالة كردستان للانباء( آكانيوز ) }
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|