جمال لزهر
الحوار المتمدن-العدد: 3779 - 2012 / 7 / 5 - 09:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كثرت التحاليل حول الأزمة في سوريا، فإضافة للبعد الداخلي ومشروعية الانتفاضة الشعبية هناك أيضا البعد الوطني والقومي للمعركة. فمنذ أن جاء كولين بويل إلى دمشق العام 2003 وسلّم للقيادة السورية "دفتر الشروط" التي يجب أن تلتزم بها وسوريا مستهدفة من قوى إقليمية ودولية لفك ارتباطها مع إيران وحزب الله في لبنان و حماس في فلسطين.. إلاّ أن ما يهمّنا في هذه القراءة إلقاء الضوء على البعد الجيوستراتيجي للأزمة في سوريا. أي بمعنى آخر لماذا هذه الشراسة ضد سوريا من قبل بعض الدول الإقليمية، وخاصة قطر من جهة، وتركيا من جهة أخرى، وبعض الدول الأوروبية وخاصة فرنسا ومن ورائها الولايات المتحدة؟
صحيح أن العناوين التقليدية لتفسير أسباب الصراعات في المنطقة ما زالت قائمة كالصراع العربي الامبريالي والصراع على النفط والصراع على النفوذ بين الدول الامبريالية في المنطقة عبر أدوات محلّية كأنظمة تابعة وقوى سياسية منفّذة لسياساتها وأهدافها ومدافعة بالتالي على مصالحها. فالموقف الروسي الداعم للنظام السوريي يحركه الدفاع عن موقع روسيا في سوريا والمحافظة على التسهيلات المرفئية لأسطولها في طرطوس، كما أن روسيا تريد إيقاف الأحادية والانفراد الأميركي بالقرار ومقدّرات العالم وخاصة في الشرق الأوسط والمحافظة على المناطق الخاضعة لنفوذها خاصة بعد الضربة الموجعة التي تلقتها في ليبيا.
إن عنوان صعود روسيا هو النفط والغاز، وهذا ما يغيب في معظم التحليلات في مقاربتها للموقف الروسي. لذلك لا بد من مراجعة ماذا حصل في روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وحقبة بوريس يلتسين، لنفهم ما قام به منذ العام 1995 فلاديمير بوتين.
انكب بوتين على إعادة تحصين ثرواة البرجوازية الروسية من مطامع الدول الامبريالية الأخرى وخاصة الولايات المتحدة التي عملت على نهش ثروات روسيا و نهب مرافقها الإستراتيجية عبر «خصخصتها». وعلى هذا الأساس بدأ بوتين في تحديد إستراتيجية شركة «غازبروم» الروسية التي أنشئت في بداية التسعينيات بعد سقوط المعسكر السوفييتي. كان الفضاء المحدّد لإنتاج وتسويق الغاز، روسيا وأذربيجان وتركمنستان وإيران وطبعا الشرق الأوسط. لذلك أنشأ خطين: خط التدفّق الشمالي «نورستريم» وخط التدفّق الجنوبي «سوثستريم». الخط الشمالي يزوّد ألمانيا وأوروبا الشمالية بينما الخط الجنوبي يزوّد أوكرانيا واليونان. بالمقابل حاول الأميركيون إنشاء خط تحت اسم «نابوكو» من بحر القزوين إلى أوروبا عبر تركيا. لم يكتف بوتين بإنشاء الخطّين المذكورين بل سارع إلى إنشاء محور اقتصادي مع الصين وهو ما يعرف بـ«منظومة شانغهاي» التي تؤمن التعاون ونمو اقتصاد عبر "أوراسيا."
أهمية الغاز تكمن في الكمّيات الهائلة في مخزون مناطق شرق الأوسط بدأ من إيران وثم قطر والآن شرق البحر المتوسط بخط يبدأ مقابل شواطئ غزّة ويمتدّ شمالا حتى سوريا وجنوب تركيا. على ما يبدو فإن الاحتياطات الكبيرة تقع أمام الشاطئ السوري. ليس هناك من تقديرات منشورة لكن عدّة مصادر تفيد أن الاحتياطات الأولوية في الحوض الشرقي للبحر المتوسط يوازي وربما يفوق احتياطات إيران المقدرة بأربعين تريليون متر مكعب. لنفهم قيمة هذا الاحتياط نشير إلى أن الاستهلاك العالمي للغاز في العالم قارب 114 تريليون متر مكعّب العام 2010. تستهلك دول الحلف الأطلسي ما يوازي 42 في المائة من الاستهلاك العالمي أي 48 تريليون متر مكعب. أما إنتاج دول الحلف الأطلسي فهو يقارب 38 تريليون متر مكعّب ما يجعلها تستورد حوالي 10 تريليونات متر مكعّب معظمها من منطقة شرق الأوسط وآسيا الوسطى. أي بمعنى آخر أنه إضافة إلى التبعية للنفط الشرق الأوسطي تنكشف دول الحلف الأطلسي تجاه الغاز بشكل يوازي 20 بالمائة من استهلاكها للغاز. وهذه الأرقام في تصاعد، أي إلى المزيد من الاتكّال على ذلك الغاز الشرق أوسطي. من هنا نفهم البعد الاستراتيجي للغاز الشرق أوسطي وخاصة الغاز السوري الذي لم يعلن بشكل واضح حجم حقوله.
لنعط فكرة بسيطة فإن الكيان الصهيوني الذي يستخرج الغاز من حوض "لفياثان" قريبا من الحدود الإقليمية البحرية مع لبنان يستطيع أن يغطّي حاجاته لمدة عشر سنين ويصدّر إلى الخارج. فإذا كانت الحقول في شرق البحر المتوسط أكثر من احتياطات إيران فهذا يعطي أهمية قصوى لتثبيت المواقع والنفوذ. أوروبا بشكل عام على وشك الإفلاس بسبب الأزمة الرأسمالية الخانقة التي اندلعت في أمريكا سنة 2007 وهي بحاجة ماسة إلى مصادر طاقة كالغاز. اليونان تتغّذى من غاز إيران وكل من فرنسا وإيطاليا وإسباينا بحاجة إلى الغاز الشرق أوسطي. استطاعت فرنسا عبر الباب الليبي تثبيت موقع، كأنها اشترت بوليصة تأمين للغاز في دعمها للسلطة الجديدة الضعيفة في ليبيا. لذلك تريد أن تكرّر السيناريو في سوريا. لكن سوريا ليست ليبيا ومستعصية على الإرادة الفرنسية. من هنا نفهم شراسة الهجوم الفرنسي على سوريا.
أما تركيا فتأخرها في حسم أمرها بالمشاركة في شركة «نابوكو» حيث كان من المتوقع أن يمر الخط في أراضيها وأن تكون مستودعا لنقل وتسويق الغاز القزويني بمستوى ما يقارب 40 تريليون متر مكعّب جعلها «تخسر» موقعا استراتيجيا.
أضف إلى ذلك القرار الإيراني بتجنّب تركيا والمرور بسوريا يزيد من «الخسارة» الإستراتيجية التركية. هنا أيضا نفهم شراسة الهجوم التركي وطموح النظام التركي بإيجاد نظام حكم تابع للمشئية التركية على الأقلّ في ما يتعلّق بالغاز.
أما قطر فكان طموحها إمداد خط يصل إلى تركيا عبر سوريا ليكون لها رأي في منسوب الإنتاج والتسويق لحقول سوريا المرتقبة وذلك حفاظا على مصالح غازها. لكن المرور عبر سوريا أصبح أمرا متعثّرا بعد الموقف المعادي تجاهها. من هنا نفهم مرة أخرى شراسة الموقف القطري.
هذا على صعيد اللوحة العامة. إذا أخذنا بعين الاعتبار الاتفاق الذي تمّ العام 2011 بمرور خط للغاز
من إيران عبر العراق إلى سوريا لتغذية أوروبا، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الخط الجنوبي «سوثستريم» الروسي يغذّي جنوب أوروبا وذلك بغياب خط «نابوكو» الأميركي الذي تأخّر وما زال متأخرا في نقل الغاز من القزوين إلى تركيا لتغذية أوروبا نفهم مدى أهمية الدور الروسي في تغذية أوروبا بالغاز. فإذا أرادت أوروبا وخاصة الدول الأطلسية التحرّر من الابتزاز الروسي فلا بد من السيطرة على الغاز الشرق الأوسطي.
لهذه الأسباب نجد أن الدعم الروسي لسوريا في مواجهتها مع الغرب والمــحور الــتركي القــطري السعودي هو حــاجة روسيـة بمــقدار أنــه حاجة سورية. من هنا نفهم لماذا لن تتخلّى روسيا في المدى المنظور عن سوريا لأن أمنها الاستراتيجي و أمنها المتعلق بالطاقة يحتاجان إلى أن تكون سوريا داعمة لسياساتها. فالمحور السوري الإيراني الذي ينضم إليه اليوم العراق له عمق استراتيجي يمتد شمالا إلى بحر البلطيق وشرقا إلى فلاديفوستوك وبحر الصين. فالصراع حول سوريا هو صراع تحركه مصالح الدول الامبريالية وعملائها في المنطقة: روسيا والصين والأنظمة السائرة في ركابهما كالنظام السوري والإيراني وحزب الله وحركة حماس من جهة والولايات المتحدة الأمريكية وعدد من دول الاتحاد الأوروبي وأداتهم الصهيونية وتركيا والدول الخليجية والعديد من الدول العربية الأخرى من جهة ثانية صراع يدفع ثمنه غاليا شعبنا العربي في سوريا. فالنضال من أجل تحرير سوريا من الامبريالية ومن النظام الحاكم العميل ومن القوى الرجعية العميلة الليبرالية منها والظلامية المعادية للشعب هو الحل الوحيد الكفيل بتخليص شعبنا في سوريا من المعاناة التي حولت حياته وما تزال إلى جحيم.
جمال لزهر ، الناطق الرسمي بإسم الوطنيون الديمقراطيون (الوطد)
01 جويلية 2012
#جمال_لزهر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟