|
نصف إله + نصف شيطان = مساواة
عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 3777 - 2012 / 7 / 3 - 21:50
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
معبودان لا وجود لأحدهما دون الآخر، كالليل والنهار، الأبيض والأسود، الحياة والموت. الإله خلق الشيطان. الإله يحارب الشيطان. حرب لا تنتهي أبداً. طرف خير، الآخر شر. طرف قاتل، الآخر مقتول، ليهب حياً واقفاً نفس لحظة القتل، ليعاود لعبة الشرير المحرض في دور جديد، بلا بداية وبلا نهاية. هكذا يرمى بالحجارة يومياً، على عتبة بيت الإله نفسه. هناك نعبد ونلعن، نطوف ونرجم في موعد واحد، ومكان واحد. ثمة تذكير متواصل لا ينقطع لحظة أن الحياة خير خالص في ناحية وشر خالص في المقابل، قريباً وبعيداً في الزمان والمكان؛ إما أن تكون أبيض أو أسود، إله أو شيطان، مسلم أو كافر، نصير أو عدو، في دوائر كراهية وحرب متبادلة لا نهائية بين المعسكرين بقيادة الزعيمين الأزليين: الإله والشيطان. هما مشتبكان أحدهما بالآخر كوجهين لعملة واحدة، لا وجود لأحدهما بمعزل عن الآخر. إلى أي من المعسكرين انضممت، أصبحت إما لاعن أو ملعون، قاتل أو مقتول، في الجنة أو في النار، مع الأخيار أو مع الأشرار. الزعيمان، الإله والشيطان، لا يريدان تسوية أبداً. هما يعيشان، ويتعيشان، على هذه الكراهية والنيران المستعرة دائماً.
في الماضي، كانت أنظمة الحكم إمبراطورية، مبنية على الغزوات والفتوحات العسكرية لشعوب وأقوام غير موحدة أو متجانسة في الدين أو اللغة أو العرق أو الثقافة أو العادات والتقاليد وإخضاعهم عنوة بغلبة السلاح للنظام والاستقرار والعمل والخراج والجزية. كان الصراع الدائم بين الخير والشر، الأقلية النخبة الغازية الحاكمة والأغلبية المغلوبة الرعية، ضروري للمحافظة على استمرار هيمنة تلك النخب الصغيرة واستمرار الحماسة والتعبئة والحشد للغزوات والفتوحات القادمة. كان الصراع، والتعامل، يجري دائماً بيننا "نحن" الأخيار ضدهم "هم" الأشرار. كان من الضروري والمهم للغاية المحافظة على تلك الثنائية الضدية، الصراعية، قائمة ومنفصلة، وصقلها وتأكيدها في كل لحظة. في ذلك الزمان الإمبراطوري، لم تكن هداية "هم" إلى معسكرنا (دينينا) "نحن" تشكل أولوية، ببساطة لأن ذلك كان سيساويهم بنا "نحن" وتنتهي الثنائية القطبية، ليطالب المهتدون الجدد بالمساواة بالنخب الغزاة والفاتحين. عندما كانت تقوم تلك الإشكالية، كان الفاتحون يهربون للأمام بحل سحري، "الموالي"، أو معادل مواطنين من الدرجة الثانية، أهل الأعراف، يحتلون مكانة وسطاً بين أبناء البلد الأصليين غير المتحولين إلى دين الفاتحين، أو أهل الذمة، سكان الدرجة الثالثة، وبين مكانة الغزاة الفاتحين كنخبة حاكمة صاحبة امتيازات. لا مناص من التمييز والتفريق ما بين الأخيار ومن دونهم، بيننا "نحن" وبينهم "هم"، لأن إذا زالت "هم" سنصبح جميعاً "نحن" بالضرورة، وحينئذ لن نستطيع الإفلات من سيف المساواة والمحاسبة بالمثل.
في العصر الحديث، نشأت أنظمة حكم خلاف الماضي، أكثر تطوراً وتحضراً وتقدماً ورحمة وعدالة، مبنية على المساواة، المواطنين المتساوين في كل الحقوق وكل الواجبات، والمحاسبين بالمثل أمام سيادة قانونية واحدة. لم تعد القوة والهيمنة العسكرية الرابط واللحام بين طبقتين معزولتين ومفصولتين عن إحداهما الأخرى. انتقلت هذه المهمة إلى الاختيار الحر للمواطنين في صندوق الاقتراع. لم تعد هناك ضرورة لإذكاء الكراهية والبغضاء، وتقسيم الناس ما بين أخيار خارج نطاق المحاسبة وأشرار تحت سيف الزجر والقمع في أي وقت. داخل حدود الدولة الوطنية الحديثة، وبصرف النظر عن اختلافات اللغة أو الدين أو العرق أو الجنس، أصبح الكل متساوين تحت القانون. كيف، في دولة وطنية حديثة، يمكن مساواة الآلهة بالشياطين تحت سيادة قانون واحد؟ كيف يمكن للإله أن يقف في نفس الطابور خلف الشيطان لكي يدلي كل منهما بصوته؟ كيف أجرؤ أن أخاصم إله أمام محكمة وتنصفني منه إذا كان هو الباغي؟ وهل يبغي الإله أصلاً؟
أقول إن هذه الثنائية الضدية، بين الخير والشر، الفضيلة والغواية، العلم والهوى، السماء والأرض، الأعلين والأسفلين، الدنيا والآخرة، الجنة والنار تطورت لخدمة تنظيم سياسي واجتماعي بدائي وقديم أصبح مرفوض أخلاقياً ولم يعد هو السائد هذه الأيام. هذه الثنائية الضدية البدائية، المغذية للكراهية والعدوان حتى وسط أبناء الوطن الواحد، حلت محلها الآن ثنائية المنافسة والمعارضة السلمية، الإيجابية والصحية. الإله ذاب في الشيطان ولم يعد إله كامل ولا شيطان كامل، ليولد منهما معاً المواطن الكامل الحقوق والواجبات. وبما أن هذا المواطن ليس خير كامل ولا شر كامل، لابد إذن أن يخضع، مع جميع المواطنين أمثاله على قدم المساواة، للمساءلة والمحاسبة وسيادة القانون. عندما تختفي الآلهة والشياطين، يصبح كل المتبقين بشر عاديين، ويصبح من الصعب على أحد أن يدعي أفضلية أو أسبقية على الآخرين.
ثنائية الإله والشيطان، الحاكم والمحكوم، تطورت لخدمة أنظمة سياسية واجتماعية أصبحت منقرضة الآن، إلا فيما ندر. في الدولة الوطنية لا وجود لآلهة أو شياطين، مواطنون فقط، متساوون في الحقوق والواجبات.
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحرية وتطبيق الشريعة
-
امسك...إسلامجية حرامية
-
آلهة شياطين
-
بسم الدين وبسم العلم...نخون الوطن
-
وماذا لو حكم الأخوان؟
-
من ثورة مدنية سلمية إلى زحف إسلامي ترهيبي
-
هزيمة مشروع الإسلام السياسي في مصر من الجولة الأولى
-
أسطورة الإله...أسطورة الوطن
-
أدعياء دين وكاذبون ديمقراطية
-
تحالف المشروع الأخواني-السلفي، نعمة أم نقمة؟
-
أسطورة القوانين الوضعية والشرائع السماوية
-
السيادة أين، للدستور، أم الشريعة؟
-
رحمة الله عليك يا مبارك، كيف تعدمون ميتاً؟!
-
في مصر، صراع وجودي بين الله والإنسان
-
شفيق ومرسي، بالكرسي...إلى الجحيم
المزيد.....
-
إسبانيا.. العثور على 270 ألف خرزة في قبر واحد يقدر عمرها بـ5
...
-
روسيا.. انتهاء الاختبارات ما قبل السريرية للقاح الشخصي المضا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل مسلح أطلق النار على موقع عسكري با
...
-
خمسة وزراء خارجية عرب في رسالة لواشنطن: لا لتهجير الفلسطينيي
...
-
الهند ضاعفت عدد نمورِها خلال عشر سنوات.. لكن كيف؟
-
البيت الأبيض ينشر قائمة -مثيرة للدهشة- بنفقات الوكالة الأمري
...
-
الصين تخطط لإرسال مسبار جديد إلى القمر عام 2026
-
عصابات المخدرات المكسيكية تهدد الجيش الأمريكي
-
طهران: لم يطرأ أي تغيير على وضع إدارة الملف النووي
-
في اليوم العالمي لمكافحة للسرطان.. إليكم بعض أعراضه الخفية!
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|