داود روفائيل خشبة
الحوار المتمدن-العدد: 3777 - 2012 / 7 / 3 - 13:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من حين لحين تصلنى فى بريدى (البريد التقليدى قديما والبريد الإلكترونى حديثا) رسالة ذات مضمون دينى أو روحانى، وتطلب الرسالة أن أعيد إرسالها إلى عدد معيّن من الأشخاص، أو إلى كل معارفى، ثم تمضى الرسالة فتحكى فى عبارات جازمة أن هذا الشخص وصلته الرسالة فأهملها وفى خلال أربع وعشرين ساعة مات ابنه، وذاك الشخص وصلته الرسالة فأرسلها للعدد المطلوب من الأشخاص فربح جائزة مالية كبيرة، وتلك السيدة وصلتها الرسالة فمزقتها وفى اليوم التالى دهستها عربة مسرعة، وهكذا.
وإنى إن كنت أعجب من سيطرة الفكر اللاعقلانى على كثيرين من الناس ممن لهم حظ طيّب من الذكاء وحظوا بنصيب وافر من التعليم، فإنى ربما أستطيع أن أتلمس من الأسباب والأعذار ما قد يخفف شيئا ما من الصدمة والدهشة لاستسلام أمثال هؤلاء الأشخاص لهذه الخرافات الفجّة واللاعقلانية الصارخة، ولكن ما يملؤنى حيرة تكاد تعصف بقدرتى على التفكير هو أن يصدّق هؤلاء الأشخاص الطيبون المتدينون أن الإله الذى يعبدونه يتصف بكل هذا الغِل والنِقمة، وأن يتقبّلوا منه قدرا من القسوة والعدوانية الظالمة ما لو رأوا مثله فى أحد الناس لكرهوه واحتقروه. ألا يخطر ببالهم أنهم بهذا يسيئون إلى إلإله الذى يعبدونه ويشوّهون صورته فى عيون الناس؟
إنى لو تحققت من وجود إله على هذا القدر من الشر والقسوة لكنت أقبل عن طواعية أن يوقع بى كل ما يملكه جبروته من أذى ولا أشاركه فى شرّه ولو بمجرّد السكوت عليه. وليسمح لى أصدقائى ممن تلقيت منهم أحيانا رسائل كتلك التى أشرت إليها أن أعترف لهم بأنى دائما ما أمحو مثل هذه الرسائل، وأظننى دأبت على فعل هذا طوال أكثر من نصف قرن، ويؤسفنى أنى لم أكن أسجّل ما يمرّ بى بعد كل فعلة من فعالى الآثمة تلك، ولكنى الآن أقترب من الخامسة والثمانين، وإن كنت لم أكسب يوما واحدة من تلك الجوائز المالية التى تنزل من السماء، إلا أنى كذلك لم أتعرّض لغير ما يتعرّض له غيرى من المصائب. وآخر مرة تلقيت فيها رسالة من هذا النوع ومحوتها كان بالأمس، وها أنا أكتب هذا ولم تنزل على بعد صاعقة تدمّرنى — إن حدث هذا سأوافيكم برسالة تأتيكم من العالم الآخر!
القاهرة، 3 يولية 2012
#داود_روفائيل_خشبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟