|
جرائم الشرف: دم الضحايا في رقبة مَن؟!
ميساء حليوة
الحوار المتمدن-العدد: 1105 - 2005 / 2 / 10 - 11:26
المحور:
ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف
الدولة.. البرلمان.. رجال الدين.. التراث..
إن قتل النساء ليس تراثاً. واضطهادهن ليس تراثاً. فلا لهذا التراث، ولا لشرعنة قتل النساء، ولا لحق القوة.
شاركوا معنا.. ارفعوا السيف عن رقابهن.. تحت شعار من لا يملك أن يوهبني الحياة لا يملك أن يسلبني إياها.
أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن على جميع الناس يولدون أحراراً متساوون في الكرامة والحقوق ولكل إنسان حق في التمتع بهذه الحرية الواردة في هذا الإعلان دون أي تمييز "حق الحياة، الحريات الأساسية".
والعنف حسب ما عرفته هيئة الأمم المتحدة: هو الفعل القائم على سلوك عنيف ينجم عنه الإيذاء أو المعاناة أو الحرمان النفسي من الحرية في الحياة العامة أو الخاصة.
وجاء في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، الجزء الرابع، المادة /15/ ف1: تمنح الدول الأطراف المساواة التامة للمرأة أمام القانون.
وعرف مؤتمر بكين /1995/ العنف (العمل الذي يكون فيه أذى بدني أو جنسي أو نفسي أو معاناة للمرأة، بما في ذلك التهديد بالقيام بأعمال من هذا القبيل أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية الذي تدفع إليه عصبية الجنس أو يرتكب بأية وسيلة كانت بحق أي امرأة لكونها امرأة).
وقد أكد المؤتمر الإقليمي الخاص بالعنف ضد المرأة الذي عقد في القاهرة منذ حوالي عام والذي ضم شخصيات من أكثر من /15/ بلد عربي أن هذه الظاهرة تنتشر بقوة في العالم العربي وتحصد أعداداً هائلة سنوياً وأظهرت مصادر اليونسيف لعام /1997/ أن اليمن شكلت بشكل رسمي /40/ جريمة قتل ضد الفتيات والنساء بسبب الشرف. فيما كشف دراسة أردنية نشرت عام /1998/ أن القتل على خلفية جرائم الشرف يمثل 55 % من نسبة جرائم العنف الموجهة ضد المرأة.
وقد أكد المؤتمر الدولي حول ما يسمى بجرائم الشرف في استكهولم مؤخراً تسليط الضوء على هذه الآفة الاجتماعية الخطيرة التي تسبب مقتل حوالي /5000/ فتاة في العالم سنوياً.
وقد جاء الدستور السوري متوافقاً مع ما تضمنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. فقد نص على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات. إذ نص في فصله الرابع: "كل المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون". واعتبر الدستور أن حياة الإنسان مصانة لا يجوز التعدي عليها أو هدرها.
وبالتالي فإن الإطار الملائم لتناول جرائم الشرف هو إطار العنف. لأن القتل هو عنف يستخدمه القاتل للتعبير وتفريغ طاقاته المريضة تجاه المرأة. فالعنف يختلف من مجتمع إلى آخر ومن زمان إلى آخر ومن مكان إلى آخر ومن طبقة إلى أخرى. إلا أن سمته الاساسية تقوم على العنصرية والتمييز بين الجنسين: الرجل والمرأة. إذ يتجلى العنف بجميع الممارسات الفردية والاجتماعية المباشرة وغير المباشرة التي تنال من المرأة وتحط من قدرها وتكرس تبعيتها وتحرمها حقوقها وتقصيها عن ممارسة كينونتها بشكل طبيعي حقيقي مع الأخذ بعين الإعتبار عدم وجود إحصائيات دقيقة لطبيعة وأشكال العنف الممارسة ضد المرأة كون النساء لا يبلغن عن حوادث العنف التي يتعرضن لها. إما لأنهن يصبحن في عداد الأموات نتيجة العنف الذي مورس ضدهن، أو خشية الفضيحة وسمعة الأسرة ولأن القانون والمجتمع لم يشجعهن على ذلك ولم يقدم لهن الحماية اللازمة والمأوى، وبالتالي فإن جميع أشكال العنف متشابهة ومترابطة يؤثر كل منها على الآخر.
وقد يكون المسبب للنوع الآخر مع التأكيد على الكثير من أنواع العنف يتبناها القانون ويسهل ممارستها مما يؤدي إلى تنامي هذه الظاهرة من حيث انتشارها وتكرارها وأبعادها ونتائجها. وتتنوع أشكال العنف ضد النساء منذ الطفولة لتزداد في الشباب وتستمر حتى الشيخوخة. ويمارس العنف عادة من ذكور العائلة ضد المرأة (جد، أب، ابن، حفيد، عم، ابن عم، خال، ابن خال، ابن خالة).
وأهم أنواع العنف الممارس ضد المرأة، على سبيل المثال لا الحصر:
1- العنف البدني:
الضرب، الخنق، الحرق، الطعن بآلة حادة، الرمي بالرصاص، السم، التزويب بالأسيد، الاغتصاب، الإيذاء بكافة أشكاله وأنواعه، الزواج المبكر، التحرش الجنسي.
2- العنف النفسي:
التهميش والتقليل من شأن المرأة من قدراتها العقلية وارتباطها بالشر فهي التي تمثل الشيطان، الغواية، الثرثرة، السطحية، المكر والاحتيال، القصر، الجهل، العاطفة البعيدة عن العقل، الآثمة، الشريرة. فهي جسد يمتع ورحم ينجب ولسان يشكو يتطلب ويكذب!
3- العنف الاجتماعي:
ويتمثل في ازدواجية المعايير الأخلاقية بين الرجل والمرأة، وسهولة ويسر تناول سمعتها لأتفه الاسباب وبدون أي عقاب مما يؤدي إلى سقوطها اجتماعياً بحكم الجمعة وبدون أي دليل. ودون أن يطبق ذلك على الرجل.
4- العنف الاقتصادي:
تفشي الفقر بين النساء واستغلالهن واستهلاكهن بسبب الأعمال غير مدفوعة الأجر. خاصة في الريف وانعدام ملكية الأرض التي يعملن بها. بل يعملن بها في الغالب لحساب أسرهن. وانعدام ملكية النساء بشكل عام لعقارات ومنقولات إلا بنسب ضئيلة ومحددة رغم دخول المرأة سوق العلم نتيجة ذهاب دخلها لتصريف شؤون أسرتها اليومية. بينما يذهب دخل الرجل للحصول على الملكية.. وبالتالي فإن الفقر بمختلف أبعاده وأشكاله له وجه نسائي.
5- العنف الثقافي:
صورة المرأة في الإعلام والخطاب الثقافي للمجتمع وانتشار فكرة عودة المرأة إلى المنزل. والصورة السلبية النمطية في المناهج التعليمية. فلا تزال تصور المرأة على أنها تحيك الصوف والرجل يتصفح الجريدة. ولا تزال تنحصر بعض المواد الدراسية بالفتيات دون الفتيان (مادة التدبير المنزلي، الخياطة.. علماً أن أشهر الطهاة في سورية والعالم هم من الرجال. وأشهر مصممي الأزياء هم من الرجال).
6- العنف السياسي:
والذي يتجلى في غياب دور الدولة لمقاومة أشكال العنف ضد المرأة في المجتمع.
7- العنف القانوني:
وهو أهم وأخطر أنواع العنف الممارس ضد المرأة لأنه يمثل دور الدولة في تبني هذا العنف تجاه المرأة. ويندرج تحت بند العنف التشريعي مجموعة من القوانين يتربع على عرشها قانون العقوبات. ويتمثل العنف القانوني في المواد التالية:
- المادة "548":
1- يستفيد من العذر المحلّ من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود. أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلها أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد.
2- يستفيد مرتكب القتل أو الاذى من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر.
- المادة "489"- ف1
من أكره غير زوجه بالعنف أو التهديد على الجماع عوقب بالأشغال الشاقة /15/ سنة على الأقل.
- المادة "504"- ف 1:
من أغوى فتاة بوعد الزواج وفض بكارتها عوقب إذا كان الفعل لا يستوجب عقاباً اشد بالحبس حتى خمس سنوات وبغرامة أقصاها ثلاثمائة ليرة أو بإحدى العقوبتين.
ف2 : فيم خلا الإقرار لا يقبل من أدلة الشهود على المجرم إلا ما نشأ منها من الرسائل والوثائق الأخرى التي كتبها.
المادة "508"- ف1:
إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم الواردة في هذا الفصل وبين المعتدى عليها أوقفت الملاحقة. وإذا كان صدر حكم بالقضية حكم تنفيذ العقاب الذي فرض عليه.
المادة "473/- ف1:
تعاقب المرأة الزانية بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين.
ف2: ويقضى بالعقوبة نفسها على شريك الزانية إذا كان متزوجاً وإلا فالحبس من شهر إلى سنة.
ف3: فيما خلا الإقرار القضائي والجنحة المشهودة لا يقبل من أدلة الثبوت على الشريك إلا ما نشأ منها عن الرسائل والوثائق التي كتبها.
المادة "474"- ف1: يعاقب الزوج بالحبس من شهر إلى سنة إذا ارتكب الزنا في البيت الزوجي أو اتخذ له خليلة جهاراً في أي مكان.
بالنسبة للمادة "584" من قانون العقوبات، فإن المشرع واستناداً لما جاء بالدستور وانسجاماً معه، لم يكن ليستطيع إعمال هذه المادة لمخالفتها نص الدستور القاضي بضمان السلامة الشخصية للإنسان. وإذا طبق فنكون أما نص غير دستوري. وغير الدستوري باطل. ما بني على الباطل فهو باطل. وليتخلص المشرع من هذا الحرج، لم يكن أمامه سوى سلخ صفة الإنسان عن المرأة وإصباغها على الرجل مما يبرر خصه بالحماية والسلامة.. دونها!
فالإنسان له الحق بالحياة ولا يجوز الاعتداء عليها من قبل أي كان. أما غير الإنسان فلا يملك هذا الحق لأنه أصبح شيء من الأشياء.
وحسب ما جاء في القانون المدني: الشيء المملوك للغير له استعمال شيئه على الوجه الذي يريد ضمن حدود ملكيته لهذا الشيء. وحدود ملكية الرجل هنا ليست بالبيع والهبة والتصرف بل.. بالقتل.. والطعن.. والخنق.. والحرق.. والتسميم.. وإطلاق الأعيرة النارية..
بتاريخ /320/ قبل الميلاد تقدم المغدورة (ص.ب) بمذكرة دفاع أمام محكمة الجنايات وضمنت مطاليبها بالآتي:
1- لا صحة لمزاعم زوج الجاني وإنني أنكرها جملة وتفصيلاً.
2- إذ أن زوجي أقدم على قتلي على خلفية شجار دار بيننا عندما رفضت بين مصاغي الذهبي. وليس كما ادعى: دفاعاً عن الشرف!
3- إلزامه بتعويض مادي يتمثل بإزهاق روحه استناداً ل: العين بالعين والسن بالسن.
4- إلزامه بتعويض معنوي عن تلويث سمعتي بعد موتي والإساءة لكرامتي.
وكون المغدورة قد فارقت الحياة فلم يكن ليتسنى لها المثول أمام المحكمة الموقرة للدفاع عن نفسها ونفي التهم التي سردها والتي اضطرته، حسب زعمه، لارتكاب جريمته. ولكون حق الدفاع من النظام العام، وكل متهم بريء حتى تثبت إدانته بأدلة قاطعة تقدم إلى المحكمة، لذلك فإنني استفدت من هذا الحق وقمت بتوكيل نائب عن روحي ممثلاً بمدير مكتب دفن الموتى لحضور المحاكمة مشفوعأً بجميع الأدلة وبحكم براءة من دار الحق. إلا أن المحكمة رفضت جميع الثبوتيات المقدمة من نائبي وحكمت علي للمرة الثانية ب:
1- إطلاق ثلاث أعيرة نارية في الرأس وخمس طعنات في الصدر.
2- براءة زوجي الجاني من دمي ومنحه لذلك وسام شرف من الدرجة الممتازة.
3- نشر الحكم في الجريدة الرسمية.
فقهقت كثيراً..
ثم ماتت من جديد.
5/2/2005 المحامية ميساء حليوة
#ميساء_حليوة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوكالة الوطنية توضح حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في المن
...
-
ما حقيقة اعتقال 5 متهمين باغتصاب موظف تعداد في بابل؟
-
مركز حقوقي: نسبة العنف الاسري على الفتيات 73% والذكور 27%
-
بعد أكثر من عام على قبلة روبياليس -المسيئة-.. الآثار السلبية
...
-
استشهاد الصحافية الفلسطينية فاطمة الكريري بعد منعها من العلا
...
-
الطفولة في لبنان تحت رعب العدوان
-
ما هي شروط التقديم على منحة المرأة الماكثة في البيت + كيفية
...
-
الوكالة الوطنية تكشف حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في البي
...
-
تحديد عيب وراثي رئيسي مرتبط بالعقم عند النساء
-
فوز ترامب يهيمن على نقاشات قمة المرأة العالمية بواشنطن
المزيد.....
-
العنف الموجه ضد النساء جريمة الشرف نموذجا
/ وسام جلاحج
-
المعالجة القانونية والإعلامية لجرائم قتل النساء على خلفية ما
...
/ محمد كريزم
-
العنف الاسري ، العنف ضد الاطفال ، امراءة من الشرق – المرأة ا
...
/ فاطمة الفلاحي
-
نموذج قاتل الطفلة نايا.. من هو السبب ..؟
/ مصطفى حقي
المزيد.....
|