عصام علاء الدين الحلاق
الحوار المتمدن-العدد: 3775 - 2012 / 7 / 1 - 19:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أطلق كلابك في الشوارع
واقفل زنازينك علينا
وقلّ نومنا في المضاجع
أدي نحنا .. نمنا ما اشتهينا
واتقل علينا بالمواجع
احنا اتوجعنا واكتفينا
أحمد فؤاد نجم
بداية وفي البحث عن توضيح لمفهوم الثورة في العديد من الكتب التاريخية والسياسية التي ذخرت بتعاريف مختلفة لها نجد أنها أجمعت في غالبيتها على أن الثورة هي لحظة تغيير كامل لواقع شاذ لم يلب متطلبات الشعب.
أبدأ من المفارقة في تسمية ماحدث في 8 آذار 1963م بـ ( الثورة ) والتي يحتفى بذكراها سنوياً علماً أن ماحصل ليس سوى انقلاباً عسكرياً كان قد قام به مجموعة من الضباط البعثيين في الجيش السوري على الحكومة لإستلام السلطة حيث أن فصائل الجيش في المحافظات اعترفت بسلطة الإنقلاب كما هي جرت العادة منذ عام 1949م.
وإلى الجزء الآخر من المفارقة الذي أبدأه بسلسلة الإتهامات الملقاة على عاتق حراك شعبي في 15 آذار 2011م وأولى تلك الإتهامات هي تسميته بـ ( الفورة ) الناتجة عن تآمر كوني ضد سوريا بعيداً عن كل مظاهر التخلف والفساد وهلاك الطبقة الوسطى التي تمثل العمود الفقري للمجتمع وكأنها لاتملك من مقومات الثورة شيئاً ، حيث أن منتقدي السلوك العام للثورة يظنون أنها عبارة عن آلة ميكانيكية يقوم الشعب بتشغيلها بالإستناد إلى كتالوجات تحتوي على المواصفات الفنية الدقيقة والتي لايجب تجاوزها تجاوزها معتقدين في ذلك أن من يخالف تلك الكتالوجات أو الدساتير والحدود المرسومة فيها فهو ليس بثورة ..!!
يستأسد البعض ممنناً علينا بالقوانين التي أصدرت لإسكات الشعب الثائر بما فيها الحبر الجديد لكتاب الدستور وإلغاء قانون الطوارئ وفي الحديث عن الأخير أتساءل هنا كيف لي أن أثق بأن حالة الطوارئ قد أزيلت ومازالت مسلسلات الإعتقالات تجري دون معرفة زمان الحلقات الأخيرة منها ، أو كيف يمكن لي أن أعلم أن من يقتل في الشارع هم من المسلحين كما هي التهمة الجاهزة المقدمة سلفاً وليسوا من المتظاهرين السلميين في غياب دور القضاء في التقصي عن الجرائم أو الحكم بما يخص المعتقلين.
يستأثر البعض الآخر متباهياً في توجيه التهم إلى التنظيم المسلح الناتج في بداية الأمر عن انشقاق بعض العسكريين من مؤسسة الجيش الذين قد وقفوا أمام مأزق أخلاقي خطير يتمثل في أن العدو الذي يقاتلونه هو ليس بذاك الذي افترضوا يوم التحاقهم بالخدمة أنهم سيكونون فخورين بقتاله حتى الشهادة أو النصر بل ليسوا إلا الأخ والإبن والأصحاب والجيران وأبناء مواطنة سورية.
ليكون الأمر بدايةًً رفض أوامر إطلاق النار والنتيجة سلفاً – كما يعلم الجميع – هي محكمة ميدانية سريعة معروفة الأحكام فكان لابد من الفرار لحين أن بدأت فلول المنشقين على قلتهم تنتظم في جماعات متفرقة متخذة القرار برد الأذى عن المدنيين الأبرياء الذين كان ذنبهم أنهم قالوا كفى ظلماً وتجبرا.
لكن من يشكل اليوم أغلبية ( الجيش السوري الحر ) هم عبارة عن مواطنين نجح النظام في قهر صبرهم وفجر في داخلهم روح الإنتقام لأحبتهم الذين كانوا قد قضوا ظلماً دون رقيب.
وعليه كان أن تم استدراجهم إلى اللعبة الوحيدة التي يتقنها النظام الأمني بجدارة ، لتتبدل الأدوار من الدفاع إلى الهجوم على رفاق الأمس وهنا تبدأ المأساة الحقيقية في اللعبة المنغلقة على دائرة القطر السوري.
أصبحت المعادلة لدى معظم الشعب السوري مفهومة للغاية فيما يخص تأليف النظام للكثير من الروايات البوليسية بامتياز واستخدامه للعديد من الأبطال الذين لطالما كانوا أبطالاً فاعلين يعملون تحت إمرته خارج الحدود السورية ومنهم ( المتطرفين ، الإرهابيين ، العملاء .. الخ. )
فبعد أن أنهك النظام بتوظيف أصحاب السوابق وتجار المخدرات على شكل لجان شعبية لقمع المناوئين لحكمه جاعلاً الصراع لابين سلطة وشعب إنما بين شعب وشعب منتقلاً إلى صراع أقوى ألا وهو فيما بين جيشِ وجيش.
لذلك لابد لنا من الاعتراف بالآثار السلبية الناجمة عن نشوء ( الجيش السوري الحر ) فانقسام السلاح يعني عمومية الفوضى والتي بسببها بتنا أقرب إلى الحرب الأهلية التي تشرذم سوريا الآن التي إن بقي منها شيء فستكون منهكة ولقمة سائغة لأعدائها.
وهكذا للتحول الثورة السلمية بكل إنجازاتها العظيمة ليذهب الحلم الذي تبنيه دون رجعة إلى مايوافق رواية التمرد المسلح.
الرواية التي كانت وسائل إعلام النظام قد وضعتها في مقدمة أولوياتها للتقصي عن أي بادرة عنف في المظاهرات السلمية لتستند في ذلك على البعض من الحجارة والعصي والإطارات المشتعلة متجاهلة زخ الرصاص الهاطل على البشر لتتفاقم الرواية وليظهر المسلحون على ( القنوات المغرضة إياها ) مانحة النظام المزيد والمزيد من البطاقات الرابحة في معركته الدبلوماسية إثبات دفاعه عن الدولة والشعب ضد من يحمل السلاح المهرب ( شرعاً ) من خارج أو في داخل الحدود السورية ، لتجعل من الشعب الثائر مجرد طرف صراع بدل صاحب حق .
مما جعل من أكذوبة النظام بأن البديل الوحيد له هو ( الفوضى ) باتت أكثر صدقاً من غيرها ، بل وأصبح جديراً بنيل ألقاب عدة منها ( حامي الأقليات ) وفي التعليق حولها نرى أن الأحداث السابقة التي شهدتها الفترة الماضية خصوصاً أثبتت وبالدليل القاطع عكس ذلك تماماً فقد بات من الواضح أن هذا النظام لايميز فيما بين مسلم ومسيحي أو سني وشيعي أو بين عربي وكردي ، لأن الهدف لدية هو البقاء متغطرساً على كرسيه حتى وإن تكبد في ذلك فناء نصف الشعب والأمثلة لدينا كثيرة لكن وعلى سبيل الذكر فإن ( باسل شحادة ) السوري المسيحي المنحدر من الطائفة السينمائية لايعقل أن يكون متطرفاً أو إرهابياً إنما تم استهدافه لأنه قرر الوقوف – كغيره من المسيحيين – إلى جانب أبناء شعبه في انتفاضتهم ضد الظلم.
أيضاً وفي الأيام الأخيرة تم استهداف أحد أبناء مدينتي ( السلمية ) بالقرب من أحد حواجز الجيش النظامي في مدينة الرستن عندما كان يحاول ( ملهم ) المنحدر من الطائفة الإسماعيلية مع شابين آخرين من أبناء المدينة نفسها على إيصال المساعدات الغذائية والدوائية لأهلنا في الرستن علماً أن هذه المدينة ( السلمية ) قد انتفضت في الاسبوع الثاني من ولادة الثورة إضافة إلى أنها قدمت العديد والعديد من الشهداء والمعتقلين السياسيين على مر الأربعين عاماً الماضية عموماً وفي الأشهر الأخيرة خصوصاً مما يجعلها حقل أشواك في مجرى هضم هذا النظام والتي تعكس حقيقة روايته وزيف ادعائاته في حماية الأقليات وتأييدهم له .
يا أبناء بلدي ..
كلما كنّا أكثر تنوعاً و أكثر قبولاً باختلافنا كلما كنّا أكثر قوة ومنعة ضد أي تدخل خارجي وكان سور حمايتنا هو الإرتهان لسوريتنا لا لمصالحنا ولا تنفيساً عن أحقاد يصنعها العمى عن حالات الظلم والقهر والتعسف طلباً لإنتقام ، فلا داع للخوف من البعبع الإسلامي أو غيره فالشعب الذي يقوم بثورة عظيمة كهذه على نظام دموي كهذا الموجود حالياً في سوريا لايردعه القيام بثورة أخرى على نظام لم يتشبث بكرسيه بعد.
#عصام_علاء_الدين_الحلاق (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟