|
الرئيس المصري الجديد و أسئلة المرحلة الصعبة التي تجتازها مصر
عبد الجبار الغراز
كاتب وباحث من المغرب
(Abdeljebbar Lourhraz)
الحوار المتمدن-العدد: 3774 - 2012 / 6 / 30 - 20:06
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
يمكن القول اليوم ، السبت 10 شعبان من سنة 1433 الموافق 30 يونيو ( حزيران ) ، بعد هذا الحدث العظيم الذي عشناه مع الشعب المصري ، و الذي يتمثل في تسلم محمد مرسي لمهامه الرسمية ، و ما ترتب عن ذلك من انتقال بمصر من الجمهورية الأولى إلى الجمهورية الثانية التي دشنت بأداء الرئيس المصري الجديد اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا ، و أمام مقر جامعة القاهرة ، و قبلهما بالأمس أمام المعتصمين في ميدان التحرير ، يمكن القول ، أن مصر قد دخلت عهدا جديدا بفضل ثورتها التي اتت بأول رئيس مدني يخرج من صناديق الاقتراع . رئيس سيحافظ على النظام الجمهوري و على استقلال الوطن و سلامته . رئيس سيراعي الشرعية الدستورية و يضمن الحقوق دون تمييز . رئيس سيحترم السلطتين القضائية و التشريعية و سيقوم بدوره لضمان استقلال السلط الثلاث و سيسهر على تكريس مفهوم المؤسسية لتصبح مصر دولة مدنية و وطنية و دستورية حديثة قوية بشعبها و تقاليده العريقة . لاشك أن صعود " الإخوان المسلمون " إلى سدة الحكم في مصر قد كان تتويجا للمجهود الذاتي لهذه الجماعة ، الذي لا يمكن إنكاره ، و الذي سيجعل منها المستفيد الأكبر من هذا المخاض العسير الذي عاشته مصر في ربيعها ، كما ستجعل منها الحركة السياسية التي تسعى لأن تحقق قفزة نوعية لم يسبق لها مثيل في التاريخ العربي و الإسلامي المعاصر و ذلك بتحولها من جماعة محدودة في الزمان و في المكان ، إلى تنظيم جماهيري يسعى إلى قيادة هذه المرحلة الصعبة التي تجتازها مصر، و معها الأمة العربية و الإسلامية ، لو استطاع الرئيس المصري الجديد أن يترجم تصريحاته التي وردت في خطابه الذي القاه اليوم في جامعة القاهرة إلى أفعال ملموسة و واقعية . لكن في المقابل ، و بموازاة مع هذا الحدث المصري العظيم ، لا يمكن إنكار الواقعتين الحقيقيتين التاليتين : الأولى ، يمكن التعبير عنها من خلال القول أن الرئاسة المصرية الجديدة قد كانت وليدة تصويت غالبية لم تمنح أصواتها لصالح محمد مرسي ليصبح رئيسا للبلاد إلا اتقاء للنتائج السلبية لوضعية اختيارية جد صعبة وضعت فيها و التي قادتها إلى أن تختار ما بين مرشحين إثنين كان أحلاهما مر .وهذه ، لعمري ، لجبرية سياسية لا ينبغي إغفالها أثناء كل تحليل يفترض الموضوعية و العلمية و الدقة في الوصف للمشهد السياسي المصري الراهن . و الثانية ، يمكن التعبير عنها من خلال القول ، أن محمد مرسي قد أصبح رئيسا فعليا لكل المصريين لكن بمرجعية إسلامية كانت و لا تزال ، محط مخاوف شريحة كبرى من الشعب المصري ، و هذا المعطى لا يمكن التغاضي عنه بسهولة ، خصوصا حينما نرى هذا الصعود المتنامي للمد الإسلامي في العالم العربي ، على العموم و في مصر على وجه الخصوص ، سيواجه ، لا محالة ، تحديات و تضحيات و تنازلات جسام ، قد تحد من طموح السياسي الكبير لهذا الرئيس الجديد ، في جعل مصر تلعب دورا رياديا و قياديا للأمة العربية و الإسلامية . هذه الزاوية للرؤية للوضع المصري الجديد التي حتمت علينا أن نرى الأمور وفق واقعية سياسية ، تدفعنا إلى طرح فرضيات يمكن صياغتها على شكل التساؤلات التالية : هل ستستطيع القيادة المصرية الجديدة توحيد كافة المواطنين المصرين تحت راية واحدة عبر تهدئة المشككين في الحكم الاسلامي ، و تخفيف القلق الذي يسيطر على الأقليات و تبديد مخاوفهم من صعود تيار إسلامي قد ينسف قاعدة الحوار و الاختلاف و قد لا يصون العهود ؟ هل ستعود مصر لدورها الريادي و القيادي في المنطقة العربية ؟ و هل سيساعدها هذا الدور في فرض إيقاع جديد للأداة السياسية تمهيدا لخلق توازنات جديدة في منطقة الشرق الأوسط ؟ كيف لها تحقيق ذلك و مستوى التطور في البنيات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية لا يشي بتكوين جبهة داخلية قوية لمواجهة تحديات من نوع آخر مرتبط بالبطالة و الفقر و تفشي الفساد ؟ وكيف ستتعامل مصر مع محيطها القريب خصوصا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما يجري في الساحات السياسية العربية الساخنة، و نخص بالذكر هنا الساحة الفلسطينية و الساحة الليبية والساحة السودانية و الوضع السوري المتردي الذي يتفاقم يوما بعد يوم ؟ وكيف يمكن ، بالتالي ، للرئيس الجديد أن يصون المعاهدات الدولية ، في ظل الأوضاع التي تتخبط فيها الأمة العربية و الإسلامية من حصار مستمر لغزة و تهويد ممنهج للقدس الشريف ؟ فهل ، بعد هذا و ذاك ، سيتم انتزاع الحقوق العربية المغتصبة بقوة السلاح و الحرب ام سيتم اللجوء للوسائل الدبلوماسية ؟ لا نملك ، بعد طرح هذه التساؤلات ، و في هذه اللحظة المصيرية ، إلا أن ندعو الله أن يكون عونا لهذا الرئيس المنتخب . فلا محالة سيعيش بين نيران مشتعلة ، تأتي على الأخضر قبل اليابس ، من الصعب عليه إخمادها : نيران الداخل و نيران الخارج . فمن جهة أولى ، سيعيش نار طموح جماعته ، في تشكيل امبراطورية إسلامية في المنطقة ،علما أنه يفترض فيه أن يكون رئيسا لكل المصريين ، معبرا عن كل تطلعات كل أطياف الشعب المصري المختلفة . كما سيعيش ، في مقابل ذلك ، نار مراعاته، في قيادته لسفينة الحكم ، المعاهدات الدولية التي أبرمتها الدولة المصرية . فإسرائيل، لا ، في كل وقت و حين ، تخفي تخوفها من تنامي المد الإسلامي في مصر ، فقد رأيناها منذ يومه الأول من فوزه في الانتخابات ، تطالبه، على لسان أبرز صحفها ، هارتز و يديعوت أحرونوت ، باحترام عهوده في تطبيق المعاهدات الدولية و أولاها معاهدة كامب ديفيد . و من جهة ثانية ، فسيجد الرئيس الجديد نار الثوار مشتعلة مجتاحة كل جنبات ميدان التحرير، تصده بقوة كلما أقدم على فعل أم أحجم عنه ، أو خطى خطوة غير محسوبة تتعارض مع مبادئ الثورة المصرية . وعليه ، من جهة ثالثة ، أن يعلم أن هؤلاء الثوار سوف لن ينسحبوا من ميدان التحرير هذه المرة مثلما فعلوا في المرة السابقة ، لما عادوا إلى أوكارهم و تركوا الساحة فارغة للصوص ينهبون الثورة يفعلون بها ما يشاؤون، بل سيعتصمون فيه و لن يتركوه حتى تحقق الثورة أهدافها . لقد استوعب هؤلاء الشباب الدرس جيدا ، وسيذهبون باعتصامهم إلى أبعد مداه ، حيث سيطالبون رئيسهم الجديد بتصريف كافة الصلاحيات التنفيذية المخولة له كرئيس للجمهورية في اتجاه تحقيق أهداف الثورة و الحفاظ على مكتسباتها ، و تشكيل حكومة جديدة ، إذا لزم الأمر ، بصلاحيات حقيقية . و عليه ، من جهة رابعة ، أن يتذكر دائما ، أنه أول رئيس منتخب بشكل ديمقراطي في مصر ، و هذه سابقة لم يشهدها التاريخ السياسي المصري الحديث ، و بل و التاريخ السياسي العربي و الإسلامي الحديث . و عليه ، من جهة أخيرة أن يعلم أن المهام الموكولة إليه هي خاضعة بشكل مباشر لرقابة الشعب ، و لهذا فالشباب المصري الثائر سوف لن يتركه يفعل ما يشاء دون حساب أو مساءلة . فالعودة إلى ميدان التحرير للاعتصام فيه أصبحت شيئا مفروغا منه مادام جدار الخوف قد تحطم . باختصار ، هناك خياران لسيادته لا ثالث لهما : فإما تحقيق مكاسب الثورة و إما التنحي عن منصب رئيس الجمهورية .
#عبد_الجبار_الغراز (هاشتاغ)
Abdeljebbar_Lourhraz#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الربيع العربي كما يبدو في نسخته المعدلة جينيا
-
سنة 2011 أو سنة زمانية العرب . قراءة سريعة في أنطلوجيا الثور
...
-
الثورات قدر الشعوب .. فهل من معتبر ؟
-
مغرب اليوم بين طريقين ملغومين
-
- الإعاقة الفكرية - وآلية إنتاج المجتمع المدبلج
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|