حمدى السعيد سالم
الحوار المتمدن-العدد: 3772 - 2012 / 6 / 28 - 22:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مما لاشك فيه ان اكثر ما ينقصنا فى حياتنا السياسية والثقافية وفى مختلف جوانب العمل العام هو ( الحوار ) الذى يعد جوهر الديمقراطية وقلبها النابض .... فالديمقراطية تقوم على التعددية المفتوحة والاختلاف فى البرامج والآراء بين المتعددين والتنافس الحر بين هؤلاء المختلفين !!!! وفى كل ذلك تبرز اهمية الحوار ... فلا قيمة للتعددية بدون حوار .... والا صارت هى والواحدية صنوان ... والمقصود بالحوار ليس فقط ان نتكلم , ولكن ايضا ان يسمع كل منا ما يقوله غيره !!! وان ينصت الى ما يسمعه ... اى ان يفتح عقله وليس فقط اذنيه !!!... وعندئذ يمكن ان يجد كل منا جانبا مقبولا لديه فيما يقوله الآخر ... فيتفق معه فيه بينما يختلفان على غيره !!! وهذا هو السبيل الوحيد لان نختلف مع بعضنا البعض دون ان نتبادل الاتهامات !!! فليس خافيا على احد مدى التدهور الذى وصل اليه الجدل العام فى بلادنا على نحو يحمل مزيدا من المخاطر ويدفع الى قلق اضافى على المستقبل !!!...
ان تدنى اللغة السياسية وهبوطها الى قاع لاتبدو له نهاية يدفع بعض الذين لايستطيعون استخدام مثل هذه اللغة الى الانصراف عن العمل العام نأيا بأنفسهم عن اجواء لاتليق بهم ... ولا يقود ذلك الا الى مزيد من طرد العملة الجيدة لمصلحة العملة المزيفة فى اكثر صورها انحطاطا ... لقد كان هذا هو اهم اسباب محنة بلادنا التى نشعر بها كل يوم امام قوى اقليمية ودولية توسعا فى الفجوة التى تفصل بيننا وبين العالم !!...فعلى مدى عقود من الزمن تواصل طرد العملة الجيدة ومحاصرتها بفعل تفضيل الولاء على الكفاءة , فضلا عن تأثير اعتبارات الشللية والمصالح الخاصة الضيقة !!! وها نحن اليوم امام موجة جديدة فى هذه العملية تستهدف طرد العملة الجيدة ليس فقط من قطاع الدولة ولكن ايضا من المجتمع المدنى الذى يمثل صورة المستقبل ... ومما يؤسف له ان تصبح بعض الصحف أداة لهذا الطرد ... عكس الوضع الطبيعى الذى يفترض ان تكون الصحافة هى السبيل الى فتح الابواب المغلقة امام العملة الجيدة وكشف الاختلالات الناجمة عن سيادة العملة الرديئة !!!... فما اسهل ان يستند اعداء حرية الصحافة على مثل هذه الاختلالات لفرض مزيد من القيود عندما يرغبون فى ذلك ..وما اصعب الدفاع عن حرية الصحافة فى ظل هذه الاختلالات !!...
ان ميثاق الشرف الصحفى فى اساسه هو ميثاق اخلاقى !! لذلك يجب ان تكون هناك عقوبات مهنية على عدم الالتزام بميثاق الشرف الصحفى !!!.. فلن يحل مشكلة الصحافة حبس الصحافيين !!! ولن تحل مشكلة تجاوزات الصحف الغرامات الباهظة !!! ان المزيد من الحرية هو العلاج الصحيح لمشكلة التجاوزات الصحفية .. والسماح بحرية اصدار مزيد من الصحف هو الامر الوحيد الذى يسمح باعادة التوازن والالتزام الى سوق الصحافة بشكل عام !!! كما ان رفع وصاية الدولة عن الصحف هو الذى سيشجع على قيام صحافة حرة مستقلة الى جانب التوجية والارشاد سوف يؤد-ى الى نشوء صحافة واعية ونزيهة ... لانه لايمكن ان يقوم مجتمع ديمقراطى دون صحافة حرة ونزيهة وواعية ... كما لايمكن ان تقوم صحافة واعية ونزيهة وحرة وسيف العقاب مسلط فوق رؤوس الصحافيين !!! فقط لابد ان تكون هناك تقاليد مهنية ..وان يكون هناك احترام لهذه التقاليد وان نسعى الى تجذيرها فى الواقع الصحافى المصرى !!!...
مما لاشك فيه انه لم يحدث فى تاريخ الصحافة المصرية ان تدهورت المهنة الى هذا الحد الذى نراه اليوم أكثر من دخلن عالم الصحافة من النساء تحولن الى (بائعات هوى, وسمسارات),وأكرر( حاشا الشريفات ,والعفيفات) ...وفي الغالب فإن مايثير الحفيظة, تزايد أعداد الشابات اللاتي يستعرضن مؤخراتهن في مقرات الصحف ونقاباتها وفي المؤسسات الإعلامية !!! ...وتضيف لذلك تسريحة شعرالى جانب مكياج صارخ باذخ !!...(تتنطط) من مؤسسة الى أخرى تتقاذفها شهوات ورغبات الزملاء المسؤولين ورؤساء الأقسام ومعدي البرامج ورؤساء أقسام المراسلين والإداريين !!! وأكرر ( حاشا الطيبين والشرفاء)...المضحك والمثير للقرف والغثيان إن هاتيك الشابات لايجدن الحديث ولاالكتابة ولاالتحريرالصحفى ولا الإلقاء ولاالحوار ولايمتلكن من الثقافة الموسوعية شيئا ... الى هؤلاء الشابات الصحافيات اقول لهن : لاحاجة لنا بمؤخرتك فالمؤخرات كثيرة أننا نريد افكارك القابعة فى رأسك ووعيك وثقافتك لانريد ان نتمتع بجمالك ومفاتنك !!!..إن مستقبل الصحافة في مصر لايرتبط بحجم وكبر مؤخرة الصحافية بل بحرفيتها الصحافية والمهنية وثقافتها الموسوعية !!!...
وبالنسبة لحال الصحف القومية فما يجرى فيها هو فى حقيقة الامر خصخصة من الباب الخلفى دون مسئوليات الخصخصة ... فمثلا هناك مؤسسات صحفية تتاجر فى الاراضى !!! ما علاقة هذا بالصحافة ؟!! لامانع ان تستثمر المؤسسات الصحافية فى مشروعات مربحة , بشرط ان تكون مشروعات لها علاقة بمهنة الصحافة !!! والقضية الخطيرة الاخرى هى الخلط بين التحرير والاعلان ... وهذا لايفسد فقط العمل الصحافى ولكنه يفسد الصحافيين واجيالا قادمة منهم !!! ... الى جانب كثرة نشر اخبار الجرائم والجنايات فى الصحف ... والمعروف ان الجريمة احد عناصر زيادة الاقبال والتوزيع !! لكن الصحافة الواعية المسئولة لا تلجأ الى هذا لان كثرة الكتابة عن الجريمة يزيد من انتشارها وهذا شىء معروف ...لذلك كان الاستاذ / احسان عبدالقدوس حين كان رئيسا لتحرير اخبار اليوم يرفض تماما ان تزيد مساحة اخبار الجريمة عن نصف صفحة فقط .... لان هناك نقطة تزيد عندها الفائدة الصحافية ولكن منها ايضا يبدأ الضرر الاجتماعى !!! الملاحظ ان المسئولية الاجتماعية ليست موجودة !!! لا أمل فى صحافة جيدة الا اذا انفتح الباب لصحافة حقيقية !!! صحافة حكمها هو القارىء !!! فالسوق يحتاج الى صحافة مستقلة ... وليست صحف خاصة تستخدم لادارة المعارك السياسية والاجتماعية والثقافية التحتية !!! فالصحف الخاصة لها علاقة بالعمل السياسى التحتى !!!! لان هذه الصحف الخاصة كانت تخوض حروبا بالوكالة او بالنيابة عن بعض الوزراء !!! وخير مثال على صدق كلامى استخدام وزير الداخلية الاسبق ( حسن الألفى ) جريدة ( الاسبوع / مصطفى بكرى) والتى قام بتسهيل اصدارها خلال اقل من شهرين فى معركته ضد آخرين بمن فيهم الوزراء !!! مثل طلعت حماد , فقد فتحت جريدة الاسبوع النار على طلعت حماد بطريقة كثيفة لأن صاحب الجريدة يرفل فى حماية وزير أخر ويعمل لمصلحته !! وازمة الصحف الخاصة فى مصر موصولة بازمة النظام السياسى والصراعات التحتية !!!..
الصحف الخاصة ليست كلها مستقلة التوجه ... والصحف التى استطاعت تحقيق الاستقلال فى عرض وجهة نظرها قليلة للغاية !!!... اما باقى الصحف فى مصر فهى اما تميل الى جناح وزارى معين او لشخص خارج من حزب معين او رجل اعمال .... للمؤلف الامريكى ( جورج اوريل ) رواية كانت بدايتها هكذا : ( كلنا متساوون ) ومكع تطور الرواية اضاف جملة اخرى :( كلنا متساوون ولكن البعض منا اكثر مساواة من الاخرين !!! ) ... كل المهن مهمة لكن هناك مهنة اكثر مسئولية عن مستقبل المجتمع من مهنة اخرى !!! فلايكفى ان يوجد صحفى شريف انت تحتاج الى صحفى شريف وقاضى شريف واستاذ جامعى شريف , هذه السلسلة هى العمود الفقرى للمجتمع واذا انكسرت حلقة منها لابد ان يستتبعه كسر حلقات اخرى !!! لذلك المفروض نظريا ان رجال الاعمال يجب ان يكونوا احرص الناس على حرية الصحافة ولكن ذلك لايحدث !!! بالعكس هؤلاء هم اكثر اعداء الصحافة الحرة الواعية النزيهة المستقلة لانها ستكشف حقيقتهم .. وهم لايريدون من يكشفهم لانهم ليسوا رجال اعمال ولا رأسمالية حقيقية !!!... مما لاشك فيه ان عدم الفصل بين التحرير والاعلان سببه اموال رجال الاعمال التى يسيل لها لعاب الصحف !!! مشكلة عدم الفصل بين التحرير والاعلان ليست مشكلة ميثاق شرف ولاقوانين !!! ولكنها مشكلة مجتمع اصبح لايسأل عن مصدر المال ..ولكن يسأل عن وجود المال من عدمه !!! ونحن فى بلد ورثت الاستبداد ...وحكامنا تضيق صدورهم اذا تم انتقادهم !!! لذلك تبلدت النخبة السياسية او النخبة الصحافية التى اصابها التلبد فى مقتل !!!...
لذلك قلت : لا أمل فى صحافة جيدة الا اذا انفتح الباب لصحافة حقيقية ...
حمدى السعيد سالم
#حمدى_السعيد_سالم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟