|
قوة الضعف الواعي
عدنان الصباح
(ADNAN ALSABBAH)
الحوار المتمدن-العدد: 1103 - 2005 / 2 / 8 - 11:12
المحور:
القضية الفلسطينية
منذ بدأت الهجرة اليهودية إلى فلسطين على يد الحركة الصهيونية وبتشجيع مباشر وعلني من قبل سلطات الاحتلال البريطاني آنذاك وحركة المقاومة الفلسطينية متواصلة على نفس النسق التراجعي البعيد كل البعد عن إدراك الذات أو عن الإبداع في المقاومة والكفاح وقراءة مواطن الضعف والقوة لدى الذات ولدى الآخر ويمكن القول إن الحركة الوطنية الفلسطينية لم تمارس النقد الذاتي الموضوعي مرة واحدة بحق ذاتها وحق برامجها ولم تستمع إلى النقد، بل إن كل محاولة نقدية لاقت الهجوم العنيف والاتهامات بلا حدود حتى ليكاد يبدو للمراقب أن قيادات الحركة الوطنية الفلسطينية استكانت أمام حالة مراوحة المكان أو التراجع وهي لم تعد تتعب نفسها بقراءة الآليات المؤدية إلى تحقيق الإنجازات أو مجرد التفكير بالوصول الى النصر ومن يقرأ برامج ودراسات الحركة الوطنية الفلسطينية لا يرى تصورا حقيقيا متكاملا لما بعد تحقيق الانتصار وهذا مؤشر غريب لقناعات هذه القوى وقياداتها فكل ما يسمعه المراقب هو رؤى للتنازل لخلق حل سريع يقبل به العدو دون الالتفات للمصالح الحقيقية للجماهير وقضاياها ومنذ هبة البراق عام 1929 لم تتوقف الأحداث الدورية في تاريخنا فقد انتقلنا بعدها إلى الإضراب الشهير عام 1936 ثم ثورة 1936 – 1939 لتبدأ الحرب الاستعمارية الثانية ولنخرج منها إلى حرب عام 1948 وضياع الجزء الأكبر من فلسطين وإعلان دولة إسرائيل، وبعد ذلك تجيء حرب عام 1956 ثم إعلان منظمة التحرير الفلسطينية الرسمي وتشكيل جيش جديد يضاف إلى الجيوش العربية الرسمية وبعد ذلك إعلان انطلاق حركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح – لتأت بعد ذلك هزيمة عام 1967 وضياع ما تبقى من فلسطين وأجزاء ن الدول العربية المحيطة ثم تتصاعد المقاومة الوطنية الفلسطينية ومن على كل الجبهات ولتأخذ المقاومة الفلسطينية زمام المبادرة من الأنظمة العربية المهزومة والمحرجة من جماهيرها والتي وجدت في المقاومة الفلسطينية الرد العملي على الإحباط الذي أصابها وقد يكون ذلك واحدا من أهم الأسباب التي ساعدت المقاومة الفلسطينية على الظهور بمظهر المنتصر والبديل الحي لتاريخ الهزائم لكن ذلك لم يدم طويلا بسبب من سعي هذه المقاومة أو بعضا من أطرافها للتدخل في شئون الأنظمة العربية أو السعي للحلول مكانها في الحكم في بعض الأحيان والانتقال بجسم الثورة من خطوط المواجهة إلى المدن المكتظة بالسكان والخلط بين مهمات المقومة الوطنية على من خارج أرضها ومهمات الأحزاب والحركات السياسية داخل أرضها مما ساهم في تأليب الرأي العام المحلي في الأردن وخشية النظام إن هو استمر في موقف المتفرج أن يفقد وجوده ولذا كانت سلوكيات وتدخلات فصائل المقاومة المبرر المعلن الذي سعى البعض إقليميا ودوليا لدفع الأردن للقيام بالمهمة التي يرغبون وقد كانت أحداث أيلول عام 1970 ثم جاءت حرب أكتوبر 1973 نصف انتصار ونصف هزيمة وقد حولها نظام السادات آنذاك إلى هزيمة كاملة، ولم يطل الأمر كثيرا إلى أن جاءت الحرب اللبنانية عام 1976 والتي أنهكت المقاومة الفلسطينية واستنزفت قواها وصولا إلى حرب لبنان عام 1982 وما آلت إليه من خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان وإغلاق الجبهة اللبنانية أمام المقاومة الفلسطينية.
كان لخروج المقاومة من لبنان وشعور الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة أن البعد الجغرافي لتواجد الثورة سيتحول إلى بعد زماني مع التحرير ولذا انطلقت الانتفاضة الفلسطينية الشعبية العارمة نهاية عام 1987 والتي ابتدأت كهبة جماهيرية عارمة سرعان ما تم تجييشها وتحييد الجماهير عنها واقتصارها على الشبان المسلحين دون قيادة سياسية على الأرض وبدل أن تحق هذه الانتفاضة الغايات المرجوة منها حسبما عبرت عنها عبر بياناتها الأولى انتهت هذه الانتفاضة أيضا بعيدا عن الشعب باتفاقيات اوسلو الفضفاضة والغير واضحة والتي بضبابيتها وانعدام الحسم في التفاصيل وغياب الرؤيا الواضحة للمستقبل دفعت بالشعب إلى معاودة انتفاضته عام 2000 وعلى نفس الطريقة أيضا انتفاضة شعبيه عارمة تم فيما بعد القفز من فوقها واختزالها إلى مجموعات صغيرة من المسلحين وتم إظهار الأمر وكان هناك حرب بين جيشين متكافئين في العدد والعتاد والتأهيل والدعم من كل النواحي وهكذا تطورت الأمور إلى أن أصبح مطلبنا العودة إلى حدود 28 أيلول وهذا المطلب
يذكرنا بسلسلة مطالب عجيبة في تاريخنا، فمن مطلب وقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين وإقامة دولة عربية في فلسطين الى شعار استعادة الأرض المحتلة وطرد اليهود أو الإلقاء بهم في البحر حتى ضاعت كل فلسطين فرفعنا شعارا جديدا يتحدث عن دولة علمانية أو ديمقراطية موحدة، ثم جاءت فكرة دولتين لشعبين أخيرا لدى البعض ليظهر بعد ذلك من يدعو إلى دولة إسلامية خالصة ولتتنامى في الأوساط الإسرائيلية فكرة الدولة اليهودية الخالصة، ولاشك أننا نذكر جيدا الشعار الذي رفعه السادات في نهايات حرب أكتوبر بتضخيم حادث ثغرة الدفرسوار ودعوته للعودة إلى حدود 23 أكتوبر، والمقصود من ذلك أننا قد نكون الشعب الوحيد على الأرض الذي مارس التفاوض مع ذاته وتغيير مشاريعه وبرامجه السياسية والتنازل عن مطالبه وحده حتى دون أن يطلب منه احد ذلك وقد فعل ذلك دوما ولا زال دون أن يأخذ ثمنا لتنازله المجاني الذي جاء دوما بمبادرته وحده وقدم لأعدائه على طبق من ذهب.
إن السبب الحقيقي لنموذج للتنازلات المجانية هو عدم الادراك الحقيقي لقدرات الذات والأعداء قبيل وأثناء أية مرحلة تاريخية، فنحن شعب اعزل ومعزول أمام جيش يعرف على انه واحد من أقوى جيوش العالم وأحدثها تجهيزا وأكثرها تدريبا وتطورا من جانب ومن جانب آخر فنحن لا نقاتل جيش احتلال معزول يضم جنودا يعيشون بعيدا عن أسرهم وعوائلهم ونمط حياته آلاف الأميال مما يضطرهم للقتال في ظروف قاسية وصعبة ويساهم في تأليب الرأي العام على حكوماتهم لدفعها إلى استعادة جيشها إلى ارض الوطن، نحن على العكس من ذلك نقاتل ضد جيش لا تبعد بيوت جنوده عنه مسافة كيلو مترات قليلة وهو يجد الوقت ليمارس حياته العادية في أجازاته وبين أهله وهو أيضا يجد قناعته بالقول له من قبل رؤسائه بأنه يدافع عن حياته وبيته فبيته هنا على مرمى حجر من بيوتنا، نحن إذن أمام جندي مدرب جيدا ومسلح جيدا ومغطى بأحدث أجهزة الاستطلاع والمخابرات ويملك قوة إسناد هائلة وهو مرتاح اخذ إجازة في بيته ومع أسرته ونام جيدا واكل جيدا وحصل على راتب عالي في نهاية كل شهره وترك خلفه ما يوفر لأسرته حياة كريمة وليس أمامه سوى مهمة واحدة منع العدو الفلسطيني من تنغيص حياته الجميلة وحياة أسرته وهو أيا كان توجهه السياسي فلا يجد في الأوساط السياسية الإسرائيلية تناقضا مع ما يقوم به فلدى الإسرائيليين حكومة واحدة وبرنامج واحد هو برنامج الحكومة التي تلقى كل الدعم من قبل المعارضة حين يتعلق الأمر بالمعركة مع الفلسطينيين وبالمقابل نحن أمام عدد من الشبان عادة ما يكونون في مقتبل العمر ولا يملكون سوى إيمانهم وإرادتهم ولا يملكون لا التدريب ولا التسليح وهم غير مطمأنين إلى حال أسرهم ولا يملكون أية معلومات استخبارية حقيقية عن عدوهم وهم بالكاد يرون أفراد أسرهم لماما وخلسة عن عيون المحتلين وأعوانهم أو أجهزتهم أو طائراتهم التي تراقب كل حركة على الأرض ، إن الفرق هنا أننا بالنسبة لهم كتاب مفتوح وهم بالنسبة لنا ليل دامس لا نرى منه شيء أبدا وعلينا أن نتحرك في ظلامهم في حين يمرحون هم في نهارنا كما يريدون ، والمقاتل الفلسطيني إلى جانب الظروف القاسية التي يعيشها فهو مطلوب منه أن يكون المقاتل والقائد والمصلح الاجتماعي وان يبحث أيضا عن قوت أسرته والأصعب من ذلك انه يعيش نهبا لتضارب لا يتوقف من الآراء ووجهات النظر فمن مؤيد مطلق له إلى ناقد إلى رافض وهذا يشتت الجهد والأفكار وهو قد يعيش فترات غير قادر على الاتصال بقيادته بعكس الجندي الذي يقابله كليا قيادة منظمة ومتطورة ودعم لا محدود ، جندي الاحتلال يعيش في ظل ظروف مريحة وهو يملك كل وسائل الحماية الممكنة ولذا فان شعوره بالخطر قليل جدا مقابل شعور رجل المقاومة الفلسطيني ، وايا كان الحديث عن الفرق في عدالة القضية ومهما تفلسف المترفون بعيدا عن الخطر فان الواقع شيء آخر.
نحن إذن أمام نموذج خاص من الاحتلال فالجنود الذين يقاتلونا يحملون اعتقادا بان هذه هي أرضهم وهم وان كانوا ينتمون لأسر جاءت من بعيد إلا أنهم ولدوا هنا وقد لا يكونوا يعرفون مكان آخر عدا هذه الأرض، ومن جانب آخر فان السياسات العقيمة التي عاش الفلسطينيون في ظلها دفعت بهم للهجرة من أرضهم مرتين بشكل جماعي في عام 1948 و1967 عدا عن الهجرة القسرية المتواصلة طلا للرزق ولحياة أفضل وبذا فان المشكلة الديمغرافية لا تشكل عقبة حقيقية في وجه الاحتلال آنيا ومن جانب آخر فان تواصل العمل اللا برنامجي والغوغائي يقود إلى وضع الفلسطينيين باستمرار تحت رحمة قوة وجبروت الاحتلال وهو لذلك يؤدي إلى حل المشكلة الديمغرافية التي قد يؤثر فيها نمط الحياة العربي الذي يشجع الإنجاب، فالاركان إذن إلى أن هذه الميزة قد تفيدنا في المستقبل غير منطقية لسببين الأول استمرار سعي إسرائيل إلى إعادة الأمور إلى طبيعتها واقل بين فترة وأخرى معتمدة على الفوضى القائمة في صفوفنا وقدرتها على جرنا إلى الخندق الذي تريد، ولذا
رأينا في المقدمة أن لا فترة استراحة حقيقية لنا فبين معركة خاسرة وأخرى أكثر خسارة لا تتعدى الفترات من خمسة إلى عشر سنوات نفقد فيها الآلاف بين شهيد وجريح ومعتقل ومنفي أو مهاجر أو مهجر وعادة ما تكون الخسائر البشرية والغير بشرية في صفوفنا أكثر بكثير من خسائرهم، إلى جانب أن الأسرة الفلسطينية العصرية لم تعد تلك الأسرة القديمة، فالشباب الفلسطيني بات يعزف عن الإنجاب كثيرا وهو يقترب تدريجيا من النموذج الغربي بسبب تكاليف المعيشة القاسية والظروف الاستثنائية القاسية التي يعيشها الفلسطيني أينما ذهب.
إن قراءة متأنية لميزان الربح والخسارة في الانتفاضة الحالية وبكل المكاشفة الممكنة وبعيدا عن النموذج العربي في صياغة الانتصارات الوهمية واللعب بالكلمات سنجد مايلي: 1- إن عدد القتلى في صفوفنا يفوق كثيرا العدد في صفوف المحتلين رغم أن المسألة لا تقاس بهذه الطريقة أبدا. 2- إن عدد الجرحى والمعاقين أضعافا مضاعفة أكثر من عددهم في الصف المقابل. 3- لا قياس في عدد الأسرى أبدا فلا يوجد لدينا أسير واحد ولديهم الآلاف منا في معتقلاتهم. 4- إن حال اسر الشهداء الفلسطينيين والمعاناة التي تعيشونها بعد ابنهم تبين حجم المأساة الأخلاقية التي نعيشها نحن لا هم، وهذا ينسحب على حال الجرحى والمعاقين والأسرى وأسرهم. 5- إن دمارنا الاقتصادي كان تدميريا وايا كانت محاولة تصوير الدمار الذي لحق بهم جراء الأوضاع الأمنية فهو لا يقاس بحالنا أبدا فلقد دمرت آلة الاحتلال الاسرائيلي البنية التحتية في معظم مدننا تدميرا شاملا وشل الاقتصاد الوطني. 6- على نفس النمط نحن نقرأ أرقام رؤوس الأموال التي هاجرت من إسرائيل إلى الخارج ولكن أحدا منا لم يكلف نفسه عناء قراءة نفس الحال في صفوفنا. 7- نحن أيضا لا نقيم وزنا لعدد الشباب المهاجر في صفوفنا في حين نتفنن في الحديث عن الهجرة المضادة في أوساطهم. 8- هناك من يتحدث عن تنغيص حياة الإسرائيليين ولكنه لم يحاول المقارنة بين حالنا وحالهم، حال أطفالنا وأطفالهم، شبابنا، وشبابهم، والا لراى أن حياتنا أصبحت لا تطاق بالنسبة لحياتهم والا كيف يمكننا تفسير الهجرة في أوساطنا أو حجم الطلبات الهائل المقدم للهجرة لأمريكا وكندا واستراليا وغيرها. 9- إن من المفيد أن ندرك أننا نتلقى الطاقة الكهربائية من مزود إسرائيلي ولم نفكر حتى مجرد تفكير بالاستقلال عنهم أو البحث عن مصادر أخرى كالانضمام إلى المشاريع الأردنية المصرية والأردنية ألسوريه وكذا نفس المشكلة في المياه فإسرائيل لا زالت تملك السيطرة الرسمية والعملية على مصادر مياهنا وتتحكم حتى في مياه شربنا. 10- على نفس النسق مشكلة البترول والمواد الخام بمعنى أدق نحن نعيش حالة إلحاق اقتصادي قاتل يجب السعي للتخلص منها أولا وبناء اقتصاد وطني فلسطيني قادر على الصمود في ظروف المقاومة، فليس معقولا أن نرفع شعار التحرير والاستقلال ثم نطالب إسرائيل أولا بفتح الأبواب أمام عمالنا وحين تطرد إسرائيل هؤلاء العمال تسبب لنا كارثة وطنية ويذكر الشعب الفلسطيني جيدا أن فصائل المقاومة الفلسطينية اعتبرت في بدايات الاحتلال عام 1967 كل من يعمل في العامل الإسرائيلية خارج عن الصف الوطني وكذا من يتاجر بالبضاعة الإسرائيلية، والآن تأتي هذه الفصائل وتعتبر إعادة العمال إلى عملهم في المنشآت الإسرائيلية إنجازا وطنيا!! ولست اقصد من قولي هذا أنني مع أو ضد كل ما في الأمر أنني أشير الى حالة التخبط في الشعارين السياسي والمطلبي لدى القوى الفلسطينية.
إن مسألة الهجرة واحدة من اخطر المسائل التي نعاني منه رغم أننا نحاول إغماض أعيننا عن رؤيتها ولذا فان الحقائق التالية قد تساعد في إزالة الغطاء الذي نضعه عمدا: 1 – إن معظم رؤوس الأموال الفلسطينية قد هاجرت إلى خارج البلاد وان الدمار قد لحق باقتصادنا الوطني المدمر والملحق أصلا وان رؤوس الأموال هذه لم تعد مستعدة لمعاودة المغامرة بإعادة استثمار أموالها في داخل الوطن وان الكثيرين منهم إن لم يكن جميعهم قد استفاد من إمكانياته المادية في الحصول على جنسية أخرى أو حق الإقامة في بلدان أخرى.
2 – إن واحدا من أهم مطالبنا هو إعادة فتح الأبواب أمام عمالنا للعمل في المؤسسات الإسرائيلية ولا يمكن لمن يرفع مثل هذا الشعار أن يدعي امتلاكه لبرنامج حقيقي يوصل للاستقلال أو يدعي انه يتجه بهذا الاتجاه.
3 – كثيرة هي المكاتب والأفراد والجهات التي تعلن عملها بتسهيل إجراءات الهجرة في حين أننا لا نجد مؤسسة فلسطينية واحدة أو إجراء فلسطينيا واحدا يسهل استعادة المهاجرين ممن يحملون بطاقة الهوية ويمكنهم الإقامة في الوطن ولا نجد من يدعو إلى العودة للوطن وعلى العكس من ذلك كليا إننا حتى لا نقدم مجرد النقد للمشتغلين بمثل هذه المهنة والتي في مظهرها وجوهرها معادية كليا لمصالحنا وقضيتنا الوطنية. 4 – أبدا لم نحاول الرد على بعض الدول والجهات التي تسهل عملية الهجرة من فلسطين وتسهل إجراءات الإقامة بطرق وأشكال مختلفة من العمل إلى اللجوء السياسي إلى طلب الحماية إلى السعي للزواج من الأجنبيات للحصول على جنسية بلد الزوجة وهناك حقائق مذهلة بهذا الخصوص وهي في حالة تنامي متواصل وليس العكس. 5 – العديد من الفلسطينيين المتنفذين والقيادات الرسمية والأهلية تحرص على وجود بيوت لها خارج البلاد بل تحرص على تعليم أبناءها وإقامة أسرها في الخارج وأصبح تحقيق الخروج من الوطن وإيجاد بدائل شغل الجيل الشاب، دون أن نجد جهة فلسطينية ما تسعى لمقاومة هذه الظاهرة حتى بالكلمة. 6 – إذا استثنينا الفلسطينيين المقيمين في لبنان فان سائر الفلسطينيين الذين يعيشون في شتى بقاع الأرض يعيشون ظروفا أفضل بكثير من الظروف التي يعيشها فلسطينيو الوطن. 7 – بالمقابل فان إسرائيل والحركة الصهيونية تسخر كل الجهود لتسهيل هجرة اليهود والمستهودين إلى فلسطين وبكل السبل المتاحة وغير المتاحة، الشرعية وغير الشرعية، وكل من يحاول تشجيع الهجرة المضادة من إسرائيل إلى الخارج يعتبر في نظرهم في صف اشد أعدائهم. وددت من كل ما تقدم قراءة حالتنا وإمكانياتنا بدون رتوش وبعيدا عن النفخ الكاذب للذات، ذلك أن من يعرف نفسه أولا ويعرف عدوه ثانيا على حقيقتهم ويقرا قبل أن يبدأ ويقدر النتائج ويبرمج سلوكه لا بد له من تحقيق أهدافه، أما من يغمض عينيه ويكتفي بالعيش داخل وهم الرضا الكاذب عن ألذات فان مصيره الهاوية فالأعمى بامكانه أن يكذب على الآخرين وهو جالس لكنه سيكتشف عند أول حفرة في الطريق إن هو قرر تجريب كذبته على الأرض.
باختصار نحن ضعفاء وتلك ليست نقيصة فكل الشعوب التي استعمرت واحتلت بلادها كانت ضعيفة وتمكنت من استخدام ضعفها لتحقيق الانتصار، فمن الشعوب التي استخدمت المقاومة المسلحة في فيتنام وغيرها إلى الشعوب التي استخدمت المقاومة اللاعنفية كالهند إلى الشعوب التي استخدمت كلاهما كجنوب أفريقيا، جميعهم كانوا ضعفاء والا لما تمكن الأجنبي من السيطرة عليهم، إلا أن ما ميزهم أنهم استفادوا بكل الدقة من واقعهم المدروس بشكل صحيح ففيتنام استفادت من وجود فيتنام الشمالية على حدود جزءها المحتل والدعم العالمي لها وفارق التعداد بين شعبها المشارك بمجموعه في المقاومة داخل أرضه وجنود الاحتلال الذين يبعدون عن وطنهم وبيوتهم آلاف الكيلو مترات، وبالمقابل نحن حرقنا بمشاركتنا أو رغما عنا قواعدنا الخلفية في الأردن ولبنان وخرجنا منهما مطرودين علنا والأمر من ذلك أننا كنا نعلن النصر عند كل خروج وبذا فان ميزة الدعم من الحدود فقدناها بأيدينا أو رغما عنا، كما أن التطورات الدولية واختفاء الاتحاد السوفيتي من الخارطة الساسة افقدنا حليفا مهما في معركتنا الوطنية، وفي حال الهند وتجربة المهاتما غاندي فنحن لم نترك أدنى فرصة لمثل هذا النهج بالتواجد أبدا في أوساطنا، وتركنا الأبواب موصدة أمام أية اجتهادات واعتبرنا كل نقد للعمل المسلح جريمة، وقد يكون لذلك سببا محقا ذلك أن من انتقدوا الكفاح المسلح في التاريخ الفلسطيني لم يقدموا أية بدائل كفاحية على الإطلاق واكتفوا بالعمل السياسي الباهت البعيد عن أية حركة جماهيرية حقيقية أو عن أي فعل مقاوم حقيقي وهذا هو الفرق بين تجربة المهاتما غاندي الذي قاوم الرصاص بجسده وأجساد أنصاره ودعوته للمقاومة السلمية وبين من اكتفوا بنقد المقاومين الأبطال الذين يضحون بحياتهم في سبيل حرية وطنهم وبقوا مختبئين تحت ياقاتهم المنشاة وخلف مكاتبهم المظلمة بعيدا عن الجماهير وحركتها، فغاندي اعتبر المقاومة العنيفة حق إن أغلقت الطرق الأخرى ولم يهاجمها بينما فعل منتقدوا المقاومة المسلحة في أوساطنا ذلك دون أن يقدموا بدائل حيه وحقيقية وعلى الأرض، وكذا المقارنة الأقرب مع الحركة الوطنية لجنوب
أفريقيا لتشابه الحال إلى حد ما فالسود لم يطالبوا بالاستقلال عن البيض بل طالبوا بحقهم في وطنهم وكافحوا في سبيل ذلك بكل السبل وأتقنوا فن اكتساب الرأي العام العالمي إلى جانبهم ولم يعطوا للمستعمرين في بلادهم سوى الإعلان عن قبولهم مواطنين معهم على قدم المساواة وعلى العكس من ذلك فنحن لم نتقن حتى الآن رغم إدراكنا لأهميته فن اكتساب الرأي العام بل فن تنفيره منا تاركين الساحة خاوية من وجودنا للإسرائيليين ومسهلين عليهم في لغتنا وخطابنا فن استخدامنا لإدانتنا وكسب العالم إلى جانبهم والتعاطف معهم.
نحن ضعفاء منفوخين وهم أقوياء متوارين ويعلنون الضعف والعجز ويستجدون المساندة من العالم، نحن نموت ونقتل ونذبح ثم نتحدث عن أنفسنا كجبابرة أبطال و عظماء ولا يشق لطفلنا غبار وهم يقتلوننا ويدمرون حياتنا وبلادنا ويغتصبون أرضنا ويحولوها إلى سجن كبير ويتفننون في تعذيبنا ثم إن أصابتهم أية اصابه بسبب دفاعنا عن أنفسنا ملأوا العالم ضجيجا وصراخا عن سعينا لذبحهم وعن اللاسامية والإرهاب وما إلى ذلك من هذه الاسطوانة التي لا يجد العالم ردا مساويا لها لكشف زيفها، بل إن الكثيرين منا لا يرون أية أهمية تذكر للرأي العام العالمي وهم ينسون إن وجودنا مرتهن إلى حد بعيد بوجود هذا الثقل والتأثير للرأي العام الذي لولاه لما كان هناك أي رادع أمام جيش إسرائيل لسوقنا بالقوة خارج أراضينا وهم على أية حال نادمون كليا لانهم لم يفعلوا ذلك نهائيا في عام 1948.
نحن ضعفاء أصحاب حق لا نتقن استخدامه بالشكل الصحيح بل ولا نتقن تقديم حقنا على صورته الحقيقية إلى العالم بل إننا وبغباء نغلفه بخطاب سياسي أحمق فوضوي يقدمنا على شكل يقترب من الإرهابيين بدل أن يقدمنا كمكافحين من اجل الحرية والسلام وكأنداد للإرهاب والعنصرية والفاشية التي تتصف بهما حكومة وجيش ومؤسسات الاحتلال الإسرائيلي، وللأسف فان في أوساطنا من يعتقد أن لا أهمية على الإطلاق للرأي العام في مسرة كفاحنا الوطني وهو يرى أن مجرد قناعتنا بعدالة قضيتنا أو قناعة حلفاءنا يكفي لمواجهة أعداءنا بكل ما يملكون من قوة في مواجهتنا. نحن ضعفاء فعلا في العتاد والتجهيزات والحلفاء ولكننا لا ندرك ما نملك من إمكانيات وطاقات هائلة، فنحن نملك مواطن قوة لا يملكها أعداءنا على الإطلاق، نحن نملك الاستعداد للموت في سبيل الخلاص من القهر والاحتلال والمعاناة اليومية وكم من شبابنا قدموا حياتهم رخيصة في سبيل خلاصنا، وكم من شبابنا قدموا سنوات عمرهم في معتقلات العدو، وكم منهم قدموا أجزاء من أجسادهم في تلك المعركة، كم من البطولات الفردية والجماعية سجلها أبطال الشعب الفلسطيني دون أن ترتقي قياداتهم لمستوى عطائهم العظيم فشعب من الأحرار لا يمكن له أن يحتمل ظلم المحتلين ولا يجوز له أن يفعل ذلك فقبول الظلم والخنوع هو من اخطر واسوا النواقص في حياة الشعوب والأفراد وتاريخ الشعب الفلسطيني هو تاريخ العظماء الذين صمدوا في وجه الظلم، وهو يتميز عن كل شعوب الأرض بأنه تاريخ الأنبياء الذين قاوموا الظلم بأجسادهم وانتصروا عليه دائما، إن في تاريخ شعبنا ما يعلم الابتكار لأشكال وأنماط المقاومة، لكن المفيد هو أن ندرك ونعي مكامن القوة في ضعفنا، فالضعف قوة لمن يدركه جيدا ويستطيع استخدامه سلاحا حيا في وجه الأعداء وبدل التفريط بطاقات وتضحيات شبابنا لحسابات سياسية وحزبية ضيقة نحن بحاجة لبرنامج عملي حي لتصب هذه التضحيات في نهر الحرية العظيم لشعبنا وأرضنا، ولذا فان على سائر القوى الفلسطينية أن تعيد حساباتها وبدل المغامرة التي تبدأ لنعود بعدها منهكين نتمنى نقطة الصفر شكلا والحقيقة أننا تراجعنا عنها كثيرا فلا يمكن إلا للأغبياء الاقتناع أننا كافحنا كل هذه السنوات وقدمنا كل هذه التضحيات لنعود في كل مرة نرجو أعداءنا أن يعودوا بنا إلى حيث كنا والمصيبة انه لا زال في أوساطنا من يملك الجرأة على أن يسمي ذلك انتصارا. إن المخزون العظيم الذي يملكه شعبنا من الاستعداد للمقاومة والصمود بحاجة أكثر من أي شيء لبرنامج واقعي يدرك جيدا مواطن القوة في ضعفنا ولا يستخدم هذه الطاقات في أعمال مغامرة إعلامية أكثر منها كفاحية هادفة لا يمكن أن تشكل مخزونا تراكميا تساهم في مواصلة الصمود بل هي تشكل دافعا لإنهاك القوى بأقصى السرعة ودفعها للقبول بما هو ممكن وكما يرغب بتقديمه الأعداء، ان مكمن القوة الرئيسي لدى الشعوب المقهورة هو في وعي الضعف واستخدام سلاحه بشكل إبداعي ناجح في وجه آلة الحرب وأصحابها وأعوانهم، والاستفادة إلى أقصى حد ممكن من استمالة الرأي العام العالمي وحتى الرأي العام في داخل المعسكر الإسرائيلي ولا يوجد ما هو مستحيل مقابل إرادة الشعوب التي تجد قيادة واعية تستفيد من المخزون الكفاحي الكامن لدى شعبها وتتقن زيادته وتطويره لا إنهاكه وهدره لصالح أهدافها الذاتية الضيقة الأفق.
#عدنان_الصباح (هاشتاغ)
ADNAN_ALSABBAH#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المرأة والحريات المنقوصة
-
خارج الأولويات
-
إلى الرئيس محمود عباس
-
حكماء لا أمناء
-
ايها الديمقراطيون اتحدوا
-
الإعـلام وحماية حقوق الانسان
-
بصدد أولويات الأعلام الفلسطيني
-
لكي لا تقولوا فرطوا
-
غاندي ومهمة فحص العتاد
-
مذبحة صالح بلالو
-
دولتان بلا حدود
المزيد.....
-
صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع
...
-
الدفاع الروسية تعلن إسقاط 8 صواريخ باليستية أطلقتها القوات ا
...
-
-غنّوا-، ذا روك يقول لمشاهدي فيلمه الجديد
-
بوليفيا: انهيار أرضي يدمّر 40 منزلاً في لاباز بعد أشهر من ال
...
-
في استذكار الراحل العزيز خيون التميمي (أبو أحمد)
-
5 صعوبات أمام ترامب في طريقه لعقد صفقات حول البؤر الساخنة
-
قتيل وجريحان بهجوم مسيّرتين إسرائيليتين على صور في جنوب لبنا
...
-
خبير أوكراني: زيلينسكي وحلفاؤه -نجحوا- في جعل أوكرانيا ورقة
...
-
اختبار قاذف شبكة مضادة للدرونات في منطقة العملية العسكرية ال
...
-
اكتشاف إشارة غريبة حدثت قبل دقائق من أحد أقوى الانفجارات الب
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|