|
أخيرا، النخبة المثقفة بكاملها تنظم إلى الثورة المصرية
الحايل عبد الفتاح
الحوار المتمدن-العدد: 3770 - 2012 / 6 / 26 - 01:05
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
أخيرا، النخبة المثقفة بكاملها تنظم إلى الثورة المصرية
بعد سكوت دام لعدة شهور وحياد يربك العقل الديمقراطي، انضمت أخيرا الطبقة المثقفة الديمقراطية إلى صفوف الثورة المصرية. والسبب في هذا التأخر في الانضمام إلى الثورة هو النظرة التي ظهر بها المجلس العسكري بمصر. فبعد الضربة المهينة التي وجهها المجلس العسكري للثورة المصرية استفاقت أخيرا كل قوى الطبقة المثقفة. فعلا، فقد عبر هذا المجلس عن سطوته و قوته داخل النظام المصري قبل وبعد الثورة. فهو فهم أن الطبقة التي قامت بالثورة ليست سوى الطبقة الكادحة مع قلة قليلة من المثقفين الديمقراطيين وغير الديمقراطيين. فاستساغها المجلس العسكري لقمة بعد أخرى بخرجات سياسية وقانونية ( مع سيطرته على السلاح المصري والإعلامي بالداخل والخارج) في مستوى يبدو وكأنه عال ومتعال على ثقافة متزعمي الثورة. فخلق ارتباكا في صفوف كل القوى الوطنية... فقد تحايل هذا المجلس على الشعب خلال عدة عقود بتصويره لنفسه، أمام الكادحين والمثقفين البسطاء، كمؤيد ثم كمنقذ للثورة؛ واستحكم قبضته ورتب أوراقه، وعاين أن خصومه ليسو سوى كادحين و أحزاب هزيلة و منعدمة التجربة السياسية. فألقى بشراكة و بخرجاته الغريبة الأطوار والعميقة الدلالة . ومن موقعه القوي لجأ إلى ثقافته السياسية والقانونية التقليدية ليسد أفواه الكادحين والجاهلين لقواعد القانون الوضعي...فبدأت المآمرة ضد الثورة على مراحل. وبقدرة قادر، استجاب المجلس الدستوري لهدف هذا المجلس. فقضي بحل مجلس الشعب... الخدعة نجحت لأن الكادحين في نظره لا يفقهون شيئا في دستورية القوانين، ومن السهل إقناعه بأن الثورة ليست إلا أكدوبة فترة ستنتهي. والأدهى والأمر أن حل مجلس الشعب وجد قناعة وتأييدا فكريا وقانونيا لدى مجموعة من المثقفين المصريين... التطبيق التالي لخطة إفشال الثورة من طرف المجلس العسكري ظهر جليا خلال الانتخابات الرئاسية. فبعد أن شعر المجلس العسكري بأن الدكتور مرسي، أحد متزعمي الحركة الإسلامية، سينجح في الإنتخابات الرآسية، اشتد خوفه، وتبددت حساباته وأحس بانهيار تحالفاته ( الداخلية والخارجية). وقبل عملية الفرز النهائية بساعات قلائل ( 4 ساعات)، خرج نفس المجلس العسكري بتخريجة سياسية وقانونية جهنمية. التخريجة تتمثل في إضافة نصوص دستورية "تكميلية". وفي اعتقادنا فهذه العملية السياسية والقانونية كانت مدبرة منذ أزيد من يومين... لأن من المستبعد أن يكون المجلس العسكري غير عالم بالإحتمالات والتوقعات وعواقبها... ليمكننا في هذا المقام تحليل تخريجة المجلس العسكري الغريبة من الناحية السياسية والقانونية...لكن رغم ذلك نشير إلى أن هذه النصوص الدستورية المضافة من طرف المجلس العسكري ليست من صناعة رجل قانون متخصص في القانون الدستوري...لأن مضمون هذه النصوص متناقضة تناقضا صارخا مع باقي النصوص المدمجة في الدستور المؤقت...بل أن شكل وقالب هذه النصوص لم يعنى به إلى درجة أن أسلوب هذه النصوص التكميلية جاءت سخيفة وركيكة الهيكل اللغوي...فبمجرد قراءة هذه النصوص المضافة بسرعة وعجالة، نحس أن واضعيها وجهوا اهتماما بالغا لما هو سياسي جاهلين محتواه القانوني العميق. فالمادة السياسية غلبت على المادة القانونية... وهذه النصوص التكميلية جردت رئيس الدولة المصرية، المحتمل انتخابه، من كل السلط أو غالبيتها... وكشطت عن السيد مرسي المحتمل فوزه جميع السلطات التي كانت بيد الرئيس في الحالات العادية... كانت هذه التخريجة السياسية خطيرة وغير مستصاغة عقلا ومنطقا وقانونا...فالمجلس العسكري بنصوصه هذه لم يحدد حتى نوع النظام الذي يريده للمصريون؛ فهي إضافات دستورية لم تبين هل النظام المقصود هو نظام رئاسي أو برلماني أوهما معا أو أو... فالمجلس العسكري قلب الأسفل على الأعلى، وأبان عن أنيابه ونيته في احتواء الثورة. فكان محاولة انقلابية سياسية وقانونية لا سابق لها في تاريخ الإنسانية... فتخريجة المجلس هذه كانت زلزالا عنيفا في فكر الكادحين وفي فكر المثقفين المصريين والديمقراطيين المحبين لمصر عبر العالم. فالنتيجة الدرامية هي : - ترشيح وزير الرئيس المخلوع لمنصب رئاسة الجمهورية - قرار المجلس الدستوري - حل مجلس الشعب - وضع نصوص دستورية مكملة هذه تخريجات لم تكن لتحتمل من الناحية السياسية والقانونية ولا حتى المنطقية. وكأنها سبة في حق الثورة المصرية وشماتة في مصير الشعب المصري العزيز. كل من يميز بين العصى والألف وقف مدهولا من روع وهول ساعقة هذه التخريجات المتتالية وخاصة التخريجة الأخيرة المتعلقة بالنصوص الدستورية التكميلية... السآل الذي طرحه الجميع هو : ماهي مناسبة هذه التخريجات المتتالية أو ما يسمى بأسباب التنزيل ؟ الجواب واضح : المجلس العسكري أراد خطف مشعل الثورة وأراد أن يبقى جاثما على الحكم بمصر رغم تضحيات الشعب المصري... المجلس العسكري ظهر على حقيقته كفاعل اساسي في الحياة السياسية السابقة والآنية...بل ما فهمناه هو أن الرئيس المخلوع رفيق هؤلاء العسكريين كان دمية بين يد العسكر ثم أضحية أو كبش فداء للبقاء في السلطة...رغم أنه كان يقتسم معهم مسؤولية تفقير وتجويع وتخويف المصريين... فالمجلس العسكري كان ينوي أن يحتفظ بالسلطة كما كان من قبل. وعلمه بعدم وجود ردة فعل قوية وفي مستوى تخطيطا ته الجهنمية شجعته على تطبيق أفكاره...فالثوار في نظره لم يكونوا سوى كادحين من السهل تجاوز سخطهم مع مر الأيام...وتأييد شفيق يبدد الخوف من "الأحزاب الإسلامية"... وما شجع أيضا هذا الجلس على التمادي في الإعتداء على الثورة هو علمه الأكيد بأن النخبة المثقفة كانت بحايدة أو مترددة في اتخاد موقف من الثورة... لكن، فجأة، انساقت فئة من المثقفين لمناقشة النصوص الدستورية التكميلية...وتلتها فئة أخرى من المثقفين الخلص إلى تحليل معنى هذه التخريجات الغير المستساغة عقلا ومنطقا...وكأنهم استفاقوا من غفوتهم. وكأن نظرتهم للجيش تغيرت. فعلا فالنخبة المثقفة أحست بأن مصر كانت محكومة من طرف الجيش لا من شخص آخر؛ وأن مصر ستدخل في حرب أهلية لا يمكن تكهن مداها...فهذه الطبقة اصبحت هي أيضا مهددة بفعل نفس هذه التخريجات الغير المستساغة والمشكلة خطرا على الأمن العام. بل أن مصالح النخبة المثقفة أصبحت مهددة هي نفسها من طرف المجلس العسكري. ومن ثم فالمجلس العسكري فتح بدون وعي جبهة لم يتوقعها، ألا وهي جبهة النخبة المثقفة المصرية بتميز. وهكذا طفا وظهر على ساحة الحرية ومن بين الثوار رجال مثقفون من العيار الثقيل كانوا نائمين أو منومون من الناحية السياسية...فهم فطنوا لخطة المجلس العسكري... وفي نفس الليلة الأولى من الفرز الرئاسي، طلعت على وسائل الإعلام شخصيات كانت مجمدة في مبردات النظام السابق أو كانت موميات حنطها النظام العسكري وجردها من موضوعيتها... كان الظرف مناسبا لتدخل النخبة المثقفة الديمقراطية على الخط مباشرة. جاءت لتكمل العمل الذي أنجزته الطبقة الكادحة مند أزيد من سنة في ميدان التحرير وغيرها من المواقع الشعبية...فدخلت على الخط الثوري، خط الكادحين المتشوقين للخبز والسكن والعمل والحرية. دخلت من يومها كالصاعقة لرد الاعتبار لنفسها وللكادحين من حولها... ها أنت ايها الشعب المصري العربي دفعت بالثورة إلى الأمام. واسترجعت أحرارك من نخبة المثقفين. فهم كانوا أيضا مخدوعين. وها هم اليوم استفاقوا. ها هم اليوم جاءوا ليؤيدوا الثورة الكادحة قبل أن تخطفها أياد النظام السابق. مصر لن تنام بعد اليوم، لأن النخبة المثقفة فهمت أن الكادحين قادرين على تفتيت الأكاديب، والإنتصار على الظلم والعدوان...وهكذا فمصر تعلم للعالم بأسره أن الفكر الجماعي لدى الكادحين ساهم بشكل مدهل في إثارة ثورة ثم إفاقة النخبة المثقفة. وخلاصة القول، أن الفكر الجماعي المصري كان سبب صحوة النخبة المثقفة العربية الإسلامية وغير الإسلامية... فعلا، الكادحون يلقنون اليوم للنخبة المثقفة بمصر وخارجها أن الثورة حق مهما كذبها وشكك فيها الرجعيون والهمجيون أو المخدوعون والاستغلاليون الوصوليون. وسيكون بدون شك لانضمام النخبة المثقفة إلى الحركة الثورية نتائج تاريخية جد إيجابية لاستكمال الطريق إلى الديمقراطية المصرية خاصة والعربية الإسلامية عامة.
فرنسا، بتاريخ 16 06 2012، داخل القطار السريع.
#الحايل_عبد_الفتاح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هؤلاء يساهمون في تأخر مجتمعهم الوطني والدولي الإنساني.
-
لا مانع ولا تحريم في الجمع بين الدين والعلمانية
-
الطبقة الكادحة هبة مصر الثورية
-
هل الدين الإسلامي هو سبب تخلف الشعب العربي الإسلامي ؟
-
لماذا لا يجد الخلاف الفلسطيني الإسرائيلي حلا ؟
-
الولائية هي سمة الأنظمة القائمة
-
الشعب العربي الإسلامي يلقن دروسا في علم السياسة.
-
حقوق الإنسان متجاوزة بحقوق المواطن
-
أحذروا انحراف الأحزاب القائمة على أساس ديني
-
العولمة حتمية تاريخية
-
كيف ولماذا تسيس الدين وتدينت السياسة بالعالم العربي الإسلامي
-
الحركة الإجتماعية بالعالم العربي الإسلامي
-
مرسي الإخوان المسلمين مرغم على تحقيق الديمقراطية بمصر
-
محاربة التطرف الديني والوقاية منه
-
وظيفة المعلم والأستاذ هي التربية أو التعليم أو هما معا ؟
-
التفاحة الحكيمة
-
عولمة الثقافة الغربية وتشردم الثقافة العربية الإسلامية.
-
رسالة مفتوحة إلى السيد رئيس دولة سوريا
-
الفساد الإداري وتمرد الموظف
-
الشعارفي الدساتور عامة وفي الدستور المغربي خاصة
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|