عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)
الحوار المتمدن-العدد: 3770 - 2012 / 6 / 26 - 01:05
المحور:
الادارة و الاقتصاد
الموازنة العامة المستجيبة للنوع الاجتماعي
تمهيد
أن تزايد الدعوات الى شفافية الموازنة , وضرورة المساءلة عن حقوق الانسان , قد غيرت الطريقة التي يتم بها إعداد الموازنة العامة للدولة .
فلم يعد إعداد الموازنة شأن خاص بوزارة المالية , بل اصبح عملية تتطلب استدعاء خطط التنمية الوطنية , واهدافها , والتزامات حقوق الانسان (الى جانب سياسات الموازنة ) بطريقة تتسم بالشفافية والاتساق .
وهذا يعني أن عملية إعداد الموازنة لم تعد تتوخى الموازنة بين النفقات والايرادات فقط , وأنما اصبحت تتوخى كذلك استغلال الموارد المتاحة بطريقة تتسم بالكفاءة والفعالية والانصاف لتلبية الاحتياجات الأساسية لعموم المواطنين , وتحقيق اهداف التنمية الأقتصادية والأجتماعية .
وهكذا اصبحت الطريقة التي يتم من خلالها اعداد ورسم الموازنة العامة للدولة , هي التي تتحكم بكيفية حصول الناس على الخدمات والموارد . كما اصبح بالأمكان , ومن خلال سياسة الموازنة العامة , الابقاء على التمييز او القضاء عليه .
ولهذا السبب فان العناصر الفاعلة في إعداد الموازنة العامة ستكون مخوَّلة بوضع حقوق الانسان في صميم السياسة المالية .
أن اعداد الموازنة العامة مع مراعاة البعد النوعي يتطلب وجود أسس عادلة لتخصيص الموارد , وبيئة بعيدة عن أية اجراءات تمييزية . كما يتطلب عدم اعتبار النساء فئة مستضعفة تعيش على ما تقدمه لها الحكومة من إعانات , بل لكونها صاحبة حق اصيل يـُلزم الحكومة بتمكينها وحمايتها .
وتقضي اتفاقية CEDAW )اتفاقية منع كافة اشكال التمييز ضد المرأة ) , بأن يكون تحصيل وانفاق الاموال العامة قائما على اساس عدم التمييز ومتسقاً مع حق المساواة بين المرأة والرجل كحق اساسي .
وهذا يعني أن المنظور النوعي للموازنة يجب أن يهتم في المقام الأول بالمزايا المباشرة المترتبة على الموازنات الحكومية والتي يمكن أن يحصل عليها ( أو يساهم فيها ) المرأة والرجل كأشخاص لهم حقوقهم .
ومن أمثلة تلك المزايا ميل المرأة للاستفادة ( بطريقة غير مباشرة) من الخدمات الصحية والتعليمية التي يستفيد منها الآباء والابناء والازواج . ولكن ذلك لا يسوَغ , بطبيعة الحال , أن يقل نصيب المرأة من الانفاق العام على الخدمات الصحية , التي تحصل عليها مباشرة , عن نصيب الرجل .
غير أن المساواة لا تعني بالضرورة تطابق المعاملة بين الرجل والمرأة , وانما تعترف CEDAW , على خلاف ذلك , بأن المعاملة غير المتطابقة ضرورية في ظل ظروف معينة , بسبب الاختلافات البايولوجية , والاختلافات التي تكرست اجتماعيا ً بين الرجل والمرأة ( الأتفاقية : التوصية العامة رقم 25 / فقرة 8 ) . واستنادا َ الى المادة 14 (ز) فان الأدوار الاجتماعية المختلفة المنوطة الآن بالرجل والمرأة تعني أنه لضمان التكافؤ في الحصول على الخدمات مثل الاسكان والمرافق الصحية والكهرباء والمياه والنقل والمواصلات , يجب تصميم الخدمات وتقديمها مع مراعاة اختلاف الاحتياجات بين الرجل والمرأة .
اتفاقية " سيداو " CEDAW
والتزامات الحكومات عند اعداد الموازنات العامة
تنص التوصية رقم 25 / الفقرة (6) من الأتفاقية / على ثلاثة التزامات رسمية للدولة يتعين أن تكون هي محور الجهود الرامية الى القضاء على التمييز ضد المرأة في الموازنة الحكومية , وتتوخى تلك الالتزامات ما يأتي :
• الا تنطوي القوانين والسياسات ذات الصلة على اي شكل من اشكال التمييز ( مباشر او غير مباشر ) ضد المرأة , وانما تكفل الحماية ضد التمييز .
• تحسين وضع المساواة الفعلية بالنسبة للمرأة ( المساواة الموضوعية ) .
• أن تعمل البرامج – التي تستفيد منها المرأة , ونظم الايرادات التي تساهم فيها – على تغيير العلاقات والانماط التي تحول دون تمتع المرأة بالمساواة في جوهرها .
• قيام الحكومة بالعمل على تأمين مشاركة المرأة كمواطن ايجابي فعال في اتخاذ القرارات المتعلقة بالميزانية , وتمكينها من مطالبة الحكومة بتفسير الطريقة التي يتم بها تحصيل الاموال العامة وانفاقها .
الموازنة العامة وحقوق الانسان
أن الدعوة الى احترام حقوق الانسان يمكن أن تساهم مساهمة كبيرة في تحديد اتجاهات سياسة إعداد الموازنة العامة . فالموازنة العامة هي وثيقة سياسية بالضرورة , فضلاً عن كونها احد اهم الأسس في رسم السياسة الاقتصادية .
أن الموازنة تعكس القيم السائدة في الدولة , من حيث قيمة الفئات من منظور الموازنة , وقيمة العمل الذي تؤديه كل فئة , والفئة التي تريد الموازنة أن تفيدها , ومن هم خلاف ذلك .
ولكي يكون لتلك العلاقة أثرها السياسي القوي فانه يتعين مساندتها بالأجراءات الآتية :
- اجراء تحليل تفصيلي بشأن كيفية تدبير موارد الميزانية وكيفية تخصيصها , وتحديد المستفيدين منها .
- اجراء تحليل تفصيلي بشأن ما تنطوي عليه عملية تنفيذ الحقوق من تكاليف .
- اجراء تحليل بشأن كيفية تدبير التمويل اللازم لمواجهة تلك التكاليف .
تمويل الموازنة, ورصد التخصيصات , وامكانية تحويلها الى خدمات
أن وجود التمويل , ورصد التخصيصات في الموازنة العامة , قد لا ينعكس بالضرورة في وجود خدمات ملائمة , او كافية , لعدة اسباب , اهمها ما ياتي :
• أن تخصيصات الموازنة قد لا تجد طريقها دائماً الى ما يسمى بــ " نقطة تقديم الخدمات " , نتيجة للجمود البيروقراطي ( التأخير في الصرف ) او نتيجة لتفشي الفساد , او نتيجة للأثنين معا .
• حتى لو وصل التمويل الى نقطة تقديم الخدمات , فأنه لا يوجد ضمان بأن الخدمات ستقدم بطريقة تحترم حقوق الانسان , وخصوصا حقوق الفقراء , أو تتم بطريقة تساعد على تحسين نمط حياتهم . ومستوى معيشتهم .
• من الضروري تتبع الاموال من خلال تحليل نتائج البرامج ومخرجاتها , لأثبات مااذا كانت المؤسسات الحكومية تفي بالتزاماتها لدعم وترسيخ الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للفقراء .
• في بعض الدول يكون التباين كامناً في صميم النظام المؤسسي للإنفاق العام على الخدمات الصحية . حيث أن تخصيص الموارد ينطوي على نوع من التمييز من حيث آثاره , قياسا على المؤشر الاساسي الذي يقول أن جميع فئات السكان لهم الحق في نفس المستوى من الرعاية الصحية , بغض النظر عن المناطق التي يعيشون فيها , وبغض النظر عن النظام الذي يتيح لهم هذه الرعاية .
• ينبغي أن يكون هناك التزام بإحترام حقوق الفئات الهشة من السكان , وحمايتها وتعزيزها والوفاء بها , بغض النظر عن القيود على الموارد , وأن يؤطر ذلك دستوريا وتشريعيا , ( من أجل أستدامة وانتظام تقديم رواتب الحماية الاجتماعية للمستفيدين منها في العديد من الدول , على سبيل المثال لا الحصر ) .
معايير اعداد الموازنة العامة النوعية
ان اهم هذه المعايير هي :
• تحديد اوجه انفاق موجهة خصيصاً الى المرأة أو الرجل في المجتمع .
• ضمان تكافؤ الفرص في الإنفاق الذي تقوم به الحكومة على موظفيها ( كالأنفاق على التدريب الخاص للفئات المحرومة من السكان ) .
• رصد تخصيصات للأنفاق على انشطة ذات طبيعة عامة تقوم بها الاجهزة الحكومية ( كمحو الأمية , والدعم المقدم للمزارعين ) .
• ضمان تمويل استراتيجية تنمية المرأة , والألتزام بذلك على المدى الطويل .
• أدراج نص في قانون الموازنة يفوّض جميع الاجهزة الحكومية تجنيب نسبة من مخصصاتها لـ " المشروعات المصممة لمعالجة قضايا المرأة " .
• يمكن ان تسمى هذه الميزانيات ( اي ميزانية الأجهزة الحكومية المشار اليها آنفا ) بــ " ميزانية المرأة والتنمية " , ويخصص كل جهاز حكومي 5% ( مثلا) من ميزانيته لهذا الغرض , لغرض الأنفاق على انشطة محددة ( تدريب , تمكين , إعانة للأمهات , رعاية صحية خاصة ) .
والجدير بالذكر هنا , أن اجمالي تخصيصات موازنات الاجهزة الحكومية , المكرسة للأنفاق على المشاريع المصممة لمعالجة الأحتياجات ذات الصلة بقضايا المرأة , تصل الى 6% من اجمالي الانفاق الحكومي في بعض البلدان , كما هو الحال في فلسطين خلال العام 1999 .
البرلمانيون .. وميزانية المرأة
تنطوي " ميزانية المرأة " على خطأ في التسمية . فالمقصود هنا ليس تصميم ميزانية منفصلة للمرأة , أو الاقتصار على تحليل ارقام التخصيصات في قانون الموازنة , وأنما ضمان ان تقوم عملية اعداد الموازنة العامة ( او تبدأ من منطلقات ) استنادا الى اسس محددة اهمها ما ياتي :
• تحليل التباين بين الجنسين , وتحديد السياسات التي ينبغي على الحكومة انتهاجها ( ورسمها ) لمعالجة هذا الوضع .
• النظر الى حالة السياسات والبرامج والاداء على أنها شكل من اشكال مراقبة السياسات ومراجعتها .
• تزويد البرلمانيين بالبيانات والمعلومات التي تجعلهم يتفهمون بشكل افضل آثار الموازنات العامة على النوع الأجتماعي , بحيث يتمكنون من ممارسة مهام الرقابة البرلمانية بشكل أكثر فاعلية .
والمنهج المعياري المستخدم في ذلك هو تناول أطار السياسات الحكومية في كل قطاع ... وعلى وفق الخطوات الآتية :
• مراجعة اوضاع المرأة في القطاع المعني .
• تحليل مدى ملائمة اطار السياسات العامة , بقدر تعلق الأمر بهذا القطاع .
• بحث مدى ما يعكسه تخصيص الموارد من التزام جاد بأهداف السياسات .
• بحث مدى الاستفادة الفعلية من الموارد ( مثل عدد الذكور والاناث من السكان الذين استفادوا من هذه الموارد ) .. وما هي تكلفة تلك الاستفادة .
• تقييم الاثار طويلة المدى على الذكور والاناث من السكان .. وتحديد مدى التحسن الذي طرأ على حياتهم .
وتعد قطاعات التعليم والصحة والزراعة , من أهم القطاعات ذات الصلة بقياس مدى فاعلية السياسات الحكومية , بقدر تعلق الأمر بتحسين وضع المرأة من خلال الأنفاق على هذه القطاعات .
• تحليل برامج مكافحة الفقر , ومعرفة النسبة المخصصة للنساء .من اجمالي الأنفاق على هذه البرامج .
• تمكين المرأة من المشاركة في أعداد الموازنة العامة ( من خلال تفعيل دورها في المجالس المحلية , او تبوؤها لمناصب قيادية , او عضويتها في البرلمان ) .
تغيير اسلوب وسياسات الحكومات في اعداد الموازنة العامة بهدف تعزيز المساواة بين الجنسين
أن من الصعب , عادة , تحقيق هذا الهدف , لأن الموازنة العامة تعكس أولويات الحكومات , واهتماماتها الأساسية , وأن وضع حد للتمييز ضد المرأة , وتمكينها من اداء دورها , لا يأتي بالضرورة على رأس قائمة تلك الاولويات , حتى وان كانت تلك الحكومة او الدولة قد صادقت على اتفاقية CEDAW .
أن إعداد موازنة عامة تتماشى مع مبدأ المساواة بين الجنسين وتدعم عملية النهوض بالمرأة , تعني عادة تغييراً في الاولويات , وفي اغلب الأحيان , سنجد ان هناك قوى اجتماعية وسياسية , لها ثقلها الخاص , تعارض هذا الاتجاه .
لقد ثبت بالتجربة العملية صعوبة الانتقال من التحليلات ( التي يجريها المجتمع المدني وتجريها البرلمانات ) الى العمل الفعلي الذي يجب ان تقوم به الحكومات . ولو اثبت تحليل ومراجعة السياسات الحكومية , أن بعض جوانب الموازنة العامة تنطوي على انتهاك لاتفاقية CEDAW لأضاف ذلك قوى مناوئة جديدة , للنهج الذي يعتمد على دعم رسم موازنات عامة مستجيبة للنوع الأجتماعي .
تحديد طبيعة النفقات والأيرادات العامة
ضمن الموازنات المستجيبة للنوع الأجتماعي
النفقات
يمكن تصميم هذه النفقات بحيث تنطوي على :
• تمويل البرامج المساندة للمرأة ( رصد التخصيصات اللازمة للأنفاق على هذه البرامج ) .
• تخصيص الأموال تحت بند " المكون النسائي" بهدف الأنفاق على برامج تنمية المشاريع المتناهية الصغر من أجل الفقراء بشكل عام , على ان يخصص 30% منه للمرأة حصرا . كما يمكن رصد تخصيصات للأنفاق على برامج تعمل على تقديم المساعدات لبناء منازل للفقراء , وتعطى الاولوية فيه للأرامل , والنساء غير المتزوجات .
ورغم اهمية هذه البرامج في تحسين وضع المرأة في المدى القصير , الا انها ستبقى برامج تساهم في مساعدة المرأة على القيام بأدوارها التقليدية فقط , وليس برامج تسهم في بناء سياسات تعمل على تشجيع قيام المرأة بأدوار جديدة تساعد في تغيير الاوضاع القائمة .
الأيرادات :
يمكن رسم السياسة الأيرادية بحيث تتم مراعاة ما يأتي :
1- اعادة النظر بالسياسة الضريبية , بهدف رسم سياسات غير ضارة بالمرأة بشكل مباشر او غير مباشر .
2- مراعاة آليات انتقال عبء الضريبة , بحيث لا تكون المرأة هي التي تتحمل هذا العبء في نهاية المطاف .
3- عدم اقتصار تقديم الاقرار الضريبي على الرجل وحده .
4- تحليل واحتساب عائد العمل داخل المنزل (عمل النساء بدون اجر مدفوع) .
5- الاعفاء الضريبي على السلع الضرورية للنساء ( اسقاط ضريبة القيمة المضافة على المنتجات الصحية للنساء. وكمثال على اهمية مثل هذه الأعفاءات , فقد رصدت بعض الدراسات ان كثيرا من الفتيات الفقيرات لا يذهبن الى المدارس اثناء الدورة الشهرية لارتفاع سعر الفوط الصحية ) .
• تخفيف او الغاء العبء الضريبي على السلع ذات الصلة بالصحة الانجابية , وسلع رعاية الاطفال .
• مراعاة تأثير فرض الضريبة على السلع التي لها تأثير على استخدام الوقت , وتحديد وقت الفراغ ( مثل استخدام الكهرباء في المطبخ , وغسالات الاطباق والمكانس وغسالات الملابس ) .
• وضع سياسة لفرض الرسوم المدرسية في الدول الفقيرة , بحيث تمنع منح الاولوية للبنين , دون البنات , في التعليم .
• بناء سياسات جديدة لفرض رسوم الانتفاع من الخدمات الصحية ذات الأثر المباشر وغير المباشر على النساء .
• تحديد رسوم تفضيلية عند سداد اجور الماء والكهرباء للعوائل الفقيرة ( وضع اسعار تفضيلية للوحدات المجهزة لهذه العوائل ) .
تعزيز دور المرأة في عملية اتخاذ القرارات الخاصة بالموازنة العامة للدولة
أن رصد فاعلية المرأة والرجل في اتخاذ القرارات المهمة بشأن الموازنة تتوقف , او تعتمد , على العديد من العوامل , لعل من اهمها ما يأتي :
• المناصب التي تشغلها المراة داخل الحكومة أو البرلمان .
• تعزيز دور المرأة من خلال اشراك المجتمع المدني في اعداد الموازنات ( المشاركة المدنية في الموازنات الحكومية , او ما يسمى بــ " الميزانية التشاركية " ) .
الموازنة العامة المستجيبة للنوع الأجتماعي
( استعراض حالة )
النموذج المصري
أن تضمين الموازنة العامة لاعتبارات النوع الاجتماعي في السياسة الاقتصادية من شأنه أن يحسن من عملية تخصيص الموارد للمرأة . كما أن احتياجات الافراد رجالاً ونساءً سوف يتم تمويلها عن طريق تضمينها في الموازنة العامة للدولة , كما سبقت الأشارة الى ذلك في سياق هذه الورقة .
وقد قامت مصر بتنفيذ مشروع رائد في هذا المجال وهو : ادماج مفهوم الموازنات القائمة على تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين الجنسين , سواء في عملية اعداد الموازنات , أو في المراحل الخاصة بمراجعتها وتنفيذها .
وقد مر هذا المشروع بعدة مراحل بدءاً من نوفمبر / تشرين الثاني 2006 , حتى وصل الى إعداد أول دليل مرجعي من نوعه على مستوى الشرق الاوسط . . ويمثل هذا الدليل اداة متطورة لاعداد موازنة برامج مستجيبة للنوع الاجتماعي , بما تتضمنه من موضوعات تغطي كافة الجوانب التي من شأنها ادماج النوع الاجتماعي في مسار التنمية .
ويتضح من خلال دراسة التجربة المصرية بهذا الصدد , انه عندما لا تأخذ الاصلاحات الاقتصادية اعتبارات النوع الاجتماعي في الحسبان , فان تاثيراتها الاجتماعية تضعف , ويكون لها تأثيرات سلبية غير متوقعة وغير مخططة .
وينظر الى تخطيط النوع في مصر , على انه الاداة الاولى لتحقيق ادماج النوع الاجتماعي ، وهو التخطيط الذي يضع في اعتباره التباين في الادوار والاحتياجات والقضايا والاهتمامات لدى الرجال والنساء . ويوفر تخطيط النوع اطارا ً علميا ً ومنطقيا ً جديدا ً لوضع وتطوير السياسات والبرامج والمشروعات .
وتعتبر الموازنات المستجيبة للنوع الاجتماعي هي الاداة الثانية لتحقيق ادماج النوع الاجتماعي ، فلا يمكن ان يتحقق ادماج النوع , او ان يحظى بالاستدامة , اذا لم يتم تخصيص الموارد البشرية والمالية والمادية الكافية لتنفيذه .
فالموازنات المستجيبة للنوع الاجتماعي تهدف الى ادماج النوع الاجتماعي في مسار الموازنة العامة للدولة كخطوة اولى , وفي مجمل سياسات الاقتصاد الكلي , في مرحلة لاحقة .
وهذه الموازنات ليست موازنات مستقلة , خاصة بالمرأة ( كما اسلفنا ) ، ولكنها موازنات عامة تم تخطيطها والموافقة عليها وتنفيذها ومتابعتها وتقييمها من منظور النوع الاجتماعي .
وكما تنص عليه الأدبيات ذات الصلة بهذا الموضوع فان التكامل والترابط بين السياسات والتخطيط ووضع الموازنة هو عنصراساسي للحصول على برامج الانفاق التي يتم اشتقاقها من اولويات السياسة ، ويتم ترتيبها انطلاقا من طبيعة وواقع العملية التي يتم بموجبها اعداد الموازنة العامة للدولة .
وعلى هذا الأساس يمكن للموازنة العامة ان توفر فرصة ممتازة للحكم على مدى استجابة سياسة الحكومة للنوع الاجتماعي .
ولأن الموازنة ليست هدفا ً في حد ذاتها ، فان اول مهمة عند اعداد الموازنة يجب ان تكون تحديد السياسات والاهداف التي تسعى الموازنة الى تحقيقها . فالموازنة يجب ان تأتي بعد السياسة وليس العكس ، فإذا ما كان هناك خلل في السياسات .. فأن الموازنة لا يمكن ان تكون فعالة .
وقد اخذت بعض المؤسسات المصرية على عاتقها مهمة العمل على وفق الأعتبارات انفة الذكر عند اعداد الموازنة العامة المصرية . ومن اهمها المجلس القومي للمرأة (وفيه امانة عامة للتخطيط) , وايضا ما يسمى بوحدة تكافؤ الفرص , ومشروع تكافؤ الفرص للمرأة في الموازنة العامة للدولة .
مراحل اعداد الموازنة العامة المستجيبة لأحتياجات المرأة والرجل
في التجربة المصرية
تحديد الاهداف :
• كسب التأييد للموازنات المستجيبة لاحتياجات المرأة والرجل والطفل والطفلة .
• تفعيل وحشد الدعم السياسي والمالي للأيفاء بخطط النهوض بالمرأة في مؤسسات الدولة المختلفة , بما يتضمنه ذلك من رسم واعداد وتنفيذ برامج وسياسات التنمية , والستراتيجيات والمشروعات المرتبطة بها .
• انجاز تغييرات محددة في السياسات التي يمكن من خلالها تحقيق مكاسب محددة وملموسة للمشاركين بهذه العملية .
التأثير في عملية اتخاذ القرارات الخاصة بالموازنة :
• ان الموازنات العامة هي الاساس في اتخاذ القرارات داخل الحكومة ، لأنه من خلال الموازنة يتم تنفيذ اهداف السياسات العامة المتفق عليها بين مختلف الأطراف . وهذا يعطي صورة واضحة لأولويات الدولة الاقتصادية والاجتماعية , ويحدد امكانات التحرك ضمن هذه الأولويات .
• ان العمل في تحليل الموازنات المستجيبة للنوع الأجتماعي يجب ان يدخل ضمن اختصاص وزارة المالية واللجان المختصة بمراجعة الموازنة في البرلمان .
• لذا فان هناك مجازفة كبيرة في تناول الموضوعات ذات الصلة بهذه الموازنات عن طريق وحدات متخصصة خارج المجرى الرئيسي لعملية اتخاذ القرار , بحيث تصبح هذه العملية غير فعالة , بل انها قد تؤدي الى عكس النتائج المتوخاة منها . ومن هنا يمكن ان تتحول هذه العملية , المهمة والحساسة بطبيعتها , الى مجرد نشاط من انشطة العلاقات العامة فقط , وليس لها اية علاقة بجهة الاختصاص .
• ان عملية اعداد موازنات موجهة نحو نتائج محددة تعني الا يكون تركيز الموازنة على المدخلات فقط ، بل يكون التركيز على المخرجات كذلك . وقد يكون التركيز على المدخلات فقط غير مجد ٍ لاصلاح المساواة النوعية ، اذا كانت المعوقات , في جوهرها , هي نتاج طبيعي لثقافة المجتمع , وليست نتاجا لنقص الموارد .
• ان التزام الدولة بمبدأ المساواة وعدم التمييز يخلق الحاجة الى نظام لمتابعة الانفاق العام لقياس مدى مطابقة القرارات والسياسات الوطنية , وخاصة فيما يتصل بتجسيد الموازنة العامة للمباديء الموضوعة .
• الحاجة الى تأكيد ان تحظى قضايا النوع الاجتماعي باهتمام سياسي قوي ، من خلال ادراجها ضمن البرنامج الانتخابي الرئاسي , وبخطط واستراتيجيات التنمية الوطنية , وبعمليات وسياسات اعداد وتنفيذ الموازنة العامة للدولة .
• ان البرلمان هو المسرح المهيأ اكثر من سواه للحرص على موائمة الموازنة مع الحاجات الملحة للبلد ، مع مراعاة حجم ونوع الموارد المتاحة. والبرلمانات هي اكثر الهيئات قدرة على اداء هذا الدور.
خطوات وآليات تحقيق المساواة بين الجنسين من خلال الموازنة العامة
• التعرف على الفجوات في توزيع الموارد العامة .
• تحديد الاولويات في توزيع الموارد العامة .
• تخصيص الموارد العامة بحيث تلبي الأحتياجات الملحة للناس .
• اعطاء اهتمام خاص لحالة المرأة الاكثر حرمانا ً.
• تحقيق الانصاف والعدالة في تخصيص الموارد العامة , عنداستخدامها لمختلف الأغراض , أو توزيعها على جميع الفئات والشرائح .
قنوات واساليب التاثير على مراكز صنع القرار ذات الصلة باعداد وتنفيذ الموازنة العامة
يمكن للمرأة ان تمارس دورا هاما في الدعوة لتبني مشروع الموازنة العامة المستجيبة للنوع الأجتماعي , والتأثير على صناع القرار المعنيين بهذا الموضوع , مع مراعاة ما يأتي :
• مع ان وجود عدد اكبر من النساء في مواقع اتخاذ القرارات الاقتصادية لا يضمن بناء ورسم سياسات موازنات اكثر استجابة للنوع الاجتماعي بالضرورة , الا ان هناك ادلة قوية على ان اولويات النساء وخبراتهم واهتماماتهم سيكون لها تأثير حاسم في عملية اتخاذ القرارات ذات الصلة .
• من الضروري ان تجري المفاوضات حول هذه الموضوعات , مع الاشخاص المناسبين , وفي الوقت المناسب .
• ضرورة التعاون الوثيق بين وزارة شؤون المرأة ومنظمات المجتمع المدني . فالاولى لديها أطلاع على اولويات العملية السياسية , والثانية لديها القدرة على الدعم والتاثير .
• يجب ان يتم اختيار الحلفاء الاستراتيجيون بحيث يكونوا من الاشخاص المتشابهين في نمط التفكير , وفي السلوكيات والقناعات , ما امكن ذلك .
• ان احتمالات تغيير سياسات الموازنة تزداد اذا كانت التوصيات والمقترحات والرؤى ذات الصلة تركز على اولويات محددة وتعطي بدائل واقعية .
المصادر التي تم الأعتماد عليها في اعداد هذه الورقة :
- دايان إيلسون . أعداد الموازنة مع مراعاة حقوق المرأة : مراقبة الميزانيات الحكومية للتأكد من مسايرتها لأتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المراة ( المعروفة بأسم سيداو ) . صندوق الأمم المتحدة الأنمائي للمرأة UNIFEM / 2010 .
- الموازنة العامة المستجيبة للنوع الأجتماعي في مصر : قراءة تحليلية لأسهام عدد من الوزارات / جمهورية مصر العربية / وزارة المالية / وحدة تكافؤ الفرص / القاهرة 2010 .
- تطوير المبادرة المصرية للموازنة العامة المستجيبة للنوع الأجتماعي . جمهورية مصر العربية / وزارة المالية / وحدة تكافؤ الفرص / القاهرة 2010 .
- المبادرة المصرية للموازنة المستجيبة للنوع : اين نحن الآن ؟ وماذا بعد ؟ . جمهورية مصر العربية / وزارة المالية / وحدة تكافؤ الفرص / القاهرة 2010 .
- تحليل الموازنة المستجيبة للنوع : ( دليل عملي ) . جمهورية مصر العربية / وزارة المالية / وحدة تكافؤ الفرص / القاهرة 2010 .
- الدعوة للموازنات المستجيبة للنوع الأجتماعي : نحو تكافؤ الفرص للمرأة في الموازنة العامة للدولة . (الحقيبة المعرفية الأولى ) . جمهورية مصر العربية / وزارة المالية / وحدة تكافؤ الفرص / القاهرة 2010 .
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
Imad_A.salim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟