|
الإرهاب والتهديد بالانفصال وجهان لعملة الاحتلال الواحدة
علاء اللامي
الحوار المتمدن-العدد: 1103 - 2005 / 2 / 8 - 10:46
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
حين هاجم أصدقاءُ الاحتلالِ المتطوعينَ العربَ والمسلمين الذين سارعوا للمساهمة في المقاومة العراقية ضد الاحتلال ووصفوهم بالغرباء والمتسللين دافع كتاب آخرون - منهم كاتب هذه السطور - عن حق بل وواجب الأشقاء العرب والمسلمين في دخول العراق والمساهمة في المقاومة والجهاد ضد الاحتلال الأجنبي . لقد قلنا حينها إن دماء العراقيين سالت دفاعا عن العديد من البلدان والشعوب العربية في جميع الحروب والثورات في العصر القديم الحديث ومن حق العراقيين اليوم أن ينتظروا رد الجميل من أشقائهم . وقلنا أيضا إن الغريب فعلا على العراق وأهله هو المجند والمرتزق القادم من أمريكا وكندا وأستراليا وبولونيا و الأوروغواي وليس المتطوع الحجازي أو الشامي أو الخليجي القادم إلى أرض سالت عليها دماء أجداده قبل قرون في حروب الفتح والتحرير . غير أن من الضروري اليوم التوقف عند هذا الموضوع وقفة نقدية لا تجامل ولا تداهن أحدا بعد أن بلغت التدخلات الفظة والخطيرة في الشأن المقاوم في العراق من قبل بعض الأوساط درجة خطيرة . لقد أعطت تلك الأوساط ومنها جماعة الزرقاوي لنفسها حق النطق باسم المقاومة ومحاولة الهيمنة عليها أو مصادرة قرارها ورسم سياساتها العامة والتكتيكية من خلال تصريحات وممارسات خطيرة وذات مضامين طائفية وسلفية ستؤدي إلى أوخم العواقب وتضر بالمقاومة العراقية وقضية تحرر العراق أبلغ الضرر : ففي يوم واحد سارعت وسائل الإعلام العربية إلى تلقف وبث تصريحات صوتية منسوبة إلى أبو مصعب الزرقاوي هدد فيها بشن "حرب لدود " ضد الانتخابات وبنشر القناصة على سطوح البنايات وقتل كل عراقي يخرج من داره لإفشال تلك الانتخابات لأنها بحسب رأيه تهدف إلى إيصال الروافض أي الشيعة إلى السلطة وبوسع المرء أن يستنبط منطقيا أن الزرقاوي لن يشن حربه تلك إذا ضمن له الأمريكان العكس فأسقطوا من أسماهم "الرافضية /الشيعة" وأوصلوا الطائفة المقابلة التي يزعم الدفاع عنها إلى الحكم ! إن رفض الانتخابات وفضح أهدافها ودعوة الناس إلى مقاطعتها وإفشالها شيء مشروع تماما أما أن يلجأ الفريق الرافض لها إلى تهديد الفريق الآخر بالقتل برصاص القناصة وبالسيارات المفخخة بعد تكفيره وإخراجه من الملة على أساس طائفي ومذهبي فهو شيء آخر ومرفوض تماما لأنه فعل إجرامي خطير و يجب أن يدان . إن الاتجاه العام لتفكير وممارسات الزرقاوي ومن قبله شيخه ابن لادن خلال تدخله الفظ قبل عدة أيام في الشأن العراقي ومحاولة مصادرة قرار المقاومة الوطنية العراقية محكوم بنهجهم الطائفي والسلفي التقسيمي وليس بنهج وثوابت حركة تحرر وطني ذات مسعى توحيدي وتحرري . في اليوم ذاته نشرت أيضا تصريحات نسبت إلى أحمد الجلبي المعروف على نطاق واسع كنصاب دولي وصديق للوبي الصهيوني إيباك يدعو فيها إلى انفصال إقليم الجنوب العراقي وقيام فيدرالية شيعية هناك .يمكن تفسير تصريحات ونشاطات الجلبي الأخير ضمن "المرادحة " المخابراتية المفتوحة والمثيرة التي نشبت مؤخرا بينه وبين وزير الدفاع حازم الشعلان الذي أعلن بأن الجلبي سيسلم قريبا إلى الشرطة الدولية الانتروبول ويبدو أن الجلبي قد يكون استشعر خطورة التخلي عنه من قبل أحزاب ما سمي "قائمة السيستاني " التي تسيطر عليها شخصيات عراقية من أصول غير عربية بعد أن تبين لقادة تلك الأحزاب أن تهديدات رجل الأمريكان القوي حازم الشعلان كانت جدية فقرر – الجلبي - الالتحام بالعمق الجنوبي والسير مع دعاة الفيدرالية الجنوبية الطائفية ويبدو أن هذه الورقة عديمة القيمة سياسيا ستكون الأخيرة في حوزة الجلبي . إن مضمون تصريحات ونشاطات الزرقاوى وعموم جمهور المتطرفين السلفيين الطائفيين الذين يصورون الصراع الراهن ويخوضونه كصراع بين سُنة يدافعون عن الدين و رافضية /شيعة مرتدين وكفار تحميهم جيوش الاحتلال يتطابق تماما مع مضمون تصريحات ونشاطات أحمد الجلبي الذي انحط به السيل السياسي إلى درجة المطالبة بفصل الجنوب الغني بالنفط في فيدرالية واحدة على أساس طائفي بهدف ابتزاز "أعدائه السُنة " وحرمانهم من خيرات بلدهم ! إن هذا المضمون المتخلف والمعاكس لحركة التاريخ يستبطن ويتأسس على أوهام سياسية واجتماعية تعود بالإنسان المعاصر إلى انتماءات غرائزية و ولاءات بدائية عتيقة لا علاقة لها بالعصر ولا بالجوهر الروحاني والتقدمي للدين الإسلامي الحنيف ولجميع المنظومات الروحانية . إنها قفزة دموية إلى الوراء التاريخي ونكوص حضاري عن عصر المواطنة الحديثة القائمة على المساواة والحرية نحو عصر الرعية المستعبدة والمنغلقة في طائفة متقوقعة . فالزرقاوي يشطر العراقيين إلى سُنة مؤمنين وطيبين وشيعة كفار وأشرار وصفهم حرفيا في خطابه المذاع على شبكة الانترنيت خلال عيد الأضحى الماضي بأنهم ( بذرة نصرانية غرستها اليهودية في أرض مجوسية ) متفقا – الزرقاوي – بقوله هذا مع مناهضي عروبة العراق من حلفاء الاحتلال ومعترفا بصحة زعمهم الزائف من أن العراق جزء من إيران " أرض المجوس " ومخرجا ملايين المسلمين " الشيعة " من دينهم وإيمانهم ناعتا مرجعهم الديني السيستاني والذي نختلف معه سياسيا من الألف إلى الياء بأنه " إمام الكفر والزندقة " فهل يجوز أن يتواصل سكوت العلماء ورجال الدين المسلمين والشخصيات السياسية الإسلامية على هذه التجاوزات الخطيرة ؟ أما الجلبي فيقتطع من الفريسة أثمن ما فيها ألا وهو الجنوب العراقي وعلى أساس التشطير الطائفي ذاته وكلاهما يحاول ويجهد من أجل تعميم الحريق وتحويل اتجاهاته ليكون حربا أهلية شاملة تدمر العراق والعراقيين ونظرة واحدة على أرقام القتلى العراقيين بتفجيرات وعمليات الذبح والاستدراج والاختطاف التي يقوم بها السلفيون والطائفيون مقارنة بأرقام قتلى الأمريكان تؤكد لنا أن مشكلة الزرقاويين كما الجلبيين لم تكن مع الأمريكان كمحتلين بل مع العراقيين كأعضاء طوائف متقاتلة أو يجب أن تكون متقاتلة . غير أن الواقع والوقائع أقوى حججا وأبلغ بيانا من هذه الأوهام ففي العراق طائفتان فعلا ولكنهما سياسيتان وليستا دينيتين : الطائفة الأولى تضم أصدقاء الاحتلال والمشاركين في هيئاته السياسية والعسكرية والأمنية وهم خليط من العرب والكرد والتركمان والآشوريين من السنة والشيعة والمسيحيين ونظرة واحدة إلى أسماء الأحزاب وقادتها تؤكد ذلك أما الطائفة الثانية فتضم المناهضين للاحتلال والمطالبين بالاستقلال الحقيقي للعراق وهؤلاء أيضا خليط لا يختلف مجتمعيا عن مكونات الطائفة الأولى . هذا الكلام المسنود بالواقع والوقائع على الأرض يفقد المتطرفين السلفيين الطائفيين حجتهم وأرضيتهم وعلَّة وجودهم في العراق من أمثال الزرقاوي الذي أكد أن لا شيء يربطه بالعراق لدرجة أنه خضع – كما كتب أحد أنصاره المنشقين على شبكة الانترنيت – لابتزاز مموليه من بعض دول الخليج الذين طالبوه بإزالة اسم العراق وشطبه تماما من قاموسه ففعل وأطلق على منظمته الاسم الذي كان سائدا خلال العهد "الوثني " للعراق ألا وهو " بلاد الرافدين " أي في "ميزو بوتاميا" وليس في العراق موئل الحضارة العربية الإسلامية في أوج عزها وازدهارها ! أما ابن لادن فقد كان واضحا في إعلان سبب رفضه للانتخابات في العراق حيث كفَّر كل من يشارك فيها ليس لأنها تجري تحت حراب الاحتلال أو لكونها مزورة سلفا ومعدة ومخطط لها من قبل طرف واحد هو الاحتلال وأصدقاؤه بل لأنها كما قال تستند إلى القوانين الوضعية والديموقراطية وليس إلى الشريعة الإسلامية ، بمعنى أن مشكلة ابن لادن ليست مع واقع الاحتلال بل لأن هذا الاحتلال يريد إقامة نظام ديموقراطي وضعي في حين يريد ابن لادن إقامة إمارة طالبانية في " بلاد الرافدين " ! ولعلنا لا نستبعد تفسير سكوت بن لادن طوال سنوات على واقع الحال في عدة دول خليجية محتلة احتلالا غير مباشر من قبل الولايات المتحدة وذات استقلال شكلي بهذا السبب أي بسبب أن هذه الدول تطبق الشريعة الإسلامية كما يراها هو وأنصاره . إن الانتخابات في العراق المحتل مرفوضة ليس لأنها مستمدة من دستور ديموقراطي أو وضعي بل لأنها من صنع وترتيب الاحتلال وحلفائه وإن المرفوض الآن هو الاحتلال وجميع إفرازاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية وسيبقى الاحتلال احتلالا حتى لو أقام الأمريكان غدا في العراق إمارة طالبانية سلفية يقودها المتطرفون الطائفيون . إن مسؤولية خطيرة تترتب الآن على عاتق المقاومين العراقيين من إسلاميين ووطنيين وخصوصا على البعثيين العراقيين المشاركين في صفوف المقاومة العراقية في صدد هذه الظاهرة الطائفية التقسيمية ومن الواجب عليهم جميعا الخروج بالاستنتاجات والقرارات اللازمة لكبحها واستئصالها وتركيز الجهد المقاوم ضد قوات الاحتلال ومن يقاتل معها ورفض التدخلات الفظة ذات الرائحة المذهبية في الشأن العراقي لكي يتم إغلاق الباب تماما أمام دعاة الفتنة الداخلية وحملة مشاعل الحرب الأهلية الطائفية .
#علاء_اللامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشهرستاني من مرشح إجماع وطني مأمول إلى حصان طائفي مرفوض
-
تأملات في النموذج السويسري للديموقراطية المباشرة والدولة الا
...
-
تصاعد التفجيرات الإجرامية وواجب المقاومة العراقية الجديد .
-
الانتخابات العراقية بين استراتيجيتي بوش والسيستاني
-
مجزرة الخميس الدامي وسياقات اتفاق السيستاني الصدر .
-
أياد علاوي تلميذ نجيب في مدرسة الكذب الصدامية !
-
نعم ، نعم ، لآية الله الكبرى الطفل علي إسماعيل إماما وقدوة
-
المعركة هي بين الاحتلال والحركة الاستقلالية وليس بين مقتدى و
...
-
تضامن الجلبي مع الصدريين و عشم إبليس في الجنة !
-
حلبجة النجفية بدأتْ ..سلاماً للمقاومين الزينين ،واللعنة على
...
-
نص الرد الذي نشر في مجلة الآداب البيروتية على اتهامات جماعة
...
-
لمعركة الكبرى لم تبدأ بعد :بوش يريد الصعود إلى الرئاسة على ج
...
-
توصيات التقرير وخلط السم الأيديولوجي بالدسم العلمي ./قراءة ف
...
-
/قراءة في تقرير المعهد الدولي للعدالة الانتقالية 6لكي لا ننس
...
-
كيف ينظر العراقيون إلى مأساتهم وجلاديهم وقضائهم /قراءة في تق
...
-
القنبلة الطائفية والعنصرية جاء بها الاحتلال وسيفجرها العملاء
...
-
نظام القمع والحروب والاضطهاد الشامل وصمت الغرب .قراءة في تقر
...
-
/قراءة في تقرير معهد العدالة الانتقالية 2مشهدية الانتقال من
...
-
الاحتلال هو النقيض التام للعدالة ولا يمكن للنقيض تحقيق نقيضه
...
-
الموجبات التاريخية والمجتمعية لمشروع المجلس التأسيسي الوطني
...
المزيد.....
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|