|
سوالفنا سوالف (3) إصلاح المعتقدات نقد المعتقدات سبيلا إلى تحرير العقل
رحيم حمداوي
الحوار المتمدن-العدد: 3767 - 2012 / 6 / 23 - 12:55
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
1 إن تاريخ البشرية تاريخ ديني بحت. بمعنى إن البشرية لم تشهد في حياتها سيطرة العقائد التي تقف في الجانب الآخر من الدين، الإلحاد على سبيل المثال، على المعمورة كافة، بل إن الرب كان هو الحاضر في كل لحظات التاريخ يرسل أنبياء و أناسا و يستخلفهم بالآخرين. إن ما يثير الانتباه في تاريخ الأديان إن كافة الحركات التي انطلقت تدعو إلى نبذ التعاليم الدينية اتخذت من الدين و تعاليمه منطلقا كي تهاجم الدين، بعبارة اجل إن الحركات التي ناهضت الدين أو الأشخاص الذين ناهضوا الدين لم يكن لديهم عقل آخر يختلف كليا مع العقل الذي ينتج تعاليم الدين حيث له منطقه وأسسه خارج إطار عقل و منطق الدين. مر تاريخ البشرية بمراحل عدة في اعتقاده بـ ما وراء الطبيعة أو الدين أو الديانة بداء من عبادة الطبيعة التي شاعت في ثقافات قديمة وعديدة على مدى التاريخ مرورا بعبادة اله واحد ووصولا بموت الله. عندما تبنى هذه الأطروحة نيتشه فانه لم يكن يقصد بان الله هو من مات بل إن فكرة وجود الله قد ماتت، و عندما طرح هذه الفكرة فان الإنسان كان قد وصل إلى ما نحن عليه اليوم إن فكرة الله قد حكمت طويلا ثم جاء دور العلماء أو الفلاسفة كي يحلوا محل الله و من ثم جاء دور العقل كي يحل محل الاثنين و... هذا عن التاريخ أما عن الدين نفسه فانه في جوهره لا يختلف، له تعاليم ثابتة لا تتغير وتهدف إلى ازدهار الجانب الإنساني وان ما يتغير هي المعرفة الدينية التي تحدث عنها الكثير من المفكرين بالإسهاب، وبما إن رحى البحث في هذا الجزء من «سوالفنا سوالف» يدور في جزء منه حول المعرفة الدينية فلابد من الوقوف عندها كي نبين القصد من هذا المصطلح فأقول إن المعرفة الدينية هي ظاهرة بشرية متغيرة ونسبية كشأن المعارف الأخرى. وبما أن المعرفة، ومنها الدينية، هي حصيلة جهد بشري، فإنها بالتالي سوف تكون باستمرار معرفة ناقصة، بل هي بالفعل تعيش هذه الحالة على الدوام ولا يمكنها إن تلبس غير هذا الزي وان تكون غير ذلك، أي لا يمكن أن تصبح معرفة كاملة مادام الإنسان مستمرا في هذه الحياة ومواظبا على أداء دوره الرئيسي فيها ألا وهو التفكير. فمثلا من الأسباب التي تجعلنا نؤكد أن المعرفة الدينية سوف تكون على الدوام معرفة ناقصة، هي أن الأنبياء والرسل الكرام، حينما نقلوا الوصايا الدينية التعبدية والتشريعية إلى البشر إنما نقلوها في فترة زمنية محددة، وكان يمكن لتلك الوصايا وبخاصة التشريعية أن تزيد وأن تنقل بكمية أكبر مما تم نقله لو أن الظروف السياسية والاجتماعية حتى الظروف الصحية لحياة هؤلاء الكرام سمحت بذلك. فهناك من آذى الأنبياء وهناك من ساهم في قتلهم، أي وضعت عراقيل عديدة في طريق تبليغ الناس الوصايا الإلهية الأمر الذي ساهم في عرقلة وصول معرفة دينية أكبر وأغنى إلى البشر. هذا يعني أن المعرفة الدينية تتسم بالتحول والنسبية لأنها مرتبطة بألوان المعرفة الإنسانية ومتأثرة بها. وانها معرفة إنسانية متغيرة بتغيير تاريخ البشر وتاريخ العلوم الذي أنتجه الإنسان على مدى التاريخ في مجال الفلسفة والعلوم الإنسانية بالذات والمجالات الأخرى. إن المعرفة الدينية ليست إلهية من منطلق الموضوع الديني الذي تتطرق إليه و لا يصح أن نخلطها والدين في حد ذاته. لأنه وكما اشرنا إن الدين جوهر ثابت كتصور تجريدي ارتبط بظهور الإنسان وتبلورت عن طريقه مفاهيم عدة يأتي على رأسها الحاجة إلى وجود علة تفسير الظواهر المحيطة به، أما المعرفة الدينية فهي متحركة غير ثابتة يمارس من خلالها الإنسان علاقته الجدلية مع الدين، فكلما تطور العلم وتقدم الإنسان مدنياً، تنتج أسئلة جديدة تشكل مضمون المعرفة الدينية في تلك المرحلة، ملخص القول إن المعرفة الدينية هي معرفة الناس بهذا الدين أو ذاك وفهمهم له الذي هو فهم بشري وأنها في تحول دائم بقدر ما تحتمل الالتباس والغموض أو تخضع للخطأ والتناقض فهي معرفة ترتبط بزمانها أو ترتهن لظرفها التاريخي أو لحيثياتها الاجتماعية. إنني بطرح هذه المقولة (الدين/ المعرفة الدينية) أريد لفت الانتباه إلى ثنائيات كـ (النص/ التاريخ) وما هي المسافات الفكرية التي تتحكم بالعلاقة بينهما، و ثنائية المجتمع الديني و المجتمع ما قبل الديني واستطيع أن الخص تلك الثنائيات بـ «ما قبل وما بعد». وغني عن البيان إن الـ ما بعد دائما هو الأفضل ويريد القفز بالإنسان إلى ما بعد اكثر ازدهارا هذا ما قامت به كافة الأديان كـ الإسلام حيث أطلق على الـ ما قبل الجاهلية. إن المعرفة الدينية التي اشرنا إليها تنقسم إلى عدة أصناف طبقا للمستوى المعرفي للناس الذين يكونون المجتمع في فترة من فترات التاريخ. ما يهمنا هنا هو المعرفة الدينية في صنفها الأول حيث يتبنى مثل هذه المعرفة السواد الأعظم من الشعوب على مدى التاريخ. إن المعرفة الدينية على هذا المستوى يمكننا أن نقسم أجزاءها وفقا للمثلث الذي ارسمه على النحو التالي : 1. الله: إن الله يتجلى في هذه المعرفة كشخص في المجتمع لكنه جبار ومقتدر يأمر و ينهي ويحارب الآخرين إن الله عندهم ينزل من السماء لكي يقوم بأعمال يفعله الإنسان المتمكن. فانه يقتل ويعاقب وينتقم من أعدائهم لا لسبب بل لأنهم أعدائهم. إن الله انزل لهم دينا وهم موعودون بالنصر في هذه الدنيا و الآخرة وعليهم بمحاربة من لا يؤمن بدينهم وان يدمروا بيوته و إن الله ينزل عليه من السموات النقم. فاذا أصاب خصمهم مكروه فانهم ينسبون هذا الأمر إلى ربهم و يقولون مرتاحين البال بان ربهم هو من انتقم لهم. إن هذه الفكرة أي تصوير الله كالبشر ومخاطبته من هذا المنطلق قديمة بقدم تاريخ البشرية وتاريخ الدين لكن لا تظهر في مستوى واحد, حيث نرى إن الله يظهر إلى الناس أو يتصورون مثل هذه الحالات فهم ينشدون الأشعار ويكتبون الرسائل له. للتذكير نشير إلى قصة شهيرة تعامل معها نبي من أنبياء الله ألا و هي قصة سيدنا موسى و الراعي، إذ شاهد راعيا يخاطب الله بقوله: «إلهي يا من تصطفي من تشاء أين أنت حتى أصبح خادما لك فأصلح نعليك وأمشط رأسك! وأغسل ثيابك وأقتل ما بها من القمل و .. لكن الله في هذا الخطاب لا يبقى مجرد شخص يمكن أن نعتبره مساعدا لهم في كل الأحوال، ظالما أو مظلوما بل انه يدخل في الخطابات السياسية ويدافع عن هذا ضد ذلك كما يدخل في مسرح التاريخ وفي كل الحقول لهذا كان المفكر محمد اركون يؤكد على هذه النقطة ويشدد على إصلاح فكرنا عن "مشكلة الله". بمعنى إن الله يتجلى في أفكارنا طبقا لأمور عديدة, تاريخية وجغرافية وسياسية واجتماعية. فالبدوي يصور لك الله بشكل يختلف عن الحضري, ونظرة القروي تختلف عن المدني ونظرة الإنسان الذي عاش قبل قرون تختلف عن نظرة الإنسان الذي مر بالحداثة. 2. الإنسان:إن الإنسان في هذه المستوى من المعرفة الدينية يصبح كاملا عندما يؤمن بدينهم فمن لم يؤمن بدينهم أو معتقداتهم أو حتى الخرافات التي يؤمنون بها فانه يصبح خارج رحمة ربهم ويستحق الجهنم أو حتى يخرج من الإنسانية ويدخل ضمن البهائم ولكي يؤكدوا مثل هذه التعاليم في قلوبهم وأذهانهم يقدمون المئات من الاحاديث وينسبونها إلى قادتهم الدينية. فان الثنائيات التي أشرت إليها سالفا تتكاثر هنا بشكل رهيب. ثنائيات الإنسان الديني غير الديني الإنسان المؤمن غير المؤمن الإنسان المذهبي غير المذهبي و صولا إلى من يتردد إلى المساجد و الحسينيات ومن لا يتردد, ولا يخفي إن هذه الثنائيات تدخل في الحياة الاجتماعية و تصبح معيارا للتمييز بين الإنسان وكلما راجت هذه الفكرة في المجتمع بشكل اكثر كلما شاهدنا تدخلها في كافة الأمور حتى تلك البسيطة كجلوس هذا في مجلس ما في مكان ما فنرى من يطبق ويواظب على مراعاة أمورهم له مكانة افضل في مجلسهم. 3. الآخر:أشرت فيما سبق إلى الآخر لكن بهذا التقسيم أردت أن اكرر أضلاع المثلث كي نقسم الموضوع بشكل صحيح، فان الآخر في هذا الخطاب يستحق العذاب في هذه الدنيا ويستحق القتل فانه ملعون وفي الآخرة انه من الخالدين في النار. 2 ليس من المهم الايمان بالخرافة بل المهم ديمومة الخرافة عبر الزمن والمكان. مقولة رددها فيوربا مخاطبا ماركس حيث اعتبر هذا الثاني الدين افيون الشعب. انها حقا تستحق التمعن لسنوات، لماذا بقى العرب قبل الإسلام يعبدون الأصنام، لنترك الفكرة الجاهزة التي ترميهم في سلة الجاهليات وتريد حلحلة الأمور بسهولة , إن السؤال الجبار الذي يلقي بظلاله علينا هو لماذا بقت هذه الأفكار تحيى على الأرض وبقى الكثير يؤمن بها، يقاتل ويقتل من اجلها. 3 المجتمع الديني مجتمع له ركيزة ومحورية يدور حولها الا وهي الدين خلافا للمجتمعات الليبرالية التي تؤمن بحق الانسان في اختيار المعتقد بعيدا عن كل الضغوط. بمعنى إن المجتمع الديني لا يؤمن بالحرية الا في الإطار الذي رسمه علماءه الدينين للآخرين واكد من خلاله ان سبيل النجاة في الدنيا والاخرة يمر عبر خارطة طريقي، والآخرون لا يحصدون الا النار. إن المجتمع الديني مجتمع مغلق على نفسه يعيش في جزميته وفي سوره المغلقة، ليس من المهم معرفة متى أغلقت أبواب تلك السور، كانت قبل قرون أم في يومنا هذا، إن المهم بأنهم يعيشون السعادة في الدنيا و الآخرة كما وعدهم علماء دينهم لهذا إن المجتمع الديني مجتمع لا يشجع على النقد والاستفهام بمقدار ما يشجع على الإيمان واليقين ومازلنا نذكر تلك المقولة الشهيرة المتداولة في الخطاب الديني القديم والمعاصر ضد تعلم الفلسفة والمنطق التي تقول «من تمنطق فقد تزندق» بينما في المقابل فإن المجتمع الليبرالي يعتبر السؤال محمودا بل ومطلوبا انه مجتمع حافل بالنقد والأسئلة لا بالتعبد. 4 النقطة السابقة تقودنا الى البحث عن موضوع غاية في الاهمية وهو هل يمكن القيام بإصلاح المعتقدات والخرافات في المجتمع الأهوازي؟ صحيح بان المجتمع الاهوازي شهد عملية نقد المعتقدات الشعبية لكنها كانت محاولات خجولة , في جانب كبير منها اتخذت جانبا التطرف فإنها لم تصلح شيئا بل أرادت إحلال هذا محل ذاك و ... ومنها ما كان نتيجة الغليان سياسي - ثقافي، الذي هيمن على الأجواء وذلك تحت تأثير الصحف والمجلات السياسية والفكرية في فترة من الزمن فان الصحف والحوارات، وليس الكتب هي التي جعلت الكثير يخوض في ثنايا مثل هذه القضايا المعقدة جدا، فالمجتمع الأهوازي قد تعرف على نوعا من الحداثة آنذاك من خلال الآخر، بشتى صوره، وتحت ضغطه. هذا يعني أن عملية التحديث لم تحدث في أحسن الظروف الدافعة إلى إحداث نهضة حقيقية... لهذا بقت أسئلة كثيرة تطرح نفسها إلى يومنا هذا عند الحديث عن الدين أو المعتقدات. تقف على راسها: ما هي العوائق التي تقف في طريقنا؟ من الواضح انه ليس هناك مجتمع لا يريد الاصلاح والسير نحو الاحسن لكن لكل إصلاح طريقه وأسلوبه والإصلاح الثقافي هو اصعب عملية يدخلها الفرد وبالذات اذا أراد تحقيق نتائج آنية، فاذا كانت مقولة لينين تقول خطوة الى الامام وخطوتين الى الوراء فان المقولة تلك تنقلب راسا على عقب وقد تتحول الى التوقف والنظر الى ما حدث. وانها تعد ضمن تلك المقولة. بمعنى ان التوقف من دون السير يصنف من ضمن العملية الاصلاحية. اما ما هي المخاطر التي يواجهها الشخص في هذا المسار؟ سبق إن قلنا أنها عملية معقدة وهنا نشدد على إن المعتقد يكون نسيج الفرد، أضيف هنا نقطة في غاية الاهمية وهي قضية الحكومة الدينية. انها تقول بانها تعمل لتحقيق الجنة لشعبها وتعمل بكل ما جاء به الدين فتبرر كل ما تقوم به. لان الدين الصحيح هو ذلك الدين الذي ينطق به علماء الدين ويؤيده الساسة ويتعاونون معا للوصول الى بر الامان. من هنا تظهر مقوله إن السياسي هو ديني والديني هو سياسي فالمعارض لهذا يعارض ذاك والعكس صحيح. من هنا فان أي كلمة يتفوه بها هذا او ذاك عن الخطأ حول الدين يصبح بمثابة العدو للاثنين. قلت الخطأ لأنه من الواضح إن الإصلاح يتبلور في ظل الخطأ. 5 من اهم الظواهر التي تتنشر في اوساط كافة الشعوب العربية بمختلف مذاهبهم من الشيعة والسنة هي ظاهرة البركة، فهناك في المغرب العربي تسمى بـ سيدي و هنا تسمى بـ المقام والسيد. ان المفهوم الميتافيزيقي يرجع ظاهرة البركة الى قوى علوية اما المفهوم الاجتماعي – الوظيفي يعتبرها قوة لها وظيفة اجتماعية في تحديد الصلة القائمة بين الانسان والطبيعة وبينه وبين اخيه الانسان وبينه وبين خالق السموات والأرض، أنها من المفاهيم القديمة جدا التي ارتبطت بتاريخ الانسان وخاصة بفئة معينة من الناس الذين تساموا فوق حدود الواقع المادي. فان البركة تاريخيا انتقلت من النبي إلى ذريته من بعده، أنها متصلة بالنبوة اولا ومن ثم بالولاية من بعدها. هذا ولا ننسى بان الكثير من السادة يكاد يكون نسبهم الى الرسول مجرد اسطورة موضوعة كما يحدث في كثير من الاحيان ان يهجر شخص موطنه الاصلي ويستقر في ديار اخرى فيدعي بنسبه المتصل بالرسول ليحصل على مكانة اجتماعية مرموقة ومن ثم تنتقل تلك الصلة الى ذريته من بعده. 6 ان البركة لا بد ان تظهر للعيان وتبرز في الاشكال المادية والجسدية كي تبرهن للجميع بان صاحبها يتمتع بقدرة هائلة في شفاء الامراض او حلحلة المشاكل النفسية او الزوجية او مشكلة العنوسة حتى يؤمن الناس بقدرة صاحبها سواءا كان حيا ام عندما يتوفى. يلخص المثل السائر كلامي حيث يقول بان «المقام الما يشور وين زواره». فان موت الشخص لا يجعله بعيدا عن الناس انه يعيش معهم اينما حلوا يحل مشاكلهم يشفي الامراض يعينهم في السراء والضراء، إن مجرد حمله شيء من مقامه (مقبرته) كـ «العلاق» يجعله يطمئن بانه محمي ولا يمكن لأي مكروه ان يتجرا ويقترب منه. انه يتراءى للناس في احلامهم. على سبيل المثال اذا وصل شخص لوحده موقعا مهجورا واعترته الرعشة من الخوف والرهبة فانه يثير شعور الاولياء طلبا للحماية فسرعان ما يحس بتلبية طلبه فيظهر الولي او السيد بمظهر الطير او جسم او ما شابه ذلك ويحميه. 7 البركة لا تبقى عند السيد بل تنتقل الى الاخرين عبر شتى الطرق. فمن الممكن الحصول على البركة الخارقة بتقبيل اليد فقط. كما يمكن الحصول عليها عن طريق الماء الذي يغسل السيد يديه به فانه يصبح شرابا مستساغا وصالحا للشفاء وفيه بركة. هناك طريق آخر وهو يبصق السيد في ظرف ماء ثم يصبح هذا الماء شفاء لأهل البيت – وهذا ما شاهدته مرارا وكرارا في قريتنا في طفولتي- حيث يحتفظ اهل البيت بهذا الماء ويصبح مقدسا لا يمكن المساس به يشفي الالام البسيطة والعويصة. كما بصقة السيد يمكنها ان تبعد الحشرات المؤذية من البيت فانه اذا بصق على الحيطان فان العقرب والحية لا تدخل البيت بتاتا. 8 هذه الجانب يختص بحياة السيد وعندما يمشي في الاسواق. اما عند وفاته فان البركة تنتقل معه بل انها تصبح اكثر اهمية وربما السبب يكمن في غيابه وقداسة الميت عندنا ثم ان الاساطير لا تحاك عندما الرجل يعيش على المعمورة لأنه يمكن ان يأتي شخص ما ويطلب منهم إثبات هذه الأقوال، لكن عندما يموت تصبح كل أكذوبة أسطورة وكل رواية تصبح مقدسة تستحق الإشادة. أتذكر جيدا الرواية التي سمعتها اكثر من مرة بانه كان هناك سيد في قرية ما طلب اطفاله منه ان يشتري لهم حصانا يمتطونه فانه كان يعاني قلة المال فوضع اطفاله على الحيطان وامر الحيطان بان تصبح حصان فلبت الدعوة. ان رواة هذه القصة كانوا يرونها بإيمان لا يوصف. ان مقام السيد يصبح مزارا يذبح الناس المواشي ويزورونه ويشكون الحال له فانه يلبي حاجاتهم بشتى انواعها. لا ننسى إن الجانب الاقتصادي يلعب دورا هاما في هذه القضايا فان الناس يدخلون في معاملة مع المقام فانه يمنحون مالهم او يذبحون المواشي شريطة ان يلبي حاجاتهم. 9 هناك مقولة شهيرة تقول بان الناس في حاجة إلى قبة يتبركون بها، لا يهمهم من يكون المدفون تحتها. ان هذه المقولة يمكنها ان تلخص الاسباب السوسيوجية والسيكولوجية التي تجعل الناس يتهافتون على المقام وبالتالي على الحصول على البركة اضف إلى هذا إن الأسباب التي تجعل مثل هذه الأفكار تنتشر بشكل واسع في أوساط الشعب بكافة أصنافه من المتعلم والأمي هي فاعليتها وقدرتها على العطاء أو تلبية حاجتهم كما إن مثل هذه الأفكار لم يتم إزالتها بواسطة أفكار جديدة تتفوق عليها طبقا لمقولة غاستون باشلار الذي تحدثت عنها في مقالي السابق. أو إن هناك من له المصلحة في استمرارية هذه الأفكار فيتم الدعاية لها عبر احدث الوسائل، فان المخاطب يستسلم لها لاشعوريا فان الأسباب هي أما الفاعلية وأما عدم وجود أخرى منافسة لها وأما اقتصادية. 10 ان كل ما تطرقت إليه هو أمرا يكاد أن يكون عاديا وطبيعيا ناتج عن أمور عدة، منها الأمية والجهل وفعالية هذه الامور ومقدرتها على استجابة مطالبهم وإيمانهم بأنها ناتجة عن قدرة خارقة للعادة، ولا ننسى بان فكرة الوساطة هي من اهم الاسباب التي تجعلها حية وناشطة وفاعلة متجاوزة الزمن والمكان. وكما يقول علي الوردي: «فالله في نظرهم كالسلطان العظيم جالس على عرش عال جدا في السماء وهم يريدون شفيعا يتوسط لهم عند الله. انهم اعتادوا في حياتهم السياسية ان يوسطوا الشفعاء في حياتهم عند السلطان وهم يحسبون الله مثله لا يقضي حاجة الا بتأثير الشفعاء والوسطاء. هناك جانب في غاية الاهمية وكما اثبت لنا الواقع بان المراقد المقدسة قد ساعدت كثيرا في شفاء امراضهم وتطمين نفوسهم. فالإيحاء النفسي الذي يتأثرون به في داخل المراقد قد يبعث فيهم الثقة النفسية. وهذا الامر له اهمية غير قليلة في شفاء الامراض وحل المشاكل كما أثبتت البحوث العلمية الحديثة.» لكن حضور هذه الظواهر القروسطية في اوساط النخبة والدارسين واساتذة الجامعة تعبر عن أزمة عقلية، أزمة تثير الرهبة في انفسنا، بعبارة اجل عندما تنتقل هذه الظواهر من العوام إلى النخبة وتجعلهم يؤمنون بها ايمانهم بربهم فأننا لابد ان نقول باننا نعيش الكارثة بعينها. 11 أخيرا وليس آخرا كثيرة هي التحديات التي يواجهها المرء عندما يريد أن يبلور ما يفكر فيه على الورق ويخرج ما تحتضنه مخيلته عن الفكر الديني و عن الدين إلى ارض الواقع، وعديدة هي الصعوبات و المشاكل التي تجعل المرء يتردد في النطق بما يفكر فيه في مجتمع اختلط فيه الحابل بالنابل لا يعرف معنى النقد ويعتبر كل ما وجه إليه هو من قبيل الشتم و التجريح من تلك الصعوبات التحالف غير المكتوب بين العقل الشفهي و العقل الرسمي التي تتبناه الحكومة وتدافع عنه بأحدث وسائل الإعلام، منطلقة من أنها هي التي تبين الرشد من الغي و ترشد إلى السبيل الصحيح فهنا يحدث اكبر عميلة خيانة الدين من جهة ويبرز اكبر غول لا يسمح للعقل إلى يتقدم خطوة إلى الأمام... هذا وعلينا أن لا نجهل أو نتجاهل تلك التأثيرات المدمرة اقصد تاثير نقد المعتقدات على نفسية من وضع راسه على وسادة الجهل ونام كما نام من قبل أجداده فإنها تثير أوراق حياته وتبعثرها حيث تخل بالتوازن النفسي و الثقافي والاجتماعي الذي اكتسبه طوال قرون و قرون فـ نحن وجدنا آباءنا على امة... أنها عملية دقيقة وحساسة لابد أن نعرف الخطوة الحالية كي نتجه نحو الثانية. فمن خلال الإشارة إلى ظاهرة البركة أردت لفت الانتباه إلى قضية بسيطة من تلك القضايا التي يؤمن بها شعبنا وتكون نسيجه الفكري والعقائدي واردت الانتباه إلى إن إصلاح المعتقد في مجتمعنا لابد أن يقوم بتقسيم الأمور كي يحدد القضايا التي يواجهها ومن ثم علينا أن نكشف النقاب عن العلاقة التي تربط هذه الأمور ببعضها البعض كما لا ننسى أن ندرس تاريخها فحقا نحن بحاجة إلى القيام بدراسة تاريخية عن هذه الظواهر كما فعل ميشيل فوكو في كتابه المعنون بـ تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي. فمجتمعنا يصدق الخرافات بسرعة، ويعتقد في الخرافات والسخافات التي ينكرها الدين. و آخرا ليس بصحيح القول بان الدين هو عامل تخلف مجتمعاتنا بل إننا عندما تخلفنا بدأنا ننظر إلى الدين بنظرة متخلفة أي إن معرفتنا الدينية هي التي جعلت الدين يبدو متخلفا في راينا. لهذا اشدد على إن تحرير العقل مما ليس بالمقدس اكبر عملية لابد منها لتحرير العقل العربي الأهوازي ولا يخفي إن المقدس هنا لا يتبلور في الدين وحده بل انه يشمل المفاهيم الاجتماعية كـ القبيلة. لكم الحب والاحترام. أبو نواف.
#رحيم_حمداوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|