جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3766 - 2012 / 6 / 22 - 16:57
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
إن الثقافة نجاسة يجب التخلص منها والبراءة طهارة يجب العودة إليها أي يجب أن نعود إلى العصور التي يقولون عنها بأنها كانت جاهلية ومظلمة ولدينا هذا السؤال: من هو الأكثر براءة؟ الإنسان الذي يبلغ عمره 50 عاما؟ أم الطفل الذي يبلغ من العمر سبع سنوات؟ أنظروا إلى الأطفال وإلى براءتهم في أساليب التعامل مع البيئة, ستجدونهم محبين للخير ولا يعرفون بأن هذا مسلم سني أو مسلم شيعي,ولا يعرفون بأن هذا مؤمن وذاك كافر ولا يعرفون بأن هنالك فرق بين الإنسان الذي يخرج من الكنيسة على قدميه والإنسان الذي يخرج من المسجد على قدميه ولا يميز بين اليهودي ولا بينه وبين البوذي,ولكن أنظروا إلى التفاهة التي ستحصل مع الأطفال بعد مرور بضع سنين حيث يبدأ الكبار بتثقيف الصغار ثقافة كلها مغالطات إذ يقولون للمسلم الشيعي ذلك مسلم سني هو عدوك وذلك مسيحي هو عدوك وهذا معناه أن المثقفين هم أصحاب الشر وهم من يقود الحروب أما أولئك البريئين مثل براءة الأطفال لا يعرفون أي تمييز بين الناس ويتعاملون بلطف مع الجميع وحتى نعود إلى عصور البراءة يجب علينا أن نتخلى عن ماضينا وعن ثقافتنا مهما كانت هذه الثقافة وذلك من أجل خلق أجواء نقية تنعدمُ فيها الروائح الكريهة المنبعثة من فوهة أعتا الثقافات العالمية.
ومن النادر جدا أن يتخطى الإنسان مرحلة الطفولة دون أن يتدنس من دناسة الثقافة,إن الأطفال يقعون منذ النشأة الأولى فريسة لأوهام الثقافة فالأطفال يولدون أبرياء وينشئون على حب تعلم ثقافة لا يعرفونها ويسعى الإنسان طوال حياته في وهو يتمنى أن يتخلى عن الثقافة بدليل انتشار الوعاظ الدينيين من شتى الديانات من أجل أن تستمر الثقافة بالنضوج ولكي لا يجدون يوما إنسانا غير منتمي إلى ثقافة معينة بحد ذاتها,ولاحظوا معي انتشار زنا المحارم كل هذا سببه انتصار البراءة على الثقافة لأن الإنسان أصلا كان يتزوج من المحارم ولكن الثقافة منعته من ذلك,وكان الفراعنة يجيزون زواج المحارم على فترة من التاريخ وما زالت هذه العادة منتشرة في اللاشعور الجمعي بدليل أننا نسمع المرأة المصرية وهي تنادي زوجها بكلمة(يا خويا) أي(يا أخي) ونلاحظ هذه الجملة منتشرة على ألسنة المصريين رغم أن المصريين اليوم لا يتزوجون من المحارم بسبب الثقافة التي منعتهم من ذلك,ونسمع ونقرأ عن النت كثيرا من قصص ممارسة الجنس مع المحارم وهي ليست كاذبة والكاذب هو الذي يكذب ذلك والسبب في هذه الممارسات هو انتصار البراءة على الثقافة,وكان الإنسان يتزوج من تجمعات سكنية أخرى لا توجد فيها ثقافات ولكن حين ظهرت الثقافة ظهر معها التحريم,فثقافة التحريم أي(التابو) هي من صنع الثقافة وليست من صنع البراءة وأنا هنا لا أدعو إلى زواج المحارم ولكنه مثلٌ أضربه للقارئ كي يأخذ كلامي على محمل الجد وكلما نضج الإنسان أكثر كلما أصبح شره أكثر ويزداد الإنسان شرا كلما توسع وتبحر في الثقافة,وكلما سيطرت بعض الأيديولوجيات على عقل الإنسان كلما أصبح خبيثا أكثر وماكرا أكثر وداهية أكثر وحتى نتخلص من الشرور كلها يجب علينا أن ننزع عن أنفسنا كل ما تعلمناه وأن نمشي في الشوارع عراة دون أن تغطي أجسادنا أي ثقافة, وهل تراكم تنظرون لشوارع العراة نظرة مزدرية لأولئك الذين يتعرون؟ هذا خطأ كبير فالتعري أولا هو رمز للتخلي عن الثقافة ليعود الإنسان بريئا كما خلق من أول يوم بريئا من كل الثقافات, الإنسان حين تلده أمه لا يكون لا مسلما ولا مسيحيا ولا يهوديا ولا بوذيا وإنما يكون إنسانا بريئا من كل هذه الثقافات ولكن بعد فترة وجيزة من الزمن يتعلم الثقافة من أمه وأبيه ومن الشارع العام ومراكز العبادة عندها فقط يتراجع لديه مفهوم حب عمل الخير ويحل مكانه مشروع جديد هو حب عمل الشر,وحتى لا تزعجونا لا تقولوا لي بأن المسلم يولد مسلما واليهودي يولد يهوديا والمسيحي يولد مسيحيا, لا أحد يولد مثقفا ولا في أي ديانة مما ذكر وإنما يرغمه أبواه والمجتمع ووسائل التعليم على ذلك,والطفل البريء الذي ضربناه مثالا من أول المقال هو يشبه الحضارة حين كانت في مهدها فالحضارة منذ العصور الحجرية كانت بريئة من الشرور وكلما تقدمنا حضاريا كلما بدأت قلوبنا تتعلم الحقد وتتعلم الخبث والمكر والدهاء فالإنسان الذي نقول عنه بأنه كان يعيش في العصور الجاهلية لم يكن أصلا جاهليا وإنما كان بريئا ومسالما والحضارة والثقافة والتلون والتميع معها هما الذين جعلوا من الإنسان كائنا شريرا محبا للغزو وللنهب وللعداء مع الآخرين واليوم علينا أن نستيقظ من ذلك الوهم المسيطر علينا وأن نعود بشرا كما أرادتنا الآلهة بدون حدود أو قيود أو أعراف أو قوانين تتحكم بعقولنا.
ومن ناحية علمية قبل أن يسيطر الإنسان على المواد الخام في الطبيعة كان الإنسان عاديا ولذيذ الطعم والرائحة ولكن حين دخل عصر الفخار وعصر الحديد بدأ التمييز بين الناس على أساس أن هذا طيان وهذا حداد وهذا نافخ للزجاج ومن هنا بدأ المفهوم الطبقي والتمييز بين طبقات المجتمع وهذه المواد الخام جلبت الحروب من أجل السيطرة عليها ونشأ الدين بسببها وعرفت أولى الديانات البشرية.
علما أن الإنسان يولد عاريا لا تغطيه أي ثقافة ومن هنا علينا أن نعرف جميعنا على نهج مدرسة فرانكفورت بأن الثقافة قمع والسلطة قمع والدين قمع والأيديولوجيات قمع وحتى تسود المحبة بين الناس يجب علينا التخلص من كل تلك الثقافات لأن كلها شرور ودماء وحروب, ففي كل عام وفي كل يوم تراق الدماء تحت اسم الثقافة,والذي نصنعه ونساهم به ظناً منا بأننا نساهم في البناء الثقافي العالمي ما هو في حقيقة الأمر إلا كذب وتضليل ودعاية هدامة يراد بها أسر الإنسان واستعباده ونحن صناع الثقافة نصنع الشرور فنحن من يصنع الشر والإنسان غير المثقف هو الإنسان المدني المعاصر.
من يوم عرف الإنسان الثقافة عرف معها كيف يظلمُ نفسه وكيف يظلم الآخرين, إن الثقافة ما هي إلا جهاز قمعي نقمع فيه أنفسنا ونقمع فيه الآخرين,والبشرية بدون أي ثقافة وبدون أي ديانة ستكون أجمل بكثير وأفضل وأحسنُ حالا للإنسان, عندما وجد الإنسان الثقافة وتلبس بها عرف معها كيف يرضخ لمجموعة عادات وتقاليد وأعراف كلها تساهم إسهاما ذاتيا في ظلم الناس وأخذهم للذبح وللسلخ, فالسني يقهر الشيعي والشيعي يذبح السني والديمقراطي يعادي الجمهوري والجمهوري يعادي وينافس الديمقراطي والحياة بدون هذا أو ذاك ستكون أجمل بكثير وهذه دعوة مني لنتخلص جميعنا من الثقافة التي أججت الحروب والدمار والذبح العمد,وأنا أتمنى أن أرى أمما عارية بدون ثقافة, إن الإنسان حين كان عاريا لا يلبس أي شيءٍ يستر به نفسه كان أكثر براءة مما هو عليه اليوم, لنعود يا أصدقائي إلى التعري من كل ما مدتنا به الحضارات من ألبسةٍ ومن أقنعة تجعلنا نتخيل أنفسنا بأننا أعداء لبعضنا البعض, فما أجمل البراءة.
فالإنسان الذي نقول عنه بأنه من العصر الحجري لم يكن في حقيقة الأمر إلا أجمل وأنقى وأنصع بياضا مما هو عليه اليوم, إن الإنسان القديم الأثري الذي نصفه بأنه كان إنسانا جاهليا ما هي إلا غلطة وتهمة يبرأ منها الإنسان الحجري الذي لم يكن يعرف لا ثقافة ولا ديانات, فلم يكن الإنسان القديم يفرق بين المرأة وبين الرجل أو بين الأسود وبين الأبيض والأشقر والأصفر والأحمر,ولم يكن يتقن صناعة الشر, إن الشر الماثل أمامكم ما هو إلا صناعة صنعها الإنسان المثقف والإنسان المتدين بشتى الديانات الأرضية والسماوية,ولم يكن الإنسان القديم الذي عاش في العصر الحجري حتى 3000 سنة قبل الميلاد يعرف حب جمع المال ولم يكن يعرف حب السيطرة واستعباد الآخرين, فالعبودية الماثلة أمامنا هي من صنع الإنسان المتحضر والمتسلح بالثقافة,والإنسان الماثل أمامنا الذي يدعي أنه إنسان متحضر ما هو في الحقيقة إلا مخادع يخادع نفسه والناس أجمعين, الإنسان المعاصر هو المتخلف ثقافيا والإنسان القديم كان أفضل من الإنسان المعاصر.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=255122
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)