|
الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والحلول المحتملة آ -امكانية الفهم الصحيح للشرق الاوسط ماهي المشكلة وكيف تطورت؟
عبدالله اوجلان
الحوار المتمدن-العدد: 1101 - 2005 / 2 / 6 - 12:30
المحور:
القضية الكردية
آ – إمكانية الفهم الصحيح للشرق الأوسط ما هي المشكلة، وكيف تطورت؟
1 – من المهم تسليط الضوء أولاً على الحلول الاصطلاحية بما فيه الكفاية، قبل الحلول المؤسساتية. فإن لم نقدر على إعطاء تعريف صحيح للمصطلحات التي تغفو المجتمعات عليها وتصحو في تاريخها وحاضرها؛ فإن القيمة التنويرية للفرضيات المطروحة ستكون بخسة بنسبة ملحوظة. على سبيل المثال؛ أيُّ مرحلة تاريخية، وأي مجتمع سنقدر على تعريفه، ما لم نقم بتحليل سوسيولوجي سليم لمصطلح "الله"؟ لم يكن عبثاً أن دارت أغلب جدالات الأوروبيين حول الثيولوجيا (اللاهوت) والثيوديسيا (Theodice) على الصعيد الذهني، لدى خروجهم من إقطاعية العصور الوسطى. لقد ناقشوا حول الـ"ثيو = Theo"، يعني حول "الله"، لدرجة تمكنوا من خلالها الإمساك برؤوس خيط العلم والفلسفة. لقد عاشوا أيضاً مرحلة مُرَكّزة من الإيمان بـ"ثيو" والقدسية. كما قالوا – وهم على حق – بأنه: "ما دمنا نؤمن لهذه الدرجة به ونقدسه، فإن الموقف الأصح هو أن نعرف معناه أيضاً". إنهم أبدوا الجرأة والجسارة اللازمة للنقاش بأفكار قادرة على دك دعائم الدوغمائية، والإتيان بما هو جديد. إذن، كان هناك اللاهوت في أساس الجدالات الفكرية الدائرة أثناء الخروج من العصور الوسطى. كانت الأفكار التي تواجدت حينها باسم العلم والفلسفة، مرتبطة عن كثب باللاهوت. لكن المهم هنا هو استنباطهم النتائج اللازمة من تلك الجدالات للوصول إلى العلم المنطقي والفلسفة المنطقية. أما مُنَظِّرو الإسلام، فعوضاً عن استخلاص النتائج من النقاشات، قاموا بتجميد الفكر عبر تقديسهم للدوغمائية. فالإمام غزالي دحض الفلسفة منذ بدايات القرن الثاني عشر، وأوصد أبواب الاجتهاد وأحكمها، ليؤدي بذلك إلى الضياع في ظُلمات القرون الوسطى. وحتى اليوم أيضاً، ما من أحد يتجرأ على طرح النقاشات في هذا الاتجاه. أو بالأحرى، ما من أحد قادر على إبداء هذه الكفاءة والمهارة. بيد أن العمق الذهني في المجتمعات الشرق أوسطية، يمتد حتى العصر الميثولوجي. ذلك أنها استخدمت مأثورات الرهبان والأدباء السومريين – أمهر خالقي الميثولوجيا – بأشكالها المطوَّرة والمعدَّلة في الأديان التوحيدية الثلاثة. نحن نعرف أن سيدنا إبراهيم هو مؤسس الدين التوحيدي. بيد أنه ترعرع داخل مَلَكيات "نمرود" السلالة البابلية. فالكل يعرف أن أباه الموظف – الذي لا تزال ذكراه نابضة في أورفا وهو واقف إلى جانب نمرود – كان حارساً في مجمَّع الآلهة الملوك (Panteon)، وأنه شهد تحولاً ذهنياً كمحصلة للفعل وردة الفعل التي مر بها. إذن، والحال هذه، كيف سنستطيع فهم الدين الإبراهيمي دون معرفة مجمَّع آلهة نمرود؟ فحتى أكفأ الأساتذة المختصين بعلم اللاهوت يقولون في هذا الصدد: "حطم إبراهيم الأوثان بالفأس. وغضب نمرود، وقال: من الذي حطمها؟ فأجاب إبراهيم: الوثن الكبير هو الذي حطمها. فيقول نمرود: وكيف يحطمها وهو وثن جامد لا روح فيه؟ فيرد عليه: أوَليس الوثن إلهاً؟". هكذا يُكمِلون سرد القصة. إن هذا القول لا يتضمن أية قيمة أكثر من كونه سرداً أسطورياً. إذ، وبدون القيام بالتحليل السوسيولوجي للميثولوجيا السومرية، التي تشكل دعامة مجمّع آلهة نمرود، لا يمكننا تعريف الثورية الدينية لسيدنا إبراهيم. وبدون تعريفها لا يمكننا إدراك الثورات الدينية لسيدنا موسى وسيدنا عيسى وسيدنا محمد (ص). ورغم وجود هذا الكم الهائل من الجامعات وكليات فلسفة الإلهيات، ومدارس الإمام الخطيب، ومؤسسات الطرائق والديانات في منطقة الشرق الأوسط؛ إلا أن أياً منها لا تقوم بسلوك فلسفة إلهياتية سوسيولوجية. ذلك أن السِّحْر يبطل إن قامت هي بذلك. وحينها "ستسقط القبعة وتنكشف الصلعة". وسيتبدى أنه تتوارى ظاهرتان في أساس فكرة الإله الواحد. ألا وهما: التعبير عن وحدة القوة في الطبيعة، والزعيم والمَلِك الهرميان المتناميان في المجتمع. بمعنى آخر، وبالتطوير المستمر دون كلل أو ملل لأسمى معاني مفهوم المجتمع الحاكم، ومفهوم الطبيعة الحاكمة المرتبط بالمفهوم الأول؛ تم البلوغ إلى "الله" ذي الصفات التسع والتسعين. لم يدُر الجدال في هذا الاتجاه أبداً، بل وتَسَيَّس الإله، وتَعَسكر أيضاً بشكل مباشر، بظهور "حزب الله" في اليوم الحاضر. مع ذلك لا يزال يُبحَث عنه في كبد السماء كخداع للوجود. تُعالَج مؤسسة النبوة أيضاً بطراز دوغمائي في علم اللاهوت، حيث تُحوَّل إلى سرد تجريدي، وكأنها لا علاقة لها بالتطور الاجتماعي. بيد أن تقاليد الشامان – الشيخ من جانب، ومؤسسة الوزارة كسلطة تنفيذية عليا تابعة للسلطة المَلكية المتنامية من جانب آخر، تطغيان على هذا الكيان. تنشأ النبوة كسبيل حل للمشاكل المعاشة في التطور الحاصل بين كل من الدولة والهرمية. إنه تطور معني بالسياسة، وله أرضية جماهيرية، وقاعدة عملياتية على السواء. وهو يلعب دوره أيضاً في التطورات الجارية بين الحِكمة والقيادة السياسية. المهم هنا هو البحث عن مكانة النبوة في الواقع الاجتماعي، رغم قدسيتها. وإنْ حصل ذلك، فقد تُعرَف بعض الشخصيات التاريخية على نحو أفضل حقاً. وحينها سيُنوَّر التاريخ بذاته كذلك. فالسرد الدوغمائي يترك هذين الجانبين في الظلمات الداكنة. ثمة العديد من المصطلحات اللاهوتية المشابهة تقوم بنفس الوظيفة التعتيمية بمعنى القداسة. ومصطلحا "الجنة" و"جهنم" أكثر لفتاً للأنظار بهذا المعنى. حيث تمتد جذورهما حتى الميثولوجيا السومرية. كما أن علاقتهما بتنامي المجتمع الطبقي واضحة للعيان. فبينما يذكّرنا نظام الطبقات العاملة في أغلب الأحوال بجهنم – وجهنم كلفظ هي مكان يسمى هينوم (Hinom) في لبنان اليوم، ومعناها: المكان السيء والدنس، مثل وادي الجثث – فإن مكان عيش الناهبين لفائض الإنتاج يأخذ شكل الجنة طردياً. على كل حال، وبدلاً من الإكثار من هذه الأمثلة، من المهم تنويرها عبر تحليلات علم الاجتماع. لا يزال النقاش على الفرق بين الميثولوجيا والدين معلقاً على الرف في الأفكار الشرق أوسطية. بيد أن الميثولوجيا بذاتها لم تفسَّر بعد. ويُكتَفى بالقول بأنها مجرد أقاويل وسفسطائيات، لتُترَك جانباً؛ رغم أن هذا الطراز التفكيري احتل – ولا يزال – ذاكرة المجتمعات على مر آلاف السنين، وغدا الشكل الأساسي للتفكير على طولها. بل وأثَّر في كافة الأشكال الدينية والأدبية اللاحقة له، كسرد شعري للتعبير الرمزي عن الحياة المادية للمجتمعات. ما من دين أو أدب إلا واستنهل مصطلحاته من الميثولوجيا. أما ترْكُ الميثولوجيا جانباً وإهمالها باعتبارها بدعة أسطورية أو ملحمية، فلا يعني سوى حرمان الذات من أغنى مصادر الثقافة. لا يمكن القيام بتحليل سليم للدين والأدب والفن، ما لم تُولَ القيمة السامية الحقة للميثولوجيا كطراز تفكير خاص بمرحلة طفولة البشرية. نحن بحاجة لإنعاش الميثولوجيا، لا لدحضها وإنكارها. متى، وبأية أشكال كانت الميثولوجيا المنبع العين للدين؟ هذا أيضاً موضوع جدل قائم بحد ذاته. فمثلما يقال: تتحول الميثولوجيا إلى دين، عندما تصبح حُكماً عقائدياً مطلقاً. انطلاقاً من ذلك، فالتدين (التحول إلى دين) منوط بالاعتراف بالميثولوجيا كحقيقة أكيدة. ويتضمن التدين قيمتَين في اتجاهَين: ففي المنطق يؤدي إلى مصطلح "الفكر المطلق"، ليتطور بذلك فكر القَوننة (التشريع)، ويلتحم التشريع الإلهي بقانون الطبيعة تصاعدياً. ومن الجانب الآخر، يعيق بروز فكرة الحركية الدياليكتيكية في الطبيعة والمجتمع، حتى قبل ولادتها. وهكذا يفتح الطريق أمام الفكر المثالي بجانبه هذا. هكذا ينقطع الفكر عن الظواهر أَيَّما انقطاع، ليطرأ عليه بمفرده تطور لا ضابط له ولا قاعدة. يُبعِد الفكرُ المثالي الوالج في مجازفة باطنية لا تنضب، الذهنيةَ الاجتماعيةَ قَدراً آخر عن عالَم الحقائق. ويتحول تطور الفكر الديني إلى دوغمائيات صلبة في العديد من الميادين الأساسية، كالقانون والسياسة والاقتصاد والأخلاق والفن؛ ليكتسب بذلك ماهية تشريعية. إنه في الحقيقة يوفر السهولة الكبرى في الشؤون الإدارية للطبقة الدولتية المتصاعدة. فبإضفاء القيمة القانونية على كل حُكم في الدين، تكون مسألتا التشريع والمشروعية قد حُلّتا معاً. هذه التسهيلات الإدارية التي أمّنها الدين، هي الأساس وراء السمو به لهذه الدرجة في العصور الأولى والوسطى. الدين أيديولوجية إدارية مصوغة بكل عناية. والطبقة الحاكمة متيقظة دائماً للنوعية المجردة للدين. في حين أن شرائح المجتمع السفلية كانت أُقنِعَت بأنه حقيقة واقعة. كل هذا الإيداع الخاص بالدين، وتمثيله بأماكن التعبد، والطقوس والشعائر؛ منوطة عن كثب بوظيفة الدولة الإدارية. من هنا كان حظر النقاش عليه، كي لا يُعرَف وجهه الباطني. ففي حال النقاش عليه ستظهر نتيجتان: تصاعد المَلَكية، والتشريع الطبيعي. وكلاهما مهمتان للغاية. فحينها سيُعرَف كيف أُعلِي من شأن المَلِك الإله، وكذلك السلطان ظل الإله. وبالتالي سيكون الخلاص من مفهوم الإله المخيف للمجتمع والمعاقِب إياه. هذا وستُشرَع الأبواب أمام العلمية فيما يخص الجزء المتعلق بالطبيعة. وستُدرَك المفاهيم السائدة في عالَم الظواهر العلمية الممتدة حتى فيزياء كوسموس وكوانتوم. يكمن التفوق الأوروبي في قيام أوروبا بهذه التحليلات اللاهوتية (الثيولوجية) المركَّزة للغاية، لدى خروجها من العصور الوسطى. لا شك في أنه لا يمكن ربط التطور الفكري بمفرده بالجدالات المتعلقة باللاهوت والثيوديسيا. لكن، لا يمكن لأبواب الفكر العصري أن تُفتَح، دون ذلك أيضاً. فلولا جدالاات المذهبَين الدومينيكي والفرنسيسكي الدائرة طيلة القرون الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر؛ لما كان للنهضة – بطبيعة الحال – أن تتطور بسهولة. أَغلَقت طبقة رجالات العلم أبوابها أمام النقاش في منطقة الشرق الأوسط في هذه القرون الثلاثة بالضبط، وفرضت الدوغمائية الصلبة على المجتمع، باتهامها تلك النقاشات بالخروج عن الدين. وقاد هذا التيار، الذي غذّته تقاليد السلطة بكثرة، إلى انتزاع الغرب للريادة من حضارة الشرق الأوسط، لأول مرة في التاريخ. إن القرن الخامس عشر هو قرن الانفكاك والانفصال الأكبر. يكمن وراء هذا التمايز والانفصال، الذي سيتعمق تدريجياً بين الشرق والغرب، الفرق في التقرب اللاهوتي. في الحقيقة، لقد قطع الفكر الفلسفي أشواطاً ملحوظة في القرون التاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر في منطقة الشرق الأوسط. في حين أن الغرب اقتصر حينذاك على ترجمة المأثورات ونقلها. كان التفوق الفكري وقتئذ في الشرق الأوسط بكل تأكيد. فمذهب المعتزلة اتخذ من العقلانية والمنطق أساساً في صراعه ضد الدوغمائية. فـ"ابن الرشد" هو أعظم فلاسفة القرن الثاني عشر. كذلك أمثال "منصور الحلاج" و"السحر وردي" البارزين في فلسفة التصوف الإسلامي، كانوا دافعوا عن أفكارهم، ودفعوا حياتهم ثمناً لها. لكن الضغوطات القمعية المتزايدة في نهايات القرن الثاني عشر، ستحدد لون وطابع الشرق الأوسط الذي سيطغى عليه حتى يومنا الحالي. لا يمكن الاستخفاف بنصيب الدوغمائية الدينية في هزل الأدب ووهنه. فبينما كان بمقدور الأدب إحراز أشواط عظمى من التطور ارتباطاً بالمصدر الميثولوجي؛ قام الحظر ذاته بتجفيف هذا الميدان أيضاً. إن "الحرام" والحظر حرّم الإنسانية من أغنى مواردها. أما أوروبا، فقد بدأت بإبراز أولى كلاسيكياتها في هذه الأعوام. وأُسقِطَت الآداب إلى مستوى ابتكار القصائد وتنظيمها بشأن السلاطين وسرد حكاياتهم وإغداقهم بالمديح والثناء المطول. الجانب المؤسف والمؤلم في الأمر، هو أن الغربيين وضعوا أياديهم في راهننا على مسألة تحويل الواقع الديني والميثولوجي للشرق الأوسط إلى آداب، واستحوذوا عليها. فحتى مسألة كيفية القيام بالآداب وتكوينها، هي مشكلة حقيقية بحد ذاتها. لا تزال الثورة والانفتاحات الذهنية، التي شهدتها أوروبا عبر النهضة والإصلاح والتنوير، بعيدة كل البعد حتى عن مجال الطرح والنقاش في المجتمع الشرق أوسطي. فالاقتباسات المتمفصلة لا تعني النهضة والإصلاح والتنوير. بل ويمكن الحديث فيها عن انتقال في الاتجاه المعاكس أيضاً. فالإسلام الراديكالي لا يعبر أصلاً عن التحديث، بل عن إنعاش التزمّت والتصلب. ومصطلح "الإسلام السياسي" لا معنى له سوى كونه استخدام ديني تقليدي للسلطة. من غير الوارد أن تسلك منطقة الشرق الأوسط درب التطور الذهني بالوثوب على مراحل الذهنية التي شهدها الغرب. فالتشبث الدين، بل وحتى بالعلمية المحضة، أو التقربات الفلسفية الإيجابية؛ لا يمكنها بمفردها تأمين التحول الذهني. للتقربات المذهبية "الاشتراكية المشيدة"، وغير المعتمدة على مراحل الفكر الغربي؛ تأثير مصيري في أساس التخلف القائم في روسيا والصين حالياً. الثورة الذهنية شرط أولي من أجل تخطي مؤسسات المجتمع المتحولة إلى عقد كأداء، وإعادة بنائها من جديد. لا تقتصر الثورة الذهنية على هضم الفكر الغربي واقتباسه وحسب. فحتى التطورات المحدودة في هذا الميدان لا تذهب أبعد من كونها رقع مهترئة، بسبب نوعيتها المتمفصلة. فحفظ الفكر الغربي عن ظهر قلب، لا ينمّ عن الإبداع. بل يقود إلى العقم والسقم، مثلما يعيق ظهور الثورات الفكرية المحتملة. ورغم كثرة أعداد الاستظهاريين الحفظيين في الأوساط الموجودة، إلا إنه لا يوجد عالِم اجتماع حقيقي. حيث أن الموجودين منهم ليسوا في الحقيقة سوى طَلَبَة دين معاصرين متزمتين إلى آخر درجة. ذلك أنه ثمة تصوف دارج ومتفشٍ على نحو أكثر رجعية حتى من صوفيي العصور الكلاسيكية. ولو بحثنا عن الفلاسفة والعلماء والمثقفين المتنورين الحقيقيين بالمجهر والمصباح، لما وجدناهم. ولا يؤمن أحد بوجود ضرورة كهذه. وقد اقتُبِسَت لوازم الغرب الأيديولوجية بأسوأ الأشكال. فسواء كانت النزعة القوموية، أو الليبرالية والاشتراكية من الصياغات الأيديولوجية المعاصرة؛ إنها لا تذهب في أدوارها أبعد من نطاق الرجعية والتخلف في ذهنية المتنورين الشرق أوسطيين. الكل يدرك انطلاقاً من الممارسات والتطبيقات الجارية، استحالة إيضاح الواقع الشرق أوسطي عبر مثل تلك القوالب الشعاراتية. بل وتعرُّضه أكثر للدنس والتلوث من خلالها. يجب على الثورة الذهنية أن تملأ فحواها بواقعها الذاتي الخاص بها، إلى جانب استخدامها الصياغات والأشكال الغربية. فبدون تخطي أرضية المعاني التي ترتكز إليها كافة البنى الاجتماعية التاريخية الأولية، عبر قصف ذهني – إن صح التعبير – لا يمكن تكوين قوة المعاني التي ستشكل دعامة البنى الجديدة. أما البنى الخاوية من المعاني، فلا مكانة اجتماعية لها ولا قيمة. هذا ومن الصعب تنوير المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية بالسياسة؛ ما لم تُحلَّل الحقيقة والواقع الاجتماعي الذاتي بالأفكار الخاصة به، وما لم تنوَّر الظواهر الوطنية والقومية والإثنية والدينية عبر تلك الأفكار. تطلبت المستجداتُ المعنية بالتيارات البارزة في الفكر الغربي – من قبيل الدين، القومية، والعرقية – بذلَ الجهود المضنية. وأصبح بالإمكان سيادة براديغما الحياة الجديدة، عبر إيجابية مثل تلك الجهود الدؤوبة. أما المتنور (والسياسي) الشرق أوسطي، فيسلك مواقف، وكأنه سيبلغ هذه المرحلة عبر الاقتباسات الاستظهارية الحفظية والتكنيكية؛ دون أن يرى داعياً لبذل جهود عظمى توازي تلك المبذولة في الغرب، ولكن حسب واقعه الملموس والمرئي. ومحصلة ذلك هي عدم القدرة على إبداء الجرأة في إحداث الثورة الذهنية الذاتية. بل التخبط في التبعية الذهنية والعقم والوهن واللاحل إزاء الرأسمالية العالمية. لا يمكن تجاوز فوضى الشرق الأوسط لصالح الشعوب، ما لم تعش المنطقة مراحلها الخاصة بها من النهضة والإصلاح والتنوير. وإن لم يحصل ذلك، فلن تنجو المنطقة آنئذ من استبدادية آلاف السنين المموَّهة والمصقولة بمكياجات الغرب خلال القرنين الأخيرين.
#عبدالله_اوجلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط ، وا
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثاني 3- العودة الى الأيكولوجيا الاجتما
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثاني -2 تحرير الجنسوية الاجتماعية
-
الدفاع عن شعب الفصل الثاني ب- افكار تخطيطية (مشاريع) بصدد ال
...
-
الدفاع عن الشعب الفصل الثاني ب- افكار تخطيطية (مشاريع )بصدد
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثاني ب- افكار تخطيطية (مشاريع) بصدد ال
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثاني ب- افكار تخطيطية (مشاريع)بصدد الم
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثاني ب- افكار تخطيطية(مشاريع) بصدد الم
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثاني آ- اللب التاريخي للقيم المشاعية و
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثاني آ- اللب التاريخي للقيم المشاعية و
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثاني آ- اللب التاريخي للقيم المشاعية و
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثاني آ- اللب التاريخي للقيم المشاعية و
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثاني آ- اللب التاريخي للقيم المشاعية و
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثاني آ- اللب التاريخي للقيم المشاعية و
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثاني آ- اللب التاريخي للقيم المشاعية و
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثاني اللب التاريخي للقيم المشاعية والد
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثاني آ - اللب التاريخي للقيم المشاعية
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الاول / ه- الدولة الراسمالية والمجتمع ال
...
-
الدفاع عن الشعب الفصل الاول د- المجتمع الدولتي الاقطاعي ومجت
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الاول ج- المجتمع الدولتي وتكون المجتمع ا
...
المزيد.....
-
إسرائيل تقصر الاعتقال الإداري على الفلسطينيين دون المستوطنين
...
-
بين فرح وصدمة.. شاهد ما قاله فلسطينيون وإسرائيليون عن مذكرات
...
-
عشرات آلاف اليمنيين يتظاهرون تنديدا بحرب الإبادة في غزة ولبن
...
-
2024 يشهد أكبر خسارة في تاريخ الإغاثة الإنسانية: 281 قتيلا و
...
-
خبراء: الجنائية الدولية لديها مذكرة اعتقال سرية لشخصيات إسرا
...
-
القيادي في حماس خليل الحية: لماذا يجب علينا إعادة الأسرى في
...
-
شاهد.. حصيلة قتلى موظفي الإغاثة بعام 2024 وأغلبهم بغزة
-
السفير عمرو حلمي يكتب: المحكمة الجنائية الدولية وتحديات اعتق
...
-
-بحوادث متفرقة-.. الداخلية السعودية تعلن اعتقال 7 أشخاص من 4
...
-
فنلندا تعيد استقبال اللاجئين لعام 2025 بعد اتهامات بالتمييز
...
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|