|
بستان التفاح والإبداع البشري
محمد شرينة
الحوار المتمدن-العدد: 3761 - 2012 / 6 / 17 - 00:24
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بستان فيه ألف شجرة تفاح ينتج مليون ونصف حبة تفاح في الحالة الحسنة ، هذه الثمار قد تأتي من عشرة ملايين زهرة مؤنثة. في موسم اللقاح تتطاير في فضاء البستان أكثر من تريليون ونصف تريليون غبرة طلع مذكرة ما يعني أنه من كل مليون غبرة مذكرة تأتي ثمرة واحدة . في المليمتر الواحد من مني الرجل نصف مليون نطفة يقذف الرجل في حياته 40 مليار نطفة تنتج طفلين بمعنى أن كل عشرين مليار نطفة تأتي بطفل واحد . كل غبرات الطلع يمكن أن تصير ثمارا و كل نطفات الرجل يمكن أن تصير أطفالا هذا العالم شديد الطمع و التشبث بالبقاء ، الزهرات المؤنثة ذات وزن معتبر لا يمكن للشجرة أن تحمل عدد هائل منها ومع ذلك حتى تحافظ الشجرة على استمرارها تنج في حياتها أكثر من مئة ألف بذرة ، حبات الطلع خفيفة و شديدة الضآلة و مثلها النطف لذلك صنعتها الطبيعة بدون حساب و بأعداد فلكية . الأفكار المطبقة ماديا (كالكهرباء) أو معنويا (كالقانون) هي ثمار تحولت إلى تلك الحالة من قبل أنثى هي التطبيقيين من الناس الذين يفني أحدهم عمره ليحول فكرة إلى تطبيق و منهم الأنبياء، فتحويل بيضة ملقحة الى طفل يحتاج الى عناية وعناء امرأة تسعة أشهر ثم عجدة أعوام ليصبح الطفل قادرا على العيش دون دعم أمه. ربما ينجب أحدهم أولادا كثر و ربما يحتاج تطبيق فكرة واحدة لعدد كبير من الأمهات. هذه التطبيقات تولدت من مليارات أضعافها من الأفكار الهائمة التي ينتجها الذكور من الشعراء و الفلاسفة و الأدباء و الفنانون يقذفونها ثم ينتهي دورهم . السؤال فكرة بل هو مولد الأفكار الذكورية بينما الجواب ثمرة لهذا كان من الطبيعي أن تظل تريليونات الأسئلة بدون أجوبة . هل مازلت تتذكر أن عشرين مليار نطفة إلا نطفة تظل بدون جواب ، أما إذا كان الرجل فائق الفحولة فهذا الرقم قد يصل إلى مائتي مليار و واحد ، الواحد له جواب له منطلق و مستقر و المائتي مليار تهيم بدون أجوبة لها منطلق و لكنها أبدا لا تجد مستقرا . أ ليس من العبث البحث عن أجوبة لكل الأسئلة؟ و لكن أليس من العبث أن تحاول مائتي مليار نطفة التحول إلى إنسان بينما يقدر النجاح لواحدة فقط ؟ لو لم يحصل ذلك لما استمر العالم و لولا محاولة الإجابة على كل سؤال لما تطور . هذا هو ألم أن تكون ذكرا ففرصتك في البقاء أقل بمليون أو ربما بمليار مرة . إن هذا الكون ثنائي و من غير الممكن إرجاعه إلى أي نوع من الأحدية(التوحيد) و المشكلة الأساسية التي لا تزال ترافق الأديان الكبرى المسماة بالسماوية خاصة الإسلام و المسيحية إنما تنتج عن هذا التوحيد القصري . قتل إنسان مهما كان السبب جريمة لا يمكن تبريرها بأي حال سواء كان السبب القصاص أو الدفاع أو الحرب أو أي شيء أما الحرب فهي أبشع من أن توصف بأنها جريمة مهما كانت أسبابها ، بل انه حتى قتل الحيوان أمر شنيع و غير مبرر هذا من جهة؛ و لكن من جهة أخرى ليست هناك طريقة بالنسبة للذئب ليستمر في الحياة إذا لم يفترس الشاة ، و الشاة لا تستطيع الحياة بدون قطع النباتات وإتلافها كذلك الإنسان لا بد له من قطع النبات و قتل الشاة ليعيش ، كما أن المرء عندما يفكر بشكل واقعي يجد أنه حتى قتل الإنسان أمر لا مفر منه ، و إذا بدأت بالخائف الذي سيطر عليه الهلع فهو بدون أدنى تردد يقتل إذا ظن أن ذلك ينقذه مع إن المقتول قد لا يكون يشكل خطرا فعليا على القاتل ، و بدون الحاجة للإطالة و استعراض حالات القتل التي يقوم بها البشر دعنا نذهب فورا إلى الحالة الأشد بشاعة و هي الحرب و التي غالبا ما تتم بنفس طريقة الخائف آنف الذكر. هل كان يمكن التخلص من هتلر أو صدام بدون حروب كلفت ضحايا كثيرة؟ وهل يعني هذا تركهما يخربان العالم ثم يوقعان ضحايا أكثر بكثير! إذا كان كلا الطرحين صحيح بمعنى أن القتل شنيع و مع ذلك فقد ارتكبه الإنسان و سيستمر في ارتكابه ، فأين الخلل ؟ لماذا يعتبر البشر شيئا فعلوه و سيظلون يفعلونه شنيعا و غير مقبول؟ عند التفكير في أفكار الفلاسفة الذين يمجدون القوة و التفوق و خير مثال لهم نيتشه تجد طريقة تفكير تقول لك أن هذا العالم لا خلل فيه و هو موجود هكذا و سيستمر بكونه هكذا عالم للأقوياء و كل ما يتم بهدف البقاء والتفوق اللذين هما الهدف الواقعي الوحيد للحياة هو أمر مبرر تماما و كل ما عدا ذلك من فلسفات و أفكار هي مجرد خور و ضعف بل أكثر من ذلك هي أكاذيب يقصد منها تضليل الضعفاء الذين يقتنعون بها ليسهل التفوق عليهم و إقصائهم ، ولكن نيتشه نفسه لا يستطيع الاستمرار في خط التفكير هذا بل كثيرا ما يخرج عنه و يفكر بالطريقة التي انتقدها . الفلاسفة المثاليين يدعون إلى تحويل هذا العالم إلى فردوس أرضي حيث ترعى الشاة مع الذئب و من المعلوم أن هذا لا يمكن أن يتحقق. الإنسان العادي و خاصة الناجح يفكر بشكل مثالي و يتصرف بشكل مادي ، لماذا ؟ ما دام البشر يدركون أن القسوة التي تملأ هذا العالم شيء لا مناص منه و أن الحياة من غير الممكن استمرارها بدون القتل و الحروب و المعاناة الإنسانية بكل أشكالها ، فلماذا لا يقبلون هذا الوضع على أنه حقيقة العالم الوحيدة ويتعاملون معه على هذا الأساس ؟ لما كان العالم تنائيا كما أسلفت و الإنسان أحادي (و قد أضفى الإنسان صفته الأحادية على الخالق الذي افترض أنه أصل الأشياء لأن الإنسان يفكر في أنه هو"الإنسان" أكمل الموجودات و بالتالي فان الله يكون كذلك كاملا بكونه واحدا، إن فكرة التوحيد مردها إلى الفردية الأنانية البشرية التنافسية و هي ليست صحيحة فيما يخص الكون و لاهي تمثل العالم كما هو في العمق. من المهم الإشارة أنه حتى خارج مجال الدين يفرض الفكر البشري هذه الرؤية ففي مجال العلم مثلا كان ومازال الشاغل الرئيسي للعلماء اكتشاف النظرية الأصلية التي تتولد عنها جميع النظريات. بما أن العالم ابعد ما يكون عن الواحدية فهو يتبدى لنا ثنائي كما سلف وهذا لا يعني بالضرورة أنه ثنائي و لكنه بالتأكيد يعني أن العالم متعدد وليس أحادي) ، بالتالي فإن الطريقة الوحيدة التي يمكن للإنسان الأحادي التعامل بها مع العالم الثنائي (المتعدد، اللا أحادي) هي الطريقة المشروحة أعلاه و التي تبدو متناقضة ، العالم يحتوي الرحمة و يحتاجها و بنفس الآن يحوي القسوة و يحتاجها فبالنسبة للصخرة فان جو ليلة الربيع المضيئة اللطيفة المقمرة و جو ظهيرة الصيف المحرقة و فجر ليلة الشتاء المتجمدة سيان و لكن الأمر مختلف عند الإنسان لأن عنده حاجة و بالتالي فهو يملك إرادة و رغبة تتعلقان بتلبية الحاجة مما يعني أن هناك ما يسره و هناك ما يزعجه ؛ الكائن الحي بشكل عام يملك حاجة و بالتالي فهناك ظروف تلبي هذه الحاجة فهو يريدها و يحبها و يعمل على بقائها و استمرارها و العكس بالعكس ، إن الصفة الأساسية للكائن الحي هي كونه ينمو ويتكاثر و لكن الأهم كونه يرغب في ذلك مما يعني أنه يعي وجوده و يرغب باستمراره و تطوره ، يمكن للفقاعة مثلا أن تنمو و تشكل فقاعات أخرى و لكن لا يمكن إطلاق صفة الحياة عليها . لما كان الإنسان الذي هو كائن حي يملك حاجة و بالتالي إرادة فمن المحتوم أن تبدو له الأشياء منقسمة إلى خير وشر أما في العالم فالأشياء هي مجرد أشياء ليست بخير و لاهي بشر ولكن من جهة ثانية ليس الإنسان الا جزءا من مادة هذا العالم لذلك أيضا تبدو له الأشياء محايدة لا هي خيرة و لاهي شريرة. و لكن الإنسان لا يمكنه إلا أن يكون في حالة واحدة في الوقت الواحد فهو غير قادر على حب الشيء و كرههه في نفس الوقت مع أنه بحاجة لأن يحبه كما هو بحاجة لأن يكرهه (يحتاج المرء لأن يحب رئيسه أو معلمه الذي يساعده كما يحتاج لأن يكره معلمه حتى يكون لديه الحافز للتفوق عليه الحالة الثانية ستجد لها مسميات كثيرة كالحسد و التنافس و لكنها في العمق مبنية على حب التفوق على الآخر الذي دون شك يؤلم الآخر بينما الحب يقوم على إسعاد الآخر فهي عكس الحب و جد لها ما شئت من الأسماء) و هذا ما أعنيه بواحدية الإنسان و ثنائية العالم ، يمكن تشبيه هذا الوضع بوضع الكيميائي الذي يحتاج لإتمام عمله إلى إضافة الحمض و الأساس (القلوي) بشكل متتالي و لأن هذا الصانع ليس عنده سوى آنية واحدة فليس أمامه غير استخدامها للغرضين و لما كان جمعهما معا في الآنية يؤدي إلى تفانيهما (تعادلهما) بحيث لا يعود الحمض حمضا و لا الأساس أساسا لم يكن أمامه إلا التناوب حيث يكون محتوى الوعاء حمضيا تارة و أساسيا تارة أخرى . تبدو الحياة و كأنها تحد للعالم المادي ويبدو الفكر و كأنه تحد لكليهما و لهذا كان الرأي السائد قديما أن سر الحياة و سر الفكر لا ينتميان إلى هذا العالم المادي و مع أن هذا الاعتقاد ما يزال موجودا الآن لكن المهم في الأمر بغض النظر عن صحته أو خطئه أنه لا يحل أي من المشاكل الكبرى لا فكريا و لا ماديا ، فلماذا مثلا لا يفكر الناس و يقبلوا بالقسوة المادية للحياة مع أنها حقيقة لا يمكن الهروب منها ، حقيقة الأمر أن إيجاد أجوبة لمثل هذه الأسئلة يكاد يكون متعذرا و لكنني أرى أن الإجابة المتوفرة هي أن الحياة والفكر مع أنهما ماديان إلا أنه يمكن القول أن الحياة و التي هي تطور مادي يتم خلال الزمن هي المشتق الأول للمادة و أن الفكر يمكن التعبير عنه بهذه الطريقة على أنه المشتق الأول للحياة و المشتق الثاني للمادة وبتعبير فيزيائي اذا قارنا المسافة بالمادة تكون السرعة أو الحركة تقابل الحياة و التسارع أو تغير الحركة يقابل الفكر ، كل هذه مفاهيم مجردة حتى لو بدت بسيطة فإنها حتما تعبر عن واقع شديد التعقيد حتى أنه يمكننا القول أنه يكاد يستحيل الإحاطة به و بالتالي فهمه . من الطبيعي القول أن المسافة ذاتها لا تكون موجودة بدون حركة أي سرعة و لا يمكن ملاحظة الحركة لو لا اختلاف السرع أي التسارع و بالتالي لا يمكن القول أن المسافة موجودة بدون السرعة والتسارع بمعنى أن الحركة و المسافة ليسا شيئين مختلفين و من غير الصحيح اعتبار احدهما أساسا للآخر ، هذا بالطبع يقودنا إلى أنه لا يمكن فصل الزمان عن المكان لأن الحركة لا تتم بدون زمان و كل هذا يقود أنه لا يمكن اعتبار أي من الزمان أو المكان أساسا للآخر أو أكثر أصالة و ما يخلص إليه تدبر المسالة برمتها هو أن العالم و الذي من المستحيل ملاحظته ثابتا هو شيء واحد غير قابل للتجزيء أصلا و لكن انطباعه في الفكر البشري هو انطباع مجزأ للسبب المذكور سالفا و هو أن فكر الإنسان تجزيئي أو توحيدي و بالتالي لا يستطيع التعامل مع الأشياء أو فهمها إلا واحدا واحد و بالتالي فالفكر البشري هو الذي يقوم و لا محالة بتشويه العالم عن طريق تجزئته، ذلك أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يستطيع بها الفكر الأحادي التعامل مع عالم غير أحادي. هذه الطريقة فعالة للغاية في المجالات المحصورة و المحدودة لأن التشويه الذي يلحق بالموضوع المدروس قليل بل مهمل و السبب في ذلك أننا نستطيع الحصول على عدة مساقط متباعدة بشكل معقول و لإيضاح هذه الفكرة دعنا نفترض أننا نريد توصيف جسم ثلاثي الأبعاد باستخدام مسطح ذو بعدين ، الجسم الثلاثي الأبعاد هو العالم و المسطح هو العقل و لنفرض أن العقل يعالج مسقطين في الثانية الواحدة و انه يحتفظ بذاكرته المباشرة بعشرة صور لمدة خمس ثواني يستطيع التعامل معها في الوقت ذاته فان العقل بهذا الوصف التمثيلي غير الدقيق يستطيع معالجة مئة مسقط بنجاح فإذا كان المحجم (الجسم ثلاثي الأبعاد ) يمكن التعبير عنه بوضوح كافي بمائة مسقط كان العقل قادر على التعامل معه مباشرة بنجاح. أما إذا احتاج التعبير عن المجسم لمساقط أكثر فان العقل يلجأ إلى وسائل كثيرة لإتمام العملية كاستخدام الرسوم والمخططات. ولكن من المفهوم أننا عندما نريد التعامل مع مجال مفتوح من طرف أو طرفين فإننا نضع العقل في حالة يحتاج فيها إلى التعامل مع عدد لا نهائي من المساقط و حتى في المجالات المغلقة الشديدة الاتساع نواجه مشكلة فكلما زاد حجم المجسم أو عدم انتظامه أو كلاهما معا زاد عدد المساقط اللازمة لتوصيفه و بالتالي يكون أمامنا أحد أمرين أما زيادة عدد المساقط حتى نصل إلى عدد يعجز العقل عن التعامل معه، أو وهو الحل الأكثر شيوعا و استخداما من قبل البشر المباعدة بين المساقط فمثلا إذا كنا نأخذ مسقط لكل متر واحد من الارتفاع و نفترض أن التغير الحاصل في بنية المجسم بين بداية كل متر و المتر الذي يليه مهمل ، قد تجدنا بسبب أن عقلنا يعجز عن معالجة المساقط إذا تجاوز عددها حدا معينا نحاول التغلب على ذلك بزيادة المسافة بين المساقط مع الاحتفاظ بفرض أن التغير الحاصل في المجسم بين مسقط و الذي يليه مهمل و هنا تكمن المعضلة فانه إذا كان الفرض يظل صحيحا بزيادة هذه المسافة إلى الضعف أو عشرة أضعاف فانه حتما غير صحيح عندما نزيد هذه المسافة مليون أو مليار أو حتى تريليون مرة أو أكثر، وهذا ما يفعله الفكر البشري عند التعامل مع المجالات هائلة الاتساع التي تعتبر منتهية و لكن غير محدودة كالكون المادي من وجهة نظر الفيزياء الحديثة و بالتالي هنا نحن نحصل على نتائج نفترض أنها صحيحة بينما هي على أحسن الافتراضات تعكس صورة شديدة التشوه للواقع و بالتالي تفعل كما فعل السحر و التنجيم في العصور القديمة و مع ذلك لا يمكن إنكار أنه لولا استمرار العقل في طرق كل المسائل الخاطئة و المُصيبة لما تطورت المعارف البشرية بالشكل الذي نعرفه رغم ما سبب ذلك من مآسي و آلام . في مثال المجسم السابق كلما كان المجسم أصغر و الأهم أكثر انتظام كلما احتجنا إلى مساقط أقل لتوصيفه و لكن هذا غير كافي فالهدف من الدراسة التي يجري التوصيف بغرضها هو الآخر مهم فإذ كنا نريد توصيف جميع خواص المجسم احتجنا إلى عدد غير متناهي من المساقط مهما كان المجسم صغيرا و منتظما ، فعندما نر سم مسقط مكعب مثلا على ورقة مسطحة فنحن نهتم فقط بالشكل الفراغي لهذا المجسم و نهمل ما لا نهاية له من خواصه كلونه وتدرج هذا اللون و المواد المكونة للمجسم الخ............. و هذا ما اقصده بالمجال المفتوح من طرف واحد فهذا المجسم هو مجال مغلق من الطرف الأول فهو مجسم على شكل مكعب بأبعاد محددة و لكننا إذا أردنا التعبير عن كليته كما هو بمعنى إعطاء توصيف كامل لكل خواصه يكون الطرف الثاني للمجال مفتوح . كلما زاد عدد المساقط التي يتوجب على العقل التعامل معها في زمن محدد زاد الإرهاق الذي يقع تحته العقل و من المهم الإشارة أن الزمن مهم فلو فرضنا أن تجميع و معالجة المساقط أو المعلومات اللازمة لفهم موضوع ما بسرعة معالجة معينة للعقل يحتاج إلى مليار سنة فانه من الواضح أن العملية تكون غير ممكنة ، طبعا هي تكون غير ممكنة إذا احتاجت إلى زمن أقل من ذلك بكثير . إن المعرفة البشرية كاملة ليست إلا عملية تجميع و معالجة طويلة لمعطيات العالم المنعكسة (المؤثرة) في الفكر البشري و يمكن بدقة القول ن المعرفة التي يحصل عليها فرد ما في زمن صغير (عدة دقائق مثلا) و المعرفة التي يحصل عليها هذا الفرد طوال مدة حياته و المعرفة التي حصلت عليها البشرية منذ بدايتها حتى الآن هي أشياء متطابقة تماما من كافة النواحي باستثناء ناحية واحدة هي الكم و الذي تراكم و لا يزال يتراكم و بالتالي يمكن التعبير عن البشرية ككل بفكر واحد جبار يعيش لمدة طويلة جدا ، إن الإدراك الذي مكن الإنسان من اختراع التعليم و بالتاي تناقل و توريث المعارف عبر الأجيال المتعاقبة هو الذي أدى إلى هذه النتيجة وكنتيجة بديهية تكون مهمة البشرية الأسمى هي الاستفادة الى الحد الأقصى من أفكار وابداعات جميع أفرادها من خلال جعل الظروف ملائم للابداع البشري بالحد الأقصى ؛ فمن خلال الابداعى البشري فقط، صار يمكن لانسان واحد يدير جرار حديث أن ينتج ، وبشكل أفضل بكثير ، أكثر مما كان يمكن لبلدة كاملة أن تنتج . مع كل ذلك عندما يأتي البحث إلى أي محال مفتوح فان العقل كان و سيظل عاجزا عن تحقيق أي معرفة حقيقية فيه أ] أنه لن تكون هناك معرفة نهائية أو كاملة . و للجواب على السؤال السابق ، لماذا لا يقبل العقل العالم كما هو ؟ فان العقل كان سيكون مشلولا تماما في هذه الحالة كالكيميائي الذي يخلط الحمض و الأساس في نفس الوعاء مما يؤدي إلى تفانيهما بمعنى أن أحدهما يُعدل الآخر ، و بالتالي لم تكن المعرفة البشرية لتتكون ، الفلسفات المثالية في الواقع تصنع ما يصنعه الكيميائي الذي أدرك الحقيقة السابقة و حتى يتجنبها و في نفس الوقت يريح نفسه من عناء نقل مادتين متضادتين في وعاء واحد( بقايا الحمض المنقول في المرة السابقة تعدل جزء من الأساس و نتيجة لذلك تنتشر حرارة غير مرغوبة أو أننا نحتاج إلى غسيل الوعاء كل مرة و في الحالتين هناك مشكلة أضافية) قرر أن يكتفي باستعمال واحدة منهما فقط و بالتالي جاءت خلطته باهته و ضعيفة لكنها مريحة. إن تطور المعرفة البشرية ليس له من طريق سالك غير السلوك عبر وديان و جبال المعاناة الصاعدة حينا و الهابطة حينا آخر ، و على كل حال فالفكر و الإرادة البشريين الصافيين غير الملوثين و غير المشوهين غير قادرين على القبول بجانب واحد حتى لو رغبا في ذلك أن أهم صفات الإنسان هي ليست صفة حب البقاء بل صفة الرغبة في التفوق (التأله) و هو بالتالي يمتلك رغبة في فعل كل شيء منطلقا من فضول في معرفة كل شيء . ليست الحياة و لا الفكر متفوقان على المادة و لا المادة متفوقة على أحدهما أو كليهما بل هي كلها في الحقيقة شيء واحد غير قابل لأن يتجزأ يتبدى منفصلا في الفكر البشري فقط تماما كحالة المسافة و السرعة و التسارع. لم و لن يصل الإنسان إلى معرفة الحقيقة المطلقة و لا إلى القانون الأساسي للعالم و لا إلى الصانع أو المكون الأصل ( إذا وُجد) لأن ذلك غير ممكن و مع ذلك لم و لن يكف الإنسان عن محاولة فعل ذلك لأن ذلك غير مفيد و هذه النقطة بالذات هي ما يُثير دهشتي فسعي الإنسان الذي نعتبره حكيما إلى ما يعلم أنه لن يبلغه سعيا يُشقيه (الإنسان) يترك أمامنا احتمالين أولهما أن الإنسان ليس بحكيم و الثاني أن هناك من يدفع الإنسان و العالم باتجاه ما و مع أن الاحتمال الأول أقرب إلى التفسير المادي للعالم فهو ليس تفسيرا ماديا صرفا و بالتالي ببساطة فان تفسير العالم غير ممكن عمله وغير ممكن التخلي عنه ، هذا التناقض لو أمكن إزالته لتلاشت مع زواله عظمة الحياة و العالم فإنما القدسية مثل الطعام يفقد لذته بعد أكله فورا و هي كالفجر الذي تنتظر روعته و سرعان ما تتلاشى هذه الروعة مع تقدم النهار بل هي كالحلم الذي لا تدركه إلا إذا استيقظت مع أنه ينتهي باستيقاظك .
#محمد_شرينة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الروح
-
التوحيد بين الايمان والالحاد -سر التثليث-
-
المفقود
-
دين التقدم
-
الإعجاز بين الفهم واللافهم
-
الإله كصديق
-
تحول أسلوب السلطة في الإسلام بعد فتح مكة وتأثيره على الإسلام
-
سأغفر لله
-
قيمة الدين بشكله القديم
-
السقوط
-
هل هناك عقلانية زائدة؟
-
الأشراف والتهجين
-
الايمان الأصيل والإلحاد وجهان لحالة واحدة
-
رب شرير أم إسلام قديم؟
-
الرغبة والفكر
-
حلم مزعج وحذاء
-
لماذا يغيب الابداع والاختراع في العالم العربي؟ ( الإلحاد كحا
...
-
أسأل نفسي، متى مت؟
-
القاعدة السمائية الثالثة
-
سماء وصدر
المزيد.....
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
-
فيديو مروع يظهر هجوم كلب شرس على آخر أمام مالكه في الشارع
-
لبنان.. عشرات القتلى بالغارات الإسرائيلية بينهم 20 قتيلا وسط
...
-
عاصفة ثلجية تعطل الحياة في بنسلفانيا.. مدارس مغلقة وحركة الم
...
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة من الشرطة في هجوم قرب السفارة الإسرائ
...
-
اتفقت مع قاتل مأجور.. نائبة الرئيس الفلبيني تهدد علنا باغتيا
...
-
العثور على جثة الحاخام المفقود في الإمارات وتل أبيب تعتبر ال
...
-
سكوت ريتر: بايدن قادر على إشعال حرب نووية قبل تولي ترامب منص
...
-
شقيقة الملك تشارلز تحرج زوجته كاميلا وتمنعها من كسر البروتوك
...
-
خبير عسكري روسي: واشنطن أبلغت فرنسا وبريطانيا مباشرة بإطلاق
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|