|
لو مرة كتبنا ذواتنا
كاتيا سلامة
الحوار المتمدن-العدد: 3760 - 2012 / 6 / 16 - 21:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لو مرة كتبنا ذواتنا ما زلت أقرأ الشعر والروايات بدهشة طفل يحاول للمرة الأولى أن يمسك بخيط المطر. ولا أدري إن كنت أحب فيهما لحظة صدق لم تخضع لرقابة الواقع، فصارت أرقى من الخيال، أم خيالاً لا يخشى ترجمة أشواق الواقع ، فيصير هو الصوت الخافت لضمير الحياة. وأتمنى كثيراً لوكانت الحياة نفسها رواية او قصيدة ليوم واحد، يرتاح على سطورها البشر قليلاً من ألم السقوط في تلك الأودية السحيقة، التي تفصل واقعنا الانساني المهشّم عن حلمنا بانسانية واقعية. او لو تجرّأ كل واحد منا على الأقل مرة، على كتابة ذاته قصيدة أو رواية، لا يحاسَب فيها على حنين أو شوق، على دور، على سذاجة، على اختناق في عنق زجاجة الحقيقة. ربما في لحظة نتجرأ فيها أن نكتب ذواتنا بحرية، نختبر لمرة رهبة السير في مهرجان الحياة عراة الذات، كالشعراء لا يخشون الارتعاش علناً والنزف علناً والبكاء والتمزق والاحتراق والسقوط والارتقاء على مرأى من الجماهير. يتألمون بجرأة، يقتلون بجرأة كل ما يعيق روح الحياة فيهم، ويقيمون الى الحياة قتلاهم بمجرد اعتذار. فنعرف كيف تصيرالكلمات التي تعشق الضوء، محجة العابرين في برية الاحساس، ولماذا تصبح المآسي بطولات، والخرافات أحلام الأجيال، ولماذا في الضوء تتعلم القباحة أن تخضع لرقابة الجمال. ربما نتعلم في لحظةِ حريةِ كاتبٍ لا يكتب الا ليشّرح نفسه تحت مجهر الحياة، ولا ينشر الا لأنه يعشق قضاياه، كيف نجعل من الألم ثقافة، ومن الطفولة حدث العمر، أو لماذا الشهوة هي المذبح السري في كل نفس بشرية، أو كيف صارت عبادة الذات أكثر الأديان شعبية، أو لماذا سقط الحب عن لائحة القضايا الشرعية، أو كيف تصير القسوة جمرة مقدسة اذا سقطت على جرح أمين. ربما في لحظة لا نعود نخشى أن نفتح أقبية ذواتنا على مرأى من العابرين، نتعلم كيف نتعاطى مع الذعر الذي يصيبنا حين نحدق في حقيقة دواخلنا. اذ حينها فقط، قد نكتشف أننا عشنا العمر نرتجف من وقع دعسات ظلالنا، وأننا زحفنا بتقوى نحو معابد فارغة، وسجدنا لسيد ليس الا مومياء وثن، ما أن لامسه الهواء النظيف حتى صار رماداً عفناً. ربما في تلك اللحظة وحدها نقدر أن نرى ذاتنا جبلاً، ما تغمر أعماق انسانيتنا منه، أعظم بكثير من الذي يطفو على السطح بعضَ جزيرة. فنبدأ نهاب ذواتنا. و حينها، قد يبدأ مشوار الحياة، حين نقرأ ذاتنا وأبعادها، كتاباً كتبناه بأيدينا دون تحريف، دون تنقيح، دون حساب لرغبة المستهلكين، فنتعلم ان نرفض ونختار، ان لا نخاف الرجوع والاعتذار، أو السير الى أمامٍ جديدٍ دون التفاتةٍ الى الوراء، وان نتمسك بحقيقة توازي ثقل تجربتنا الانسانية وتعطي لما تبقى من الايام معنى، قبل ان نقف على حافة العمر وقد صار الكل ماض عقيماً. ربما لو صار للفكر صوتٌ لا يخضع لرقابة الحنجرة، فيسمع كل عابر ما يعبر في ذهن الآخر، ونسمع أصوات حقيقتنا، لربما تعلمنا أن نقف رهبةً على الاقل مرة أمام نيران الحقائق العارية، والنوايا في أغلالها ، والأحلام في كبوتها ، وعذاب النفوس في جحيم واقعها. لربما في لحظة نسمع قلوب البشر في آذاننا، يتحول وجه مجرم نزدريه الى مذبح مقدس نسقط أمامه على ركبنا، خجلين من قذاراتنا. أو يصير وجه غانية ندّعي حق إدانتها، جسد طفلة يحاسِب أصحاب الهالات على مأساتها. ربما لو صار لفكر القلب صوت لا تزيفه حنكة الحنجرة، لكنا نتعلم في الحياة كيف نتوج أبطالنا. ففي لحظة حقيقة عارية، قد يصير البطلُ لصاً كاذباً، والمنبوذون قديسين لا تعنيهم المزارات ومواكب الحجاج، والحبُ عصفوراً وحيداً يرتجف في أعاصيرالأجساد الهائجة، والحزنُ خرافةً اوجدها البعض للهرب من رتابة السعادة، والسعادةُ حلماً لو تحقق كما اراده الناس لصار واقعا مملاً، وبعض الابتساماتُ مجرد شقوق في أرض لم تختبر أمطارَ قبلة حقيقية، والدموعُ حِممَ رحمةٍ لصدورٍ مطمورة تحت جليد الأذية. ربما في لحظة تأمل على ضفاف انهار قناعاتنا ، ندرك فجيعةَ وحتميةَ مواجهة أنفسنا دفعةً واحدة، فنحسمَ لمرةٍ و بشجاعة أحزان العمر ، وندفن للمرة الأخيرة خيباتنا، وننتفض على تخاذلنا، ونتعلم كيف نختار قضايانا، ولا نعود كالمرتزقة نتنقل بين خنادق متناقضاتنا. بل نصير اصحاب قضيةٍ، نصير أصحاب حلم، او هدفٍ ، بحجم ألم اللذة في التجربة الانسانية. ونتعلم أن نموت حباً وحقاً وفقط من أجل قضايانا، اذ وحدهم اصحاب القضايا هم اصحاب الحزن المتزن، والفرح المتزن، والحياة التي لا تخشى الضوء والموت الذي يصنع تغييراً. كاتيا سلامة مقدمة برامج بقناة الحياة
#كاتيا_سلامة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
المدافن الجماعية في سوريا ودور -حفار القبور-.. آخر التطورات
...
-
أكبر خطر يهدد سوريا بعد سقوط نظام الأسد ووصول الفصائل للحكم.
...
-
كوريا الجنوبية.. الرئيس يون يرفض حضور التحقيق في قضية -الأحك
...
-
الدفاع المدني بغزة: مقتل شخص وإصابة 5 بقصف إسرائيلي على منطق
...
-
فلسطينيون يقاضون بلينكن والخارجية الأمريكية لدعمهم الجيش الإ
...
-
نصائح طبية لعلاج فطريات الأظافر بطرق منزلية بسيطة
-
عاش قبل عصر الديناصورات.. العثور على حفرية لأقدم كائن ثديي ع
...
-
كيف تميز بين الأسباب المختلفة لالتهاب الحلق؟
-
آبل تطور حواسب وهواتف قابلة للطي
-
العلماء الروس يطورون نظاما لمراقبة النفايات الفضائية الدقيقة
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|