|
اليوم الموسوي
عمار طلال
الحوار المتمدن-العدد: 3760 - 2012 / 6 / 16 - 01:56
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
اليوم الموسوي أسطرة تضعف البطولة الأنسانية
عمار طلال عقب سنوات قارسة البرد.. رامضة الحر، قضاها الامام موسى بن جعفر.. كاظم الغيظ (ع) تحت طوامير السجن، انفذ اليه الخليفة العباسي هرون الرشيد، زينة راقصات بغداد.. جارية حسناء لاطاقة بانسي ولا جان على مقاومة غنج فتنتها. حاولت، بكل ما اوتيت من صبا مدرب على تأجيج الشهوات المستعصية، فعجزت عن الانعطاف بموسى الكاظم من جادة الحق نحو الباطل التواءً الى هرون الرشيد. الجارية سألت ابن بنت رسول الله: كيف تتصبر على الم السجن؟ وكيف قاومت فتنتي.. انت السجين المحروم.. فطريا وغرائزيا؟ ثمة مصادر شيعية تقصد اضفاء بعدا الهيا على شخصيات آل بيت محمد (ص) فتقول انه اراها بؤبوء عينه فشاهدت جواريَ وقياناً في الجنة يرقصن له. وهذا كلام منحول يستلب الكاظم (ع) قوة مقاومته لضيم السجن وشهوة النساء، ايمانا بالله ورسوله ودينه والحق البشري في مقاومة الباطل مسنودا بالله ناصرا ومعينا. وهذا ما يشمل نبي الله يوسف (ع) حين رأى برهان ربه فاعرض عن زليخة، اعراضا افضى به الى السجن وفق القصة التوراتية والقرآنية المعروفة. رأى برهان ربه، لكن لم يساوم ربه، بترك زليخة نظير حسان موعودات في جنة آتية، وهكذا فان موسى الكاظم، قاوم ببرهان ربه، وليس لانه موعود بجنة عرضها السموات والارض وما عند الله خير وابقى. انما هما.. يوسف والكاظم.. عليهما السلام، لم يستحوشا غيابات السجن برغم ما يجب ان تفرضه من وحشة على بشر. فاضفاء الدعم الخارق للكاظم في تحمل السجن ومقاومة الاغراء، يسلخه عن (ناسوتيته) العظيمة ويحيله الى هيئة الهية لا فضل لها في مقاومة السجن والاغراء. عظمة (ناسوت) الكاظم تاتي من كون البشر، بحاجة للضعف الانساني امام الحرية والشهوات والغرائز والحماقات والحكمة والجمال، كي يكونوا بشرا، ويتفوقون اذا هذبوا كل هذه المفاهيم، وقننوها وعقلنوها. لكن عندما تنفلت من عقال المنطق الطبيعي ويتوقف السياق عن مجراه وتنقطع السبل التقليدية لاشباعها؛ تحت اي استثناء، كالسجن او سواه، هنا تتحول الغرائز الى قنبلة، مهيئة للانفجار في اية لحظة، ومن يقاومها انسان فائق الايمان بالله ومخلص لقناعاته بمستوى الهي القدرات استنادا الى برهان ربه وليس بقوة تتلألأ في عينيه.. تعصمه من زلل مبرر في احضان حسناء محترفة بعد واحد وعشرين عاما من السجن والحرمان. التعظيم لشخص الكاظم، في تجربته الايمانية مع العذاب، تاخذ قيمتها من بعدها الانساني وليس بتجريدها من هذا البعد، الى عمق الهي، يظنونه يعظم الكاظم في حين يستلبه العظمة؛ لان مقاومة المغريات باسناد رباني يحيلنا للقول المأثور: -ماسوينا شي. وتجربة المؤمنين العظماء الذين قاوموا بضعفهم الانساني، واستشهدوا منتصرين بموتهم، الذي اصبح قربان تطهر للانسانية، التائبة، في حين شنع الله بشاعة الكافرين سخطا على سخط، مثل يوحنا المعمدان والسيد المسيح.. عيسى بن مريم والامام الحسين بن علي والكاظم والحسن الاصفى وجيفارا، تتجلى عظمتهم بكونهم واجهوا الموت ضعفاء جسدا، اقوياء روحا وايمانا، اذ عبر السيد المسيح والحسين وجيفارا عن ضعفهم البشري، من دون ان يعطوا تنازلات ايمانية بالاقرار للكافرين في ما يأفكون، اذ ان حسنة العظيم ضعفه البشري وقوته المبدئية. خاطب عيسى (ع) ربه: -الهي لم تركتني. وخاطب الحسين اهل الكوفة: -الا من ناصر او معين يحمي حرم رسول الله. بلغ الضعف الانساني جسديا ان يتشفع بجده رسول الله عند الناس، في حين عرض يزيد ما زال قائما: بايع فاعيد اليك حياتك، ولم يستفد من هذا العرض وهو في اقسى حالات الانهيار البدني. والامر ذاته بالنسبة لجيفارا الذي قبضت عليه القوات الامريكية في فيتنام: - انا تشي جيفارا مستعد للتفاوض. حبنا لآل البيت، المتوارث في نشأتنا.. اجيالا، دفع المحققين الثقاة الى خيانة الثقة المعرفية، بأسطرة الواقع، اذ يسلخون القصة من سياقها القيمي، ارتحالا الى منطقة جوفاء تفرغها من محتواها. لا يخفى على الجميع، ان القصة، حدث قائم على البشر والحكاية قائمة على الحيوانات والاسطورة قائمة على الخوارق من آلهة وعمالقة وجن وشياطين وملائكة. في الاسطورة، كل شيء يتحقق بعصا سحرية، من دون جهد بشري، بل البشر فيه نوعان، اما متمتع بحق لم يسعَ اليه، او يعاني عذابا بلا ذنب. والنقلة التي حدثت لبطولة الكاظم بمواجهة الراقصة، افرغت المحتوى الانساني للقصة وملأتها بتهويمات اسطورية لم يعد للكاظم (ع) فضلا فيها، لانه مدعوم بجوارٍ وراقصاتٍ وحدائقَ غناءٍ يعيشهُا، نظيرَ سجنِ وغانيةِ الرشيد. آلُ بيتِ محمدٍ "شجرة مباركة اصلها ثابت وفرعها في السماء" نحن الذين نبالغ؛ فتقتلع مبالغاتنا الاصل من الارض وتحني الفرع.. تحده عن السماء.
#عمار_طلال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هذا امردبر بليل
المزيد.....
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|