صائب خليل
الحوار المتمدن-العدد: 1101 - 2005 / 2 / 6 - 12:23
المحور:
القضية الفلسطينية
ليس من السهل على ابو مازن ان يكون في شجاعة السادات
رد على مقالة اشرف عبد الفتاح
الجزء الاول من جزئين
صائب خليل
دعوات العقل والسلمية
تتكاثر هذا الوقت الدعوات الموجهة الى الفلسطينيين لحل "المشكلة" بالطرق السلمية و"العقل", وبشكل خاص بعد وفاة او مقتل عرفات وانتخاب ابو مازن بدلا منه. فمثلا, يكتب نزار جاف, وهو كاتب وصحفي كردي مقيم في المانيا, في الحوار المتمدن :"ا لقضية الفلسطينية بين خيار الحماسة و منطق العقل" و " سوريا...التهديدات الامريکية تؤتي ثمارها" ويوجه اشرف عبد الفتاح " رسالة مفتوحة لمحمود عباس -أبو مازن-كن في شجاعة السادات" وهي مقالة تحمل في عنوانها ما يغري بقراءتها بتمعن, وستدور مقالتي هذه حولها.
تجنب المباديء والايحاء بلوم الضحية
الاشكال الاول الذي يواجهني في قبول المنطق الذي تكتب به مثل هذه المقالات عادة هو ان الكاتب يتجنب تماما اي حكم مبدئي على اطراف الصراع, ويتجنب تماما الاشارة الى رؤيته للحق والظلم, كان هذه الرؤية لن تفيد في تحليل الموضوع وتحديد مواقفنا من مختلف اطرافه.
الاشكال الثاني هو ان النصائح بالسلمية والعقلانية الموجهة للفلسطينيين تفترض ان الفلسطينيين هم البادئين بالعنف, ربما لانه في دمائهم, وانهم لم يجربوا السلام ولم يعطوه فرصة في يوم من الايام, وان اسرائيل تنتظر منهم تلك المبادرة "العقلانية" لتعيد لهم حقوقهم او معظمها. وكلها افتراضات غريبة عن اي شخص لديه ابسط اطلاع على تأريخ الاحتلال الاسرائيلي.
فشل عرفات لجموده الذهني وعجزه عن قراءة الواقع
في مقالته ("رسالة مفتوحة لمحمود عباس -أبو مازن-كن في شجاعة السادات ") في "الحوار المتمدن" (http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=30318) يقول اشرف عبد الفتاح عبد القادر موجها كلامه للرئيس الفلسطيني محمود عباس ان ياسر عرفات لم يحقق حلمه لانه لم يستطع ان "يقرأ الواقع" : ("لكن لماذا لم يحقق أبو عمار حلمه؟ لم يحققه لا لأن الظروف لم تساعده، لكن لجموده الذهني وعجزه عن قراءة الواقع ومراعاة موازين القوى الدولية والإقليمية باعتبار السياسة هي فن الممكن ولا مجال فيها للخيال والحلم. جموده الذهني هو الذي شله عن الموافقة على مقترحات كلينتون التي أعطت للشعب الفلسطيني 97% من أراضي الضفة الغربية وكامل غزة، والتي أسف على رفضها بعد مرور 22 شهراً، وطلب من الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة جورج بوش عرضها عليه من جديد مرة أخرى،ولكن نسي أن ما فات مات. ")
ليس هذا بالطبع الا طرح يصم صاحبه بالجهل الخطير ان افترضنا حسن النوايا. فلقد كتب الكثيريون عن الموضوع, من عرب وغربيين واسرائيليين بحيث لم يعد لاحد حجة في جهل الحقائق او تجاهلها.
فكل ما قدم في كامب ديفيد كان "ترتيبات" سيئة غير مكتوبة بشكل رسمي. فكتب أكيفا عيلدر المعلق في هآرتس، في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2000 مقالا بخصوص "الترتيبات" المقترحة: ("لا أحد رأى النص الذي يلخصها، لأن هذا النص غير موجود".)
أما جريدة لوموند فنشرت تحقيقا في أواخر ديسمبر/ كانون الأول 2000 ملخصه ان ما عرض في كامب ديفد هو الإبقاء على جزء من الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية وتجزئة الباقي منها إلى ثلاث مناطق معزولة بعضها عن بعض.
الباحث الإسرائيلي ميناحم كلاين توصل إلى النتيجة نفسها معتبرا أن مقترحات كامب ديفد كانت غير مقبولة فلسطينيا، لأنها تعني قيام دولة فلسطينية مقسمة من قبل المستوطنات اليهودية إلى عدة أجزاء وتابعة كلية لإسرائيل التي تتحكم في حدودها.
اما البروفسور الامريكي جومسكي فقد وصف افضل ما عرض على الفلسطينيين لم يكن الا وعودا غير ملزمة, ان نفذت فانها لاتصل الى مستوى البونتستانات العنصرية في جنوب افريقيا قبل 40 عاما, تسيطر فيها اسرائيل على كل مقدرات الدولة المقترحة بما فيها المصادر المائية. وان الاسرائيليين رفضوا اقتراحات فلسطينية تقبل باحتفاظهم – اي الفلسطينيين - بما لايزيد عن 22% من مساحة ارض فلسطين الكلية. كذلك اشار بن عامي المؤرخ والسياسي الاسرائيلي الى ان اتفاقات اوسلو كانت مؤسسة على قواعد الاستعمار الجديد المتلخصة بالاعتماد الازلي على اسرائيل في مصادر الحياة.
لم يكن هناك في كامب ديفد لا رفض فلسطيني ولا حتى عرض إسرائيلي لتقسيم القدس. ولم يكن عرفات هو الذي قطع المفاوضات وإنما باراك وبسبب قرب الانتخابات.
ولم يكن عرفات اذن من الحماقة او التعنت المبدئي لرفض حل مشكلة شعبه ومعاناته الازلية وحل مشكلة الشرق الاوسط, وربما اهم مشاكل العالم, برفض التخلي عن 3% من اراضي الضفة الغربية, ومجرد تصديق ذلك يحتاج قدرا كبيرا من السذاجة!
لن أرض بأقل ما رضي به السادات
وبعد ان يصف اشرف عبد الفتاح العرب الذين لم يرضوا عن السادات ب ("الغوغاء..التي تفكر بنصفها السفلي") يبدوا سعيدا بان الشعب الفلسطيني قد "تعب من هذا الصراع الذي يبدو كليل بلا اخر", ويستنتج من انتخاب عباس ان ذلك الشعب قد تعلم الدرس وعقل. ويذكره بحافظ الاسد الذي ("ندم على خطيئته ويطالب لسوريا ما انجزه السادات لمصر") فقال لكلينتون بعد 22 عاما, ("لن ارض باقل ما رضي به السادات, اي استرداد الجولان حتى اخر شبر").
هذه النغمة الشائعة في الشارع العربي, والحقيقة اكثر منه في الشوارع غير العربية, عن انجاز السادات الذكي الذي لامه عليه العرب, ثم صاروا يتوسلون للحصول على مثله, وهي تساق دليلا على ان السادات كان عبقريا رأى ما لم يستطع الاخرون رؤيته, و ("قرأ الواقع") افضل من غيره.
لكني لا ارى في قصة السادات اية عبقرية او غرابة, بل هي قصة كلاسيكية من قصص الخيانة. فعندما يتفق اخوة مسروقين ان يقفوا معا بوجه المعتدي الاقوى من كل منهم على انفراد, وان يطالبوا معا باستعادة كل ما اخذه من كل منهم, ثم يفاجأهم كبيرهم ليزور الص في بيته ويقول له: اعطني ما سرقت مني لوحدي ولا شأن لي باخوتي, فمن الطبيعي ان يحصل الاخ الكبير من اللص على ما لن يحصل عليه الاخرون فيما بعد.
ليس ما يحتاجه هذا الخارج عنهم زيادة في الذكاء عن الاخرين, بل نقص في الرجولة والحياء. ومن الطبيعي ان يضع مثل هذا التصرف, بقية اخوته في موقف تفاوضي صعب. ان لوم الاخوه الباقين لانهم لم يتصرفوا مثل اخيهم الكبير, يثير التساؤل عن الاطار الاخلاقي الذي يفكر ضمنه اشرف عبد الفتاح ومشاركيه الرأي.
اللص واهله
ربما يتساءل البعض, متعللا ب"البراغماتية", وبعد ان ينفض عنه بعض الاعتراضات المبدئية: " دعنا من تلك الاخلاق. اعطنا قائدا لا اخلاق له, يخون اخوته من اجلنا, وسنكون سعيدين به"
المشكلة في هذا المنطق, ولحسن الحظ, انه متناقض. فمن ساعدته (محدودية) اخلاقه على خيانة اخوته, ستساعده لاحقا على خيانة اهله وسرقتهم. وهذا ما حدث لمصر, حيث تعاون السادات لسرقتها مع لصوص من داخلها, على رأسهم زوجته الانكليزية, واخرين من الخارج.
هاهو الصحفي الجريء "محمد عبد المجيد" يصف تركة السادات لخلفه حسني مبارك بانها : (" حكما عن يمينه انفتاح قاده لصوص وقطاع طرق وعمال ميناء سابقون وصعاليك، وعن يساره معاهدة مشؤومة مع الكيان الصهيوني وعلاقات سيئة مع جميع الجيران، خاصة العالم العربي.")
وكما دمرت اخلاق صدام اثار البشرية في بابل العظيمة, كادت اخلاق النهب للسادات ان تدمر اثار تلك البشرية في الاهرامات العظيمة ايضا. اسمعوا حسنين كروم يقول :
("عندما فوجئ رئيس الوزراء المرحوم ممدوح سالم والوزراء بموافقة الرئيس الراحل انور السادات عليه رحمة الله لشركة سياحية اسمها الباسيفيك باستغلال هضبة الاهرام وهو ما أدى الى ردود افعال شعبية هائلة. بعد ان اتضح ان المشروع سوف يدمر المنطقة الاثرية التى لا مثيل لها فى العالم واضطرت الحكومة لإلغاء الاتفاق ودخلنا فى منازعات قضائية دولية مع الشركة.")
بل وكاد ان يجلب لشعبه نفايات نووية قاتلة لولا ان اخلاق البشر من خارج هذا الشعب كانت اسمى كثيرا من اخلاق قائده واتباعه:
") وكذلك تعيد حادثة جزيرة الجفتون ذكريات عجيبة ثانية. عندما فوجئ المصريون بضجة كبيرة فى النمسا تهاجم حاكمها المستشار كرايسكى. وتتهمه بتعمد إلحاق الاضرار بالشعب المصرى باتفاقه مع الرئيس السادات على دفن النفايات النووية النمساوية فى منطقة الصحراء الغربية. لان اخطارها ستظهر بعد عدة سنوات وستصيب اجيالاً مصرية بالنشوة وتدمير البيئة. وما ان انكشف الاتفاق حتى حدثت حالة من الهياج فى مصر. من هذا الاستهتار المزرى بحياة وصحة المصريين من جانب نظامهم للحفاظ على سلامة النمساويين. والغريب ان الشعب النمساوى اجبر كرايسكى على سحب او تجميد اتفاقه مع السادات، حماية لأولئك المصريين المساكين " )
http://www.al-araby.com/articles/907/040502-11-907-opn06.htm
الطريق الى تحقيق الاحلام
اما كيف يتمكن محمود عباس من تحقيق الاحلام التي لم يتمكن عرفات من تحقيقها, فيرى فؤاد مطر اسلوبان رئيسيان, يتمكن بهما عباس من فرض ارادته: الاول قسري ويمكن الوصول اليه اما باحداث انشقاق في صف حماس, باساليب يستعيرها من الرئيس السابق عرفات, او ان يضرب (" «حماس» على نحو ما فعل الرئيس انور السادات، بعد اقل من ستة اشهر، بأقطاب الحقبة الناصرية الذين رماهم في السجن بتهمة التآمر عليه وعلى قضايا الشعب")
والطريق الثاني حسب رأي مطر:
(" فهو في اعتبار نفسه «كبير العائلة» الفلسطينية بالمفهوم «العباسي»، وليس بالمفهوم «الساداتي»، ليدعو الذين نافسوه وكذلك الذين قاطعوه، الى المشاركة في التجربة التي سيخوض دروبها الملأى بالالغام")
وبما ان اشرف عبد الفتاح من المعجبين بالسادات وشجاعته, فهو يختار بصراحة الطريقة الثانية بلا تردد فيقول:
(" فكن ساداتياً وحرك أنت أيضاً الموقف داخلياً وخارجياً. داخلياً بالقضاء على مراكز القوى المتمثلة في "حماس" و"الجهاد الإسلامي"ومتعصبي فتح وفاسديها، وأوقف الانتفاضة التي هي أسوأ من الخمر في القرآن العزيز، فيها إثم كبير وليس فيها منافع للناس،أوقف هذه الانتفاضة الانتحارية التي لم تنحر في الواقع إلا الشعب الفلسطيني وأمله في الاستقلالوالدولة")
وفعلا, وبحسب ما يكتب الصحفي محمد عبد المجيد في "طائر الشمال" :
(" في سبتمبر عام 1981 دفع محمد أنور السادات إلى زنزانات كل المعتقلات والسجون المصرية بصفوة المجتمع من مفكرين ومثقفين وإعلاميين وكتاب وعسكريين ورجال دين. تبحث في تاريخه المشؤوم كله فلا تعثر على إيجابية واحدة تشفع له، أو حسنة يتيمة تحسب له ولو بعد جيل أو اثنين.")
لا نستطيع ان نتخيل ان شارون كان سيتمنى للفلسطينيين اسوأ من ذلك المصير. لكنه هدف سام بالنسبة الى اشرف عبد الفتاح, ويستحق التضحية حتى بالشرف, وتحمل تهمة الخيانة, كما سنفصل ذلك في الجزء الثاني من هذه المقالة والتي ستكون تحت عنوان : "الخونة الابطال."
#صائب_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟