|
يوسف سلمان يوسف -فهد-...(1 – 3 )
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 3758 - 2012 / 6 / 14 - 19:09
المحور:
مقابلات و حوارات
يوسف سلمان يوسف "فهد"... جدل في إشكالية تعريق النسخة السوفيتية من الماركسية ؟ (1 – 3 ) جدل تاريخ يوسف سلمان يوسف (فهد) الفكري والسياسي لم تتم دراسته ضمن التاريخ الوطني العراقي، بالرغم من أنّه يشكّل الحيّز الحيوي من تاريخ الفكر السياسي العراقي، وأقصد هنا دراسة (يوسف سلمان يوسف) من وجهة نظر نقدية متحررّة من القراءة الحزبية التقريضية، وإخضاع مشروعه إلى التفحص النقدي وتجاوز التصنيفات التي وضعته كما يشير إلى ذلك د. كاظم حبيب وزهدي الداوودي. حب وتقديس يوسف سلمان يوسف بسبب دوره التأسيسي للحزب الشيوعي العراقي والطريقة التي استشهد بها، إضافة إلى الصيغة التي عملت بها الشيوعية العالمية والعربية في تحويل الزعماء السياسيين المؤسسين إلى المخيال الأسطوري، والتصنيف الثاني هي الحقد والكراهية والتشويه الذي تعرضت له شخصية يوسف سلمان يوسف من أشخاص انتقلوا من المؤسسة الشيوعية العراقية إلى صف المناوئين، إضافة إلى كتابات أولئك الذين يختلفون معه فكريا وسياسيا ويعدونه عدوًّا طبقيا لهم . إن موضوع المراجعات والتي نعمل عليها تقوم على أساس الالتزام العقلي والأخلاقي لجهود الأشخاص والمؤسسين والرعيل الأول في نقل الأفكار العالمية ودمج العراق في الحداثة، وفي هذا الجزء نناقش الماركسية العراقية وأعمال يوسف سلمان يوسف التي لم تقدّم أي شكل من أشكال المعرفة السياسية، وإنما قدّم في أغلب أعماله الفكرية معرفة بالسياسة الفاعلة (البراكسيس) وبقيت الماركسية العراقية التي يظهر فيها العراق كمنطقة رمادية غامضة، تابعاً إلى إنتاج المعرفة من المركز السوفيتي، والتي تعدّ الماركسية اللينينية– الستالينية والتي وصلت إلى العراق، وهي تأويل قومي روسي للماركسية الكونية، نسخة غير قابلة للجدل والقراءة والحوار، نسخة مقدسة تحوّلت وظيفتها من أداة للمعرفة إلى وظيفة آيديولوجية تتمثل في إضفاء الشرعية على المصالح الإستراتيجية للإمبراطورية السوفيتية ومدرسة كادحي الشرق وجهاز الكومنترون إلى توابع لهذه الإمبراطورية. نواة العمل هل استطاع يوسف سلمان يوسف (فهد) تعريب، تعريق النسخة السوفيتية من الماركسية؟ هل استطاع يوسف سلمان يوسف تقديم قراءه متحرّرة للماركسية ؟ هل كان لديه صورة واضحة أو فهم مشوّش وغامض عن الأفكار الاشتراكية؟ إن أية قراءة تأملية دقيقة لأعمال يوسف سلمان يوسف السياسية تكشف عن أنها أعمال بسيطة في أطروحاتها الفكرية والاقتصادية والسياسية؟ مع العلم أن الحقل الفكري العالمي والعراقي كان يعجّ بالحركات السياسية والتيارات الفكرية، فضلا عن ذلك أن تلك الأعمال تفتقد إلى التأهيل الفكري والفلسفي، وكذلك أنها غير مفارقة للثقافة العراقية التقليدية في تلك الفترة التاريخية، التي كان يطغى عليها بل يعتبر من سماتها، الأسلوب التعليمي المدرسي وفي بعضها (عنف تطهير) وأتصور أنه يعود إلى النزعة الستالينية؟ في هذا الجزء من المشروع نحاور المفكر العراقي عبد الحسين شعبان . مسارات فكرية عبد الحسين شعبان أكاديمي ومفكر من الجيل الثاني للمجددين العراقيين، يساري النشأة والتوّجه، لم يتقيّد بتعاليم المدرسة الماركسية التقليدية، ومنذ الثمانينات كانت له مساهمات متميزة في إطار التجديد والتغيير والنقد للتيار الاشتراكي واليساري العربي ، تعكس مؤلفاته وكتبه ومساهماته المتنوعة انشغالات خاصة بقضايا الحداثة والديمقراطية والإصلاح والمجتمع المدني، واهتمامات فكرية لتطوير الفهم المتجدد لقضايا حقوق الإنسان ونشر ثقافته وخصوصاً من خلال وسائل الإعلام. ولد في مدينة النجف الأشرف (العراق) في 21 آذار(مارس) 1945. ودرس وتعلّم في مسقط رأسه ثم استكمل دراسته الجامعية في بغداد وتخرج من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة بغداد، وواصل دراسته العليا في براغ، حين نال درجتي الماجستير والدكتوراه (مرشح علوم) في القانون (دكتوراه فلسفة في العلوم القانونية) من أكاديمية العلوم التشيكوسلوفاكية. باحث في القضايا الإستراتيجية العربية والدولية ومختص في القانون الدولي وخبير في ميدان حقوق الإنسان واستشاري في عدد من المنظمات والدوريات الثقافية والإعلامية والحقوقية، وعضو في عدد من المنظمات العربية والدولية ، مؤسس الشبكة العراقية لثقافة حقوق الإنسان والتنمية (كردستان-لندن – بغداد) وأول رئيس لها في مؤتمرها التأسيسي (بغداد- نقابة المحامين 5/11/2004). الأمين العام المساعد للرابطة العربية الديمقراطية (صنعاء). صدر له النزاع العراقي - الإيراني ، 1981. والمحاكمة - المشهد المحذوف من دراما الخليج 1992 . وعاصفة على بلاد الشمس، 1994 . وبانوراما حرب الخليج 1995. والإختفاء القسري في القانون الدولي 1998. والسيادة ومبدأ التدخل الإنساني) 2000. ومن هو العراقي؟ إشكالية الجنسية واللاجنسية في القانونين العراقي والدولي، 2002. والإنسان هو الأصل - مدخل إلى القانون الدولي الإنساني، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، القاهرة 2002 وجامعة الدول العربية والمجتمع المدني – الإصلاح والنبرة الخافتة 2004 وإشكاليات الدستور العراقي المؤقت – الحقوق الفردية والهياكل السياسية، 2004. والعراق: الدستور والدولة، من الإحتلال إلى الإحتلال، القاهرة، 2004، وجذور التيار الديمقراطي في العراق2007. والمعاهدة العراقية – الأمريكية: من الاحتلال العسكري إلى الاحتلال التعاقدي، وفقه التسامح في الفكر العربي- الاسلامي، ط1، بيروت 2005 وط2 إربيل 2012، وأبو كاطع - على ضفاف السخرية الحزينة، دار الكتاب العربي، لندن، 1998. والجواهري: جدل الشعر والحياة، بيروت، ط1 ، 1997 وط2 2008، وط3 (بغداد) 2010 وسعد صالح- الضوء والظل، الوسطية والفرصة الضائعة، الدار العربية للعلوم، بيروت، 2009، وجدل الهويات في العراق: المواطنة والدولة، الدار العربية للعلوم، بيروت2009. وتحطيم المرايا – في الماركسية والاختلاف، 2009، وكوبا : الحلم الغامض، 2011، والشعب يريد... تأملات فكرية في الربيع العربي، 2012 والمجتمع المدني: سيرة وسيرورة، 2012.
الماركسية أداة تحليل س: الماركسية نتاج لحظة تنويرية أوربية و بني اجتماعيه و صناعية وانساق ثقافية وفكرية وحواضن طبقية ؟ أتساءل كيف جرت عملية نقلها إلى المجتمعات اللاغربية وبالذات العراق ؟ • الماركسية أولاً وقبل كل شيء منهج وأداة للتحليل، وتعاليمها ليست سرمدية أو ثابتة أو غير قابلة للتغيير، لاسيما للتجديد والتطوير، بل هي تتطور مع تطور الواقع والعلم واكتشافاته وكان انجلز نفسه قد أشار إلى أن علينا أن نغيّر إستراتيجيتنا بعد كل اكتشاف مهم في العلوم العسكرية، فما بالك بالمجتمع وما يزخر به من تراكم وتغيّر مستمرين. وبهذا المعنى فالماركسية جدلية ولا توجز في شخص أو كتاب أو نظام أو مجتمع أو حضارة أو فكر مُصاغ مضى عليه نحو قرن ونصف، والاّ ستكون قد تحنّطت أو تجمّدت، لاسيما بإهمال التطور التاريخي. إنها خلاف ذلك حيوية ومتخالقة بحكم منهجها وتفاعلها مع محيطها فلا توجد وصفة جاهزة تصلح لكل زمان ولكل مكان. ويُعتبر ماركس بداية الماركسية وليست نهايتها، والماركسية مفتوحة وقابلة للتطور، لاسيما بالنقد وبالمنهج الجدلي الذي جاءت به. وقد كانت ماركسية ماركس نفسه، أي جدليته، قد عممت معارف القرن التاسع عشر وسعت لاستنباط حلول ومعالجات للتنمية والتطور تنسجم معها، ولهذا يمكن اعتبار ماركسية ماركس هي علم الرأسمالية بامتياز، لأنه اكتشف قانون التطور التاريخي، ولاسيما عبر فائض القيمة، في حين أن الكثير من تعاليم ماركس عفا عليها الزمن. نسخة مدرسية س: ألم ترى أن النسخة العربية من الماركسية التي وصلت إلى هذا العالم قد تحوّلت إلى نسخة مقدّسة مدرسية ؟ ماركسية بدون فلسفة الأنوار ؟ لو جاء ماركس الآن لغيّر الكثير منها، بل وعارضها، وقد تستغرب إذا ما حاربه الكثير من غلاة الماركسيين أو المتمركسين الذين تمسكوا بتعاليمه وبعض مقولاته الشائعة وتركوا منهجه وجدليته، فتحوّلت عندهم الماركسية إلى كيانية مسطّحة بلغة شحيحة ونبض متقطّع ودون حرارة أحياناً، لدرجة بدت متحشرجة أو حتى مستنكفة من الجدلية الماركسية ذاتها، التي أخذتها عن طريق التكاتب والانبهار، دون قراءة ينابيعها والتعرّف على جوهرها الحقيقي والسعي لتكييفها لدراسة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتاريخية والقانونية الخاصة بكل مجتمع ووفقاً للمنهج. وبواسطة المنهج يمكن اكتشاف قوانين جديدة للتطور ووضع برامج وستراتيجيات ورسم تاكتيكات واستبدالها وتغييرها باستمرار وصولاً، لتحقيق الخطط والأهداف التي تم وضعها دون الوقوف عندها، لأن هذه متطورة ومتواصلة أيضاً. ولم يكن ماركس كلّي الجبروت والقدرة، فهو إنسان مثل غيره من البشر، وله عمر بيولوجي محدد، ولكنه يختلف عنهم بمحاولته المعرفية وثقافته الموسوعية ورؤيته العبقرية وعقله التنويري الإستشرافي، وإبداعه في اكتشاف قوانين التطور الاجتماعي التاريخية من خلال منهجه الجدلي، حيث وضع علوم عصره في خدمة قضية التقدم، لاسيما في موضوع النضال ضد استغلال الإنسان للإنسان. منهح تحليلي س : الماركسية إذن في الأصل منهج تحليلي فلسفي ؟ الماركسية شاملة بمعنى أنها ليست فلسفة خالصة أو رؤية للتاريخ أو مشروعاً سياسياً واقتصادياً أو حركة اجتماعية ثورية للتحرير والتغيير حسب، بل هي كل ذلك التنوّع في حقوله المختلفة في إطار هارموني شامل، وبذلك اختلفت وتمايزت عن سواها من المدارس الفكرية التي سبقتها وعايشتها من الكانتية مروراً بالديكارتية وصولاً إلى الهيغلية. أعود وأقول الماركسية فكرة كونية غير محصورة بطبقة اجتماعية أو شعب أو مجتمع أو أمة أو لغة أو قارة أو دولة، إنها مثل كل الأفكار الإنسانية عامة وشاملة، ولاسيما من خلال مشتركات إنسانية: فمحاربة الاستغلال ليست لحظة غربية أو أوروبية، والمساواة والعدالة وأنسنة الإنسان ليست اختراعا ماركسياً، وإنما هي قيم للحرية والجمال والحق، ضخّت فيها الماركسية رؤيتها، عبر قراءة لتطور المجتمعات البشرية. وإذا كان العمر البيولوجي لماركس لم يسمح له بدراسة علم النفس والتحليل النفسي والدين والميثولوجيا والانتربولوجيا والسرديات وعلم الجمال والنقد الأدبي، وأن تعاليمه بشأن الدولة وذبولها أي " اضمحلالها" كانت طوباوية، وبخصوص رجعية الشعب التشيكي ورؤيته لشعوب الشرق، لاسيما مصر والهند والجزائر، لم تكن صحيحة، فقد كان على الماركسيين عدم الاكتفاء بتعاليمه التي تصلح لعصره وليس للعصور التي تلته، وضع تعاليمهم في ضوء المنهج، لكنهم للأسف الشديد، تركوا المنهج واكتفوا بمقولات واطروحات، أصبحت مثل البسملة لدى المؤمنين. هكذا تم تحويل الماركسية إلى لاهوت وكان الكثير من الماركسيين ولا زال بعضهم، بمن فيهم الذي " تلبرلو" ( من الليبرالية لاسيما الجديدة) على الطريقة اليانكية الجديدة، قد حوّلوا الماركسية إلى تعاويذ وأدعية يرددونها حتى دون فهم في الكثير من المرّات وفي غير سياقاتها، بعد أن أغلقوا عقولهم واستعاضوا عن نعمة التفكير بنقمة التخدير، بالاستنساخ والتقليد وليس بالإبداع والتجديد، مثلما يفعل بعض أصحابنا المؤمنين الذين يرددون الكثير من الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية الشريفة أو تعاليم السيد المسيح، دون سياق تاريخي، مكتفين بالنقل وتاركين نعمة العقل الربانية، التي وهبها الله لعباده، كما يُقال. أيقونة آيديولوجية س: ألا ترى أن عدم إخضاع الماركسية إلى النقد والتفحص الدائم جعلها أيقونة آيديولوجية؟ إن الذين يتهيّبون من نقد الماركسية ويقصدون بذلك تعاليم ماركس، لم يهضموا حتى تلك التعاليم، ناهيكم عن منهجه، فالماركسية ليست أيقونة أو تحفة أو كتاباً مقدساً، لا يأتيها الباطل من خلفها أو من أمامها، كما أن ماركس لم يكن فيها نهاية مطاف، بل بداية له، وقد مثّل حلقة أساسية من الحلقات الذهبية في الماركسية، التي ينبغي أن تكون حلقاتها مستمرة ومتواصلة ومتغيّرة وبلا نهايات. وسيكون من الإجحاف، بل والغباء اختصار الماركسية بماركس وحصرها عليه، فذلك سيكون معارضاً لمنهج ماركس ذاته ولماركس نفسه. وليس من الصحيح وضع مسطرة ماركس وتجاربه الشخصية، وكأنها حقائق يتم التعامل معها باعتبارها قائمة وصالحة، وأية إضافة أو حذف أو نقد أو معارضة لها، وكأنه كفر أو انحراف أو تشويه أو خيانة، فقد كانت تجربة ماركس واجتهاداته الحياتية صالحة له ولعصره، ولا يقاس بها صحة أو خطأ تجارب غيره، وحتى ماركس يمكن نقده ماركسياً بمعنى استخدام منهجه واخضاعه للفحص في ضوء جدليته، ولذلك قلنا أن قراءته لشعوب الشرق كانت استشراقية وإن دمغه للشعب التشيكي بالرجعية على إطلاق هذه الكلمة كان خطأ، وأن رؤيته لفكرة الدولة فيها طوباوية ومثالية وغير ذلك. لقد أعلت الماركسية من شأن الجماعية، باعتبارها تمثل الموضوعية الخالصة للتطور وفقاً لما سمي "بالحتمية التاريخية"، مبرّرة تقليص الذات البشرية بكبواتها وتوهماتها وصبواتها على حساب المجموع. مثقف جماعي س: يعتبر البعض يوسف سلمان يوسف ( فهد ) مثقف جماعي أي يمثل جماعة سياسية، هل من علاقة بين الثقافة الفردية وثقافة الجماعة السياسية ؟ ولعل هذا ما تقصده أنت في سؤالك بخصوص فهد (يوسف سلمان يوسف) أمين عام الحزب الشيوعي الذي أعدم في 14 شباط (فبراير) 1949 مع رفاقه حسين محمد الشبيبي ومحمد زكي بسيم، بوصفه "مثقفاً جماعياً" يمثل جماعة سياسية. وقد يكون قصدك من "المثقف الجماعي" أن الماركسية السائدة استصغرت من دور الفرد والفردانية لدرجة الذوبان والانصهار، وبتقديري أن ذلك أحد الأخطاء الفادحة في التعاطي مع الفرد، الإنسان، وهو الأمر الذي كان على الماركسية أن توليه اهتماماً كبيراً، فقد كان دور الفرد في التاريخ مؤثراً وكبيراً، مثلما كان دور فهد في تاريخ الحركة الشيوعية في العراق، ولا يمكن الحديث عنها وعن تطورها دون التوقف طويلاً عند فهد ومكانته وكارزميته كقائد كبير، كما لا يمكن الحديث عن الماركسية دون دور ماركس التأسيسي، لكن هذا شيء، وعبادة الأفراد أو تقديسهم شيء آخر، مثلما حصل إزاء ستالين وقادة الأحزاب الشيوعية الحاكمة وغير الحاكمة، وانتقل مثل هذا الأمر إلى أحزاب وسلطات ما أطلقنا عليه حركات التحرر الوطني، دولاً أو منظمات، تلك التي طبقت الموديل الستاليني، بل أن بعضها زاد عليه تخلفاً ورثاثة. ولكن مهما كانت مساهمة الأفراد جليلة في قيادة الناس لصنع تاريخها، فإن علينا أخذ الأفراد بمزاياهم الشخصية وقدراتهم الفكرية المحدودة، مثلما علينا أخذهم بأخطائهم ونواقصهم وبعض مواقفهم السلبية، ونقدهم من خلالها، والأمر قابل للمراجعة وإعادة النظر في الكثير من القضايا والمواقف، ابتداءً من الكاتب وانتهاء بالقادة والزعماء بمن فيهم ما أسميناهم "الزعماء التاريخيون". وأظن إن أحسن من وصف هذه الحالة بجمع المجد مع الأخطاء هو الشاعر الجواهري الكبير حين كتب عن الزعيم جمال عبد الناصر قائلاً : أكبَرتُ يومك أن يكون رثاء الخالدون عهدتهم أحياء
لا يعصم المجد الرجال، وإنما كان العظيم المجد والأخطاء
تحصى عليه العاثرات، وحسبه ما كان من وثباته الإحصاء
الإستنبات في مجتمع بلا طبقات س: من المفارقات أن الماركسية في العراق حاولت الاستنبات في مجتمع بلا طبقات اجتماعية أو صراع طبقات و أنما مجتمع اللا مجتمع ( ملل ، طوائف ، أثنيات ، قوميات ) هل هنا يكمن الضعف البنيوي للماركسية بنسختها العراقية ؟
لقد ظلّ الماركسيون ولاسيما في منطقتنا العربية يعانون من فقر فكري وشحّ نظري، وخصوصاً بعد تطبيقات الدولة البيروقراطية الأوامرية الاستبدادية وساد الكسل والترهّل في أوساطهم، فضلاً عن ضعف المبادرة لدرجة الجمود أحياناً وانتظار تعليمات المركز الأممي، وفي خضم تلك الصورة السائدة ضاع ماركسيون مجتهدون وناقدون ومجددون حقيقيون، في حين استقوت الماركسية الطقوسية والمدرسية والمسلكية والأوامرية والذرائعية، بالجهاز الحزبي البيروقراطي والجهازالأمني في ظل الأحزاب الحاكمة، وفي ظروف العمل السري في الأحزاب غير الحاكمة، التي شهد بعضها إن لم يكن غالبيتها الساحقة تصفيات داخلية وعزل وتهميش واتهامات ما أنزل الله لها من سلطان. وقد توقّفتُ عند هذه الظاهرة عربياً فذكرت أمثلة نافذة، مثلما قارنتها بالحركة الشيوعية كونياً، وذلك في كتابي " تحطيم المرايا- في الماركسية والاختلاف". الماركسية من حيث الجوهر فكرة حداثية تعنى بدراسة الظواهر وتحليل الأوضاع ونقدها، وتلك وظيفة المثقف الماركسي بالأساس، الذي عليه استخدام المنهج الجدلي ودراسة المجتمعات البشرية بتنوّعها، مع أخذ ظروف كل مجتمع وتشكيلاته الاجتماعية وطبقاته وقومياته وأديانه وفئاته وسلالاته ولغاته وعشائره وغير ذلك، من فسيفساء متنوّعة وتعددية ثقافية. لم يتم استنبات الماركسية في غير بيئتها، فالتربة العراقية كانت ولا زالت صالحة لوجود تيار ماركسي نقدي وضعي، كان نواته حسين الرحّال ومحمود أحمد السيد وعبد الفتاح ابراهيم ونوري روفائيل وفهد وزكي خيري وعبد القادر اسماعيل وقاسم حسن وغيرهم. وإذا لم يكن في المجتمع العراقي وجود للطبقات، لكن الاستغلال كان قائماً وتتحد والحالة هذه المهمات الوطنية، بالمهمات الاجتماعية، فطرد المستعمر البريطاني والمطالبة بإلغاء الاتفاقيات الاسترقاقية، المذلّة والمجحفة، والدعوة لمساواة المرأة بالرجل والمطالبة برفع المستوى المعيشي، لاسيما للفقراء، من فلاحين وشغيلة وتحسين ظروف العمل والتخلص من ظلم الاقطاع وإطلاق الحريات ونشر التعليم والمطالبة بالصرف الصحي وبناء مستوصفات ومستشفيات والقضاء على البطالة والأمية، كلها عبارة عن تداخل الوطني بالاجتماعي. ولعل وجود هذه المطالب على رأس قائمة الحركة الشيوعية المطلبية هو جزء من النضال المتشعّب في مرحلة التحرر الوطني، لكن ذلك لا يعني إهمال وجود مِلَل ونِحل وأديان وطوائف وإثنيات وقوميات وعشائر وقبائل، الأمر الذي لم يخلق ضعفاً أو فقراً بقدر ما كان عنصر قوة وإثراء، ولذلك سترى هذه الفئات المختلفة، لاسيما المحرومة منها مكانها الطبيعي في الحركة الشيوعية المدافعة عنها وعن عموم الشعب إذا ما انتهجت سياسة صحيحة، سواءً بالمطالب الوطنية أو المطالب الاجتماعية، وسيكون الدفاع عن الحقوق والمساواة والحريات والعدالة الاجتماعية هو دفاع عن الفئات المحرومة أو المضطهدة أو التي يجري التمييز بحقها جميعها، سواءً كانت على أساس ديني أو مذهبي أو طائفي أو قومي أو جنسي أو لغوي أو اجتماعي أو ثقافي أو لأي سبب آخر. استقالة الفكر التنويري س: ما هي العوامل البنيوية التي جعلت اليسار العراقي بصورة خاصة والعربي بصورة عامة يستقيل عن دوره التنويري ؟ كان الحضور اليساري والماركسي واضحاً ومبرّزاً في الأربعينيات والخمسينيات وإلى حدود معيّنة في الستينيات، لكن اليسار العراقي والعربي "استقال" عن دوره التنويري والتعبوي، لاسيما في تمثيل الفئات المحرومة والتعبير عن تطلعاتها، فاحتلّه الآخرون، سواءً كان من القوميين أو الإسلاميين في وقت لاحق. تصوّر أن مدينة الثورة التي بناها الزعيم عبد الكريم قاسم كانت معقلاً للشيوعيين وقاومت انقلاب 8 شباط (فبراير) الدموي العام 1963 الذي حمل حزب البعث إلى السلطة، إلاّ أنها تحوّلت تدريجياً وفي غفلة من الزمن إلى نقيض ذلك، لاسيما بعد أن اشتغل عليها الانقلابيون الجدد الذين جاءوا إلى السلطة مرّة ثانية في 17 تموز (يوليو) 1968، وكانت تنظّم فيها ندوات تحت عنوان " أنت تسأل والحزب يجيب" وتم تقديم مغريات لاستقطاب الكثير من قطاعاتها، لاسيما مع تحسن الوضع الاقتصادي وفرص العمل، وخصوصاً في السبعينيات مع محاولات للتأثير الفكري والآيديولوجي المصحوب بالقمع البوليسي والارهاب المنظّم، فأصبحت مدينة الثورة تسمّى مدينة صدام، حيث احتفلت بيوم زيارته لها ورفعت سيارته فوق الرؤوس وكانت تحتفل بذلك سنوياً. لكن الخريطة السياسية تبدّلت في فترة الحرب العراقية- الإيرانية تدريجياً حيث بدأت التوابيت تتقاطر على المدينة بدلاً من بعض الامتيازات والإغراءات، وتدريجياً ظهر تيار رافض، حتى اكتسبت المدينة شكلاً وملمحاً جديداً أساسه صعود الحركة الدينية الإسلامية الشيعية، وكان من الطبيعي أن يتم استبدال اسمها إلى مدينة الصدر بعد الاحتلال والإطاحة بنظام صدام حسين، لاسيما وأن النظام الدكتاتوري الشمولي كان قد استبدلها من "مدينة الثورة" إلى "مدينة صدام". والموقف ذاته ينسحب على العمل في الأوساط الدينية، التي كانت في سنوات الأربعينيات والخمسينيات قاعدة ينتقي منها الحزب الشيوعي عدداً من النشطاء ويزّجهم في النضال الوطني والاجتماعي، لكن الأمر تغيّر بسبب ظروف موضوعية مثل الإرهاب والقمع الذي تعرّض له الشيوعيون وظروف ذاتية مثل النكوص عن دورنا وأمور تتعلق برؤيتنا، وإذا بها تتحول إلى نواة وبؤرة للتيارات الاسلامية، وخصوصاً لحزب الدعوة، وللأحزاب الإسلامية لاحقاً،. تنصيصات هل استطاع يوسف سلمان يوسف ( فهد ) تعريب ، تعريق النسخة السوفيتية من الماركسية ؟ و تقديم قراءه متحررة للماركسية ؟ لقد ظلّ الماركسيون ولاسيما في منطقتنا العربية يعانون من فقر فكري وشحّ نظري، وخصوصاً بعد تطبيقات الدولة البيروقراطية الأوامرية الاستبدادية وساد الكسل والترهّل في أوساطهم، فضلاً عن ضعف المبادرة لدرجة الجمود أحياناً وانتظار تعليمات المركز الأممي، الماركسية أولاً وقبل كل شيء منهج وأداة للتحليل، وتعاليمها ليست سرمدية أو ثابتة أو غير قابلة للتغيير، لاسيما للتجديد والتطوير، بل هي تتطور مع تطور الواقع والعلم واكتشافاته
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زمن الفتاوى ومغزاها
-
خمسة آراء بصدد المسألة الكردية في العراق
-
السياسة في معناها
-
حلّق في فضاءات شاسعة وسبح في بحور واسعة-*الجزء الثاني
-
الحق في الجمال
-
الأسرى الفلسطينيون والوعي النقدي المطلوب!
-
المساءلة والحقيقة في بعض تجارب العدالة الانتقالية
-
المفكر السيد الصدر حلّق في فضاءات شاسعة وسبح في بحور واسعة*(
...
-
اشتراكي جديد في قصر الإليزيه
-
الهوّية وأدب المنفى !
-
الدولة البسيطة والدولة المركّبة
-
الربيع العربي والأقليّات
-
ليبيا: الفيدرالية المدنّسة والمركزية المقدّسة
-
مواقف خاطئة للحزب الشيوعي
-
القضاء الدولي والقضاء الوطني: علاقة تكامل أم تعارض؟
-
نقد قيادة الحزب الشيوعي
-
50 مادة في الدستور العراقي تحتاج الى إصدار قانوني
-
مواطنة -إسرائيل-
-
عن ثقافة التغيير
-
رسالة الى الحزب الشيوعي السوداني
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|