|
من يستحي من ما حل بتمثال معروف الرصافي
فرات المحسن
الحوار المتمدن-العدد: 3758 - 2012 / 6 / 14 - 12:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عملية سرقة تمثال عبد المحسن السعدون كانت فكرة جهنمية لعصابة تحترف بيع مادة البرونز وقد تمت السرقة تحت أنظار قوات الجيش والشرطة الوطنية والقوات الأمريكية واقتلع التمثال من قاعدته برافعة ضخمة وقفت وسط الشارع لتحمله وتضعه فوق ظهر عربة حمل كبيرة بأرقام واضحة مع صرخات تهديد وإطلاق عيارات نارية. وفي ظلمة ليل وضعت عبوة ناسفة سقط أثرها رأس تمثال أبو جعفر المنصور وكانت الدوافع طائفية مثلما أعلنت عنها الجهة المنفذة باعتبار أبو جعفر المنصور أحد ألد أعداء آل البيت أثناء فترة حكمه مثلما تتحدث الروايات ، وبذات الأسلوب وجهت ضربة قوية لخصم أخر هو تمثال الشاعر أبو الطيب المتنبي ليسقط من فوق قاعدته وتختفي قطعة كبيرة من رأسه وجسده وفي هذه الحادثة ضاع دم الشاعر ولكن البعض يوجه الأتهام وتدبير هذه الفعلة إلى مرتزقة كافور الإخشيدي الزنجي حاكم مصر في غابر الأزمان الذي هجاه المتنبي بقصيدته المشهورة لا تشتري العبد إلا والعصا معه...،زما أكثر هؤلاء المرتزقة اليوم، وفي محافظة جنوبية وضعت عباءة سوداء لتحجب جسد تمثال لعاملة ترفع يدها عاليا عارضة بسالة وقوة المرأة حين تتحرر من قيود عبوديتها وهذه المرة جاء الحجب بسبب عري التمثال الذي يغري الرجال المؤمنين ويضع الرجس فس قلوبهم الطاهرة الزكية، هناك أيضا دعوات مستميتة من البعض تطالب بإزالة نصب الحرية وغيره من التماثيل كونها تبشر بالجاهلية الأولى. تقابل هذه الأفعال والدعوات باستنكار وتحد من قبل بعض الناس وخاصة النخب المثقفة وهناك أيضا صحف تحذر وتفضح عمليات الإهمال والتخريب التي تطال تلك النصب واللوحات التي كانت ومازالت تشكل معالم حضارية وتراثية للكثير من المدن العراقية، وبوجود تلك الأصوات المعترضة وعدم اكتمال المشهد النهائي للدولة الإسلامية العراقية نجد الكثير من رجال السلطة وبالذات قادة الأحزاب الإسلامية يفضلون اليوم العمل بصمت والبعض منهم يتردد في فعله الساعي لطمس المعالم الثقافية ورفعها عن وجه المدن، ويؤجل نواياه لحين السيطرة الكاملة على الشارع العراقي عندها لا يترددون في قيادة الرافعات بأنفسهم وحسم الأمر باكتساح تلك التماثيل وإزالتها، فالتماثيل في أعراف الأحزاب الإسلامية تعد من النصب وهي بدع مخالفة للدين ومن الموجب على المسلم محاربة وجودها في دولة إسلامية محافظة مثل العراق، وعلى ذات المنوال تعامل اللوحات والرسوم والمسرح والغناء ومختلف الفنون التي من الموجب منعها دون تردد كونها بدع محرمة تفسد النفس البشرية وتبعدها عن فروض الدين وتدفع المجتمع لحالات من التفسخ الأخلاقي. في صورة تجرح المشاعر وتنقل حقيقة ما أصاب العاصمة بغداد لا بل العراق من خراب على يد هؤلاء الكواسر وما حل بالكثير من الشواهد الجمالية التي كنا نفخر بها بنايات كانت أم شوارع وتماثيل ونصب كانت العين تستلذ برؤيتها وتنشرح النفس وتفخر بوجودها، فقد أرسلت لي صورة لتمثال الشاعر العراقي معروف عبد الغني الرصافي وقد وقف مرفوع الرأس تعلوه طبقة من غبار وسط نفايات أحاطت به من كل جانب لتصل إلى ما يقارب هامته الشامخة وغطت مساحة قاعدته وامتدت نحو تفرعات شارع الرشيد وأزقته. من الجائز أن يكون أصحاب المحال والبسطات العشوائية مع الانفلات الأمني وأصحاب سيارات الأجرة الذين جعلوا المنطقة مرأبا ومنطلقا لهم، سببا فيما حل بالتمثال. ولكن إلا يحق للمرء التساؤل عن مهام أمانة العاصمة وعن موقف وزارة الثقافة أو وزارة السياحة وصولا إلى رئاسة الوزراء والجمهورية والبرلمان وأعضائه ومنظمات المجتمع المدني وقوائم وتنظيمات الأحزاب غير الدينية عن السبب في ما آل أليه وضع تمثال معروف الرصافي وكيف أصبح بهذا الشكل المزر منظرا يفقأ العين ويدمي القلب، ونتسائل هل هناك في العراق منظمة أو هيئة أو مؤسسة لها علاقة بالحضارة والمدنية، وإن أحدا من منتسبيها شاهد حال تمثال الرصافي وباقي الشواهد والنصب وسارع للتنبيه والدعوة لعمل يحفظ هيبة وجمالية العاصمة ومنها تمثال الرصافي.أين وسائل الإعلام واتحاد الأدباء وروابط الفنانين والشعراء والتشكيليين من كل هذا. وأنا أكتب موضوعتي هذه تذكرت أمر فزعت منه حين استعرضته في خاطري، فوضع تمثال الرصافي وسط كومة من نفايات يحمل الكثير من القصدية وهناك إصرار وترصد لأجل العمل على رفع التمثال وقلعه من مكانه ومن ثم صهره ليختفي أي معلم يشير لأحد فطاحل الشعر العربي ورمزا من رموز الثقافة العراقية، والسبب في ذلك يعود لكتاب ينسب للشاعر يتحدث فيه عن السيرة النبوية للنبي محمد ( الشخصية المحمدية أو حل اللغز المقدس) وهذا الكتاب يستنسخ ويطبع في إيران والعراق ويباع بكميات كبيرة، والكتاب يتحدث بتفاصيل جارحة تمس النبي محمد وسيرته الشخصية وتقذفه بالسوء وتدين الكثير من أعماله، ومن يقرأ الكتاب يجد إن كاتبه رجل دين من الطائفة السنية غير انتمائه وارتد عن سابق دينه ومقت النبي محمد، والكاتب لا يخفي طائفيته المقيتة. من الجائز أن هذا الكتاب كان سببا لنقمة رجال الدين من الطائفتين ولذا تراهم اليوم يشاركون على إهمال تمثال معروف الرصافي والتغاضي عما يحدث له وجعله مكب للنفايات ومن ثم العمل مستقبلا على اقتلاعه، ولا يوجد أي اعتراض من جميع منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام وهيئات ومؤسسات ووزارات الدولة إما بسبب انتماء الكثير من منتسبيها إلى الأحزاب الدينية صدقا أم نفاقا أو الخوف المستشري في الشارع العراقي من الأحزاب الإسلامية التي لا يتورع البعض منها على ارتكاب الجريمة إن وجدت من يخالفها الرأي حتى وإن كان في موضوعة مثل موضوعة تمثال معروف عبد الغني الرصافي. ولأن الاعتقاد ينصب على كون الشاعر معروف الرصافي هو من أصول كردية وإنقاذا لحال هذا المعلم الجميل الذي شارك في وجوده شاعرية وتأريخ الشاعر نفسه وأزميل نحات رائع هو المرحوم إسماعيل فتاح الترك الذي أظهر شموخ واعتداد الشاعر بشخصيته، فأني أقترح على حكومة إقليم كردستان رفع تمثال معروف الرصافي ووضعه في أحدى ساحات مدينتي اربيل أو السليمانية لأبعاده عن الأيادي الآثمة المخربة التي تسعى لإفراغ العراق من أي معلم حضاري أو مديني.
#فرات_المحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما آل أليه حزب الدعوة
-
مكرمة السيد القائد
-
المالكي وطارق الهاشمي وبينهما مشعان الجبوري
-
الإيمو.. حقد الدشداشة على أناقة الأزياء الأخرى
-
لعيد الحب أحزانه أيضا
-
الجريمة طريق لتقاسم العراق
-
ديج أبن أوادم
-
مؤتمر لتقاسم العراق أم إعادة هيكلة المحاصصة
-
رئيس الوزراء العراقي مراد علم دار مهدد بالاعتقال
-
الديمقراطية في العراق ضلالة وهذر
-
ما يضمره السلفيون لدعاة الحريات المدنية
-
سياسيون ساعون لتمزيق العراق 2
-
سياسيون ساعون لتمزيق العراق
-
صمت الطليان
-
الغالبي رحيم وداعا
-
ويكيلكيس عراقي
-
لغز اختفاء موسى الصدر يكشفه عبد الحسين شعبان
-
فتوى سياسية لغلق مقر الحزب الشيوعي
-
المالكي في ملكوت الكرسي
-
عطايا قليلة تدفع بلايا كثيرة
المزيد.....
-
إطلالة مدهشة لـ -ملكة الهالوين- وتفاعل مع رسالة حنان ترك لجي
...
-
10 أسباب قد ترجح كفة ترامب أو هاريس للفوز بالرئاسة
-
برشلونة تعاني من أمطار تعيق حركة المواطنين.. وفالنسيا لم تصح
...
-
DW تتحقق - إيلون ماسك يستغل منصة إكس لنشر أخبار كاذبة حول ال
...
-
روسيا تحتفل بعيد الوحدة الوطنية
-
مصر تدين تطورا إسرائيليا -خطيرا- يستهدف تصفية القضية الفلسطي
...
-
-ABC News-: مسؤولو الانتخابات الأمريكية يتعرضون للتهديدات
-
ما مصير نتنياهو بعد تسريب -وثائق غزة-؟
-
إعلام عبري: الغارة على دمشق استهدفت قياديا بارزا في -حزب الل
...
-
الأردن.. لا تفاؤل بالرئاسيات
المزيد.....
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
المزيد.....
|