|
ويبقى الأمل.. وتبقى الثورة
إكرام يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 3755 - 2012 / 6 / 11 - 21:28
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
أغلب من أعرفهم من أبناء جيلي لا يشعرون بارتياح مع حلول شهر يونيو من كل عام! فبالإضافة إلى ارتباط الشهر بتجربة انكسار الروح وفجيعة بواكير طفولتنا مع نكسة 67، ارتبط ايضا ـ في أذهان المنشغلين بالهم العام من جيلنا ـ بذكرى رحيل عدد من رفاق النضال والحلم، لم يشأ القدر لهم أن يشاركوننا فرحة انطلاق ثورة حلمنا بها سويا، وانتصارات جولتها الأولى. ففي يونيو ـ وحده ـ تحل ذكرى وفاة المناضلين عبد الحميد العليمي، وشهاب سعد، و أروى صالح، و أحمد عبد الله، ورضوان الكاشف. وفيه حُرمنا أيضا أساتذة، تعلم جيلنا النضال على أيديهم، وتسلم منهم أمانة الحلم الثوري ليرعاها ويسلمها إلى جيل شهدنا على يديه بداية تحقق الحلم. فرحل في يونيو مغني الشعب المناضل العظيم الشيخ إمام عيسى، والقديس الشيوعي النبيل نبيل الهلالي المحامي وبعده بأيام رفيق درب كفاحه المناضل يوسف درويش. آآآآه يا شهر الأحزان! ويشهد الشهر قبل عامين، جريمة قتل وحشية أودت بحياة الشاب السكندري خالد سعيد وهزت ضمائر الناس في العالم كله، لتنتفض شعلة الغضب في قلوب المصريين وتنقطع حبال الصبر التي طالت أكثر من اللازم. ويكون يونيو بداية احتجاجات منظمة في مختلف المحافظات، تضافرت ونضجت حتى كان الخامس والعشرين من يناير 2011! لكن إرهاصات تغييرمنشود، تبشر بأن طريق الثورة بلا رجوع، حتى وإن لم يلحظ المتعجلون مكاسب؛ تتمثل في خبرات نضالية تراكمت خلال فترة العام ونصف العام ـ رغم قصرها في عمر الشعوب ـ لتحدث تغييرا حقيقيًا في وعي كل من النخبة والجماهير معا. ويحل الشهر هذا العام، وقد بدأ الكثيرون يتخلصون من وهم إمكانية إجراء تغيير حقيقي في ظل أركان نظام قامت الثورة لإسقاطه. ويدرك المصريون ـ على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والتعليمية والثقافية ـ تدريجيا أن من حقهم المشاركة في تحديد مستقبل وطن لم يشعروا قبلا انه ملك لهم. فقبل عام ونصف العام، كان شعار الكثيرين ممن يتحدثون الآن بحماس في شئون الحياة العامة "ياعم ورانا عيال، يعني كلمتي اللي حتفرق؟". واليوم ـ للمرة الأولى منذ وحد مينا القطرين ـ يجرد المصريون منصب الحاكم من قداسة دامت آلاف السنين. وصار أبسط مواطن يدرك أن رئيس الجمهورية موظف كلفه الشعب بإدارة أمور البلاد، مقابل أجر يتقاضاه، ومن حق من يدفع الأجر أن يقيل من يعمل لديه إذا لم يثبت جدارته بالمهمة المكلف بها! كما بدأ البسطاء يتخلون عن التسليم بكل ما يقوله المتحدثون باسم الدين. فمع ممارسة هؤلاء العمل العلني وتحالفهم مع الحكام، فقدوا قداسة وتعاطفا كانا مضمونين لدى البسطاءعلى أساس أنهم "ناس بتوع ربنا والحكومة بتضيق عليهم"! كما كان لظهور أحزاب سياسية متعددة، يدعي كل منها مرجعية دينية، أثره في دحض ادعاء كل منهم أنه وحده المتحدث باسم الدين، و من ينتقده، محارب لله، ومشكوك في دينه. بل أن تصنع التقوى والورع لم يعد ينطلي على عقول الناس، بعدما كشفت السلوكيات والممارسات في النور أن الجميع بشر، وأن حجة " لحوم العلماء مسمومة" التي كانوا يرفعونها ارهابا لكل من يراجعهم في رأي، لم تعد تقنع الكثيرين بعدما تزايدت أعداد من نصبوا من أنفسهم علماء، وظهر على الملأ صراعهم على أموال الفضائيات، وأكدت الأيام ان بعضهم لا يطبق على نفسه ما يعظ به الناس في خطب الجمعة أو دروس الوعظ من قيم أخلاقية! ومع تساقط الأقنعة تباعا، يزداد وعي الناس نضجا، وتقوى قدراتهم على الاختيار. فقد أظهرت المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية، ارتفاع نسبة التصويت العقابي لتيارات كانت تدعي سيطرتها على عقول الأغلبية، حتى صدقت نفسها وتعامل أعضاؤها بغطرسة مع الجميع باعتبار أن غيرهم "هو أدنى" وأنهم "من هو خير"! فجاءت نتيجة الانتخابات لطمة صادمة أعادتهم إلى حجمهم الحقيقي. وبرز ملمح آخر من ملامح ارتفاع وعي الناس سياسيا بعد الثورة، تمثل في زيادة عدد من قرروا مقاطعة الجولة الثانية من الانتخابات أو إبطال أصواتهم. وفيما سبق، كان المصريون يحجمون عن المشاركة إقتناعا بأن نتيجة الانتخابات أو الاستفتاءات تقررها أجهزة الحكم من قبل إجرائها. أما بعد الثورة، فقد ارتفعت أعداد من قرروا الامتناع عن انتخابات الإعادة ـ من بين من صوتوا في المرحلة الأولى ـ ايمانا منهم بأن أحدا من المرشحين الباقيين في الإعادة لايمثلهم. فالأول ينتمي لجماعة خسرت ثقة ملايين ممن حصدت أصواتهم في الانتخابات البرلمانية، حتى دفع الغرور بأحد منتسبيها إلى إعلان أن جماعته "لو رشحت كلبا ميتا لنجح في الانتخابات"!. والثاني ينتمي لنفس النظام الذي ثارت الجماهير مطالبة بإسقاطه! وقد تعلم الكثيرون الدرس، وأدركوا ألا أمل في التغيير قبل استكمال الثورة، فتبنوا شعار "الثورة مستمرة" عن اقتناع وتجربة! وانخرط مؤيدو كل من المرشحين في محاولات محمومة للتأثير على المقاطعين، بلغت حد قول أنصار المرشح للمقاطعين "اعصر على نفسك ليمون وانتخب مرشحنا حتى لاينجح المرشح الآخر"! وهو تبرير مغرق في انتهازيته، يتجاهل المنطق الحقيقي للانتخاب. فالمرء يختار من يقتنع بأنه يمثله، ولا يختار رئيسا غير مقتنع به، لمجرد أنه أخف وطأة!. ولا تنصب جهود أنصار المرشحين على اظهار محاسن مرشحهم ـ كما هو المفترض ـ وإنما يسعون باستماتة لإبراز مساوئ الآخر. ويستخدم كل منهم كافة وسائل الإرهاب الفكري، لترهيب المقاطع من أن موقفه سيصب في صالح المرشح الآخر الذي هو أسوأ من مرشحه؛ وهو اعتراف من كل منهم أن مرشحه سيئ، حتى وإن كان منافسه أسوأ! وتكشف هذه المحاولات إلى أي حد صارتجماهير الناخبين تحظى بالاحترام، ويتسابق الجميع على تملقها. خاصة وهي تكتسب تدريجيا وعيا ـ يتأكد كل يوم ـ بأنها ليست مضطرة للاختيار بين سيئين، فما زالت أمامها فرصة اختيار أصوب؛ هو استكمال ثورتها حتى تفرض المرشح المعبر عن إرادة التغيير بالفعل. ولم يعد من السهل خداع قطاع كبير من المصريين بثنائية مزعومة، تذكرنا بدعاوى من كانوا يتمنون أن تحتل ألمانيا مصر لتخلصها من الاحتلال البريطاني. وكان شعار"إلى الأمام يا رومل" معبرا عن روح عبدة، لا تحتمل تكلفة حلم الحرية وإنما تأمل فقط أن تستبدل سيدا قاسيا بسيد أقل قسوة. وهكذا، يعني تزايد عدد الرافضين ـ عمدا ـ للابتزاز القائم على هذه الثنائية، الصامدين أمام الإرهاب الفكري، أننا نسير في الاتجاه الصحيح، حتى وأن بدا التغيير بطيئا وغير ملموس. وهو ما يبشر بأن ثورتنا مازالت بخير، وأن من حقنا أن نصالح الزمن، ونأمل أن يحل علينا يونيو القادم ونحن قادرون على أن ندعو أرواح رفاقنا إلى أن تهدأ في أحضان أرواح الشهداء، فقد اقترب أوان قطف ثمار غرسهم.
#إكرام_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا المخلوع وكبير بصاصيه وحدهما؟
-
بركاتك يا ثورة.. مدد
-
نحلم؟ آه.. نتوهم؟ لا
-
لليسار .. در!
-
يخرب بيوتهم!
-
الوضوح مطلوب.. أو صناعة الديكتاتور
-
أي وحدة؟ وأي صف؟
-
-المعاريض-.. وأحضان -الحبايب-
-
-كلاكيت-.. للمرة المليون!
-
بعد إيه؟
-
تباريح غربة قصيرة
-
ريتشيل والخالدون
-
على رأي المثل!
-
الفتى -خالد-.. حارس الأمل
-
قلة أدب
-
سلطان العلماء وفقهاء السلاطين
-
حبال الكذب
-
فرق تسد
-
لا تزايدوا عليهم
-
الرهان الرابح
المزيد.....
-
بالصور..هكذا يبدو حفل زفاف سعودي من منظور -عين الطائر-
-
فيديو يرصد السرعة الفائقة لحظة ضرب صاروخ MIRV الروسي بأوكران
...
-
مسؤول يكشف المقابل الروسي المقدّم لكوريا الشمالية لإرسال جنو
...
-
دعوى قضائية ضد الروائي كمال داود.. ماذا جاء فيها؟
-
البنتاغون: مركبة صينية متعددة الاستخدام تثير القلق
-
ماذا قدمت روسيا لكوريا الشمالية مقابل انخراطها في القتال ضد
...
-
بوتين يحيّد القيادة البريطانية بصاروخه الجديد
-
مصر.. إصابة العشرات بحادث سير
-
مراسل RT: غارات عنيفة تستهدف مدينة صور في جنوب لبنان (فيديو)
...
-
الإمارات.. اكتشاف نص سري مخفي تحت طبقة زخرفية ذهيبة في -المص
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|