جابر حسين
الحوار المتمدن-العدد: 3755 - 2012 / 6 / 11 - 01:37
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
----------------------------------------
علي مدار عمره النضالي ومسيرته في حياة بلادنا السياسية ، ظلت مؤسسة الحزب الشيوعي السوداني تلتزم الديمقراطية نهجا مجمعا عليه في كل مراحل نضاله وبشأن القضايا الكبيرة ، المعقدة والمتناقضة أحيانا ، التي يجري التداول حولها في أجتماعات ومؤتمرات وسمنارات ولقاءات الحزب الداخلية ، لعل ذلك هو الذي اكسب مسيرة الحزب ذلك الوجه الديمقراطي السمح ومنحه تفردا عرف به من بين كل أحزاب الدنيا الشيوعية . أفتقدت الحركة الشيوعية كلها ، والحزب الشيوعي السوداني خصوصا ، وجها نضاليا مرموقا ، في الحياة الحزبية وفي مراحل النضال ، في القيادة وفي الحفاظ علي جذوة المعرفة الماركسية ، برحيل " نقد " المفاجئ ، لكأن عصر القادة التاريخون قد أنقضي و حل جيل جديد وملامح ، هي الأخري ، جديدة في مسيرة الحزب والوطن ! ولما كانت أحزان اليسار - بتوالي الرحيل المر – لا تزال تمسك الأعناق وتدمي القلوب ، فقد تلفتت عضوية الحزب و الديمقراطيون وأبناء وبنات شعبنا ، تبحث عن ذلك الذي سوف يخلف ، في قيادة الحزب والمسيرة ، القائد التاريخي الفذ " نقد " ؟ رأيتهم ، وأنا في تيه ودوامات الحزن الكثار ، وهم حائرون حائرون وحائرون ! فالمرحلة التي يعيشها الوطن تستدعي ذلك الحزن النبيل والحيرة التي تنشد الملاذ و تسعي إليه ! لم يكن هنالك من بد أن تنطلق " الشائعات " من كل شاكلة ولون ، ترشح هذا أو تشير " لشلليات " متوهمة و " تكتلات " تتصارع في مخيلات صانعوها ! لم يكترث الحزب كثيرا لهذا " العواء " كله ، وظل يرتب ويعد للأمور عدتها وعتادها ، في صمت مهيب ، وبحرص ودقة عرف بها في العالمين ، رغم أن الوقت كان مهولا في وقعه علي الناس أجمعين :
كانت السماء بيضاء
وفي ما بعد القيلولة ،
التي صارت ضجرا ،
غدت سوداء ... سوداء
منذ تلك الساعة من الهول
غلف الليل وجه الوطن !
ثمة حراسا وعسسا ،
يجوبون الطرقات
يظنون يطوقون المحن !
ماذا كان يحدث ؟
توقفت الحركة وساد الذهول
لكأن الصباح ذبول !
هلعت الناس ولاذوا بالصمت
وكف الهواء ،
وفي الناس موت
أنهم يدفنون " نقد " العظيم !
تنفتح الشوارع بوقار كثير
وحزن أثير
ليمر موكبه ويتسع الحزن ،
احتراما لهذا المحارب الكبير !
الآن ،
تهب نارا أخري ،
حين يأتي " الخطيب " !
الديمقراطية وحدها ، هي التي أتت به ، من بين صفوف الحزب معدودا في العتاة المقاتلين ، لا لامعا جراء الأضواء والكاميرا ، ولم يعتلي منبرا حزبيا ليكون " ظهورا " لوجاهات الدنيا الزائفة ، جاء ، إذن ، عبر مؤسسية الحزب والروح الديمقراطية التي تسري في مفاصل جسده كلها فتكسبه ذلك الألق الوهاج ! فمن هو هذا " الخطيب " الذي رفع الراية منذ مبتدئ أمره ، منذ اللحظات الأولي لأنتخابه ذو الدلالة والمعني ، من هو هذا الإنسان " السبعيني " ، الشيوعي بالدم والقلب و الذهن ؟ لقد جرت حياته جريان نهر سيال ، مثل تيار من مياه النيل العظيم . قضيته وحياته ، اللتان هما نفسهما ، قضيتا الشعب والوطن ، ولدا من أعماق حياة شعبه ، ثم توجها ، بلا توقف ، صوب مخرج مجري عميق : الوطن ! لقد أرتضي ، منذ بواكير صباه ، أن يكون في حوبات وساحات النضال ، أختار دربا في الحياة ومشي إليه ، محتضنا " سر " الحزب حتي فتح له مسربا وضوءا إلي قلوب شعبه . كافح وكابد ، أحب وغني ، أنتصر مرات وأنهزم أحيانا أيضا ، تذوق طعم الخبز وطعم الدم ، فماذا يريد شعبنا بعد ؟ أن النقيضين ، من دمع ومن قبل ، من وحدة ومن شعب ، يعيشان في معية حياته الخصيبة ، لأنه عاش لأجل شعبه الذي ظل يبادله هذا العشق المجنون للتراب ، فبدأ – كعادته – يدعمه في صراعاته ومعاركه الكثار و ... ينفض عنه غبار المعارك والعاديات ... لقد نال حبا كثيرا ورضي عميق ، مثل فراشات ذات طلع وحضور أنيق ! وسط وهج الشمس بتلك الأراضي الخصبة ذات الشسوع ، المحترقة جراء السياسات الظالمة لحقها في البذار وللناس ، من وسط معاناة المزارعين والأجراء الزراعيون وفقراء الأرياف والمدن المجرحة ، بمشروع حلفا الزراعي ، المشروع الذي عده " الخطيب " ، مثل ولده الوحيد ، أثيرا إلي قلبه و ... رؤاه ، وكم سعي ، دونما كلل أو تقاعس ، أن يعيد إليه وجهه الخير السمح ، رخاء وبذارا مثمرا في حياة الناس ... كم تجول فيه " ترعة " ترعة و " تفتيشا " تفتيشا ، وجداولا من بعد جداول ، وقنوات بجسورها وكباريها ، حتي أصبح بعضا من هذا الصرح العملاق الذي كم سعت الأنقاذ لتقذيمه وتفتيته هلعا وخوفا من حراك المزارعون وسعيهم لتطوير وتحسين معاشهم ومستوي حياتهم ... من وسط ذلك البلبال والعنفوان ، صعد هذا الإنسان الشامخ " البسيط " كالماء ، متوهجا كنيزك حل ، بكامل البهاء ، في أجتماع اللجنة المركزية التي ، بآلية الديمقراطية الحزبية ، كرسته زعيما للحزب خليفة " لنقد " العظيم ! طلع ، إذن ، كمن يصعد من بطن جهنم ، بوجه متعب ، معبر ومجعد جراء العمل الرهيب لحياته الخشنة التي ماعرفت يوما سبيلا للرفاهية والدعة ، بملامح فقيرة أحتوتها تلك القسوة ، لا ، ليست " قسوة في الحليب " كما قال بها شاعرنا المجذوب ، بل أندغمت ، بحنان رحيم ، في عينين محمرتين ، بسبب من غبار الطريق وسنوات العمل الجماهيري ، وتعسف الفصل من العمل ، والأختفاء متفرغا لقضايا الحزب والوطن ، والمطاردات التي ظلت تقويه و تمنحه زادا للطريق ، لكنها – برغم حرصه المعهود عنه – أوصلته أحيانا كثيرة إلي سجون الديكتاتوريات حتي في هذا العهد " الأنقاذي " الحالك ... هذا هو إكليل الغار لحياته كلها ، إذ ظل لسنوات عديدة من عمره تصك أسماعه ما قالته له الريح والليل والنجوم مرات عديدة : لست وحدك يا " خطيب " ، ثمة شعب يفكر في آلامك و ... يصطفيك أبنا بارا به وفي القادة من النضال !
قال ل " الميدان " في أول حوار معه بعد أنتخابه : " ... أن الثقة التي أولاها لي الزملاء باللجنة المركزية والحزب الشيوعي كبيرة وغالية ، ولها مستحقاتها ومطلوباتها ، ومنها : التمسك بطبيعة الحزب الماركسية وصفته كحزب الطبقة العاملة ، ثم التمسك بتفيذ قرارات المؤتمر الخامس وبرنامج الحزب ومقرراته ، وتعزيز الديمقراطية الحزبية ووحدة الحزب والقيادة " .تلك هي أهم مطلوبات العمل الحزبي الداخلي ، في ملامحها العامة ، وهي ، الآن ، في الجوهر من أهتماماته المقدمة علي ما عداها حين النظر للشأن الحزبي ، ثم تلك التوصيات والمقررات والبرامج التي صدرت عن المؤتمر الخامس ، التي هي – بذاتها – قضايا الشعب السوداني ، ومن بينها ، بالطبع ، أستنهاض الشعب كله لكي يتم ، عبر النضال الجماهيري السلمي ، الأطاحة بهذا النظام المتأسلم الفاسد الذي فرط في سيادة الوطن وحريته ووحدته وتجرع الشعب المرارات والعسف وشظف العيش وأنعدام الخدمات الضرورية جراء سياساته الأقتصادية الرعناء ! تلك هي أوراقه واجندته ممسكا وملوحا بها وهو يتبوأ أول أيامه في قيادة الحزب ، ماذا ، إذن ، يريد شعبنا – في راهنه الممزق هذا – أكثر من ذلك ؟! و ... لكن ، أيضا ، من هو " الخطيب " ؟
زراعي / نقابي ،
وقيادي حزبي .
24 عاما من عمره
متفرغا حزبيا !
له بضع " جلاليب " سودانوية
وبعض العمائم !
لا يرتدي الأزياء الأجنبية
ولا يعرف لغة تزيف الأبجدية !
له أزواج قليلات ،
بلديات
من أحذية " المراكيب "
وكم طاف بهن السراديب !
وحين يخرج في الناس
يتلفح وشاحا من الصبر ،
مطرزا بكبرياء الناس العوالم !
له زوجة واحدة ،
ركيزته العالية الصامدة ،
وأربعا من البنات
علمهن ، بسيرته الباهرة ،
قيم النضال ومعني الثبات
وكيف يكن في العرس ،
حين تشتد في الناس المواجد ،
يتقن صدح الأغنيات
فياللبنات !
ثم له ولدا واحدا أحد
مدخرا للأناشيد
وأفراح الصبايا ،
للحزب والبلد
وعلمه ، حين يكون بعيدا في النضال ،
كيف يوفر لأسرته ما يقيم الأود !
أخيرا ،
هو لايحب المديح ،
ولا البريق والأضواء
ولا الميديا الرسمية ،
ولا مسامرات الرياء !
هو ، في الحزب و ... كفي !
محمد مختار الخطيب ،
يارفيق الحزب والسنبلة
أعطيك ، الآن ، صوتي ،
وها أنت ، الآن ، في المرحلة !
------------------------------------------------------------
* أول من أمس ، في أجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني تم أختيار المهندس محمد مختار الخطيب سكرتيرا عاما للحزب خلفا للقائد التاريخي للحزب الراحل محمد إبراهيم نقد ...
#جابر_حسين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟