|
العودة إلى 11 شباط 2011!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3753 - 2012 / 6 / 9 - 14:19
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
"جولة الحسم" من انتخابات الرئاسة المصرية، وإذا ما أُجْرْيَت، أو إذا ما أُجْرِيَت في موعدها، لن يكون فيها من "حُرِّيَّة" الإرادة السياسية للناخِب، الذي أدلى بصوته، أو لم يُدْلِ به، ما يجعلها انتخابات "ديمقراطية"، من حيث "المضمون"؛ ولطالما رَأيْنا، وفي دولنا العربية على وجه الخصوص، انتخابات ديمقراطية في "الشكل"، وغير ديمقراطية في "المضمون"؛ فـ "الشكل" ليس دائماً موافِقاً لـ "المضمون".
ويكفي دليلاً على ذلك "السؤال ـ الخيار"، والذي هو "أشفيق أم مرسي؟".
إنَّهم نحو 50 مليون ناخِبٍ؛ فَكَمْ منهم سيَحْسِم أمْره، ويقرِّر الإدلاء بصوته، إذا ما ظلَّ "السؤال ـ الخيار" هو نفسه؟!
وحتى لا أبْدو مغالياً أقول إنَّ جزءاً كبيراً من الناخبين الذين سيقرِّرون عدم الإدلاء بأصواتهم إنَّما هُمْ، بمعنى ما، ضحايا هذا "السؤال ـ الخيار".
أمَّا الذين أدلوا بأصواتهم فليسوا كلهم مؤيِّدين حقيقيين للمرشَّحَيْن الرئاسيين شفيق ومرسي؛ فإنَّ جزءاً كبيراً من هؤلاء سيصوِّتون بما يقيم الدليل على أنَّ تصويتهم يَفْتَقِر إلى "حُرِّيَّة" الإرادة السياسية لديهم؛ فهذا صَوَّت لمرسي نكايةً بشفيق، وذاك صوَّت لشفيق نكايةً بمرسي؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ "النكاية" هي الدَّافِع الكامِن في تصويتهم "الحُر"!
إذا أرَدْنا لـ "الديمقراطية" أنْ تكون خياراً للشعب والناخبين فإنَّ "الإلغاء"، أيْ إلغاء انتخابات الرئاسة، هو وحده الآن "الخيار الديمقراطي" في مصر، ولمصر!
في "الجولة الأولى"، تَفوَّق مرسي قليلاً على شفيق؛ لكنَّ هذا "الثنائي"، أيْ "شفيق ـ مرسي"، خَرَج (من هذه الجولة) فائزاً؛ فعلى مَنْ فاز؟
لقد فاز على "المرشَّح الثالث"، الذي لو توحَّد لكان هو أحد الطرفين الفائزين؛ وهذا "المرشَّح الثالث" هو، في المقام الأوَّل، "صباحي ـ أبو الفتوح".
وحتى لا نَخْلِط بين "المرض" و"أعراضه" نقول إنَّ الجولة الأولى (من انتخابات الرئاسة) مع ما خالطها من "أخطاء ثورية"، وما تمخَّضت عنه من نتائج، هي بعضٌ من أعراض المَرَض الذي أصاب ثورة 25 يناير مُذْ أعْطَت أُولى نتائجها التاريخية وهي خَلْع الدكتاتور حسني مبارك؛ وهذا "المَرَض" يَكْمُن في عبارة "نظام حكم مبارك"؛ فإنَّ تسمية "نظام حُكْمٍ ما" باسم رئيسه، أو رأسه، يمكن أنْ يتسبَّب بكثيرٍ من الإشكالات الثورية؛ ولعلَّ خير دليل على ذلك هو "نظام الحُكْم السوري"؛ فهل من معنى يُعْتَدُّ به يُمْكِنكَ العثور عليه في قولٍ من قبيل "نظام حُكْم بشار الأسد خَلَفَ نظام حُكْم حافظ الأسد"؟!
إنَّ "الغاية التاريخية الثورية العظمى" لثورة 25 يناير ليست (أيْ ما كان لها أنْ تكون) إطاحة "نظام حكم مبارك"؛ وإنَّما إطاحة "نظام الحُكْم الذي يمثِّله (ويقوده ويرأسه) حسني مبارك"؛ وهذا الخَلْط بين "نظام الحُكْم" و"رأسه"، والذي هو نفسه "مُطابَقَة بينهما"، هو ما جَعَل كثيراً من الثوَّار، ومن الشعب، يَنْظرون إلى "خالعي" مبارك، أيْ "المجلس العسكري الأعلى"، ويُعاملونهم، على أنَّهم "قوَّة من خارج نظام الحكم، ومستقلةً عنه"، أراها الله الحقَّ حقَّاً، ورزقها اتِّباعه، فانحازت إلى الشعب وثورته، مُنَحَّيةً مبارك عن الرئاسة.
والآن، وَضُحَت لديهم الرؤية، واستتبت؛ فـ "المجلس العسكري الأعلى (والذي كلَّفه الرئيس المخلوع بإدارة البلاد!)" لم يُنَحِّ (أو يَخْلَع) مبارك انتصاراً للثورة (ومطالبها وغاياتها وأهدافها) وإنَّما لغايةٍ، كانت كامنة مستترة في نفسه، ثمَّ شرعت تَظْهر وتتضح؛ وهذه الغاية هي "إنقاذ نظام الحكم نفسه".
متى نُحِّيَ مبارك؟
لقد نُحِّيَ في الحادي عشر من شباط 2011.
وأحسبُ أنَّ ثورة 25 يناير مَدْعوَّة الآن إلى أنْ تَفْهَم "11 شباط 2011" على أنَّه يومٌ لم ينتهِ بَعْد؛ فتُعْلِن بصوتٍ واحد، ومن "عاصمتها"، "ميدان التحرير"، أنْ لا شرعية (دستورية وسياسية) في البلاد، الآن، إلاَّ "الشرعية الثورية"، المُوثَّقة مبادؤها المتواضَع عليها في هذا الميدان، وفي سائر ميادين الثورة في مصر.
ومع "الوثيقة" تُقام "حكومة انتقالية (مؤقَّتة)"، تتولَّى إدارة البلاد عن "المجلس العسكري الأعلى"، الذي تولَّى إدارتها بتكليف من "الرئيس المخلوع".
وعملاً بمبدأ أنْ لا شرعية تَعْلو هذه "الشرعية الثورية (المؤقَّتة)"، تُقرِّر "الحكومة الانتقالية (المؤقَّتة)" بُطْلان كل ما أُجْري من انتخابات، وكل ما تمخَّضت عنه هذه الانتخابات من نتائج؛ وتُقرِّر، في الوقت نفسه، جُمْلةً من الإجراءات والتدابير الثورية التي من شأنها "تحرير" الإرادة السياسية للشعب، وللناخبين على وجه الخصوص؛ فهذا "التحرير (الأوَّلي)" هو "الشرط (الأوَّلي)" لكل انتخابات "حُرَّة (ديمقراطية)".
و"الشرعية الثورية"، مَنْطِقاً وتجربةً وتاريخاً، إنَّما هي، في بعضٍ من معناها، "لحظة من الدكتاتورية"؛ فالمُنْتَمون إلى نظام الحُكْم القديم (الذي كان يرأسه مبارك) وبحجومهم المختلفة يجب أنْ يعاقَبوا؛ فـ "الفضيلة" هنا، والآن، هي "القسوة" لا "الرَّحْمة".
كبارهم (كالرئيس المخلوع وبطانته) يُحاكَمون محاكَمة ثورية (وعادلة بالمعنى الثوري) فينالون من العقاب ما يستحقُّون؛ أمَّا صغارهم، أو من لم يُقدَّم إلى المحاكَمة، فيُعاقَبون بقانون "الحرمان السياسي (والانتخابي)"؛ فحقوقهم السياسية (والانتخابية) يُحْرَمون منها إلى حين؛ وأحسبُ أنَّ شفيق مِمَّن يجب تقديمهم إلى المحاكَمة.
قبل ذلك، وقبل قيام "الجمعية التأسيسية"، وإقرار الشعب (في استفتاء شعبي) لدستورٍ جديد (ديمقراطي) تَضَعه وتَقْتَرِحه هذه الجمعية، ويؤسِّس (دستورياً) لـ "الدولة المدنية"، لا انتخابات برلمانية أو رئاسية؛ فإنَّ من لا يميِّز "نهاية" الطريق من "بدايته" لا يسير، إذا ما سار، إلاَّ على غير هدى.
هذه العودة الضرورية إلى يوم 11 شباط 2011، إنَّما تعني الانتقال من إطاحة "نظام حكم مبارك" إلى إطاحة "نظام الحكم الذي كان يرأسه مبارك"، مع "قَطْع الطريق على الدولة الدِّينية"؛ فلو كان لي أنْ أُعَرِّف "انتصار" الثورة المصرية لَقُلْتُ إنَّه إطاحة "الدولتين معاً"، "دولة شفيق المدنية"، و"دولة مرسي الدينية".
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حتى يصبح -نفي الرأسمالية- هدفاً واقعياً!
-
صراعٌ يَصْرَع الأوهام!
-
خَبَرٌ صغير!
-
.. إلاَّ انتخاب شفيق!
-
مصر.. عودة الوعي وعودة الرُّوح!
-
-الحولة-.. صورة حاكمٍ وسُورة شعبٍ!
-
-الرَّائي- و-المرئي- في -الرؤية الكونية-
-
-العقد شريعة المتعاقدين-.. أهو مبدأ ل -السرقة-؟!
-
حتى لا ينتصر شفيق وتُهْزَم مصر!
-
إنَّها -المستحيلات الثلاثة- في الكون!
-
التفاعل بين -المادة- و-الفضاء-
-
في فلسفة اللغة
-
فساد الكِتَابة!
-
لويس السادس عشر يُبْعَثُ عربياً!
-
فكرة -الرُّوح- وكيف شَقَّت طريقها إلى رأس الإنسان
-
مرَّة أخرى وأخيرة في محاورة -أعداء ماركس-!
-
أعداء ماركس.. على هذه الشاكلة!
-
-موتى- يَنْعُون -الماركسية-!
-
في -حُرِّيَّة التعبير-
-
دَعْهُمْ يَخْتَبِرون أوهامهم!
المزيد.....
-
-سوريا جنة-.. أصالة تهدي بلادها أغنية وتوجه رسالة مؤثرة للسو
...
-
سوريا: أي انتقال سياسي؟ وما أفق الحل مع قسد؟
-
ولي العهد السعودي يلتقي رئيس الوزراء العراقي في العلا.. ماذا
...
-
أغرب عملية احتيال في مصر.. سائق تكسي -يعثر- على 8 ملايين جني
...
-
البنتاغون يؤكد أهمية الحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة مع الصين
...
-
ألمانيا.. الحكم بالسجن 10 سنوات على قائد شبيحة سابق في نظام
...
-
الطيران المدني الأردني: الملكية تقدمت بطلب لتسيير رحلات إلى
...
-
قطاع غزة.. آمال بقرب وقف الحرب
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير مركز قيادة تحت الأرض لحزب الله (
...
-
البيت الأبيض يستبعد دعوة أوكرانيا للانضمام إلى -الناتو- خلال
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|