|
الطريق الى الحفة -حرق نفوس-
جقل الواوي
الحوار المتمدن-العدد: 3752 - 2012 / 6 / 8 - 20:02
المحور:
كتابات ساخرة
الطريق الى الحفة "حرق نفوس"..
في الطريق الى الحفة ينبطح النهر الكبير الشمالي مقاطعا الأسفلت قرب مفرق حلب، لن يبدو نهرا مكتمل الشخصية له هوية و قيد” نفوس” النهر أصبح مجرد مجرى محفور تتشبث به نباتات طويلة خضراء و قعر خال أو سرسوب يذوب خجلا من رائحته الكريهة. جسران حديثان ينقلان الأسفلت الى الضفة الأخرى حيث يتابع الطريق سيره الملتوي الى الحفة، الجسور الحالية لا تمت بصلة لواحد قديم بناه الفرنسيون و قصفة الإسرائيليون في حرب تشرين، تهدمت جوانبه و اصيب بحفرة وحيدة في المنتصف بعد غارة جوية مركزة. ليس من المؤكد فيما إذا كان صمود الجسر يعود الى متانة ما بناه الفرنسيون و استقامة مقاوليهم أم أن الأمر يعود الى عدم دقة طيران فانتوم الإسرائيلي
يفترق النهر عن الطريق ليخترق كل منهما ما يروق له من جغرافيا،الطريق الأسفلتي يمسك أحد طرفيه بحذر كي لا يلمس صف طويل من أعمدة الكهرباء و يتهرب طرفه الآخر من شريط أخضر متقطع يمر باشجار و أشواك و اكشاك و اعلانات و رجال أمن واقفين. تطل نوافذ البيوت الصغيرة المغروسة على كتف الوادي نحو الطريق يجلس خلفها كبار في السن يحصون السيارات و يتسلون بمسلسلات تلفزيونية شاهدوها عدة مرات بإنتظار رمضان القادم، بينما يفضل المجرى النهري أن يسير عبر مساحات خضراء ملطخة بالبني،تركها كبار السن مفضلين عد السيارات و مشاهدة التلفزيون، زادت المساحات البنية بكثرة بعد ربيع دمشق تربعت فوق إحداها مدينة صناعية التهمت أرضا زراعية ووجدت في المجرى الخالي مكانا مثاليا لما تخلفه من مياه رصاصية اللون.
ينتهي مجرى النهر عند بحيرة يحجز سد كبير مياهها كانت تفور بخفر الجواري كل عام فتغمر القرى و الأراضي الزراعية و تنحسر بسرعة عنها رفس السد الكبير في بطن النهر و حجر الماء خلفه و تركها عرضة للتبخر و الغوص عميقا في شقوق الأرض، فاصبح رجال القرى أكثر نزقا و نسائها أميل الى الطعام المعلب.و تكاثر مرض السرطان على طول المجرى فيما يلي السد، تاركا مشهد الوادي كله ينوء بكهوله صلبت شرايينه.
أما الطريق فيتوقف برحابته في وسط الحفة حيث السرايا،مبنى “كبير” فيه أمانة السجل المدني مكاتبه و خزائنه تحتوي على “نفوس” أهل الوادي جميعا،يتوجب على كل من يريد ورقة رسمية تعلق بالنفوس أن يذهب الى السرايا،قبل الدخول إليها يجب أن يمر المراجع بإحدى الدكاكين التي تحيط بالسرايا من اليمين واليسار ليقدم طلبا عليه طابع يعرض صور الرئيس، جميع اصحاب الدكاكين من الكتبه الذين تجاوزوا الخمسين يجلسون بتكاسل خلف مكتب معدني و كومه من الأوراق و بضع كراسي رأس مالهم قلم حبر باركر و السرايا.
في العام الذي زرت فيه السرايا قال لي احد اصحاب الدكاكين و هو يختم فوق طلب يتذيله طابع لم يحاول الكاتب أن يتجنب الختم فوق وجه الرئيس
أنت وين “نفوسك”
قلت له بصبر نافذ و “نفوس” محروقة : أنا نفوسي هون بالحفة
قال بثقة و كأنه أمسك بلص بس هون بدفتر العيلة ما مكتوب رقم الخانة ما فيك “تشيل هويه”
الساحة أمام السرايا كان كبيره و خاليه تبطنها طبقة اسفلتية قديمة متآكلة،و السرايا ذاتها التي تضم قسما للشرطة بالإضافة الى أمانة السجل المدني ودوائر أخرى، تجاوزت الكهولة و الشيخوخة و اصبحت شيئا يشبه التراث و لكنها تقدم خدمات “عصرية” تحصي “نفوسهم”، غرفها كبيرة و سقفها عال و خزائنها عتيقة تزدحم بدفاتر عملاقة مقسمة بخطوط طولية تحتفظ بآمانة حبر “البليكانت” باسماء المواليد و العائلات و أحداث الزواج و الطلاق و الوفاة.
أعاد علي موظف قيد “النفوس” السؤال “انت وين نفوسك” و أعدت الجواب عن نفوسي فأعاد الصيغة ذاتها التي توحي بالقبض على اللص. وين رقم الخانة؟؟!! قبل أن يغلق موظف النفوس الدفتر الضخم لمحت اسم عمر البيطار مواليد الف و ثمانمئة و ستة و ثمانين مكان الولادة شيرقاق .حملت أوراق نفوسي و ركبت طريق الحفة اللاذقية غاضبا من موظفي النفوس .
في العام التالي لم تعد الساحة خالية بني فيها منصة حجرية متوسطة الإرتفاع، وضع عليها تمثال لجنديين يبدو أحدهما مصابا و الآخر يحاول إنقاذه كانت الطيور تقف على روؤس الجنود و اجسادهم و اسلحتهم غير عابئة بآلام الجندي الجريح و لا بغيرية زميله الذي يحاول إنقاذه ثم تطير فزعة عند سماعها زمور سيارة الى أعشاشها في سقف السرايا.
أعاد علي الرجل صاحب أحدى دكاكين تقديم الطلبات و هو يدمغ طابعا جديدا:
يا حبيبي لا تعزب حالك أنت نفوسك مو هون و مستحيل “يشيلو” لك هوية
رمقت الجنديين على المنصة الحجرية بنفس محرورة و أنا أرثي لنفوس من اضاع نفوسه، و تذكرت الرجل الذي يدعى عمر البيطار.
لا أعرف ماذا حصل للجنديين فقد مضى زمن و لا أعرف ماذا حصل للطيور التي تعبر الجنود و تعشش بعضها في سقوف السرايا و لكن في تلك السرايا “نفوس” احبها و سجلات لا أريد لها أن تتلف.
#جقل_الواوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طائفة بدل ضائع
-
المتجرده
-
مسيح الحميدية ....البيت بيتكن
-
المجلس الوطني و المناطق المنكوبة
-
كتاب مسموع
-
قائمة ....قاعدة
-
قربا مربط النعامة مني ...
-
جساس
-
غزوة جامعة حلب
-
عادل إمام ... -المشبوه-
-
إنشقاق عازف كلارينيت من فرقة موسيقا الجيش
-
من جهز غازيا .. بؤس العناوين
-
دروز بلغراد ... دروس في الهوية
-
أدب سجن تدمر 3/3
-
أدب سجن تدمر - 2 -
-
مات خالد تاجا ...
-
أدب سجن تدمر - 1 -
-
حراسة الهواء و حراثته .... روزا ياسين حسن ما زالت تحمل صليبه
...
-
النادي الأهلي و النادي المصري نتيجة بائسة
-
الولادة من الخاصرة.....فانتازيا -نفسية- بطعم السفرجل
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|