|
صلوا من اجل من صعدوا
علا جمال
الحوار المتمدن-العدد: 3752 - 2012 / 6 / 8 - 14:53
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
فُرضت على البهائيين الصلاة من أجل من يسمون (الأموات). وقد نزلت صلوات خاصة بهم منها صلاة بطلب المغفرة، وصلاة بطلب الهداية، وصلاة بطلب السعادة والترقي. لأن الترقى في العالم الآخر لايزال قانون الحياة، ولأن رحمة الله واسعة وملائكتة على الدوام مقربون. «إن الذين صعدوا اٍلى الله لهم أوصاف تخالف صفات الذين لم يلحقوا بهم. ولكن لايوجد فرق حقيقي بين الفريقين، ففي الصلاة يحصل الإتصال بهم إتصالاً حقيقياً. فَصَلُّوا لأجلهم كما يصلون لأجلكم... والتأثير الحقيقي هو في ذاك العالم وليس في هذا العالم».(9) وعلى ذلك فالصلاة من خلف الحجاب – أى ممن صعدوا أو ممن لايزالون على الأرض بعد – تصعد إلى الحقيقة الآلهية التى تطوف حول قدس ساحتها أرواح جميع البشر. الترقي الروحاني أن مجموع الشواهد العلمية المتزايدة، وكذلك جمعية الأبحاث النفسية تؤيد التعاليم البهائية في أن الروح بعد مفارقتة البدن يستمر في حياته ونشاطه في عوالم يكون فيها الزمان والمكان الحسي معدوم. وفي هذه الحالة التى يصبح الروح محرراً «تصير إحساساته أشد قوة وإدركاته أوسع وسعادته أوفر». والذين رقّوا إدراكهم الروحي، ينتظرهم مصير مجيد من الخلود والترقى الكمالي الغير محدود في عوالم الله التى لا تتناهى، وهو الترقي اللا متناهي في المحبة والحكمة والفرح. وكما أن الحب هو القانون الأساسى الذى يربط الأرواح هنا. فهو كذلك الذى يربط بينها هناك، ولكن في مقياس أوسع وأشد، حيث (معاشرة الأولياء) يكون جزءاً كاملاً للحياة الأبدية. «إن الأسرار التى لايعرفها الإنسان في هذه الدنيا تكون واضحة مكشوفة في العالم الآخر، وفيه نفهم أسرار الحق. فبالأحرى نعرف الأشخاص الذين كنا نعاشرهم. ولاشك أن النفوس المقدسة الذين يكون لهم قلب طاهر وبصيرة نافذة يطلّعون على جميع الأسرار في ملكوت الأنوار ويطلبون مشاهدة حقائق النفوس الكبار. ويرون جمال الله في ذلك العالم كذلك يرون أحباء الله من الأولين والآخرين مجموعين في الرفيق الأعلى».(10) وبما أن المحبة في هذا العالم هى سلطان الحياة فسيجد الذين توثقت بينهم روابط الحب والإخلاص الحقيقي أن هذه العلاقة قد أصبحت بالمعاشرة الروحية أمتن وأقوى بما يفوق بكثير ماكان يمكن أن تكون عليه في هذه الدنيا. بينما «لا يستطيع مخلوق أن يتصور ما أعده الله للمرء وزوجه من الإتحاد والوفاق» إذا كانا قد أسسا كيانهما الروحي على الحب المتبادل. ومع أن الأسرار التى تحيط بمسألة إئتلاف وإتحاد الأرواح في العالم العلوى كثيرة مستترة إلا أنه يمكننا أن نلمح بارقة من البشارة والجمال المودع فيهما – وهنا نتغنى كما تغنى الشاعر عندما قال إن علينا أن «نقبض على أحلى اللحظات من بين أحلامنا المحطمة» ونجرب ذاك الشيء الذى يرتفع عن كل تصور. ولكن يعترضنا سؤال وهو كيف يمكن الإحتفاظ بالشخصية الفردية للروح في العوالم العليا؟ كل ما نستطيعه في دائرة إدراكاتنا المحدودة هو أن نمسك بطرف هذا الخيط الدقيق. ففي روح الإنسان وعقله توجد كل القوى التى من شأنها أن تمكنه من الفوز بالحياة الخالدة. ومن ظهور ملكاته الروحانية في مراحل ترقياتها المضطردة. مثل ذلك كالبذرة الصغيرة الضئيلة فإن فيها توجد سائر خواص شجرة البلوط العاتية. ولما كانت الحركة هى القانون الأساسي للوجود فإن حالة الجمود لا وجود لها في عالم الروح. كما لا يمكن لهذه الحركة أن ترجعه إلى الوراء. بل أن المطلب الكلي لجميع حركات الروح هو الوصول إلى مرتبة الكمال. أما الهيكل أو الجسم الذى يتخذه الروح في ذلك المقام فإنه يكون في صورة موافقة للأفق والعالم الذى يحيا فيه. «بعد الصعود (صعود الروح) يحضر بين يدى الله في هيكل لائق بالبقاء ولائق بذلك العالم».(11) وطبيعي أن نظاماً كهذا لا يسمح برجوع الروح إلى حاله الأولى، ولنضرب مثلاً بالفراشة فإنها لايمكن أن تعود إلى حالتها الأولى أى الشرنقة، ولكن الصفات وبعض الخصائص والآثار لعالم الروح تعود مرة أخرى إلى حيز الشهود. وتساعد على تنوير عقول الأحداث الذين يولدون أصلا بفطرة سليمة. فنتائج تجارب الفرد في الحياة تضاف إلى الثروة العامة للإنسانية بينما يكون التعويض كاملاً في العالم الآخر عن المظالم التى حاقت بالكثيرين في هذه الدنيا، ولكن بشكل يفوق إدراكنا. ولما كانت الترقيات الروحانية قانوناً إلهياً. فإن الروح يستمر في تحصيلة للكمالات اللامتناهيه، ويطير دائماً في العوالم التى لا تتناهى. ولكن هذه التطورات أو الترقيات تكون في محيط الرتبة الإنسانية. بمعنى أنها لن تبلغ رتبة الربوبية. «قبل خلع هذا القالب العنصري وبعد خلعه على السواء يحصل الترقي في الكمالات وليس في الرتبة. فلا يوجد كائن آخر أرقى من الإنسان الكامل. ولكن عند ما يصل الإنسان إلى هذا المقام يترقى في الكمالات وليس في الرتبة... لأن الكمالات الإنسانية لا تتناهى، مثلا مهما تصل إليه حقيقة بطرس من الترقى فإنها لن تصل إلى رتبة المسيح، أنها تترقى فقط في محيطها الخاص».(12) وبناء على هذا فإن الروح الإنساني لا يصير إلهياً. والمخلوق لن يكون خالقاً. وقد يتساءل الإنسان أحياناً عن ماسوف يكون عليه حال الأطفال الذين يتوفون في الطفولة. والجواب هو أن هؤلاء الاطفال سيحيون بالتأكيد في العالم الآخر لأنهم اكتسبوا صفة الحياة بولادتهم في هذا العالم، وأنهم سيكونون في ظل المحبة والعناية الإلهية التى تساعد هذه الورود في النمو حتى تتفتح بالمجال الروحاني. أما كيف يجب أن يُنْظَر إلى الموت. فيجيب حضرة عبدالبهاء: «كما ينظر الإنسان إلى نهاية رحلة من الرحلات بالشوق والأمل. وهكذا الحال أيضاً بالنسبة لنهاية الرحلة الأرضية. ففي العالم الآخر يجد الإنسان نفسه متخلصاً من كثير من المتاعب التى يعانيها الآن. والذين رحلوا عنا بالموت لهم عالم خاص بهم ولكنه ليس منفصلاً عنا. فإن عملهم الملكوتي هو عملنا، ولكنه مقدّس عن ما نسميه بالزمان والمكان». فالذين وفُقوا في يوم الله الجديد إلى الإقرار بالحقيقة الرّبانية المشرقة عن رسوله – حضرة بهاءالله، وفازوا بخدمة أمره وإظهار نوره، فإن الموت لا يصيبهم. «الكأس التي هي عين الحياة. أنها تفيض بصهباء الفرح والسرور وتهب الحياة الأبدية... والذين ذاقوا ثمرة الحياة الأولى التى هى الإقرار بالله الواحد الحق، فحياتهم في الآخرة مما لايمكن وصفه إن علمها عند رب العالمين».(13) «يا ابْنَ الرماد – لا تقنع براحه اليوم وتحرم نفسك عن الراحة الأبدية ولا تبدل السرور الباقي بالتراب الفانى فاخرج من سجنك وأعرج إلى الرياض الأنيقة العالية، ومن قفص الإمكان طر إلى رضوان اللامكان».(14) (حضرة بهاء الله) ومن اتبع هذا النصح فقد كَسَرَ أغلاله وذاق حلاوة الحُب وحَصُلَ على مرغوب قلبه، ووضع روحه بين يدي محبوبه، ولما ينطلق من قفصه يطير كطائر الروح إلى عشه المقدس الباقي. «يا عبادى، لاتحزنوا إذا كانت الأحوال في هذه الأيام تسير وتظهر في هذه الدنيا بتقدير الله على غير ما تشتهون، فإن أيام الفرح العظيم والسرور الإلهي مكنونة لكم. وسوف تنكشف لأعينكم العوالم المقدسة الروحانية فقد قدّر لكم من لدّنه نصيب من الخير والفرح والنعيم في الأولى والآخرة ولسوف تحصلون عليها».(15) «إذا آمنتم بي وعملتم ما خُبَّرتْمُ به فأجعلكم أحباء نفسي في جبروت عظمتي، وأصحاب كمالي وملكوت عزي إلى الأبد».(16)
#علا_جمال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
علاقة الدنيا بالعالم الاخر
-
ما معنى الجنة والنار؟
-
الروح والعقل والنفس
-
الحياة من بعد الموت
-
الاحتفال بعيد الرضوان
-
ام المعابد
-
جابلقا وجابرصا
-
حمار يبعث رسالة لبني آدم
-
عيد النيروز
-
الصيام في الدين البهائي
-
التربية والتعليم
-
بيوتا لا تخربها الامطار
-
ارفع رأسك عن النوم
-
الفخر لمن يحب العالم
-
العنف في حياة المرأة
-
العنف ضد المرأة والبنات
-
لوح الحكمة
-
صرخة من قلب جريح
-
لماذا ينكر الناس الرسالات الالهية (3)
-
لماذا ينكر الناس الرسالات الالهية (2)
المزيد.....
-
تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ
...
-
بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق
...
-
مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو
...
-
ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم
...
-
إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات
...
-
هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية
...
-
مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض
...
-
ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار
...
-
العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|