خسرو حميد عثمان
كاتب
(Khasrow Hamid Othman)
الحوار المتمدن-العدد: 3750 - 2012 / 6 / 6 - 18:28
المحور:
الادب والفن
(في قهوة عالمفرق في موقدة و في نا ر
نبقى أنا و حبيبي نفرشها بالأسرا ر
جيت لقيت فيها عشاق اتنين زغا ر
قعدوا على مقاعدنا سرقوا منا المشوار)*
عندما كنت على وشك المباشرة بكتابة الجزء الأخير من (الأنفلات من حاجز للجيش الشعبي) حدث ما منعني من الأستمرارفي كتابته. لم أكن بحاجة للأستمرار في الكتابه غيرإستعادة الهدوء النفسي والذهني. حاجتي لهذين العنصرين لا تعنيان بأنني لا أستطيع الكتابة إلا بعد أن أعزِلَ نفسي عن الأخرين ومشاكلهم لأحصر فكري وذهني في حدود الموضوع الذي أنا بصدد الكتابة عنه خلال عملية عصرْ للفكر والذهن ونتيجة لتوتر نفسي، بكلمة اخرى حصرْ نفسي داخل دائرة أو حلقة. بالعكس من ذلك الرغبة في الكتابة تبدأ بعدما تغمرني شعور حقيقي بالأنبساط الفكري وإحساس بالراحة النفسية وبعيداعن كل أنواع التوتر، قد يعود السبب لإدراكي وقناعتي بأن كتاباتي لا يُقدم شيئا ولا يؤخر أخر ولا تتصف بعمق فكري أو سعة في المعلومات أو جمالية في اللغة أو أي إمتياز أخرعلى الأطلاق، ولا تتجاوز، من مجموع ما أكتبه، سرد كلُ ما يقع داخل حدود خبرتي كأنسان: كسب قوته بجهوده،غيرمؤمن بالعنف والأدلجة والتحزب، لم يجد من روائع الحياة أثمن وأجمل من أن يكون الأنسان صادقاً و متفاهما مع نفسه، مالكاَ لقراراته، لم يجد ما يستوجب التردد في التعبير عن نفسه بوضوح أينما دعت الحاجة ومهما كانت الظروف. كماولا أستهدف من كتاباتي رفع شأن أحد أو التقليل من أخر، لكنني أحاول أن أروي بأمانة كُلَ ما رأيت وتفاعلي معها وتأثيراتها وإنعكاساتها على أفكاري ومشاعري، بكلام أخرعن ما الماضي وحيثياته، ولا أستطيع إنكار تأثيرات والدي في ما ذكرت بحصيلة معاناته وتجاربه وإحباطاته ونكران ذاته وقناعته وتواضعه ووطنيته بقدرإعتزازه بقوميته لمظلوميتها وعدم إستسلامه وتجاوزه للأحقاد وجرأته الفكرية والأدبية طوال حياته كإنسان تحمل العذاب ولم يلجأ إلى التعذ يب أوالثأر حسب علمي على الأقل.
لنعود إلى الأنبساط الفكري والراحة النفسية، أين وكيف أقتربُ منهما كشرطين أساسين للبدأ بالكتابة والأستمرارفيها؟ أعتقد بأن الجواب يكمن في ظروف نشأتي والبيئة التي ترعرعتُ في أحضا نها. كنا نعيش في أربيل داخل حصار يحتوي على ستة غرف وتسكن فيها ستة عوائل وننام في الصيف على سطح الدار المكشوف للقاصي والداني إلى أن وصلت السنة الرابعة من دراستي الجامعية (كانت خمسة سنوات) وفي بغداد كنتُ أبيتُ في القسم الداخلى في قاعة طويلة مخصصة لأثنين وعشرين طالبا ونأكل في مطعم القسم الداخلى بوجباتها الثلاث وحتى عندما كنا نعود إلى البيت في أربيل أثناء العطلات والمناسبات نرتبها بشكل جماعي، كانت في القسم الداخلي الذي قضيت فيها أربعة سنوات قاعة مخصصة للمطالعة يندرأن يجدها الزائر مزدحمة بالمطالعين. يتبادر إلى الذهن: أين كنا نُراجع كطلبة جامعيين دروسنا إذاَ؟ كنا نعملها في المقاهي والكازينوهات وحتى في قاعات النوم مخالفاً للتعليمات التي منعت حتى وجود أية منضدة أوأثاث أخر بإستثناء إثنان وعشرون سريرا حديديا ومثلها خزانات حديدية ومجموعة من المراوح الهوائية فقط: قهوة جحيل، كازينو شط العرب، مقهى الجزائري، البلدية......وحتى في مقهى الهنود ،عندما كانت درجات الحراة في بغداد معتدلة، ولا نجد في جيوبنا ما يمكن صرفه لأجل الجلوس في مقهى. هكذا كان تعليمي، كالكثيرين، في خضم جريان الحياة بكل صخبها وضوضائها وفرحها وحزنها. إذا كانت هذه خلفيتي كيف أستطيع أن أخلق هذه الفنتازيا والخيال التأملي لكي أشعر بالأنبساط الفكري والراحة النفسية وعدم الوقوع في براثن الشعور بالعزلة حتى أستطيع أن أُنشط فكري وأعود بذاكرتي ومشاعري إلى الوراء سنين كانت ثقيلة و طويلة لأكتب عن ما رإيت لتُنشرعلى الهواء مباشرة في هذا الفضاء الواسع وأنا في مملكة السويد؟ الجواب اليقين عند أربعة إختراعات أمريكية المنشأ، يُمكن أستعمالها في ذات الوقت على الحاسوب الشخصي لخلق مناخ فكري ونفسي حسب الرغبة أوالمزاج: الأنترنيت، اليو تيوب، غوغل وغرف الدردشة Paltalkالتي تشبه، إلى حد بعيد، برلمانات الديمقراطيات الناشئة بسلبياتها وأيجابياتها ومعاركها إلى حد بعيد، لا أثر للخطوط الحمراء فيها ولكن في الفضاء اللامتناهي. هكذا أشغلتني، هذه المرة خلال تنقلي من غرفة إلى أخرى كمستمع على طول الخط، سؤالا جوهريا، منعني مؤقتا من الأستمرارفي تكملة ما بدأت به عن الموضوع الذى ذكرته سابقا، برز أمامي خلال إستماعي لنقاش، وأنا أكتب وأسمع،على الهواء في غرفة دردشة كوردية** بين مسؤول الغرفة أرام أحمد وبين (خوزكة) وهي متطوعة تعمل في الغرفة لأدارة المناقشات وكان النقاش يدور حول ضرورة إتباع بعض الضوابط عند السماح لمن يُريد استلام المايكروفون والتكلم في سياق معين أو الأستمرار في إتاحة الفرصة المتساوية للجميع بدون إستثناء؛ وكان رأي أرام أحمد السماح لكل من يُريد أن يتكلم ليتكلم بحرية بشرط أن لا يلتجأ إلى الشتائم والتجريح الشخصي، وللمعلومات يعتبرأرام نفسه معارضا للحزبين الحاكمين في كوردستان حتى العظم طالما هو على قيد الحياة و يُعل بأن لغرفته الدور الأساسي والحيوى في تأجيج المعارضة الشعبية التى ركبت موجتها جماعة نوشيروان بعد إنشقاقهم من الأتحاد وبدأو يُحرفون تدريجيا مسار حركة المعارضة الشعبية بعد تهدئتها.... إلخ. السؤال المهم بالنسبة لي هو: كيف إستطاع هذا الشاب المولود في بينجوين من والدين أميين(بتقديري) أكمل الدراسة الأعدادية في السليمانية ( وهو في العقد الرابع من عمره) ولاجئ في هولندا لا يملك غير دراجة هوائية من إستقطاب جمهور واسع من المستمعين والمتكلمين لدرجة قد تكون غرفته من أكثر غرف الدردشة في بالتوك إزدحاما وعلى مدار الساعة؟ هل يعود السبب إلى ولع الكورد في الأشتراك والإستمتاع بالمناقاشات الساخنة لسنوات كمصدر لمعرفة ما يجري أو قضاء الوقت كبديل للألتجاء إلى المطالعة ومتابعة الأحداث من خلال ما يُنشر، أو لمعرفة أرام أحمد العميقة بمواضع وجع شرائح معينة من المجتمع الكوردي والتفنن في إثارته لأستقطاب هذا العدد الواسع ممن يهمهم الحضور اليومي في هذه الغرفة للأشترا ك في المناقشات أو للأستماع ومنهم اللاجؤن المهمشون المنتشرون على وجه البسيطة....وعدد غير قليل من منتهزي الفرص لخطف المايكروفون للتشويش على سيرالمناقشات بالشتائم وما شابه... الجواب ليس عندي في الوقت الحاضر، بالتأكيد.
*أغنية فيروز:في قهوة على المفرق
http://www.youtube.com/watch?v=3KNw9h7LSvI
**لنك: كوردستان صوت المعارضة في البالتوك:
http://www.paltalk.com/g2/group/1169915389/DisplayGroupDetails.wmt
#خسرو_حميد_عثمان (هاشتاغ)
Khasrow_Hamid_Othman#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟