أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليمان- هيوستن - المرأة ذات الوجه الأبيض- 2















المزيد.....

المرأة ذات الوجه الأبيض- 2


حسين سليمان- هيوستن

الحوار المتمدن-العدد: 1099 - 2005 / 2 / 4 - 09:34
المحور: الادب والفن
    


فقد أصابتني القشعريرة حين مرّت من جانبي، مع انها لم تمس هذه المرة جسدي، لكنني شعرت برغبته، وبوقع خطواتها، الطرب الغامض الذي سرى في عظامها قبل قليل، فقد كبتت بالتأكيد طاقة لا تدري كيف تحررها. جاءت عند الضحى بعيون منتفخة، فعرفت أنها لم تنل قسطها من النوم، لقد تقلبت في سريرها تتذكر زوجها بيتر !
مضت دقائق حتى عدت الى طبيعتي، تخلصت من الوهن الذي كهرب جسدي ، فسألتها وانا أقلّم ساق وردة : هل أنت على ما يرام يا ميلدريد؟ فردت منزعجة قليلا: نعم يا بربارا .. لم اعرف النوم ليلة البارحة ، هذا كل شيء . فقلت لها أنني أعرف شعور فقد عزيز، فبعض الأحيان أتذكر أمي، في الليل حين يرن صوتها في أذني ، استيقظ فزعة، ليس فزعا بالحقيقة لكن صدمة، صدمة الفقد، فجزء كبير واسع مـن نفسي قد مضى مع أمي، وها أنا أنام لا كما نمت طوال عمري الفائت. من دون أمي تغيرت معالم كثيرة. رأيت أثر دم يخضب ساق الوردة فأدركت أنني قد جرحت إصبعي .
تجاهلتْ ما قلتُ لها، لم تجب ، بل تابعت خطاها كأنها تخرج من المحل، تبتعد فلا تريد أن تبقى في المكان، وبالأحرى لا تريد سماع قصتي أو تقديري لعذابها، عليّ إذن أن اصمت، فليس من شأني إن نامت أم لا، عذابها تحمله وحدها. ظل الصمت مطبقا بيننا، فراح عقلي يخلق قصصا ويتذكر: إنها وحيدة، تقضي الليل في بيتها من دون مؤنس، هل هي في الحقيقة ملتاعة بفقد زوجها بيتر؟ لا أظن انها حزينةَ فقدٍ ، في وجهها معالم أخرى. حين كنت أتردد على أمي في دار رعاية الشيخوخة، كانت امرأة معمرة تسكن الغرفة المجاورة، نحيفة وطويلة، اسمع صوتها الأهرت من البعيد، حتى قبل أن أصل، كانت تدخل علينا- حين تراني عند أمي، فتقص حكايات قديمة ، نصفها افهمه ونصفها الآخر يظل مجهولا لا علائم فيه، فتنتقل من زمن الى آخر ومن مكان الى مكان. سألتها مرة لو أنها تبقى لدقائق فقط عند حكاية واحدة ، لاتعتمد على الهذيان تحرف به كل الحكاية. فقالت لي إن الوسواس هو الذي يحركها، فنحن حين نصل الى شيخوخة العمر لا يحكمنا قانون، نستمع الى مهجة القلب فقط . ودقت على قلبها بأصابع قطباء .
سألتني إن كان لدي صديق أرتوي منه كما قالت. فبعد طلاقي من زوجي الأخير توقفتُ عن مصاحبة الرجال، قبعت في منزلي بعيدة عن أمراض الشوارع ، وكانت حياتي هي بين العمل وبين المنزل، بعض الأحيان زيارة سريعة لأمي، وهذا كل شيء ، لكن .. لا .. تلك المرأة العجوز وقفت تستوضحني عن صديق، فكيف لا، شابة مثلي تقضي حياتها من دون رجل! ثم راحت تختبر خيالها قائلة : بالتأكيد تحولت الى سحاقية إذن، فخوفك من الإيدز جعلك تذهبين مع النساء، وأنا أؤيدك في ذلك .. هم .. هم ..فالمرء الذي يقدر حياته لا يعبث بها ، في مقبرة مجندي الحرب في هيوستن يضمون منظفين كل يوم ساحة جديدة لتوسيع المقبرة .. وكلهم شباب أماتهم الإيدز .. الى أن قالت لها أمي : توقفي يا غريتا ، احكي لنا عنك ، عن آخر مرة … مع المرآة . فضحكت ضحكة مشبعة ، ثم نفخت نحو سقف الغرفة، شبكت يديها تقول : حسنا ، لا أريد أن اخفي شيئا، آخر مرة كانت منذ يومين ، استمعي بربارا: أغلقت باب غرفتي جيدا … وقابلت المرآة ، صديقتي الوحيدة، ثم رفعت قدمي اليسرى على الكرسي، هكذا، اسكتي لا تديري رأسك، انظري الى هنا، هذا الذي حصل، ثم رحت ألعب وانا انظر نحوها. سمعتُ أمكِ من غرفتها تضحك مثل قحبة ، لقد سمعتني، احلفي يا أمها بأنكِ لم تمارسيها معي … ثم قهقهت خارجة .
لا أدري إن كنت أفهم ما يجري مع ميلدريد. بعد أيام قليلة جاءت الى المحل شابة يابانية في العشرين من عمرها، اسمها آنا، فرحبت بها، عانقتها مثل ابنة، تقول في طرب : أين أنت يا آنا ، لم كل هذا الغياب؟ فجلست تروي لها قصة غيابها .
أخذت آنا تمر بعد ذلك كل يوم لمدة ساعتين، تساعدنا في العمل، وكانت ميلدريد تنتظر وصولها بحرارة، حتى إذا فتحت الباب يتهلل وجهها، وطلبت مني أن أنظف الزهور فقط بينما آنا تنضدها وترتبها في المزهرية، وقلت لها معترضة بأنها لا تملك خبرة مصممة زهور كما املك، لكنها .. لا .. فهي شابة وتعرف روح العصر أكثر مني ومنها، فأجبتها بأنني شابة ايضا مثلها .. وأخذت تكلمني أحيانا بمزاج عصبي مع ملامح فيها نفور وكره حتى صرت افكر بترك العمل .
لا اعرف كيف سأتصرف مع هذه المرأة العجوز، إنني متأكدة سوف تندم على سوء تصرفها معي، آنا لن تظل معها، وموسم الزهور والازدحام على شرائها سوف ينتهي، لأنتظر أسبوعا آخر، فهي ستعتذر، تأتي الي منكسة الرأس: بربارا، آسفة شديد الأسف. حتى تدمع عيناها ، فتضمني وتربت على كتفي، وتراني سأحني قامتي الى طولها حتى تصل الي بربارا أنت تعرفي قدرك عندي ، فأنت ابنة لي، في وقت لا ابنة لي، عندي أبن واحد في كاليفورنيا لم يتصل بي منذ زمان … وابنة واحدة هي أنت . وأنت ايضا أمي في وقت لا أم لي منذ رحيلها عني، يا ميلدريد أنت أمي الوحيدة، منذ رحيلها. في مساء ذلك اليوم رحلت، لو لم يكن في ذاك اليوم مساء لما رحلت، هتفت تعلمني بقرار ذهابها الى مشفى كولومبيا سبرينغ برانش لعلاج حالة نزيف ...
اذكر الآن حين قابلت ميلدريد لأول مرة ، دخلت محلها لتقديم طلب عمل ، فشعرت بروح خفية تستغرقني ، حاسة سادسة أخذت مكانها مني ، فأدركت إنما أقف بين يدي امرأة اعرفها منذ زمن قديم، في ثوان بل لحظات نشأ بيننا رباط، فامتلأت فراغات روحي، وأردت أن أعانقها، فلوعة الغياب لا يشفيه لقاء من دون عناق .
لو أن وجهي ابتل بدموعها، لشعرت وقتها أنني في طريق ليس بعده من طريق، لأنها ستقول لي في عتاب: بربارا أنت التي طواك الغياب ولست أنا التي . كنت في محل الزهور انتظرك منذ زمن بعيد، على أن تأتين اليوم ..تأتين غدا ..بعد غد .. وظللت انتظر ، حتى تأتين لم يغيرك البعد، ففتحتي بابا شهق بفرحته الأولى .
لم يغيرك البعد يا بربارا! في الطريق الى المنزل، في سيارتي من نوع بونتياك بيضاء لا معة تقطع شوارع هيوستن للوصول الى مأوى يزيل عني التعب الذي حملتني إياه ، فتحت الراديو على " قنال الكونتري ميوزك " على أن اسمع أغنية لجورج سترايت فسمعت خبرا عن إغلاق محلات مونتغمري وورد بعد أن صار لها اكثر من مائة عام في الخدمة، فأغلقت الراديو. نظرت في مرآة السيارة فتذكرت كلام أمي حين كانت تتمعن في وجهي غاضبة، فأنا بهاتين العينين الممطوطتين أشبه أهل كوريا .. يوم الحرب الكورية كان أبوك يشبهك بهم ، ثم في حربنا مع فيتنام راح أبوك يناديك بgook ، ومرة يناديكِ ب nip أيام حربنا مع اليابان … وناداك أيام السلام ب Slant eye . لم يترك أبوك تلك الفكرة ، فهو كان يظن بأنك آسيوية. لا أحد سيصدق انك من أم لها نسب ألماني وأب جاء جده من ايرلندا . كانت أمي دائما هكذا تخلق قصصا من فراغ ، لم تحدث لي ، ذلك حين لا ترضى عن تصرفي ، تهينني بشتى الطرق ، تنسب حكايات مزعومة إلي واحداثا حتى قبل أن أولد. وفي أحد الأيام قالت لي بأن أبي الحقيقي هو مكسيكي . لا أعرف ماذا كانت ستلفق من قصص أخرى لو أنها لم تذهب الى المشفى في ذاك المساء ، على حين غرة تلفنت لي في إحدى أمسيات سبرينغ برانش قائلة بأن هناك نزيف ودم .. فذهبت الى مشفى كولومبيا سبرينغ برانش ، ذهبت من دون أن تعود ، الى الأبد .
فقالت ميلدريد بأن لها حكاية شبيهة بحكايتي . ذهب بيتر الى المشفى للفحص العام ثم تلفن لي قائلا بأن هناك مشكلة بسيطة في القلب سيتم معالجتها في الحال ، هكذا قالوا له الاطباء ، ولم اصدق بأنها مشكلة بسيطة ، هل هناك مشكلة بسيطة في القلب يا بيتر ، لا تتركني أترمل يا بيتر . لكنه لم يسمع الكلام .
وصلت المنزل منزعجة ، فلا ادري ماذا سأفعل ، هل أترك العمل أم أبقى حتى تذهب زوبعة آنا عن خيال ميلدْريد؟ رأيت عينيها في صباح اليوم حين دخلت آنا المحل قد تحولتا الى كرتين براقتين ، فيهما شعاع ذكرني بعيني العجوز غريتا أيام كنت أتردد على أمي في دار رعاية الشيخوخة . ماوراء هاتيك العينين يا ميلدريد؟! سأجدني أذهب في هذا الوقت من الليل الى بيتها ، أطرق بابها . تناولت تفاحة بيضاء من البراد وأنا أفكر بذلك ، غسلتها بالماء والصابون ، ثم وضعتها أمامي على الطاولة، علي أن آكل شيئا ولو تفاحة ، كانت فكرة الأكل تناوب في حجرة عقلي الخلفية ، بينما تهجم علي آنا كوحش في حالة خصام .
نظرت الى التفاحة ، طبيعة صامتة. على الطاولة .
غداً عيونها منتفخة، تدخل المحل، وجهها مقلوبا: مالذي أقض مضجعك يا ميلدريد؟
مالذي ستقوله لي؟ لكن شعرت بأنني إنما أضيع الوقت، فما بالي ألبس وألبس ما يجري معي في العمل .. علي أن اذهب الى الفراش .. وغدا سأقرر ماسأفعله .
لكن من أين جاءتنا آنا اليابانية ، دخلت المحل تلبس فستانا اسود من دون أكمام ، قبة الصدر مفتوحة وخصل من شعرها الأسود يتغلغل في ثناياها ، جسدها نحيل ابيض ، لها روح سمكة .. ماذا يمكن أن أقول عنها أيضا؟ تبتسم طوال الوقت ، ابتسامة خبيثة بطبيعة الحال ، حتى تحقق غرضها ، وتتكلم طوال الوقت بمرح وبطرب أحيانا ، فيظن المرء أنه أمام دله لم تعرف بؤس الحياة وقسوتها . طوال عملي معها لم تذكر لي أو تلمح عن آنا ، حكت لي كل شيء عن حياتها مع زوجها بيتر . القصة : كانت في سن السابعة عشرة، في المدرسة ( العليا ) الثانوية، من دنيفر كولورادو، اجتمع ان ذهبت في مساء سبت الى صديقتها جودي لحفلة عيد ميلادها ، وكان بيتر احد الضيوف، كان بإجازة من سلاح بحرية سان انطونيو، وفي ذلك المساء تعلقت به وتعلق بها .. ورفض أبوها رحيلها معه من دون زواج .. وكان ان أمضى مدته في سلاح البحرية ثم عاد الى موطنه كي يتزوج من ميلدريد . ثم حكايات وحكايات طولها خمسين عاما ، لم أصادف فيها آنا اليابانية . اعرف تفاصيل حياتها بعد رحيل زوجها، يوما بيوم، ماذا تأكل وتشرب، ماذا تشاهد وماذا تقرأ، متى تنام … أعرف، لكنني لم أر فيها تلك الفتاة التي نزلت عليّ أنا بالتحديد مثل صاعقة .
آنا فعلت كذا وآنا تفعل كذا. وحين تمر بجنبها تحسس يدها برقبة آنا ثم تداعب جديلتها، مثل أم، اليوم الأول كانت مثل أم ثم تحولت بعد ذلك الى عاشقة ، كنت أرى عينيها تضحك. وتعلق آنا كي تبعد الشكوك: أعرف كم تحبينني يا ميلدريد. وتلتفت نحوي تقول بأنها تحب ابنتها فيّ .
علي أن أنام إذن! تقلبت قليلا في الفراش .. فتذكرت وحدة ميلدريد. حين يكون المرء وحيدا .. وحشة ليل .. ضمور .. عليه أن يتذكر وحدة ميلدريد . أظن أنها غير نائمة في هذه اللحظة، ولو كان دخول آنا عليها قد غير حياتها قليلا فجعل فيها ..أحلام ومستقبل ...وبعـض أمل .. أمل في ماذا! لا أظن أن عجائزا من دون أزواج ولا أبناء سيكون لديهم أمل ، لكن الانسان الذي لا يملك أي أمل فهو إنسان ميت لا يستطيع النوم ، يتقلب في فراشه الى أن يأتي الصباح .. هذا إذا كان هناك ثمة صباح! كما كان هناك مساء في حي سبرينغ برانش حين تلفنت لي تقول بأنها ستغادر غرفتها الى المشفى ، بربارا حبيبتي لا تتصلي بي الى هنا ، اتصلي الى مشفى كولومبيا فأنا ساكون هناك . هذه أول مرة .. اسمع أمي تقول لي حبيبتي ! كم المرض أحيانا يجعل من المرء انسانا جميلا.
والآن هل سأنام؟ كيف سيأتي النوم؟!
علي أن أترك العمل ، سأقول لها ذلك ، فالمحل لا يتسع لكلنا ، يستطيع شخص واحد تسيير العمل فيه .. وأن في المدة الأخيرة قد قلّ طلب الزبائن ، وإن قارنتِ عمل هذه السنة مع عمل السنة الفائتة فسيتبين لكِ مدى الانحسار الذي وقعنا فيه …لذا سأترك العمل حتى إن طلبتِ مني البقاء فيه الى حين عودتكِ من رحلة سياحة مثلا ..الى كلورادو أو الى ايرلنده .. ستعبرين المحيط اليها بحجة أنك تريدي التعرف الى أصول أجدادك الذين هاجروا الى الولايات . كانت الأراضي قليلة والناس كثر وكنا نسمع أن هناك في بلاد كولومبس امتدادا لا تحده الشمس ، فتركنا ايرلندا لهذا السبب .
في الصباح سألتها دون أن انظر الى وجهها: كم من الوقت ستقضين هناك إذن يا ميلدريد؟ فضمت صديقتها أو ابنتها اليابانية آنا قائلة : نحو عشرة أيام في كولورادو وعشرة أيام في أيرلندة. وقالت ميلدريد منتعشة بأن آنا ستنام عندها الليلة كي تجهزا معا حاجات السفر ..
هل علي أن أسافر الى ألمانية للتعرف بأصول أمي والى ايرلندا للتعرف بأصول أبي؟ كان علي أن أسألها بنزق وغضب: ماذا عني أنا ..إذن .. ؟
نظرت قبل أن تسافر الى وجهها: لقد تركت تفاحة بلون ابيض لنحو أيام على هذه الطاولة ، فتحولت هشة كأنها مطبوخة ما أن تضع يدك عليها حتى تنهرس بين أصابعك ، هكذا أمسى وجهها ، مستديرا هشا لا ملامح فيه . لم تتقلب في فراشها هذه المرة كي تتذكر زوجها بيتر، فهي لم تكن وحيدة . لا اعرف مالذي خيّل الي أمر التفاحة ، فوجهها المستدير الصغير، كان مثل تفاحة ...
ليست تفاحة أمنا حواء التي أنزلتنا ولا تفاحة نيوتن التي طالعتنا .. إنها تفاحة أخرى .
بعد سفرها بقيتُ وحيدة في المحل، كأنني نصف موجودة ، فنصفي الآخر ليس هنا ، كان في مكان آخر . ولم يكن أحد من الزبائن ليدخل ، ظل الباب موصدا علي ، كأنني في عزلة. أنظر الى الخارج، عبر زجاج المحل ، فأرى المارة فوق الرصيف يعبرون دون التفات الى محل الزهور ، كأنه غير موجود، أو أنه مغلق . ربما عن سهو قد تركت لافتة مغلق معلقة على الباب ! لكنني قد أضأت المحل ونقلت بضع سلال فيها زهور جديدة الى الواجهة ، وقد أدرت المذياع خفيفا على موسيقى الكونتري ميوزك ، ثم صنعت قهوة طازجة ، عبقت رائحتها بالمكان ، وكل شيء .. فالمحل ليس مغلقا ، وعلى كل حال فأن المارة الذين يقصدون الدخول سيرونني فيه ، ألبس فستانا من دون أكمام ، ياقته مفتوحة على صدر ناصع عليه خصل من شعري ... المسألة إذن ليست مسألة مغلق أو مفتوح ، إنها حالة السنة ، ركود ، فلا أحد يريد شراء زهور وورود .
والزهور بعد حين ستموت في أصصها ، أراها الآن ميتة ، فيصيبني حزن ، حزن لم ترده ميلدريد، لذلك خططت بالذهاب رحلة سياحية . وإن عشرين يوما لا تكفي .. لاتكفي لها كي تدير ظهرها عني. لعلها فكرت بأنها ستعود على عهد جديد ، هذا في خيالها فقط ، عهد زهور وورود كما في قصص الروايات ورمانسيات العهود الغابرة .
أراها الآن تعود وحيدة ، فآنا بالتأكيد قد تفرقت وتلاشت مثل سحابة صيف شرقي ، أراها تعود وحيدة مع خيبة أمل وأمراض : سكر وكوليسترول وضغط .. ستعود من رحلتها محطمة من دون آنا ، فهي قد تركتها منذ يومها الأول ، وحيدة مع جسدها العجوز ، دمله في الساق اليمنى وفتق في المريء يمنع مرور الطعام … ستعود الى المكان وهو في حال ركود ، لا أحد يفتح الباب ليدخل .. لا احد يلتفت الى واجهة المحل خلفه سلال الورد .. الزهور في أوانيها تنتظر حتى يصيبها ضجر وملل .. لا أحد .. وهي ستنقلب ليل .. في سريرها يقض مضجعها عيونها منتفخة . تتلف الزهور القديمة وتسقي الزهور الجديدة في واجهة المحل أصصاً .. من دون أحد .. فلا ينفتح الباب ولا يمر مارة الرصيف .




#حسين_سليمان-_هيوستن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة ذات الوجه الأبيض
- حب إيــه بعـــد ثلاثــين عـامـا
- الجنِِــة جيدة- قصة مكتوبة على حائط مهمل
- طالعة من بيت -أبوها-
- حبي لها كان كاذبا
- ما حال القصيدة إن انقطعت الكهرباء
- تترك قلبها على ظهر حصان يركض
- لعبة ورق
- تعبر من أمامه راكضة وهـي تخفق كطير( تمهــيد للقصــة – حرف ال ...
- يصل صوتها عبر المحمول... من القاهرة
- صحراء مثل الجنة
- مقالة في الشعر العربي المعاصر- منذر المصري


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليمان- هيوستن - المرأة ذات الوجه الأبيض- 2