خَبَرٌ صغير!

جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3749 - 2012 / 6 / 5 - 13:46
المحور: الطب , والعلوم
    

إنَّها "المَجَرَّة" الأبعد في الكون، أو، إذا ما شِئْتَ، الأبعد عن كوكب الأرض؛ وقد رَصَدَها (رآها، اكتشفها، عَثَرَ عليها) عُلُماء من اليابان؛ وهي تَبْعُد عَنَّا نحو 13 بليون (أيْ 13000 مليون) سنة ضوئية (والشمس تَبْعُد عَنَّا نحو 8 دقائق ضوئية، أيْ نحو 150 مليون كم، عِلْماً أنَّ الضوء يقطع في الثانية الواحدة مسافة 300 ألف كم تقريباً).

والأهمية الكوزمولوجية لهذا الاكتشاف (الياباني) إنَّما تُسْتَمَد من صِلَتِه بـ "عُمْر الكون (الافتراضي)"، فَكَوْننا "الشَّاب" الآن (وما أدراك ما "الآن") عُمْرُه 13.7 بليون سنة تقريباً، أيْ نشأ وَوُلِد (مِنْ رَحْم "انفجار عظيم" Big Bang) قبل نحو 13.7 بليون سنة (مِنْ كتابة هذا المقال).

و"المَجَرَّة" إنَّما هي "قبيلة (كبيرة)" من النجوم (أو الشموس). إنَّها تَضُمُّ بلايين النجوم. وليس من "مَجَرَّة" تسير وحدها في الفضاء الكوني الشاسع؛ فكل مَجَرَّة (ومَجَرَّتنا "درب التبَّانة" أيضاً) إنَّما هي جُزْءٌ من كُلٍّ، وفَرْدٌ من جماعة؛ وهذا "الكُلُّ (أو "الجماعة")" يسمَّى "العنقود (عنقود من المَجَرَّات)".

وهذا "العنقود" لكَ أنْ تتصوَّره على هيئة "جزيرة (صغيرة") مِنْ "جُزُرٍ" لا عدَّ لها، ولا حَصْر، في "بَحْرٍ (واسعٍ، يتَّسِع في استمرار)"، هو "الفضاء (الكوني)"، أيْ الفضاء بين "عناقيد المَجَرَّات".

وإذا كانت "المَجَرَّة (أيْ كلُّ مَجَرَّة)" تتحرَّك، أو تَنْتَقِل، في الفضاء الداخلي لـ "العنقود" الذي إليه تنتمي، فإنَّ "العنقود" نفسه لا يتحرَّك، أو يَنْتَقِل، في الفضاء الكوني؛ وهذا الفضاء هو الذي يتمدَّد، ويزداد تمدُّداً، في استمرار؛ فيتحرَّك "العنقود"، ويَنْتَقِل، من ثمَّ، مع الفضاء (وليس في الفضاء).

و"المَجَرَّة الأبعد" التي رَصَدَها علماء يابانيون ينبغي لها أنْ تكون جزءاً من "عنقود (من المَجَرَّات)" هو الأبعد عن كوكب الأرض، على ما تَبَيَّن لنا حتى الآن؛ ولو كان في هذه "المَجَرَّة الأبعد" علماء لاكتشفوا أنَّ المَجَرَّة الأبعد في الكون هي مَجَرَّة "درب التبَّانة" التي إليها ينتمي نجمنا (الشمس) مع كوكبنا الأرضي؛ فإنَّ كل مَجَرَّة تَحْسَب نفسها "النقطة الثابتة" في الكون، والتي عنها تَبْتَعِد وترتدُّ سائر مجرَّات الكون (أو في عبارة كوزمولوجية أدق "سائر عناقيد الكون").

لقد رَصَدوا واكتشفوا ورأوا أخيراً "المَجَرَّة الأبعد (عَنَّا)"؛ وهذا إنَّما يعني، ويجب أنْ يعني، أنَّهم عثروا على "المَجَرَّة الأقدم (وجوداً في الكون)"، و"الأسرع (من غيرها) في الابتعاد والارتداد عَنَّا"؛ فإنَّ "الأبعد"، في الكون، هو نفسه، "الأقدم"، و"الأسرع". و"الأبعد"، في الكون، يجب أنْ يُفْهَم على أنَّه "الأبعد في المكان"، و"الأبعد (أيضاً) في الزمان"؛ فكلَّما نَظَرْتَ إلى "الأبعد (في الكون)" رأيْتَ "الماضي الأبعد عن حاضرنا الأرضي".

ويا له من "اكتشاف عظيم"، عُبِّر عنه، ولا يمكن إلاَّ أنْ يُعَبَّر عنه، بقولٍ "سخيف المعنى، فاقده"، هو قولهم "لقد رأيْنا المجرَّة الأبعد (في الكون)"!

إنَّهم لم يروا، ولن يروا أبداً، تلك "المَجَرَّة"؛ فَهُمْ إنَّما رأوا "صورة قديمة لها"؛ وهذه "الصورة" التي رأيْناها إذ وَصَلَت إلينا الآن، بعد رحلة فضائية طويلة، قد "الْتُقِطَت" قبل نحو 13 بليون سنة؛ وإذا كان في هذا "الخَبَر الكوني العظيم" من "معلومة لا ريب فيها (ويُعْتَدُّ بها)"، فإنَّ هذه "المعلومة"، التي حَمَلَتْها إلينا "الصورة"، هي "لقد قَطَعَت الصورة فعلاً مسافة 13 بليون سنة ضوئية".

هل تريد أنْ تَسْتَنْتِج من هذه "المعلومة الصحيحة" استنتاجاً خاطئاً؟

إذا أردتَّ ذلك فما عليكَ إلاَّ أنْ تقول (مُسْتَنْتِجاً) إنَّ هذه المَجَرَّة تَبْعُد "الآن" عن الأرض 13 بليون سنة ضوئية!

إنَّه استنتاج خاطئ؛ لأنَّ "الصورة" تُخْبِرُك فحسب أنَّها قد "الْتُقِطَت" قبل 13 بليون سنة، واجتازت (فعلاً) في رحلتها إلينا مسافة 13 بليون سنة ضوئية؛ لكنَّ هذه المَجَرَّة، وإنْ افْتَرَضْنا أنَّها ما زالت على قَيْد الحياة، لا تَبْعُد عَنَّا "الآن" 13 بليون سنة ضوئية؛ وإنَّما (مثلاً، أو افْتِراضاً) 40 بليون سنة ضوئية!

تخيَّل أنَّ العلماء اليابانيين (أو العرب) قرَّروا الآن أنْ يسافروا إلى هذه المجرَّة على متن مركبة فضائية تسير (على استحالة هذا الأمر) بسرعة الضوء، أيْ بسرعة 300 كم/ث؛ فمتى يَصِلون إليها؟

في الإجابة الخاطئة كوزمولوجياً، والخاطئة، أيضاً، من وجهة نظر نظرية "النسبية" لآينشتاين، نقول: يَصِلون إليها بعد 13 بليون سنة.

أمَّا في الإجابة الصحيحة كوزمولوجياً، والصحيحة، أيضاً، من وجهة نظر نظرية "النسبية" لآينشتاين، فنقول: إنَّهم يَصِلون (أوَّلاً) إلى الموضع الذي كانت فيه تلك المَجَرَّة، لدى "التقاط" الصورة لها، بَعْد (مثلاً، وافْتِراضاً) دقيقة واحدة فحسب من انطلاق مركبتهم، وبحسب ساعتهم هُمْ؛ ثمَّ يَصِلون إلى المجرَّة نفسها (إذا ما ظلَّت على قَيْد الحياة) بعد (مثلاً، وافْتِراضاً) دقيقتين اثنتين من انطلاق مركبتهم، وبحسب ساعتهم هُمْ.

لكن ما الفائدة من هذه الرحلة إذا ما عادوا إلى كوكب الأرض بعد أربع دقائق (بحسب ساعتهم هُم) استغرقتها رحلتهم، ذهاباً وإياباً، لِيَجِدوا (مثلاً، وافْتِراضاً) أنَّ 60 بليون سنة قد مَرَّت على كوكب الأرض؛ فَعَن أيِّ غزو للفضاء يتحدَّثون؟!

#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات